إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحج [14]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبتدئ وقت الوقوف بمزدلفة بعد غروب شمس يوم عرفة، وينتهي قبيل طلوع شمس يوم النحر، ويجوز للضعفة ومن في حكمهم الدفع قبل الفجر، فيصلي الحاج الفجر أول وقتها في مزدلفة، ثم يأتي المشعر الحرام ويدعو ويذكر الله تعالى، ثم يدفع إلى منى ويستحب له إذا بلغ وادي محسر أن يسرع، ويبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات، ويكبر الله مع كل حصاة.
    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

    مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس عمدة الفقه، ضيفنا في هذا الدرس وفي كل درس من هذه الدروس لهذا الفصل هو فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي ، عضو هيئة التدريس للفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

    يسرني باسم الجميع أن أرحب بضيفنا الكريم، حياكم الله يا شيخ عبد الله !

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

    المقدم: الترحيب موصول لكم أيها الأحبة سواء تابعتمونا من خلف شاشاتكم، أو على موقع الأكاديمية الذي نسعد من خلاله باستقبال مداخلاتكم واتصالاتكم في جميع فترة الحلقة، ولا يشترط أن يكون بعد الفاصل، وإنما نسعد باستقبال مداخلاتكم في الحلقة كاملة، وعلى بركة الله نستهل درسنا، ونبدأه إذا أذنتم لي يا شيخ عبد الله ! في الدرس الماضي وقفنا على مسألة: متى ينتهي الوقوف بمزدلفة؟

    وقت ابتداء وانتهاء الوقوف بمزدلفة

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    وصلنا إلى متى ينتهي وقت الوقوف بمزدلفة؟

    وقت الوقوف بمزدلفة يبدأ من بعد وقوف عرفة، كما ذكر ذلك أهل العلم، وقد ذكره ابن تيمية رحمه الله فقال: وفي النص في الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على أن الوقوف بمزدلفة لا يعد إلا بعد الوقوف بعرفة، فمتى وقف بعرفة ثم وقف بمزدلفة أجزأه ذلك.

    وقولنا: بعد الوقوف بعرفة؛ لأنه لو وقف بعرفة أول النهار، ثم خرج من عرفة قبل غروب الشمس، ثم وقف بمزدلفة أجزأه ذلك عند بعض أهل العلم؛ لأنه وقف بمزدلفة، وقال بعض أهل العلم: إنما يبدأ الوقوف بمزدلفة بعد غروب شمس يوم عرفة، وهذا القول فيه قوة؛ لأنها سميت ليلة جمع، ولا تسمى ليلة إلا من بعد غروب الشمس، وهذا أقوى والله أعلم.

    وعلى هذا فوقت الوقوف بمزدلفة يبدأ من بعد غروب الشمس بعد الوقوف بعرفة.

    وأما متى ينتهي؟ فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الوقوف بمزدلفة ينتهي بطلوع فجر يوم النحر، وهذا القول فيه نظر، وأما القول الثاني: وهو قول أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أن وقت الوقوف بمزدلفة ينتهي قبيل طلوع الشمس من صبيحة يوم العيد، يعني بعد الفجر فمن جاء بعد الفجر فإنه يدرك الوقوف بمزدلفة قبل طلوع الشمس.

    والأدلة على هذا القول كثيرة جداً، أولى هذه الأدلة: ما رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي من حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه: ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر فقال: يا رسول الله! جئت من طي، أكللت مطيتي وأتعبت نفسي، فوالله ما تركت من جبل إلى وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه )، وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فقد تم حجه وقضى تفثه )، ولفظ التمام يدل على عدم الحاجة إلى جبره بدم أو نحوه، مما يدل على أن عروة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر، ولهذا قال: (يا رسول الله! جئت من طي)، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا نص في أن مزدلفة تدرك بعد طلوع الفجر كما تدرك قبل الفجر؛ لأن هذا السائل إنما وافاها بعد طلوع الفجر؛ وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن حجه تام وانتهى حجه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، إذ لو كان عليه شيء لأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا يصح أن يقال: إن الرجل ربما جاء قبل الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع )، ومن المعلوم أن إدراك الصلاة يكون بعد طلوع الفجر، هذا هو الدليل الأول.

    الدليل الثاني: ما رواه سعيد بن منصور في سننه من طريق إبراهيم النخعي عن الأسود أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدما أفاض بعرفات، فقال: يا أمير المؤمنين! الآن جئت، قال: أما كنت قد وقفت بعرفة قبل ذلك؟ قال: لا، قال: فاذهب فقف بعرفة هنيهة، ثم أفض حتى تقف معنا، فلما أصبح عمر رضي الله عنه قال: أقد جاء السائل؟ قالوا: لا، وفي رواية: أقد جاء الأعرابي؟ قالوا: لا، ثم ذكر الله، ثم قال: أقد جاء الأعرابي؟ قالوا: نعم، قال: فلننفر إذاً، وهذا الحديث رواه سعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال: واحتج به الإمام أحمد على أن الوقوف بمزدلفة ينتهي قبيل طلوع الشمس، ومجيء هذا الرجل إلى عمر حينما سأله وهو بمزدلفة لا يعد شيئاً، لأن المزدلفة قلنا: إنها تعتبر بعد الوقوف بعرفة، وهو لم يقف بعرفة.

    الدليل الثالث على أن الوقوف بمزدلفة ينتهي قبيل طلوع الشمس: هو ما رواه بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ناس فقالوا: ما الحج؟ قال: الحج عرفة )، أناس سألوا عن الحج، قال: (الحج عرفة، فمن جاء عرفة قبل طلوع الفجر فقد تم حجه )، ومن المعلوم أن العبادات المتعاقبة لا يدخل وقت بعضها على بعض، بل يكون وقت أحدها بعد وقت الأخرى كالصلوات، كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمة الله عليه، والأدلة في هذا كثيرة جداً، وقد أسهب في هذا الأمر أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم في شرحه عمدة الفقه، وهو من أفضل الشروح، إلا أنه لا يوجد إلا العبادات فقط، هذه مسألة.

    حكم خروج الضعفة قبل الفجر من مزدلفة لرمي الجمار

    الشيخ: المسألة الثانية: هو حكم تقديم الضعفة من النساء والصبيان وكبار السن في هذه الليلة.

    ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يعلم خلافاً عند أهل العلم في جواز تقديم الضعفة قبل الفجر ليلة مزدلفة، والأدلة على هذا كثيرة جداً، منها ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمع فدفعوا قبله وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، -قال القاسم: والثبطة: الثقيلة- قالت عائشة: فحبسنا حتى خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدفع قبل دفعه أحب إلي من مفروح به )، وهذا الحديث متفق عليه.

    والحديث الآخر: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم حبيبة عن سالم بن شوال قالت أم حبيبة : ( كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نخرج ليلة جمع بغلس إلى منى )، والحديث الآخر حديث ابن عمر كما في الصحيحين من حديث سالم عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام، فيذكرون الله ما بدا لهم قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وقال ابن عمر : أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومن الأدلة ما جاء في الصحيحين من حديث أسماء : ( أنها أتت مزدلفة فصلت ساعة، ثم قالت: لغلامها عبد الله يا غلام! هل غاب القمر؟ قال: لا، ثم صلت ساعة، فقالت: هل غاب القمر؟ قال: لا، ثم صلت ساعة، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قال: نعم، قالت: فارتحل بنا، قال: فارتحلنا حتى أتينا منى فرمينا الجمرة، ثم أتت بيتها فقلت: أي هنتاه! لقد غلسنا، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن ).

    والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً، ومنها حديث ابن عباس في الصحيحين، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( كنت في من قدم النبي صلى الله عليه وسلم بضعفة أهله بليل )، رواه مسلم ، قال: ( بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس ليلة جمع بثقل النبي صلى الله عليه وسلم )، وهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على جواز تقديم الضعفة ومن في حكمهم من الأقوياء؛ لأن ابن عباس قال: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أغيلمة عبد المطلب ) وكانوا شباناً أقوياء.

    والمقصود بمن هم في حكم الضعفة: مثل الأقوياء الذين معهم ضعفة فيذهبون معهم؛ لأنهم يدخلون معهم تبعاً.

    وقت خروج الضعفة من مزدلفة

    الشيخ: مسألة مهمة وهي متى يخرجون؟ مر معنا أن الحنابلة والشافعية يجوزون الخروج بعد منتصف الليل، وقلنا: إنهم عللوا ذلك بمنتصف الليل؛ لأنه جاء في رواية ابن عباس : (بليل) قالوا: ويصدق عليه أن يأخذ أكثر الليل، ومن فعل معظم الليل فإنه يصدق عليه أنه فعل الليل، هذا دليلهم، وترى أن هذا الدليل فيه ما فيه؛ لأن كلمة: (بليل) من حديث ابن عباس فسرت كما في صحيح مسلم : (بغلس)، والغلس كما يقول ابن منظور في كتابه العظيم لسان العرب: هو آخر الليل قبيل الفجر، وقيل: هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر، هذا يسمى: التغليس، وهذا أمر، والصحيح: أن التغليس يطلق على ثلث الليل الآخر إلى بعد الفجر بقليل، ودليل ذلك كما في الصحيحين من حديث عائشة ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر بغلس )، فلو كان إلى طلوع الفجر لكان صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الفجر قبل وقتها وهذا ليس بصحيح، والصحيح أن الغلس يطلق على ما قبل الفجر، وهو عند ثلث الليل الآخر، ويمتد إلى قبل الإسفار.

    إذاً: قولهم: منتصف الليل: فيه نظر.

    والقول الثاني: هو عند مغيب القمر، ومغيب القمر يصدق عليه أنه عند ثلث الليل الآخر، ويصدق عليه أنه عند التغليس، وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك أن الوقت قبل الفجر قصير، هو فعل ابن عمر حينما كان يقدم ضعفة أهله فمنهم من يقدموا منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فلو كان بمنتصف الليل فإن بين منتصف الليل وبين الفجر أربع ساعات إلا قليلاً وقت طويل، فهم يستطيعون أن يذهبوا إلى منى ويجلسوا فيها، ويذهبوا إلى البيت فيرمون قبل الفجر ثم يذهبون إلى البيت الحرام، بعض أهل العلم كـأبي يعلى من الحنابلة قال: بمنتصف الليل؛ لما روى الإمام أحمد وغيره و الدارقطني أن عائشة قالت: (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تدفع قبل الناس فرمت الجمرة، ثم أفاضت إلى البيت، ثم صلت الفجر في البيت)، يعني: البيت الحرام، قالوا: فهذه المدة وهي بين مزدلفة وبين منى سبعة أميال كما أشاروا إلى ذلك، والميل أكثر من الكيلو، يعني: عشرة كيلو أو أحد عشر كيلو، قالوا: ففي خروج أم سلمة من مزدلفة إلى منى، ثم خروجها من منى إلى البيت وصلاتها صلاة الفجر فيها، دليل على أنه قبل الفجر بوقت طويل، وأرى والله أعلم أن هذا القول ضعيف؛ لأن هذا الحديث أولاً ضعفه الإمام أحمد ، وقال: وفي بعض الروايات: ( حتى توافيه إلى البيت )، قال: ما هذا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الفجر في مزدلفة فكيف توافيه؟ قال: الأثرم فذهب رجل ممن سأل أحمد فأنكر الإمام أحمد هذا الحديث، فذهب الرجل إلى يحيى بن سعيد وهو من المحدثين الأثبات، فقال: إن الإمام أحمد يضعف هذا الحديث، فقال: لم؟ قال: لأنه يقول: كيف توافيه إلى البيت، قال يحيى بن سعيد : فإن أبا معاوية حدثناه عن الأعمش : ( حتى توافي البيت ) وليس (توافيه) قال: فذهبت إلى أحمد فأخبرته فقال: ما أشد يحيى بن سعيد في تثبته!

    انظر إلى الأئمة رحمهم الله، الإمام أحمد لم يتعصب إلى قوله، فعندما قال يحيى بن سعيد : إنما الذي حفظته من طريق أبي معاوية عن الأعمش ( حتى توافي البيت ) وليس (توافيه) وقال: يحيى بن سعيد للرجل: اذهب إلى عبد الرحمن بن مهدي فيحدثك، فحدثه عبد الرحمن بن مهدي بمثل ما ذكر يحيى بن سعيد ، فذهب الراوي إلى أحمد فأخبره بهذه القصة فقال: ما أشد تثبت يحيى بن سعيد ! وهذا دليل على أن الإنسان وطالب العلم يجب عليه أن يرجع إلى الحق، ولا يتعصب لقوله، والإمام أحمد رجع إلى هذا، وهذا يدل على أن الإمام أحمد ضعفه ثم رجع عن تضعيفه كما في بعض هذه الروايات.

    لم أذكر قول الحنفية ولا قول المالكية، متى وقت خروج الضعفة؛ والسبب في ذلك أن الحنفية لا يرون وجوب الوقوف لأهل الضعفة؛ لأنهم يرون أن وقوف المزدلفة يبدأ من بعد الفجر إلى قبيل طلوع الشمس، ولهذا قالوا: يجوز للضعفة ألا يأتوا إلى مزدلفة أصلا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم.

    قالوا: والوقوف الواجب يبدأ من بعد الفجر إلى قبيل طلوع الشمس، هذا قول الحنفية، ولهذا نقول: لو خرجوا على مذهب أبي حنيفة -الضعفة ومن في حكمهم- قبل منتصف الليل جاز لهم ذلك.

    ولم نذكر أيضاً قول المالكية؛ لأن المالكية يقولون: الوقوف الواجب في مزدلفة هو قدر زمن حط الرحال، فإذا وقفوا بمقدار زمن حط الرحال أو صلوا المغرب والعشاء جاز لهم أن يخرجوا قبل منتصف الليل، ولكن الأفضل أن يخرجوا كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر بعض نسائه أن يخرجن بعد مغيب القمر، ولهذا أرى أن السنة لمن كان من الضعفة أو من في حكمهم ألا يخرجوا من مزدلفة إلا بعد مغيب القمر، ولو خرجوا قبل منتصف الليل فقد أساءوا ولا شيء عليهم إن شاء الله.

    هذا هو الذي ذكرناه في مسألة الوقوف في مزدلفة عند قوله: (ثم يبيت فيها).

    وقت صلاة الفجر ليلة مزدلفة

    الشيخ: قوله: [ثم يصلي الفجر بغلس]، السنة للحاج في هذه الليلة أن يبقى إلى أن يسفر جداً ثم يخرج، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم، فيصلي الفجر بغلس، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه قال: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة قبل ميقاتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء في جمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها )، ومعنى (قبل ميقاتها) أي: قبل وقتها المعتاد.

    أي: في أول الوقت، ولهذا جاء في صحيح البخاري أن ابن مسعود صلى الفجر في جمع وقائل يقول: قد طلع الفجر, وقائل يقول: لم يطلع الفجر، وهذا يدل على تأكيد التبكير في الصلاة.

    ولكن نلاحظ بعض الحجاج هداهم الله يخطئون كثيراً، من ذلك أنهم حينما يستيقظون من النوم تجدهم يصلون الفجر قبل وقتها، يعني: قبل أن يدخل وقت الفجر، وهذا خطأ كبير، فيجب على الحجاج أن يتأكدوا من دخول وقت الفجر فيصلوا عند ذلك.

    ومن الأخطاء أيضاً أنهم لا يبالون في استقبال القبلة، فتجدهم يصلون كيفما اتفق، بل إنك تجد بعض الحجاج حينما يرى جماعة اثنان أو أكثر يتجهون إلى جهة فإنهم يقلدونهم ولا يرعوون ولا يهتمون ولا يجتهدون، وهذا خطأ كبير، والحمد لله أن ولاة الأمر قد وضعوا مراسيم تبين اتجاه القبلة، في كل منطقة من مناطق مزدلفة، فعلى هذا يجب على الحجاج أن يراعوا هذا الأمر حتى لا تكون صلاتهم باطلة، ولم يجتهدوا الاجتهاد الواجب الذي يكفيهم.

    تعريف المشعر الحرام والوقوف والدعاء عنده

    الشيخ: قول المؤلف: [ويأتي المشعر الحرام، فيقف عنده ] والمشعر الحرام هو جبل صغير بني فيه المسجد، وهو الذي يسمى جبل قزح، وقد ذكر الترمذي رحمه الله بسند جيد من طريق عبد الرحمن بن حارث بن عياش بن أبي ربيعة قال: حدثنا زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصبح أتى قزح فوقف عليه وقال: هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف )، وهذا الحديث قال الترمذي عنه: حديث حسن صحيح لا نعرفه من حديث علي إلا من طريق عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة وهو إسناد جيد، فهذا يدل على أن المشعر الحرام هنا الصواب إطلاقه على مزدلفة، وهو الذي ذكره الله في الكتاب بقوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، ولكن يطلق قزح هذا على المشعر الحرام من باب ذكر الخاص بحكم لا يخالف العام، وسمي المشعر الحرام؛ لأنه من علامات الحج.

    المؤلف يقول: (ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده)، ولا يلزم أن يقف عنده بل يقف في كل مزدلفة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وقفت هاهنا وجمع كلها موقف )، المؤلف يا شيخ معمر ! يقول: (فيقف عنده ويدعو)، وهذا الدعاء يكون بعد الفجر قبل الإسفار، فيذكر الله سبحانه وتعالى، ومن الملاحظ أن كثيراً من الحجاج بعد صلاة الفجر لا يذكرون الله بل ينشغلون بالتهيؤ، والأولى أنهم يهيئون أمورهم قبل الفجر أو في الليل، فإذا صلى الإنسان الفجر فإنه يدعو؛ لأن هذا الدعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص عليه، بأبي هو وأمي، وكان من دعائه أنه يستقبل القبلة ويحمد الله ويدعوه ويكبر ويهلل، هذا الذي رواه جابر ، قال: ( ثم ركب ناقته القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، وحمد الله وهلله وكبره ووحده ).

    أما المؤلف هنا فيقول: (ويكون من دعائه، اللهم كما وقفتنا فيه، وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واعفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]) الآيتين.

    أولاً: نقول: هذا الدعاء لم يرد، الصحيح أن الذكر في الآية على سبيل الإطلاق فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198] دليل على التوسعة، فيذكر الإنسان ما بدا له من خير الدنيا والآخرة، لكنه لا ينبغي له أن يقتصر في دعائه على أمور الدنيا، كما قال الله تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:200-201]، فليدعو الإنسان بخير الدنيا والآخرة.

    أما قوله: (وقولك الحق فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ [البقرة:198] الآيتين)، فذكر الآيتين هنا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، ولا أعلم حديثاً يستحب ذكر الآيتين في مثل هذا الموطن، وعلى هذا فالأقرب والله أعلم أنه لا يذكر هذه الآيتين، نعم يذكرها ليس على سبيل الاستحباب إنما من باب الذكر، لكن تقييد ذلك في هذا الموطن فأرى أن هذا لا يستحب، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يذكرن ذلك، وقد ذكر جابر أنه وقف وحمد الله ووحده وهلله وكبر، وذكر علي بن أبي طالب أنه وقف وقال: ( هذا قزح وجمع كلها موقف )، (هذا قزح وهذا الموقف وجمع كلها موقف)، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أمر واضح.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531029

    عدد مرات الحفظ

    777161151