الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم اجعلنا لك شاكرين, لك ذاكرين, لك راهبين أواهين منيبين. اللهم تقبل توباتنا, واغسل حوباتنا, وثبت حجاتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [وعن بيع حاضر لباد].
لم يذكر المؤلف رحمه الله حكم شراء المسلم على شراء أخيه, وكأن البيع يطلق في اللغة على البيع والشراء، والبيع دخل على سبيل الأغلب، كما تقول: الأسودان تقصد بهما التمر والماء, فالحنابلة رحمهم الله يرون أن بيع الرجل على بيع أخيه حكمه كحم شراء الرجل على شراء أخيه.
ومعنى شراء الرجل على شراء أخيه: هو أن يتعاقد المتعاقدان البائع والمشتري على سلعة، ويتراضيان، ولم يبق إلا نقد الثمن فيجيء آخر فيقول: أنا أشتريها بأكثر مما أعطاك بها المشتري.
فهذا حكمه كما سبق معنا، البطلان وهو مذهب الحنابلة, وقلنا: مذهب جمهور الفقهاء هو صحة العقد مع الإثم، وذكرنا القول الثالث وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
القسم الأول: البيع على بيع أخيه والشراء على شراء أخيه هما أن يتفقا على الثمن وعلى السلعة، ويتراضيان ويتفقان على ذلك، ولم يبق إلا نقد الثمن، فيكون هناك بيع لكن إتمامه وآثاره لم تنته؛ لأنهما ما زالا في مجلس العقد.
ويدخل في ذلك كما ذكر ابن تيمية رحمه الله، أنه إذا كان فيه خيار شرط, مثل ما لو اشتريت سلعة، وقلت لي: الخيار ثلاثة أيام ثم ذهبت فجاء شخص إلى البائع وقال: بكم اشتراها عبد الله؟ فقال: بعشرة ريالات, قال: أنا أشتريها بأحد عشر ريال، والوقت فيه خيار شرط، فيأتي البائع فيبطل العقد الذي بيني وبينه، هذا داخل في هذا كما ذكر ابن تيمية .
أما أن يسوم على سوم أخيه فيما جعل السوم فيه مثل المزايدة والحراج فهذا جائز؛ لأن البائع الذي عرض سلعته في السوم لم يرتض أصلاً سوم الرجل الأول أو الثاني حتى يقول: قبلت, أنزل البضاعة, أما السوم على سوم أخيه فهو أن يأتي إلى دكانه فيتراضيان على السعر, ثم يأتي آخر وهو في المجلس، فهذا هو المراد في بيعه على بيع أخيه، والشراء على شراء أخيه.
القسم الأول: إذا كان ثمة مزايدة مثل الحراج فلا بأس أن يزيد؛ واستدلوا على ذلك فيما جاء عند الدارقطني من حديث أنس بن مالك : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم باع حيساً وقدحاً وقال من يزيد ). والحديث ضعيف، وهناك ما هو أصح منه وهو ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم باع لرجل من الأنصار شيئاً من متاعه، فقال: من يشتريه؟ فقام
القسم الثاني: أن يأتي الرجل إلى رحال البائع أو إلى دكانه وهما في المجلس, فيقول: بكم هذه السلعة؟ فيتماكسان ثم يرتضي كل واحد منهما الثمن ولم يبق إلا القبول وإتمام العقد, فيأتي آخر ويقول: أنا أشتريها بأكثر, أو يقول: أنا أبيعها بأقل, هذا هو معنى السوم على سوم أخيه.
قولان عند أهل العلم, ذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله كالحنابلة والشافعية وبعض المالكية إلى أن هذا الحكم باق إلى قيام الساعة.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله وهو رواية عند الحنابلة وقول بعض المالكية أيضاً إلى إن هذا الحكم كان في أول الإسلام حينما كان في المسلمين ضيق وحرج وعنت ومشقة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح مسلم من حديث جابر : ( لا يبع حاضر لباد, دعوا الناس يرزق بعضهم بعضاً ) قالوا: فهذا كان في أول الإسلام, أما اليوم وقد كثرت النعم وأسبغت على الناس فليس ثمة حاجة أصلاً.
والأقرب -والله أعلم- أن الحكم باقٍ متى ما توفرت الدواعي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها هذا الحكم.
وذهب الشافعية إلى أن بيع الحاضر للباد يحرم بشروط، وهي:
الشرط الأول: أن يأتي البادي من القرية ليبيعها، فإن جاء ليخزنها أو ليقتات بها فلا بأس أن يبيع حاضر لباد, فلا بد أن يقصد البيع, فإذا لم يقصد البيع فلا بأس أن يبيع حاضر لباد، وغالباً هذا الشرط غير متوفر إلا في بعض الأزمنة التي كان الناس يأتون إلى البلدة وقد حملوا أمتعتهم ليذهبوا وحتى لا تتعب الغير خاصة إذا حان وقت العصر أو بعده بقليل فيبيعوا السلع بأرخص الأثمان؛ حتى يرحلوا إلى أهليهم، أما في هذا الزمان فلا.
الشرط الثاني: أن يكون جاهلاً بالسعر.
الشرط الثالث: أن يكون بالناس حاجة لهذه السلع، فإذا كان القوت الذي يقدم إلى البلدة ليس بالناس إليه حاجة قالوا: فلا بأس أن يبيع حاضر لباد؛ واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعوا الناس يرزق بعضهم بعضاً )؛ لأنه إذا جاء البادي وطرح بضاعته فجاء الحاضر وقال: أنا أبيعها لك، فسوف يبيع الحاضر ويرفع السعر ويضر بأهل السوق.
وأحياناً البادي يكون بينه وبين بعض الحاضر تعامل فيبيعها له ويدع الآخرين, لكن لو جاء البادي إلى السوق ثم طرح بضاعته، فكل من لقيه وترزق معه باعه قالوا: هذا هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي: ( دعوا الناس يرزق بعضهم بعضاً ).
فإذا كان البادي هو الذي ذهب إلى الحاضر مثل الدلالين، فيقول: أريدك أن تبيعها، قالوا: لا بأس، أما أن يقصد الحاضر البادي فهذا هو الحرام, فربما البادي لا يعرف السعر, فإذا جاء قال: أنا أبيع لك, وربما الناس يغبنونك, فيقول: نعم, قالوا: هذا لا يجوز.
وهذا الشرط مختلف فيه، فذهب البخاري رحمه الله إلى أن الحاضر لا يبيع للبادي، سواء قصد البادي الحاضر أم لم يقصد؛ واستدل بما رواه في صحيحه معلقاً: ( أن رجلاً أتى
وعلى كل فهذه الشروط لا يمكن أن تتوفر بعد أن أصبح العالم كقرية واحدة كما يقولون, وإذا حصل نوع تساهل في بعض الشروط فلا يخلو الشرط الآخر من مخالفته، فيوجد كما كنا نقرأ في التأريخ، وفي أهل نجد وغيرهم، فقد كان الواحد يأتي إلى البلدة يريد أن يبيع السلعة بأرخص الأثمان حتى يرحل إلى أهله في أقصى المدينة فهذا موجود في بعض البلاد الإسلامية الفقيرة، ففي أندونيسيا مثلاً يوجد مثل هذا؛ لأنهم يعيشون عيشة بدائية، فهذا يدل على أنه متى توفرت هذه الشروط يأخذ الحكم، وإن كان الغالب أن تطبيق هذه الشروط الخمسة أو الأربعة في مثل هذا الزمان فيه بعد.
النجش بسكون الجيم، وقد ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش ) متفق عليه من حديث ابن عمر .
والعلماء رحمهم الله حينما يذكرون هذا التعريف للنجش لا يريدون قصر الحكم على زيادة في السلعة من لا يريد شراءها، فإنهم ذكروا صوراً للنجش داخلة في حكم النجش ليست من الزيادة في السلعة ممن لا يريد شراءها.
وأرى أن التعريف الجامع لغالب إن لم يكن كل صور النجش هو أن يقال: النجش هو الإضرار بأحد المتعاقدين على سبيل الخديعة بزيادة في السلعة أو مدحها أو ذمها؛ لئلا تنفق.
قالوا: لو أن الحراج كسد والبضاعة لا تستحق هذه السلعة, فزاد شخص حتى تصل إلى قيمتها ليشتريها الناس ولا يضر بذلك أحداً فهذا لا بأس به, ولا يدخل في النهي، والنهي هو الزيادة في ثمن السلعة بأكثر من قيمتها.
وذهب جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية إلى أن الحكم عام؛ لأن الذي زاد في السلعة حتى لا يضر بالبائع هو قد خدع المشتري، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( دعوا الناس يرزق بعضهم بعضاً ). ويمكن أن ينصح الذي يريد هذه السلعة فيقول: بضاعتك تستاهل أكثر من هذا، لكن لا يضر بالمشتري, وهو قول عمر بن عبد العزيز .
ومن أمثلة ذلك: ما روى ابن حزم رحمه الله في كتابه العظيم المحلى، وذكره أيضاً الحافظ ابن حجر في الفتح أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه أمر عبيد بن مسلم أن يبيع سبياً لأمير المؤمنين عمر من بعض حروبه, فقال عبيد بن مسلم بعدما باع السبي كله قال: إن السوق كاسد, فلولا أني بدأت أزيد في الثمن لم أبعه, والسبي يستحق أكثر, ولكن السوق كاسد، فبدأ عبيد بن مسلم يزيد في السعر حتى تصل إلى قيمتها، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: أتزيد في السلعة وأنت لا تريد شراءها؟! قال: نعم، قال: ابعث منادياً ينادي إن البيع مردود, والنجش لا يحل.
فهذا يدل على أن التغرير أو أن إصلاح شأن البائع ليس بأولى من إصلاح شأن المشتري, ( دعوا الناس يرزق بعضهم بعضاً ) .
وهذا القول أظهر والله أعلم، وهو أولى بالعموم، غير أن ثمة فرقاً بين أن يفتح شيخ الدلالين السعر وهو لا يريد الشراء وأن يدخل في أثناء السوم فيزيد وهو لا يريد الشراء, فيوجد عند المغاربة -والآن يوجد عندنا- من يفتح السوم, فيأتون بشيخ الدلالين أو برجل ثقة ثبت فيقال: يا فلان كم هذه؟ يقول: هذه بأربعين ألفاً, ثم يبدءون يحرجون على أنها من أربعين ألفاً، وهذا يسمونه: فتح السعر.
فبعض العلماء يقول: ليس هذا من النجش، وبعضهم يقول: هو من النجش. والأقرب -والله وأعلم- أن هذا ليس من النجش؛ لأن هذا معروف عند الناس بأنه سوف يفتح السعر.
الصورة الأولى: ذكرها المؤلف رحمه الله بقوله: (أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها)، وهذه واضحة لدى الجميع.
الصورة الثانية قول البائع إذا جاءه مشتر قال: أعطيت بها كذا وكذا، مثل العقاريين أول ما يشتري الأرض يقول: والله! لقد سيمت بكذا، والحقيقة أنها ما سيمت، وربما دلال يقول: فلان سامه بعشرة ملايين، فلو ذهبت إلى فلان قلت له: أنت سمت بعشرة ملايين؟ قال: لا, قال: فلان يقول: إنك سمته بعشرة ملايين، فيقول له: يعني يستحق عشرة ملايين, وفرق بين قول: تستحق عشرة ملايين وبين أن يسومه بهذا الثمن؛ لأن سومها معناه: أنها لو بلغت بهذا السعر فلا مانع أن يشتريه، فالسوم في العقار معناه: أن يذكر سعراً يستحق هذه السلعة أو البضاعة، والثاني يكون له رغبة في شرائها، وإلا فأحياناً يكون هناك مكتب عقاري يشتري الأرض وهو في حقيقته ليس هو المدفوع عنده هناك, ويسمونهم في لغتنا هوامير وهم الذين يزايدون في السلعة, فيأتي المسكين البدائي الذي جمع أموال المساهمين في مكتب يسمونه عقارياً, فيفتح المساهمة ثم يبيعها على المساهمين بأكثر، فيقع في ورطتين: الأولى: أن الأرض أصلاً لا تستحق، والثانية: أنه باعها على مساهمين، وهذا بلا شك من النجش، فإذا حصل مثل ذلك واشترى بناء على سوم فلان أو علان فبان أن فلاناً لم يسمها فله الخيار, كما سوف نذكر الخلاف.
ومن أمثلة ذلك قول بعض الباعة إذا جئت تبايعه فقلت: آخذها بعشرة قال: والله! ما دخلت علي بالسعر هذا، ففي أول الأمر ماذا تفهم؟ تفهم أنه عليه قليل, وهو ربما يوري، أو يقول: والله ما دخلت علي بريالين. وهو يوري، ويعني أنها دخلت بأقل مثلاً، فهذا من النجش، وهو لا يجوز.
الصورة الثالثة: مدح السلعة وإطراؤها بالكذب ليرغب فيها من يريدها، فبعض الناس إذا اشترى مكتباً أو اشترى أرضاً ثم أراد البيع مدح السلعة بالكذب ليرغب فيها، فهذا حرام وهو من النجش، وقد بين حاله فقهاء الإسلام، فـــيونس بن عبيد الله الصدفي كان صاحب بز وقد وضع له غلاماً يبيع له، فبسط صبيحة ذات يوم، فنادى: من يشتري هذا القماش؟ فجاء رجل فقام الغلام فبسطه ونشره, وقال: انظر إلى لينه, انظر إلى جماله, اللهم إني أسألك الجنة! فقط ثلاث كلمات وهي: انظر إلى لينه، انظر إلى جماله، اللهم إني أسألك الجنة! يعني لن تجد إلا في الجنة, كلمات بسيطات، فأدخل يده في الثوب ليشتريه، وكان يونس مشاهداً لما حصل فنادى: يا أيها الرجل! حتى إذا جاء قال: ما شأنك؟ قال: ليس عندنا بيع هذا اليوم, قال: أنا أريدها, قال: أنا صاحب الدكان لا أريد بيعها، ثم عاقب غلامه, وقال: لا تؤكل جسدنا إلا من حلال، وأقفل دكانه سائر يومه عقوبة وتكفيراً للخطأ الذي حصل. فانظر وتأمل كيف كان سلف هذه الأمة يتورعون عن المتشابه.
الصورة الرابعة: أن يذم السلعة ويعيبها حتى يظن البائع أن سلعته وبضاعته لا تستحق؛ لما زوره فيها، وهذا يفعله أهل الحراج حينما يأتي الرجل الذي لا يحسن أن يماكس إلى الحراج أو شيخ الدلالين أو غيره فيبدأ بإظهار عيوبها ويقول: هذه فيها كذا، هذه بها حادث صدام، ويدورون عليه وكأنه حمامة أمام الصقور، فيستسلم وربما باعها قبل الحراج، وهذا لا يجوز.
ومن أمثلة ذلك: أن بعض الناس يذم السلعة، فإذا قال له: فلان اشترى أرضاً، قال: أين؟ وهو يعرف البضاعة ثم يقول: لعلها في حي كذا قال: نعم, قال: أعوذ بالله! والله ما أقول شيء، ما عندي شيء، وهو ما عنده شيء فعلاً، لكن بهذا الأسلوب جعل في قلب المشتري شيئاً عظيماً بحيث ربما يفسخ البيع, وهذا لا يجوز.
القول الأول: ذهب الحنفية والشافعية إلى أن العقد صحيح ونافذ، وليس لمن غُر الخيار؛ لأن العقد تم بشروطه وأركانه, وما حصل فيه من خداع فهو بسبب تقصير المشتري، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناس يرزق بعضهم بعضاً )، فجائز أن يبيع البادي بأقل من سعر السوق فقد كان ذلك من تفريطه وعدم سؤاله, هذا هو قول الحنفية والشافعية.
وعليه: فالذي يحصل من تغرير قولي -مثل الإعلانات- عند الحنفية والشافعية ليس فيه خيار، والدعايات التي في وسائل الإعلام مقروءة كانت أو مسموعة يضعون قطعتين ويضعون عليها شيئاً من الوسخ، ثم يضعون شيئاً من المزيل الجديد فيزيلها بسرعة، ثم الثاني لا يزيله, فيتصور الإنسان أن هذا شيء فعال وفتاك فبمجرد مروره على القطعة يزيل الوسخ بسرعة، فهذا تغرير قوي وهو إثم, لكن العقد تم فكان يلزمك أن تسأل وأن تستفسر.
القول الثاني في المسألة: هو مذهب بعض المالكية وهو رواية عن أحمد نقلها أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال قال: إن هذا العقد باطل ولا يصح؛ لورود النهي عن النجش وتحريمه، والنهي يقتضي الفساد.
وهذا بلا شك فيه بعد حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم صحح عقوداً فيها تغرير ولم يبطلها مثل المصراة، ومثل تلقي الركبان وغيرهما, فالقول بالبطلان فيه بعد, نعم هو حرام غير أن التحريم لا يقتضي الفساد, وهذا يدلك على أن النهي إذا كان عائداً على ماهية العقد أو على وصفه الذي لا ينفك فإنه يدل على البطلان، وإذا كان عائداً على غير ماهية العقد بل على وصف بأحد المتعاقدين أو غيرهما فإنه لا يدل على البطلان.
وهذا يقودنا إلى ذكر القول الثالث, وهو مذهب الحنابلة والمالكية وهو قول ابن حزم رحمة الله تعالى على الجميع واختيار أبو العباس بن تيمية إلى أن العقد صحيح ونافذ ولكنه غير لازم، فللمغر أن يرجع عنه وله الخيار؛ واستدلوا على هذا الأمر بما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تلقوا الركبان، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار )، قالوا: إن المتلقى غرر وباع سلعته بأقل من سعر السوق لأجل هذا التغرير، ولم يبطل النبي صلى الله عليه وسلم العقد بدليل وجود الخيار مثله مثل النجش؛ لأن من ذمها أو مدحها أو زاد إنما زاد على قيمة المثل أو انقطع عن قيمة المثل فله حق الخيار، وهذا القول أظهر والله أعلم.
ثم إن قول الحنفية والشافعية أنه إنما كان ذلك بسبب تفريطه فأحياناً لا يحصل من الإنسان تفريط بل إنه ذهب وسأل، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يسلم من الخداع والعياذ بالله.
فهذه مسألة النجش التي ذكرها المؤلف، والمؤلف رحمه الله حينما انتهت شروط البيع بدأ يذكر بعض الأحاديث التي دلت على النهي عن بيع بعض العقود، فذكر: ( لا يبع بعضكم على بيع بعض ), وذكر: ( لا يبع حاضر لباد )، وذكر النجش، وقال: ( وعن بيعتين في بيعة ).
ونكتفي بهذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر