الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم اجعلنا لك شاكرين, لك ذاكرين, لك راهبين أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوباتنا، وثبت حجاتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، وبعد:
هذه مسألة بيع المبيع قبل قبضه، وقد ورد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المبيع قبل قبضه في غير ما حديث، منها: هذا الحديث الذي رواه جابر في صحيح مسلم , ومنها ما رواه البخاري و مسلم من حديث ابن عباس : ( من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه )، وحديث ابن عمر في الصحيحين: ( من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه ) ، وفي لفظ: ( حتى يقبضه ).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ولهذا ذكر أهل العلم أنه لا يباع شيء إلا بعد قبضه، واختلفوا في: ما هو هذا الشيء الذي لا يباع قبل قبضه؟
القبض في اللغة: هو الأخذ والتناول والإمساك.
وأما في اصطلاح فقهاء الإسلام, فإن تعريف القبض يختلف بسبب اختلاف الفقهاء في حقيقة القبض، فبعض الفقهاء يجعل القبض بعرفه هو؛ لأنه يرى أن هذا التعريف هو المتعارف عليه في زمانه، وبعضهم يخالفه في ذلك، ونلمح من هذا الاختلاف أن اختلافهم رحمهم الله ليس اختلافاً في القبض نفسه، إنما اختلاف في حقيقة القبض، وهذا الاختلاف سببه اختلاف الأعراف بين كل بلد وآخر، ولهذا نقل بعضهم الإجماع على أن المرجع في تحديد القبض هو العرف.
فقد نقل ذلك الإمام الشافعي في كتاب الأم، وتبعه على ذلك خلق كثير إلى أن القبض هو ما تعارف عليه الناس أنه قبض فهو قبض.
ولهذا قال الإمام الشيرازي صاحب المهذب: الشارع أطلق القبض، وأناط به أحكاماً ولم يبين, ولا حد له في اللغة فرجع فيه إلى العرف.
وقال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: فإن الأسماء منها ما لها حد في اللغة كالشمس والقمر، ومنها ما له حد في الشرع كالصلاة، ومنها ما لا حد له لا في اللغة ولا في الشرع فيرجع به إلى العرف وقد أخذ أهل العلم هذه القاعدة فجعلوا فيها نظماً. وقالوا:
وكل ما أتى ولم يحدد بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
وهذا يدلنا على أنه إذا تعارف أهل البلد أو أهل الزمان أن هذا قبضاً فإنه يكون قبضاً، وعليه فلا يمكن أن نقدم عرفاً على عرف آخر.
هذا الخلاف بينهم في تحديد القبض، قلنا: إن سببه اختلاف الأعراف، كما بين ذلك الإمام القرافي في كتابه العظيم الفروق.
القسم الأول: أن يكون المعقود عليه عقاراً، وقولنا: عقاراً، يدخل فيه كل ما لا يمكن نقله، كالدور والأراضي والشجر ونحوه.
فإذا كان المعقود عليه عقاراً فقد اتفق الأئمة الأربعة بما فيهم الظاهرية على أن قبضه تخليته، ويمكن أن نطبق هذه القاعدة في زماننا على السيارات الكبيرة فالناقلات التي تأتي ببضائع وأغذية من لبنان فتحط رحالها في سوق الجملة وأنتم ربما شاهدتم أن هذه السيارات تمر بوقت معين من قبل المنظمين إلى هذا السوق، ثم إذا توقفت فإن رأس الناقلة ينتقل وتبقى باقي العربة في السوق، وهذا دليل على أنها تبقى عشرين يوماً، ثلاثين يوماً، وبعض صغار الطلبة تورعاً لا يريد أن يشتري من هذه الناقلة؛ لأنها لا تنتقل من مكان إلى مكان, فظن أن هذا الحكم يجب أن ينتقل قال: لأنهم يأتون مثلاً بطماطم من سوريا أو برتقال من لبنان أو من مصر فهذا يأخذ حكم العقار، فإذا جاء صاحب الناقلة أوقفها وجاء شخص وقال: من يشتري البضاعة عليها، فتشترى مثلاً بمائة ألف، ثم يحرج عليها كاملة، فتشترى بمائة وعشرة آلاف، فيأتي الذي اشتراها وهو مثلاً زيد فيفرغها فهذا لا إشكال فيه؛ لأنه لم يصعب نقلها، هذه كيف تؤمر بالنقل من مكان لمكان؟ هذا صعب نقله مثل الشجر، فالشجر يصعب نقله لكن مع ذلك يمكن نقله، أما مثل البيت فلا يمكن نقله، فهناك إذاً بعض الأشياء يصعب نقلها فتأخذ حكم العقار كالشجر وما يثبت في الغالب.
وقد اختلف الفقهاء: هل يقبض أم لا؟
فذهب بعض الفقهاء كـعثمان البتي وروي عن عطاء أنه لا يشترط فيه القبض، ولا يشترط في كل شيء قبض أصلاً، فيجوز من غير قبض بيعاً وشراء، وهذا القول مردود.
بل قال الإمام ابن عبد البر : وهذا القول مردود بالسنة المستفيضة بقبض الطعام، وهو قول شاذ، ولعل قائله لم تبلغه السنة، أو كلمة نحو ذلك، ومثله كلام الإمام النووي .
وقال ابن قدامة : ولا أعلم خلافاً في اشتراط القبض في الطعام إنما حكي عن عثمان البتي, وهذا القول ضعيف، وعليه تعرف خطأ بعض الفقهاء المعاصرين الذين قالوا: لا يشترط القبض أصلاً في كل شيء، وعليه تجري بعض البنوك التقليدية التي تتعامل بالربا ولها نوافذ تأخذ أحياناً بهذا القول، وهذا القول مردود.
القول الثاني: قالوا: اشترط القبض في الجملة، ولكنهم قالوا: يختلف القبض في بعض الأشياء عن بعض، وهذا هو قول المالكية والحنابلة, قالوا: يشترط القبض في الطعام المكيل أو الموزون، وما عدا الطعام المكيل أو الموزون كبيع الطعام صبرة فيجوز بلا قبض.
وقولنا: يجوز بلا قبض، يعني: بيعه، هذا القصد في مسألة البيع, والمالكية لهم تفصيل قوي لا داعي له، بعضهم يجعله في الطعام، والقول الثاني عندهم: في الطعام المكيل أو الموزون، والثالث: الطعام ما لم يكن جزافاً، تفصيلات لا داعي لذكرها، المهم أن نعرف أنه طعام مكيل أو موزون.
واستدل الحنابلة والمالكية على ذلك فقالوا بأن الأحاديث الدالة على القبض إنما هي في الطعام كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر : ( من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه )، ومعنى الاستيفاء في رواية ابن عباس : (يستوفيه) يكتاله، أي: يجري فيه صاع البائع وصاع المشتري.
فإذا قلت لك مثلاً: أبيعك أربعين كيس رز، كم الكيس الرز كيلو، أو كم صاع؟ فيبين، فيجري فيه الصاعان، أما غير ذلك فيجوز بيعه قبل قبضه.
ولو اشتريت سيارة منك بالتلفون فقلت لك: يا محمد! سيارتك المرسديس أريد أن أشتريها بمائتي ألف، فقلت لي: نعم، قلت: إذاً أنا أسلمها لك غداً، وأقفلت السماعة، فهنا تم البيع، مع أنه لا يوجد ثمن، ولم أعطه أموالاً؛ لأن العقد ثم بإيجاب وقبول، فأنا عندما أقفلت السماعة وقد اشتريت السيارة من محمد بمائتي ألف، كان عندي بعض الإخوة، فقال لي سليمان: اشتريت سيارة محمد بمائتي ألف؟ قلت: نعم، قال: أنا أريد أن أشتريها منك بمائتين وعشرين الآن, هل يجوز لي أن أبيعها لسليمان؟ الحنابلة يقولون: يجوز؛ لأن السيارة ليست طعاماً، وعللوا أن الأحاديث خصت الطعام، قالوا: ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم خص منع المبيع قبل قبضه بالطعام خاصة، وقولنا: المكيل أو الموزون هو معنى قوله: (حتى يستوفيه) يعني: يكتاله، من باب المطلق والمقيد، قالوا: حتى يقبضه، وحتى يستوفيه أي حتى يكتاله؛ وذلك لأن في تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للطعام خصوصية ليست لغيره من سرعة الفساد، وكثرة تعاملات الناس فيه بحيث يستفيد منه الغني والفقير، ولما يحصل فيه من تناحر وشحناء.
وعليه تعرف أن ما تتعامل بعض البنوك بناء على بعض الفتاوى وذلك بأنها تملك السيارة قبل أن تقبضها، ويرون أن ذلك يجوز؛ بناء على فتوى الحنابلة والمالكية؛ لأنه في بيع المرابحة ماذا يصنع البنك؟ يقول للعميل: اذهب فأتني بتسعيرة السيارة التي تريد، فيأتي بورقة تسعيرة معرض طه ومعرض راشد ومعرض علي، فأحياناً تأتي بتسعيرة معرض طه يبيع سيارة كامري ألفين وخمسة بثمانين ألفاً، ومعرض راشد يبيع الكامري بخمسة وسبعين ألفاً، ومعرض علي يبيع السيارة بثمانين ألفاً، فالبنك يختار معرض طه بخمسة وسبعين ألفاً، يقول: انتظر، ترفع الورقة إلى الإدارة القانونية للبنك، والإدارة القانونية تتصل على معرض طه: هل عندك سيارة رقم الهيكل كيت وكيت؟ قال: نعم، قال: أنا سوف أشتريها. ويرسل الذي ترسله الإدارة القانونية بصورتين أو ورقتين، ورقة لصاحب المعرض أنه قبل البيع, وأحياناً كثيرة أن صاحب المعرض هو الذي يعطي ورقة أنه قبل بالبيع بهذا السعر, ثم يأتي البنك فيوقع على هذه الورقة، ثم يرسلها بالفاكس لمعرض طه. وصورة ثانية إلى فرع البنك الذي تقدم فيه العميل.
فبمجرد وصول الورقة إلى مدير فرع البنك يقول للعميل: لقد اشتريناها بناء على قول المالكية والحنابلة؛ لأن السيارة ليست طعاماً. وبالتالي على مذهب المالكية والحنابلة تجوز هذه الصورة، إذا قلنا: إن البنك يشتريها، دعك من مسألة سداد الثمن وغيره، وسوف نأتي إلى الخلل الحاصل في طريقة البنوك في تعاملها في شراء السيارات.
القول الثالث في المسألة: لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه إلا في العقار فيجوز قبل قبضه، وهذا مذهب الأحناف.
وقلنا: إذا كان عقاراً فقبضه بتخليته، ومعنى تخليته أي إمكان تصرف المشتري في المبيع، أما إذا لم يستطع أن يتصرف في المبيع فلا.
وأدلتهم هي أدلة القول الرابع في المسألة, وهو مذهب الشافعية رحمهم الله، حيث قالوا: لا يجوز بيع كل شيء إلا بقبضه.
واستدلوا على ذلك بأدلة منها: ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه ابن حبان و الحاكم وحسنه البيهقي و ابن حزم ( أن
ومن أدلتهم قالوا: ما جاء من طريق محمد بن عبيد عن ابن عمر قال: ( ابتعت زيتاً في السوق, فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحاً حسناً, فلما أردت أن أضرب على يديه، يعني: أتم البيع, إذا رجل من خلفي قد أخذ بكتفي فقال: لا تبعه حتى تنقله, فالتفت فإذا هو
وهذا الحديث اختلف فيه؛ بسبب محمد بن إسحاق ؛ لأنه لم يصرح بالسماع, وهو مدلس، ولكن روى الإمام أحمد هذا الحديث, وقد صرح؛ أما محمد بن إسحاق فلم يصرح بالتحديث، غير أن زيداً قال: فإنه قد نهي عن ذلك، وعلل أصحاب القول الثاني وهم المالكية فقالوا: الزيت طعام إذاً فهو مكيل أو موزون ولكن أنى يمكن أن يعللوا بذلك.
الدليل الثالث: قالوا: إن النهي الوارد في بيع الطعام قبل قبضه إنما ذكر الطعام؛ لأنه خرج مخرج الغالب، وما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له, بدليل قول ابن عباس رضي الله عنه الراوي لهذا الحديث قال: ( إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الطعام أن يباع حتى يقبض. وأحسب كل شيء مثله )، والدليل من راويه أقوى عندي.
قالوا: هذا الدليل العقلي وهو أقوى دليل، فعلة النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض حاصلة في بيع غير الطعام, ذلك أنه إذا باع طعاماً بستين ريالاً ثم إذا اشترى طعاماً بستين ريالاً, ثم باعه بسبعين ريالاً قبل أن يقبضه صار كأن العملية ستين بسبعين، وهذا ما أشار إليه ابن عباس بقوله: دراهم بدراهم والطعام مرجى.
قالوا: وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه العلة فقال كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما لا تملك، ولا ربح ما لم يضمن ) ، قالوا: إن الذي يبيع قبل أن يقبضه سوف يربح ما لم يدخل في ضمانه، فيدخل في النهي الوارد وهو أن يربح ما لم يضمن.
وهذه العلة أقوى دليل، ومما يدلك على هذا أن بعض البنوك أو غالبها لا تريد أن تدخل السلعة في ضمانها, فهم يحاولون أن يجعلوا العملية كلها فيها نوع من الصورية؛ حتى لا أجازف فأقول: فيها صورية، أقول: فيها نوع من الصورية.
الآن لو قلنا للبنك: أنت إذا ملكت فلا بد أن تدخل السلعة في ضمانك, وكيفية دخولها في ضمانك أن تقبض البطاقة الجمركية وتعطيها العميل بمجرد توقيع العقد، وهذا ما لا يتأتى، بل بمجرد توقيع العقد يعطى ورقة إلى المعرض، والمعرض هو الذي يسلم البطاقة الجمركية، إذاً: لم تدخل السيارة في ضمانه.
ومن المعلوم أن السيارة لو دخلت في ضمان البنك لكان هناك ترتيب إجراءات تجارية عظيمة ربما ترهق كاهل البنك، ولهذا لا يوجد إلا بنك واحد يقبض السيارة قبضاً تاماً وهو بنك الراجحي، وهذا ما لا يتأتى في جميع البنوك.
هذا هو قول الإمام الشافعي رحمه الله، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية رحمه الله و ابن القيم أنه لا يباع أي شيء حتى يقبض, وقلنا: إن هذا القول هو الراجح.
ابن تيمية كعادته رحمه الله له فقه في هذه المسألة, هو لم يأخذ بقول الشافعي مطرداً بل قال: يجوز للمشتري أن يبيع ما لم يقبض بشرط واحد وهو ألا يربح فيه؛ لأنه لم تدخل في ضمانه، إذاً فيجوز أن يبيع ما لم يدخل بضمانه بشرط ألا يربح.
قال: ومما يدل على ذلك حديث عمر بن الخطاب كما في البخاري قال ابن عمر : ( كنت على بعير صعب لـ
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يقول لـعبد الله بن عمر : لا تسبق حتى لو كان البعير لـعبد الله بن عمر، ولكن انظر الدعوة غير المباشرة من محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الحكمة.
الحكمة: أنه يفهم المخاطب أنك تقصد شيئاً، لو تأملت سنة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت أن أكثر إنكاره المنكر خاصة مع المسلمين يأتي من طريق غير مباشر، وقد سبرت كثيراً من الأشياء التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينكرها فوجدت أنه كان ينكرها من طريق غير مباشر، إما أن يقول: ما بال أقوام، وإما أن يقول: ( لعلك يا
فتجد أن إنكار النبي صلى الله عليه وسلم للمنكر من طريق غير مباشر: ( إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم.. )، وغير ذلك من الأمثلة, نعم هناك بعض الأشياء التي بين النبي صلى الله عليه وسلم الإنكار فيها, لكن كونها كثيرة تدل على أمر مهم جداً وهو فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44].
والشاهد من الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم باع أو وهب البعير لـــعبد الله قبل أن يقبضه، فهذا يدل أن التصرف في المبيع قبل القبض يجوز بشرط ألا يربح، وهذا لم يربح، قال: ومما يدل على ذلك بيع المسلم فيه لغير من هو عليه، يقول ابن عباس : إذا أسلفت في شيء فأردت أن تأخذ غيره فلا تربح مرتين.
مثاله: أنا أسلفت في القمح ثم أردت أن آخذ شعيراً، يقول: لا تربح في الشعير مثلما ربحت في القمح, فكيف أصنع؟ ننظر قيمة الشعير الآن بمثل قيمة القمح فيعطى، لا تربح مرتين.
فالحديث السابق استدل به المالكية والحنابلة، لكن ابن تيمية قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (هو لك يا عبد الله) فلم يستفصل، وقول ابن تيمية هذا دليل على أنه يجوز بيعه بشرط ألا يربح أقوى؛ لأن عندنا بيع المبيع قبل قبضه، والثاني ألا يربح.
فنقول: القبض هو التخلية كل شيء بحسبه مع إمكان تصرف المشتري بالمبيع، ولا علاقة للبائع فيه, فإذا كان للبائع فيه اختصاص دون المشتري فإنه لم يحصل القبض.
أذكر لك مثالاً على هذا ببنك الراجحي؛ لأنه يقبض السلعة.
فتقول لبنك الراجحي: أعطني بطاقة جمركية لأجل القبض, قال: غداً تعال، الآن السلعة للبائع فيها اختصاص، دون المشتري، فالمشتري لا يستطيع أن يتصرف فيها فلم يحصل قبض، لأجل القبض فإذا قال البائع وهو البنك خذ هذه البطاقة الخضراء، التي هي البطاقة الجمركية للسيارة، قبض المشتري البطاقة الجمركية، الآن يعتبر المشتري قبض السيارة وإن كانت ما زالت في المعرض فلا يهم، وبعض الإخوة يقول: إنه يأخذ سيارة ويخرجها، هذه الصورة لم يأت بها الشرع, القضية هو أن تنتهي علاقة البائع بالمبيع, ويمكن للمشتري أن يتصرف فيها، لو قبض البائع البطاقة الجمركية وقال للمشتري: خذ السيارة أخرجها من المعرض وأخذها وصارت عنده هل يستطيع أن يتصرف فيها؟ لا، بل يعتبر سارقاً.
إذا قبض المشتري البطاقة الجمركية وكانت السيارة في معرض البائع فيجوز أن يبيع المشتري السيارة في معرض آخر؛ بناء على البطاقة الجمركية، ولا يقال: إنك لم تقبض السيارة، فالسيارة قبضت، بل هي أعظم من القبض الحسي.
إذاً: أخذ البطاقة الجمركية نوع من القبض.
ولو وضعت المبلغ في حسابك فيعتبر قبضاً، وعليه فالقيد المصرفي يعتبر قبضاً، فإذا جئت بخمسين ألف ريال وطلبت أن تحول هذه إلى مصر، ومصر سوف تحولها إلى جنيه، يقول لك البنك: تريد تحويلها جنيهات وإلا تريد تحويلها ريالات؟ فتقول: أريد تحويلها ريالات، فيأخذ عمولة فقط لأجل التحويل.
إذا قلت: لا, أريد تحويلها جنيهاً يقول: سعر الريال بالجنيه مثلاً أربعة جنيهات، تقول له: تم, يبرم العقد الذي هو بيع أولي, وهو يشتري ريالات بجنيهات, يقول لك: أنا أصرف خمسين ألف ريال مثلاً بمائتي ألف جنيه, تقول: أعطني إياه، يقول لك: انتهى هي ثابتة؛ لأن هذا قيد مصرفي, لا تقل: أولاً أعطني مائتي ألف وأنا سأعطيك إياها؛ لأن مجرد وضعها في حسابك على أنها مائتي ألف جنيه كافية، ثم يحولها إلى مصر.
فالحوالات إذا كانت تختلف العملة تتم بطريقتين:
منها: بيع عملة بعملة، ثم يقيد بحسابك ثم تنتقل, وعليه فإن ما يحوله بعض الإخوة الذين عندهم عاملات أو عمال، والعاملة مثلاً عندها راتب ثلاثة آلاف ريال وتريد تحويلها إلى أندونيسيا بالدولار، أحياناً الجهاز يحول تلقائياً بالدولارات، قبل التحويل هي عملية بيع ثم حوالة، فهو يشتري منك ريالات بدولارات ثم بعد ذلك يحول, هذه طريقة الحوالات، إذاً هو قبض بمجرد القيد المصرفي فهو كاف.
فنقول: القبض: هو التخلية مع إمكان التصرف بحيث لا يكون للبائع علاقة في المبيع، وهذا هو الذي أشار إليه ابن تيمية رحمه الله، وهذا رأي مجمع الفقه الإسلامي, وهو مذهب بعض الشافعية، أن كل قبض بحسبه، الآن تذهب إلى شراء الذهب ببطاقة (ديبت كارد) وهذه البطاقة يسمونها: بطاقة المفاليس, يعني الكل معه هذه البطاقة. وتستطيع أن تشتري بها ذهباً وفضة, فتذهب إلى سوق الذهب وبمجرد إمرار البطاقة على جهاز نقاط الدفع يدخل المبلغ إلى حساب البائع, ويخرج ورقة دليلاً على إتمام العملية، فهذا يعتبر قبضاً.
أحياناً أنا بعت عليك سيارة بالبطاقة الجمركية, وأبرمنا العقد سواء كان مؤجلاً أم حالاً، قلت لك: هذه البطاقة الجمركية, فقلت: والله ما أبيعها دعها معك سيأتيك ولدي، سيأتيك أخي، سيأتيك أبي أعطه إياها، فهذا يعتبر قبضاً؛ لأن البائع مكنك من السلعة, وقال لك: خذها فيعتبر قبضاً، فإذا قال لك: خذها صار أميناً عليها إن لم تأخذها والقبض تم.
أما ما تفعله البنوك، بأنها لا تقبض السيارة أصلاً، لو يقول له: خذها، هو ما يريدها أصلاً، فهذه عملية فيها نوع من الصورية، البنوك لا تريد قبض البطاقة الجمركية، ومما يدل على ذلك طريقتها في المعادن والحديد والنحاس وذلك بأن يشتري البنك المحلي من مصانع أو من مستودعات في ألمانيا أو في لندن أو في أمريكا مستودعات معروفة قطن، بن للحديد والنحاس، لكنه يشتري ما يقدر، عليه عشرة آلاف أو ثلاثة عشر أو أربعة عشر ألف طن، ولا يشتري خمسة وعشرين ألف طن, ثم خمسة وعشرين ألف طن؛ لأن خمسة وعشرين ألف طن فيها شهادة تسمى: شهادة مخزون.
أحياناً تكتب باسم البنك المحلي كالبنك الأهلي مثلاً، أو البنك العربي أو بنك الرياض، وصاحب المستودع يقول: هذا الربط للبنك الهولندي, وهذا الربط للبنك الأهلي, وهذا الربط للبنك الأمريكي, بناء على شهادة المخزون، شهادة المخزون فيها أمور مضبوطة من الوزن والصنف والنوع والوصف، فهذا لا إشكال فيه، إذاً: ما هو الإشكال؟
الإشكال هو أن البنك يقوم ببيعها على العميل بيعاً صورياً؛ لأن البنك لا يستطيع أن يجعل شهادة المخزون عند المشتري الذي هو العميل، ماذا يصنع؟ يحتال فيقول: إذا كنت تريد أن تنتقل إليك فعليك الجمارك وعليك كل شيء, أنا لا أريد أن أنتقل أنا, أنا أريد أن تكون مثل طريقتك، أريد أن تكون شهادة المخزون لي، وهذا: ما لا يستطيعونه؛ لأن السلع قليلة أحياناً، فهذا يريد عشرة طن وآخر عشرين طناً وآخر خمسة وعشرين طناً.
أحياناً أستطيع أن أملك شهادة المخزون، إذا قلت: أريد أن أشتري بمائة مليون, البنك وسيط يجعل بطاقة شهادة المخزون باسم عبد الله السلمي لكن إذا كان مثل الطريقة هذه فهو حدث تاريخي في التمويل كما يقولون.
إذاً: هذا كله يعتبر عملية صورية؛ ولهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من رابطة العالم الإسلامي بتحريم التورق المنظم الذي تجريه البنوك، وقالوا: لا بد أن تكون السلع محلية.
ومعنى صورية أنها ليس فيها قبض، بل كلها عملية ورق فقط، يشتري يوم السبت إلى يوم الأربعاء على الورق ثم يبيع بدون قبض حتى يشترون نحاساً، ويشترون غيره من السلع والمعادن التي لا تختلف فيها الأسعار في الغالب، فيشترون مثلاً عشرة آلاف طن أو عشرين ألف طناً ويبيعون على الناس, يبيعونها مفرقة، فهذا له عشرة أطنان وهذا عشرين طناً, وهذا ثلاثين طناً وكل بحسبه.
فالحقيقة أحياناً شهادة المخزون فيها مشكلة وهي: كلمة انتقال، تقول له أحياناً: أنا أريد أن أنقلها, أنا أريد أن أملكها.
وهنا لا يستطيع لما جاءت هذه العملية -هذه من باب الطرفة- عام 2002م, أول ما جاءت مسألة المعادن هذه، كانت من الأشياء المشكلة على بعض البنوك وهي مسألة الموظفين الذين يقومون بالعملية التي هي عملية التمويل الإسلامي، لأنهم تربوا على طريقة معينة محرمة فحولوا إلى طريقة إسلامية وإلى الآن لم يضبطونها.
عندما جاءت هذه العملية كان هناك مكتب لأحد البنوك في البحرين, المكتب ليس عنده مستودع, المستودع في ألمانيا, اتصلنا عليهم، قالوا: إنك تملك, قلت: أنا أملك. قالوا: نعم، قلت: أنا أريد أن أقبض، قالوا: إن البضاعة في البحرين, إذا كنت تريد أن تأتي فعليك أن تتحمل عمولة النقل. قلت: يعني القضية فقط عمولة النقل؟ قالوا: نعم, قلت: أنا لي أخ في البحرين سوف يقبضها هناك في البحرين. قالوا: والله ما نستطيع، فالعملية مسألة صورية.
وعندما تقول لهم: إن البنك يبيع ما لم يقبض، قالوا: نحن والله آخذين بمذهب الحنابلة والمالكية، وهم أنهم لا يرون القبض إلا في الطعام المكيل أو الموزون.
من سوء حظهم أو حظ بعضهم حينما انتقل التورق من الدول الأجنبية إلى الدول المحلية بدأت بعض البنوك تبيع الأرز، الأرز على مذهب المالكية والحنابلة لا بد أن يقبض وهم لم يقبضوا، فإذا كنت في الرياض مثلاً يقولون لك: عندنا مستودع في جدة أو في الشرقية كم تريد رز؟ فإن قلت: أريد رزاً كيت وكيت وكيت, قالوا: هو موجود في المستودع، وإذا أردت أن تنقله لك ذلك, وإذا أردت أن يبيعه لك نفس صاحب المستودع فلان بن فلان فهو يبيع لك.
طيب السؤال: أيها البنك! هل قبضت بناء على مذهب الحنابلة والمالكية، قال: نحن آخذين إيجار المستودع، فنقول: لا يمكن يا أخي! أن تأخذ إيجار المستودع، هذه كلها عملية صورية كيف تؤجر عيناً صورية؟ ولذلك هذه العملية فيها نوع من الصورية، ومنعها أولى، وهذا ما صدر فيه قرار المجمع.
هذه مسألة القبض -حتى يقبض أو لا يقبض- جعلت المالكية والحنابلة يقولون: بمجرد إبرام العقد بين البائع والمشتري يكون الضمان على المشتري، فإذا ترتب الملك للمشتري فليترتب الضمان على المشتري، قالوا: ما عدا الطعام المكيل والموزون.
والأقرب والله أعلم: أن الضمان لا ينتقل إلا بقبض السلعة؛ لما يدل على هذا وضع الجوائح، ومسألة وضع الجوائح كأن أشتري أنا من صاحب المزرعة الثمار على رءوس النخل بعد بدو صلاحها, ولكني أشترط السقيا حتى النضج, هو يقول: لا, خذها, أقول: خلها عندك حتى ينضج، إذا حصلت جائحة لهذه الثمار، الخسارة على البائع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لكم أن تأخذوا شيئاً, بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟! )، وهذا يدل على القاعدة المطردة: وهي أنه إذا لم يقبض فهو من ضمان البائع إذاً: معنى تخلية العقارات أنني إذا أبرمت معك عقداً على أني اشتريت منك الأرض بثلاثين مليوناً على أن أسددها خلال ثلاثة أشهر، فبمجرد إبرام العقد يجوز أن أبيع هذا العقار بخمسة وثلاثين مليوناً، ولو لم يكن في صورة عقد العقار اسمي، فمسألة الإقرار مسألة ثانوية نظامية إجرائية.
فالعقار لا يمكن قبضه, نحن نقول: أهم شيء العقد أو ما يدل عليه ثبوت حقك فيه, كشهود العقار وغيره، أو شهود وكتابة ونحو ذلك.
الجواب: هذه المسألة وقع فيها خلاف عند أهل العلم, فذهب بعضهم إلى أنه يلزمه الإتمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وذهب بعضهم إلى أنه لا يلزمه الإتمام؛ لأن النية بينهما مختلفة, فكما أنه يجوز أن يقصر العصر مع إمام مقيم يصلي الظهر بأربع له أن يقصر ركعتين فكذلك هنا, وهذا الأقرب والله أعلم.
فأنتما عندما تصليانها تكون لكما نافلة وإن اختلفت النية.
الجواب: نقول: إذا بعت هذه الكمية إلى شخص آخر ولم تربح فيها فلا بأس، وأما إن ربحت فيحرم، ومعنى ذلك: أنك إذا اشتريت عشرة أطنان ثم بعتها على شخص آخر بالآجل بزيادة فهذا البيع يحرم حتى تقبضها، أما لو انتهت العملية على أنك فعلت بمثل ما في السؤال فأنت آثم، لكن إجراء العمل جائز؛ لأنك جاهل، يقول ابن تيمية : وما تعامل فيها المتعاملون بتأويل أو اجتهاد أو تقليد فما أخذه من هذا المال فهو جائز.
الجواب: هذا لا يجوز؛ لأنه ضمن الربح, وضمان الربح في المضاربة في الشركة أو في القرض محرم والله أعلم، يعني أن العقد ماض، وعليه فلا يأخذ مضاربة المثل كما هو رأي ابن تيمية رحمه الله، فإذا ضمن الربح أو قال: سوف أعطيك عشرة ألاف ريال أو عشرين ألف ريال زائدة على ربحك، فهذه التي يسميها العلماء: مضاربة فاسدة.
فإذا ثبت أنها مضاربة فاسدة فما الحكم؟
ذهب الجمهور إلى أن لعامل المضاربة أجرة المثل، يعني صار كأنه مبيع، وذهب ابن تيمية رحمه الله وهو قول عند المالكية: إلى أن له مضاربة المثل ومضاربة المثل تقدر بـ30% أو 40% له والباقي لرب المال.
في مسألة الإيجار مثلاً ذكرت أن الضمان إذا كان على المستأجر ولم يفرق فإن العقد يكون محرماً؛ لأنه صار عقد بيع وإيجار على عين واحدة في مكان واحد وزمن واحد.
سؤالي: إذا قلت للمستأجر: الضمان للعين المؤجرة عليك فرد أم لم يرد ورضي هو بذلك، فهل لنا أننا نصحح العقد؟ طيب لو أن زيداً قال لك: أعطيك مائة ألف ريال على أنك بعد سنة تعطيني إياها بمائة وعشرين ألفاً, هل يجوز وقد تراضيت أنت وهو؟ لا، هذا ربا، فالعقود جائزة برضا الطرفين ما لم يرد نص شرعي في تحريم ذلك.
الجواب: يترتب على ذلك أن العقد فاسد، والحل أن يصححوا العقد من جديد، إذا جاءته يكون له الخيار أن يزيد بأربعمائة أو ينقص، فهو عقد جديد.
يقول: ولو قلنا: إن البيع باطل، فقال صاحب الدفتر: أنا الآن أريد أن أبيعها على هذا الرجل بثلاثمائة أو بعدما باعها قلنا لك: عقدك باطل، فقال: ماذا أفعل؟ الآن أنا أريد أن أبيعها على هذا الرجل بثلاثمائة, قلنا: إذا خرجت لك وأردت أن تبيعها على الشخص نفسه بثلاثمائة ريال فهل يجوز ذلك بعقدٍ جديد؟
الآن قلنا: العقد باطل قال: الآن حصلت لي أسهم، جاءني بدفتر العائلة وفيه عشرين سهماً وأريد أن أبيعها على علي، عقدنا الأول قلت فيه: إن حصل لي أسهم أبيعك بثلاثمائة، الآن حصل لي غيرها وأريد أن أصحح العقد، فهل يجوز أن أبيع الأسهم على علي بثلاثمائة؟ صححنا العقد من جديد، قلنا: تعال يا فلان قال: الثاني أنا لن أبيع، قال سليمان: أنا أريد أن أشتري بثلاثمائة ما يضر، وأبرم عقداً جديداً.
الجواب: لا يجوز؛ لأنه اشترى الأسهم بخمسين ريالاً، وباعها بثلاثمائة ريال، وهذا الذي اشتراها لا يستطيع أن ينقلها إلى محفظته، وبالتالي سوف يبيعها بسبعمائة ريال, وسوف يربح ما لم يضمن ما لم ينقلها إلى محفظته، وبالتالي يجوز.
والنظام أنه لا يستطيع أن ينقلها من محفظته إلا إذا كانت بمقدار مليون ريال؛ أو أن والده مات فوزعت الأسهم على الأولاد فيجوز حتى لو كان أقل من مليون، فما يفعله بعض الإخوة في الصالات يقول له: والله سهم الكهرباء هل تبيع؟ قال: اشتريت منك اتركه لي، فإذا ارتفع باعه قال لفلان: بعه ولي أرباح لا يجوز؛ لأنه سوف يربح ما لم يضمن.
الجواب: يقول البائع: أذهب أبحث لك عن البضاعة، فيذهب للمحل الثاني ليأتي بها، فإذا جاء بها أبرمت العقد، لكن لو ذهب يأتي بالخضار وتركته فلا يلزم؛ لأن العقد لم يبرم.
هناك مسألة أحب أن أبينها، قلنا: إنه لا يباع المبيع حتى يقبض، يعني: حتى ينقله التجار إلى رحالهم، هذا إذا كان للبائع رحل وللمشتري رحل، يعني بيت ينقلها إليه، أما إذا بيعت في السوق كأن يكون عندي عشرين محفراً أو خمسين محفراً عرضتها للبيع وقلت: من يشتري؟ فجاء شخص واشتراها بخمسة آلاف ريال, هل أقول: لا بد أن تنقلها؟ لا، أي أنه إذا لم يكن للناس محلات وذهب البائع وبقي المشتري مكانه، فهذا يكفي ولا يلزم النقل، إلا إذا كان له مكان يحوزه، وإذا كان هذا المكان لا يحوزه إلا بمشقة فإنه يكفي أن يأتي المشتري مكانه ويتصرف في البضاعة.
هذا يسمونه أصحابه: محافر التمر، ومحافر الخيار، وإلا بالنسبة للطماطم فإنه يشتري بالجملة ثلاثين صندوقاً من الطماطم ويبيعه بربح نصف ريال أو ريال، ويأتي ويشتريها منه ويبيع بربح ربع ريال وهلم جرا، فهذا لا بأس بذلك ولا ينقل؛ لأن هذا من باب بيع الصبرة، حتى لو ربح؛ لأنه ليس بهذا المكان.
مثلاً أنا الآن عندي عشرين محفراً، أقول: من يشتري؟ جاء شخص واشتراها مني، فلا أقول: انقلوا هذا؛ لأنه ليس بمحلي أصلاً فما ستنقل إلى المشتري محلي صار محلياً، أما إذا كان لي محل وعرضت السلعة فلا بد أن تنقل إلى المشتري.
الجواب: البطاقة الجمركية، الآن يقول: انقلها قال: لست بناقلها؛ لأنها تحتاج كلفة وضمان وهو لا يريد تحمل هذا، فلو هلكت البضاعة لهلكت على البائع، ولماذا اتفقنا، فهو لا يريد أن يتحمل هذا، إذا استطاع أن ينقلها وخلي بينه وبينها ووضعها في ناقلة انتهى.
وهناك فرق بين الطعام والبطاقة الجمركية؛ لأن الطعام بيع دراهم بدراهم، والطعام مرجى، إذاً فلا بد أن ينقلها أو يتمكن من نقلها، بخلاف البطاقة الجمركية فهي في حكم القبض للسلعة، قبضه التي يتمكن من قبضها أما البضاعة فلا يتمكن من نقلها.
الجواب: كتب ابن قدامة من أعظم الكتب لو تأملها الناس.
الجواب: هذه مسألة أيهما يقدم؟ هل البائع يقدم السلعة أو المشتري؟ قيل: يقدم البائع ثم يقبض المشتري وقيل: يقدم المشتري ويقبض البائع.
والأقرب والله أعلم أنه إذا تشاكلا فإنها توضع عند أمين ثم يقبض، وإلا فإن الأولى أن يقدمها البائع، لكن إذا كان البائع يخاف أن المشتري يهرب مثل أصحاب البنزين يقول له: كم تريد؟ قال: عشرة، قال: ادفع عشرة فإن له الحق في ذلك.
ابتداء من واحد وحتى ألفين وخمسة، قد يخصم مبلغ اثنين ونصف ريال سعودي أو ما يقابله بالعملات الأجنبية لو قل معدل رصيدك عن ألف ريال أو ما يقابله بالعملات الأجنبية, فما الحكم رحمكم الله؟!
الجواب: أنا أرى أن الحكم في هذه المسألة جائز؛ لأن البنك سوف يتكلف بطباعة الأوراق وإرسالها إليك ويفرغ بعض الموظفين، فأرى أن هذا لا بأس به، وهذا أمر تقوم به جميع البنوك وقد تم تفعيله، إلا أنه حينما استفاد لم يطلب منك، بل يخصم هذا من مالك إذا بلغ ألف ريال؛ لأنه يخشى أنك بمجرد سحبك بيانات الصرف إلى غيره ينتهي المبلغ ولا يستطيع أن يطالب بأربعة ونصف، لكن إذا كان يستفيد فهذه مسألة استفادة أو المقرض من القرض.
لو دققنا في هذه المسألة لرأينا أن العلماء اختلفوا فيها، والأقرب في مسألة انتفاع المقرض من القرض، أنه إذا انتفع المقرض والمقترض معاً بلا شرط جاز، وإذا انتفع المقرض بالشرط حرم، وإذا انتفع بلا شرط حرم، وهذا الذي يجعل المسألة بهذه الطريقة، وبالتالي فإن البنك المقترض إذا طلب منك ريالين ونصف؛ لأجل أنه أحياناً أنت تطالبه أنك تسدد في أي مكان من فروعه، فيقول لك: هذا المبلغ نقله سوف يضرنا؛ لأن كل فرع له حساباته، فهذا فيه نوع كلفة.
الجواب: إذا كان سوف يشتريها ثم يستطيع أن ينقلها إلى محفظته فيجوز، وأما إذا لم يستطع فأرى أنه لا يجوز.
فإذا أمكن نقل المحفظة من أسهم البائع إلى أسهم المشتري جازت هذه المسألة أو غيرها، وإذا لم يمكن فلا يجوز إلا أن يبيعها بسعر ما اشترى بها لكن المشكلة أن النظام يمنع.
الجواب: هذا الذي يخرج الكلب؛ لأنه مباح لنا لكنه لحاجة, فإن العلماء رحمهم الله ذكروا لغير حاجة مثالاً وهو الكلب، ولا أعرف مثالاً غير هذا، والحنابلة يذكرون مثالين: الكلب، وجلد ما يؤكل لحمه إذا مات من غير تذكية، قالوا: ويجوز استعماله في اليابسات لكنه لحاجة، ولهذا حرم البيع، هذا مذهب الحنابلة.
والقول الثاني: أنه يجوز الانتفاع به إذا ضبط سواء كان يابساً أو غير يابس وهذا هو الراجح.
الجواب: لا أنا حين أجاب الثاني وقال: إن البيع غير معلوم لدى المشتري، كنت أريد إجابتين: أن يكون المبيع غير معلوم، والثمن فيه نوع من الجهالة، فأنا لم أخطئ الأول؛ لأنه قال: المبيع غير معلوم ولا يدري عنه المشتري هذه إجابة، سواء كان معلوماً للمشتري أو للمشتري والبائع، وأجاب الشخص الثاني بأنها معلومة للطرفين هو نفس جواب الطرف الأول؛ من حيث تعلقها بالمبيع وأنا لم أرد فقط هذا، أريد أيضاً ما يتعلق بالثمن.
الجواب: قلت لا يقال: إن فيه غرراً لأنه مغتفر؟ لا، ما يمكن هذا، إذا قلنا: لا يقال: إن فيه غرراً؛ لأنه ليس فيه غرر، وقلنا: إن هذا الغرر ليس بصحيح فهناك فرق بين العبارتين، وقلت: إنه لا يقال: إن فيه غرراً؛ لأنه مغتفر وقلنا: الغرر ثلاثة أنواع: مغتفر، وغير مغتفر، ومختلف فيه.
مسألة: بيع الاسم، أن أبيع منفعة التقديم، أنا مواطن لي حق أن أقدم، فهذا التقديم فيه منفعة لي، يجوز لي أن أتنازل عن منفعتي لشخص آخر، أنا أقول: مسألة المبلغ المتنازل عنه، ثلاثين أربعين خمسين، الغالب أن الذي يتنازل بستمائة أو خمسمائة سوف يربح من المشتري؛ لأن المشتري سوف يحصل له من جراء اسم الغير أربعة أسهم أو ثلاثة أو اثنين وهو مستفيد، قد تقول: وهذا سيربح أكثر؟ نقول: نعم؛ لأن هناك فرقاً بين سعر الثمن الحال، والثمن المؤجل.
الجواب: هو لا يبيع الأسهم، هو يبيع منفعة التقديم، ومنفعة التقديم يمكن أن يحصل لك بها عشرة أو عشرون أو ثلاثون، لكنها منفعة؛ أنا سأشتري منك الأرض على أني أبيعها ويمكن أني أبيعها بسعر أعلى، ويمكن أني أبيعها بسعر وسط، فالاسم منفعة بحد ذاته، هذا القصد والله أعلم.
الجواب: ينبغي له في هذه الطريقة أن يحدد؛ لأنه لا يدخل بيعتين في بيعة؛ لأن هذه إجرة العيب، فإذا خاطه مناسباً يكون السعر مائة وعشرين، أحياناً تقول له: كم الخياطة؟ يقول: بمائة، أقول لك: إذا ضبطت لي سأعطيك مائة وعشرة، وإذا لم تضبطه فلك كذا، هذا من باب الإجارة والله أعلم.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر