الحمد لله وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا، وارزقنا علماً وعملاً يا كريم!
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وصبراً وفقهاً يا رب العالمين، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بيع الأصول والثمار.
روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع )، وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً، فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع، وإن كان يجز مرة بعد مرة أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع].
والقاعدة في هذا الباب أن كل من باع نخلاً يُنظر فيه، فإن كان هذا النخل قد أُبر فإن العقد إنما صار على النخل لا على بدايته.
وهذا من باب التغليب وإلا فإن التأبير هو ظهور الثمر من جف الطلع، وأرى والله أعلم أن هذا هو الأظهر؛ لأنه أحياناً تكون الرياح هي التي تُلقح وليس بني آدم.
والشارع إنما يُعلق الحكم على أمر يقيني مقطوع وهو ظهور الثمر في جف النخل، فالعلماء قاسوا على ذلك غيرها من الشجر، مثلاً أنا بعت حقلاً مزروعاً، وهذا الحقل فيه مثلاً بداية نبت الخيار أو الكوسة أو الباذنجان فإن نبتت بدايتها فيكون ما ظهر وقت إبرام العقد للبائع، وما ظهر بعد ذلك فهو للمشتري، وما كان يُجز جزاً كالعلف والبرسيم والحشيش فإن أصوله للمشتري قولاً واحداً، وأما الجزة الأولى فإنما هي للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.
وما له قشر لا يزول إلا عند الأكل كالموز والرمان فإن ظهر فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وما كان نبته يبدأ بالزهرة فإن لم تخرج هذه الزهرة فإنما هو من مال المشتري، وإن خرجت فهو من مال البائع إلا أن يشترطه المبتاع.
بيع النخل أو بيع الثمر ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: بيع الثمر مع الأصل فهذا يجوز سواء كان الثمر قد بدا أو لم يبد صلاحه، ودليل الجواز: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر )، فدل ذلك على أن الثمر يجوز بيعه إذا دخل تبعاً للأصول.
القسم الثاني: بيع الثمر بعد بدو صلاحه -بعد احمراره أو اصفراره- أو بيع الحب بعد اشتداده، فهذا يجوز بيعه مستقلاً قولاً واحداً.
القسم الثالث: بيع الثمر أو الحب قبل اصفراره واحمراره وقبل اشتداده وبياضه، فإن كان من غير الأصول فقد منعه الجمهور وجوزه أبو حنيفة بشرط أن يقطعه، والراجح هو قول الجمهور.
إذاً بيع ثمر النخل قبل بدو صلاحه، فهذا لا يجوز؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وجوزه أبو حنيفة بشرط القطع.
القسم الرابع: أن يبيع الثمر على حاله قبل بدو صلاحه مقطوعاً، فهذا لا يجوز.
مثلاً: هو يقول: اقطعه وأشتري منك، أو اشتريت منك هذا الثمر إذا قطعته، فلا يجوز؛ لأنه باع معلوماً لا يُنتظر به إلى الصلاح، وهذا يحصل أحياناً لأصحاب الغنم، حيث يأتون إلى بعض النخل الذي لم يصلح فيطلبون من المالك البيع لكي تأكله الغنم، وهذا ينفع الغنم.
فإذا باع النخل بعد بدو صلاحه جاز، ومن المعلوم أن الصلاح لا يشمل كل الشجر فالعبرة ببدو صلاح أكثره ولو لم يصلح الباقي فإنه يدخل تبعاً؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، كذلك إذا باع النخلة بعد بدو صلاحها وطلب المشتري من البائع أن يبقيها حتى يكون الثمر رُطباً، الآن يحمر ثمر النخل أو يصفر، لكن الناس لا يريدونه مثل السكري يريدونه رُطباً كاملاً فيشتريه من صاحب المزرعة ولكن يطلب منه أن يبقيه إلى حين الجذاذ، يعني: إلى وقت أن يكون تمراً أو رُطباً، فلو أبقاه عند البائع وقبل أن يكون رُطباً أو بدا بعضه فقط جاءته جائحة من السماء فأضاعت هذا التمر كله، وقد أبرم المشتري مع البائع صاحب المزرعة صفقة هذا المنتج بمليون ريال فضاع، فتكون الخسارة على البائع؛ لأن المشتري ملك ولكنه لم يقبض وكونه لم يقبض فإن الخسارة تكون على البائع، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم وأصله في البخاري : ( إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟! )، وهذا هو الذي يظهر والله أعلم.
(يتموه) يعني: يلين، ويدخل فيه الماء وهذا هو القصد، فلابد أن يدخل فيه الماء ولا يجوز بيعه حصرماً، والحصرم هو القاسي المر، ولهذا يقال لطالب العلم الصغير الذي لم يعل كعبه ولم ينضج رأيه في هذا الفن: لا تتزبب قبل أن تتحصرم، وهذا قاله أبو علي الفاسي لـابن جني ، حين قدم أبو علي الفاسي فوجد ابن جني يشرح للناس، فجلس عنده فرأى أن عنده بعض الهفوات، فسأله أبو علي الفاسي سؤالاً، وكان أبو علي من علماء الإسلام في العربية، فسأل ابن جني سؤالاً في الحلقة فلم يُجب، فسأله ثانياً فلم يُجب، فقال: لا تتزبب قبل أن تتحصرم، يعني: لا تنصب نفسك شيخاً وأنت ليس عندك أصول، قال: فخرج أبو علي فلحقه ابن جني وقرأ عليه، ثم ألف بعد ذلك الخصائص، فكان أبو علي يُقدر ابن جني تقديراً عظيماً، وكان من احترام ابن جني لـأبي علي الفاسي أنه كان بين أبي علي الفاسي والمتنبي الشاعر المعروف بعض الجفاء وكان أبو علي الفاسي لا يُقدر للمتنبي شعراً ولا أدباً ولا براعة في ذلك، فكان ابن جني إذا جلس مع أبي علي يقول: ما رأيك في بلاغة هذا الشاعر، فيعطيه بيتاً أو بيتين فيقول: لمن هذا الأمر؟ والله إنه لشاعر عجيب، فيقول: لا أحفظه عن أحد، ثم يعطيه مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى يُعجب أبو علي بهذا الشاعر، قال: هذا هو المتنبي ، قال: فبعد ذلك بدأ أبو علي يُقدر المتنبي قدره.
نسأل أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: العقد تام وثبت فيه ركناه: المحل: وهو الغنم، وكذا العاقدان والصيغة وهي الإيجاب والقبول، وكونه يعلم الغنم لا حرج في ذلك والله تبارك وتعالى أعلم، فإن وجد معيبة قد اختلفت فله الخيار فيما عيب منها، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: لا حرج في ذلك، وهذا يدل على أنه خلّى بينه وبين هذه النعجة، وأمره أن يُربيها فكأن هذا من ضمان الشرط فلا حرج، ولو هلكت فهي من ضمان البائع، والله أعلم، إلا أن يكون البائع قد أعطاه إياها فقال: أبقها عندك من غير شرط في البيع فحينئذ تكون من ضمان المشتري.
الجواب: بيع بهيمة الأنعام الحامل لا حرج فيه، ولا يجوز استثناء الحمل، ولا حرج أن يكون مبلغ البهيمة الحامل أكثر مما لو كانت غير حامل؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وعلى هذا فلا يجوز اشتراط الحمل، فالحمل يختلف عن بيع سنبل الحب حتى يشتد أو بيع الثمر؛ لأن السنبل يُرى وهذا الحمل لا يُرى، والله أعلم.
الجواب: طريقة المسألة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن أشتري من صاحب المحل بضاعة فأعطيه المبلغ وليس عنده تكملة لما زاد على البضاعة فإنه لا حرج أن يُبقيها عنده، صورة المسألة: اشتريت بثمانين ريالاً بضاعة فأعطيته مائة فقال: ليس عندي عشرين، فأقول: أبقها عندك حتى آتيك مرة ثانية، فهذا ليس بصرف ولا حرج فيه.
الصورة الثانية: أن أقدم له مائة ريال أقول له: عندك صرف، فيعطيني ثمانين ريالاً ويقول: العشرين فيما بعد، فهذا لا يجوز؛ لأنه صرف، والحيلة الشرعية التي ذكرها الفقهاء كـابن أبي عمر في الشرح الكبير عند الحنابلة أن يقول: اجعل هذه المائة رهناً عندك وأعطني ثمانين وسوف آتيك بعد ذلك، فهذا لا حرج فيه، أو أقول: اجعل العشرين عندك أمانة فقلبتها من عقد معاوضة إلى عقد أمانة، والله أعلم.
الجواب: إذا كان الحامل والموصل للبضاعة هو وكيل المشتري فإنه يكون قد قبض السلعة، ويكون ضمانها على المشتري، وإن كان التوصيل مشروطاً من ضمن العقد على البائع فالمشتري لم يقبض السلعة إلا إذا جاءت إلى الرياض، وعلى هذا فالضمان يكون على البائع، والله أعلم.
الجواب: ليست من الملامسة، وهذه تغليبية فإنه عندهم ما يُباع بعشرة وعشرين وثلاثين، وليست هذه من الملامسة؛ لأنه قد حُدد وعُلم قيمة كل سلعة والله أعلم.
الجواب: إذا باع هذا الشخص السلعة التي في مستودع التاجر على عميل، نظرت فإن باعها بربح لا يجوز إلا أن يكون قد قبضها من التاجر، أما إذا لم يقبضها من التاجر بأن يشتريها من التاجر ويقول: سوف أعطيك عميلاً، ويأتي بالعميل هو الذي يستلم البضاعة فهذا لا يجوز أن يربح فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن ربح ما لم يُضمن )، وهذا مع الأسف الشديد يكثر التعامل فيه، والله أعلم.
الجواب: البنك الذي لا يتعامل بالربا وقد نص في النظام الأساسي لشركته على أنه لا يتعامل بالقرض الربوي ولا بالتعامل الربوي لا أرى حرجاً في أن يكون موظفاً فيه، وأما البنك الذي نص نظامه ونشرة إصداره على أنه يتعامل في جميع التعاملات الربوية فإني لا أرى جواز العمل فيه حتى ولو لم يبرم عقداً؛ لأنه أعانهم على الحرام، وقد قال الله تعالى: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
أما الفروع الإسلامية عند البنك الربوي فإنه يُنظر فإن كان هذا الفرع مستقلاً بماله وميزانيته واستثمار الخزينة فيه فإني أرى جواز العمل في هذا الفرع الإسلامي، وإن كان مستقلاً فقط في الفرع وأما أموال الخزينة فإنها تُستثمر جميعاً فأرى والله أعلم أن يبحث الإنسان عن عمل خير له منه؛ لأنه أحياناً إذا توظف هذا الموظف في الفرع الإسلامي عند بنك ربوي فإنهم إذا احتاجوه إلى الإدارة القانونية ينقلونه من غير إذنه، وهذا هو الإشكال، وعلى هذا فلا أرى جواز ذلك، إذا لم يكن مستقلاً بماله واستثمار أمواله. والله أعلم.
الجواب: الغاصب أحياناً يطلب من مالك السلعة أن يبيعه إياها، فإذا قال الغاصب للمالك: بعنيها، فباعه إياها، فإن الغاصب يقبضه، وهنا جاز؛ لأنه قال: (ولا يجوز بيع مغصوب إلا لغاصبه)، الآن السلعة مغصوبة، وغاصبها هو الذي طلب شراءها، فيقول المؤلف: (لا بأس بذلك)؛ لأن القبض حاصل، ولم يدخل المؤلف في مسألة حكم غصب البائع المالك على البيع، فهو لم يفترض هذا، هو افترض أن المالك يريد بيعها، وأما إن كان لا يريد بيعها فيكون قد غصبه على البيع، والغصب على البيع لا يجوز ولو كان لغاصبه، فلا يصح العقد إذا لم يرض، أما إن رضي المالك فلا حرج.
الجواب: إذا كان المبرمج يعمل في شركة مستقلة عن البنك الربوي، وطلب البنك الربوي أن يُبرمج له برنامجاً مستقلاً لا يمت إلى الربا ولا إلى تأكيد الربا، ولا إلى التوقيع على الربا، ولا لإثبات الربا، فلا حرج في ذلك أن يبيعه هذا المنتج؛ لأن ثمة فرقاً بين المعاملة مع المرابي وبين الشراكة في عمل ربوي، فهو لم يشاركه في عمل ربوي إنما باع على مرابي، أما أن يكون مبرمجاً في نفس الشركة المصرفية المساهمة فإني أرى عدم الجواز ولو لم يُبرم عقداً؛ أولاً: لأنه أعانهم على الشر.
ثانياً: لأنه ربما لا يخلو في الغالب أن هذا البرنامج يُعتمد في برمجة بعض البرامج التي تؤكد الربا، فيكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه )، فيكون من ضمن الكاتبين، والله أعلم.
الجواب: نعم، يجوز؛ لأن السيارة ما رأيت أنا في حياتي رجلاً يأكلها، ونحن قلنا: العلة الطُعم مع الكيل أو الوزن، لكنه على مذهب أبي حنيفة ، فإنه يرى أن العلة الجنس، فلا يجوز بيع الثوب بالثوبين عند أبي حنيفة ، ولا يجوز بيع السيارة بالسيارتين، والصحيح جواز ذلك؛ لما روى ابن أبي شيبة أن علي بن أبي طالب باع جملاً يُدعى عُصيفير بعشرة أبعُر.
الجواب: لا حرج في ذلك، لكن ينبغي أن يُتأكد من شركة التقسيط، التي سوف تقوم بالتقسيط عليك، هل تملك السلع؟ وإذا ملكتها فهل تقبضها؟ فإذا ملكتها وقبضتها فلا حرج أن تبيعها عليه، ومن المعلوم أن الأدوات المنزلية هذه والأجهزة الكهربائية ليست مثل السيارة التي فيها بطاقة جمركية، فعلى هذا لا بد أن يكون مندوب الشركة هو الذي يقوم بتسليم السلعة قبل أن يُبرم العقد معي، أما أن يُبرم العقد معي ثم يذهب إلى المحل فيسلمها لي فيكون محرماً؛ لأنه ربح ما لم يضمن، كيف يربح ما لم يضمن؟ المكيف مثلاً يُباع بألف وثمانمائة فيبيعه عليّ بالتقسيط بألفين وخمسمائة قبل أن أقبضه، فيكون قد ربح ما لم يضمن.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر