الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم اجعل لنا لسان صدق في الآخرين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، واغفر لوالدينا وذرياتنا يا رب العالمين، اللهم أدخلنا مُدخل صدق، وأخرجنا مُخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيراً، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الخيار:
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه.
وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيباً لم يكن علمه، فله رده، أو أخذ أرش العيب.
وما كسبه المبيع، أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لأن الخراج بالضمان.
وإن تلفت السلعة؛ أو عتق العبد، أو تعذر رده، فله أرش العيب، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر )، فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها، وكذلك كل مدلس لا يعلم تدليسه فله رده كجارية حُمِّر وجهها، أو سودّ شعرها أو جعد، أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري، وكذلك لو وصف المبيع بصفة تزيد بها ثمنه فلم يجدها فيه كصناعة في العبد، أو كتاب، أو أن الدابة هملاجة، والفهد صيود، أو معلم، أو أن الطائر مصوت ونحوه.
ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة وحظها من الربح إن كان مرابحة، وإن بان أنه غلط على نفسه خُيّر المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به، وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه، وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا، ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى بما قال صاحبه].
قول المؤلف رحمه الله: (باب الخيار) والخيار مأخوذ من الخيرة والاختيار، وهو في الاصطلاح: إعطاء من وقع في مبيعه أو ما اشترطه عيباً أو ما خالف صفة له، فله رد المبيع أو إمساكه بعد عقد البيع.
وباب الخيار مُجمع عليه في الجملة، وإن كان في بعض أبواب الخيار خلاف كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله.
والمؤلف رحمه الله حينما ألف هذا الكتاب لم يُفصل الأبواب، وإنما أراد من الطالب أن يفهم عامة الباب من غير تفصيل تدقيقي؛ لأنه ربما يُشتت الطالب، فأراد أن يُبين له ذلك فقعد بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وخيار المجلس ثابت، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وأكثر أهل الحديث خلافاً لـمالك بن أنس و أبي حنيفة أو إن شئت فقل: أكثر الحنفية، والنص واضح في ذلك، وخفي على مالك بن أنس ؛ لأن من قواعد مالك بن أنس أن كل حديث من أحاديث الآحاد إذا خالف عمل أهل المدينة يطرحه ويعمل بعمل أهل المدينة، وبهذا تعرف أن مالكاً رحمه الله يرى أن عمل أهل المدينة حجة، ومثله ما لو جاءنا حديث خالف حديثاً أصح منه فالعمل على الحديث الأصح، فجعل مالك رحمه الله عمل أهل المدينة في حكم المقطوع به؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وقد نشر النبي صلى الله عليه وسلم الشرائع والأحكام، وتبعه على ذلك أصحابه، ثم أصحابهم ممن جاء بعدهم، ثم تفرق الناس في الأمصار، فما عمله أهل المدينة فهو حجة؛ لأنه كإجماع الصحابة.
وعمل أهل المدينة ينقسم إلى أربعة أقسام، وليس هذا مرادنا في ذلك، إلا أننا نعلم أن ما جرى مجرى النقل فإنه يكون حجة باتفاق أهل العلم كما يقول ابن تيمية ، مثل: مقدار الصاع، أو جاءنا حديث تداوله الناس في المدينة وعملوا به فهذا حجة كما احتج مالك رحمه الله على أبي يوسف الحنفي في مقدار الصاع فقال أبو يوسف : والله لو كان صاحبي يعني بذلك أبا حنيفة حياً ما وسعه إلا أن يرجع مثلما رجعت.
هذا هو باب خيار المجلس، فإذا أبرم المتعاقدان عقداً بينهما وهما ما زالا في المجلس فإن العقد يكون ثابتاً إلا أن لكل واحد من المتعاقدين أن يفسخ العقد، شريطة ألا يتفرقا بأبدانهما.
وعليه فلو أبرما العقد فقال: بعتك السيارة بمائة ألف، فقال الآخر: قبلت، ثم تحدثا بأمور خارجية، ثم قال: يا فلان! أريد أن ألغي العقد، فعلى كلام المؤلف له أن يُلغي العقد؛ لأنهما ما زالا في مجلس العقد، هذا هو مذهب الحنابلة.
وذهب الشافعية إلى أن التفرق يكون بالبدن ويكون بالقول، فإن دخلا في كلام جانبي بعد إبرام العقد، أو تحدث أحدهما بكلام جانبي قبل القبول فإن الشافعي يرى أنه لا بد من تجديد العقد مرة ثانية فلو قال الرجل: بعتك السيارة بمائة ألف، قال: مائة ألف كثيرة، فلان باع سيارة له مثل سيارتك بأقل من مائة ألف، فيأتي شخص آخر فيقول له: سيارته بأقل من مائة ألف. فإذا قال: أنه عندما باع سيارته بمائة ألف اشترى بها أرضاً، وهذه الأرض ربح منها وساهم عند فلان ثم يدخل موضوع جديد، في هذه الحالة فلا بد أن يُعيد الإيجاب مرة أخرى؛ لأنه فصل بكلام خارج عن البيع.
وذهب الحنابلة إلى أن هذا الفصل إذا لم يطل عرفاً فإنه يصح أن يقول: قبلت، مثل أن يقول: يا فلان! اتركنا من هذا الموضوع أنا اشتريت بأقل من مائة ألف فعلى مذهب الحنابلة يصح العقد وهو الأقرب.
فلو أن ضيفاً جاءني في بيتي، وطلب مني سيارتي بمائة ألف، فبعته ثم أعطيته قهوة ثم أردت أن آتي بشيء آخر من كشاي أو ماء، فخرجت من المجلس ثم جئت فقال: يا فلان! والله بدا لي أني لا أشتري سيارتك، هل أستطيع أن ألزمه بالبيع؟ نعم؛ لأنه تم التفرق بخلاف ما يفهمه العامة، فإذا قال: أنا ما زلت في مجلسك قلت: نعم، لكني فارقتك.
قول المؤلف: (فقد وجب البيع إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة فيكونان على شرطهما)، المؤلف لم يذكر مسألة أخرى: وهي أنه أحياناً قد لا يثبت خيار المجلس ويلزم البيع ولو لم يتفرقا بأبدانهما، وذلك إذا اشترطا عدم الخيار ولو كانا في مجلس، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يُخير أحدهما الآخر )، ومعنى (أو يُخير أحدهما الآخر) بأن يقول: اختر عدم الخيار، هذا هو الراجح في تفسير هذا الحديث.
فإذا قلت: يا فلان! اشتريت سيارتك بخمسين ألفاً، فقال: قبلت، فقلت: من غير خيار. فقال: من غير خيار، لزم البيع، ولو ما زلنا في المجلس فإن قال: انتظر أستخير، قلت: انتهى؛ لأننا حينما أبرمنا العقد اشترطنا عدم خيار المجلس.
وهو مشروع، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك، وفي نقل الإجماع نظر، فإن ابن حزم لا يرى خيار الشرط إلا في بعض الصور التي جاء النص بها، مثل قول: لا خلابة، وأما ما عدا ذلك فلا يراه، والراجح هو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
ومعنى اشتراطه لأجنبي بأن يقول: بشرط أن يرضى فلان، أو بشرط أن أستشير فلاناً مدة معلومة، فهذا يسميه العلماء: خيار الشرط لأجنبي، وهو جائز سواء كان لنفسه أو لأجنبي؛ فإذا جاز أن يكون لنفسه جاز أن يجعله لغيره؛ لأنه ربما يكون غير عالم بمصلحته فيُنيط هذا الخيار بغيره.
مثاله: لو اشتريت منك سيارة بمائة ألف فقبلت بشرط أن أذهب بها إلى الميزان الذي يُخبرني بالعيب الذي فيها. قلت: قبلت. فقلت: إذا لم يكن فيها شيء فقد وجب البيع، فإذا ذهبنا بالسيارة إلى الميزان فلم يجد فيها عيباً لزم البيع؛ لأنه جعله في مدة معينة، أو أقول: بشرط أن أسأل الذين لهم خبرة بالسيارة مثل الذي تسميه العامة: الشريطي، ويقال له: السمسار، فالشريطي عنده خبرة مثل خبرة الصيرفي، فالصيرفي إذا أسقطت الدرهم أو الدينار في وعاء معدني يعلم إن كان مزيفاً أم صحيحاً، يعني: خالطه شيء أو لم يخالطه شيء، وهو يعرف بالتجربة والخبرة، وكذلك الشريطي بمجرد أن ينظر إلى السيارة وهي تسير يعرف عيوبها سواء كانت عيوباً داخلية أو خارجية، وهذا كله بسبب الخبرة التي اكتسبها بالتجربة، وهكذا كل فن أو علم أو عمل، حتى الفقه أحياناً الفقيه الذي أُعطي ملكة فقهية يقرأ عشر صفحات فيستنتج منها خمسين صفحة، والذي ليس عنده خبرة لو قرأ خمسين صفحة ربما لا يخرج منها إلا بصفحة واحدة؛ لأنه لا بد أن يكون للإنسان ملكة، ولا ينبغي للإنسان أن يُفتي إلا إذا كان له ملكة بحيث يكون متميزاً حصيفاً يعرف مداخل المسائل.
والصحيح والله تبارك وتعالى أعلم أن الخيار يثبت ولو طالت المدة؛ لأنه شُرع للحاجة، والحاجة تُقدر بقدرها، وخلافاً لـمالك حينما فرق بين الدابة والعبد والعقار ونحو ذلك.
ولو راسلت عبر البريد الإلكتروني شركة من الشركات فطلبت مني تعبئة أنموذج فعبأت هذا الأنموذج وأرسلته لهم فبمجرد وصوله إليهم، وانقطاع الاتصال يكون العقد لازماً.
وأحياناً يكون العقد لازماً من طرف دون آخر، إما من البائع، وإما من المشتري، مثاله: أن يُرسل البائع عقد البيع وقد وقع على طرفه، ويطلب من المشتري أن يوقع، فالمشتري بالخيار، فإن أرسلها فقد لزم البيع ما لم يكن للعقد مدة معينة، وقل مثل ذلك في المشتري، وهذا يحصل في عقود المناقصات مع الدول والحكومات والشركات، فإنه أحياناً الدولة أو شركة الاتصالات تريد أن تطرح مشروعاً استثمارياً، كأن يكون عندها أرض تريد أن تُقيم عليها أبراجاً فتطلب من الشركات التي عندها هذه الخدمة مثل شركة أركسون، أو شركة سيمنس، أو غيرها من الشركات وتعطيهم دفتر الشروط، يعني: شروط شركة الاتصالات التي تريد تطبيق هذه الشروط على هذه الأبراج، وتطلب ضمان 5% من قيمة المشروع، فيُراسل أصحاب الشركات التي تُريد أن يُرسى المشروع عليها، ويكون العقد من طرف هذه الشركات ملزماً، وأما من حيث شركة الاتصالات فهي بالخيار إلى حين إخراج أو فتح الظروف وقبول إحدى الشركات، فإذا أرست شركة الاتصالات المشروع على (س) من الشركات فقالت: لا، قالت لها: يلزمك العقد، وإلا ألزمتك بخطاب الضمان الذي يذهب عنك 5%، فهذا يدل على أن الإلزام إما أن يكون من الطرفين، أو من طرف واحد، وهذا من المعاملات والنوازل الجديدة.
وهل يصح العقد أم لا؟ الأقرب أنه يصح والله أعلم.
أما أن يفترق أحدهما على وجه الحيلة، بأن يخدع صاحبه مثل أن يقول له: ما دمنا في المجلس فنحن بالخيار، فلما رأى صاحبه على غرة خرج، فهذا لا يصح؛ لأنه أحياناً يكون في مجالس العقود تفاوض فيُبرمان العقد لفظاً لكن ما زال الشرط إلى التوقيع، فهما يتفاوضان، فلما يأتي إبرام العقد وهم قد جاءوا لإبرام العقد فإن خروج أحدهما عن الآخر حيلة لا يُعد مثبتاً للعقد؛ لأنهما ما زالا متراودين، وإن كان قد قبل كل واحد منهما من الآخر؛ لأنه قصد الإضرار، والضرر يُزال.
وإذا جعلنا الخيار لأحدهما أو لهما جميعاً، فإنه يصح أن يرجع في فسخ العقد من غير حكم حاكم، ومن غير رضا الطرف الآخر. فإذا اشتريت سيارة وقلت لصاحبها: لي الخيار عشرة أيام، فقال صاحب السيارة: وأنا لي الخيار عشرة أيام، فيجوز لي أن أقول بعد يومين: قبلت السيارة أو لم أقبل السيارة، ولا يلزم اجتماعنا وأن نقول: تعال نجتمع هل قبلت أو لم تقبل؛ لكي نشهد على ذلك، حتى إذا حصلت خصومة نفصل فيها؛ لأنه أحياناً تبقى السيارة عندي فأضطر إلى الإشهاد حتى إذا قال: العقد أُبرم، أقول: لم يُبرم العقد بدليل أني قد أرجعتها وهي أمانة عندي.
مثاله: لو جاء زيد واشترى السيارة من علي بخمسين ألفاً، واشترط البائع الخيار عشرة أيام، واشترط المشتري الخيار عشرة أيام، فلما كان بعد يوم أو يومين جاء شخص إلى المشتري وقال: هذه سيارتك بكم تبيعها؟ قال: أبيعها بمائة ألف، فاشتراها منه فهل يصح للمشتري أن يبيعها وللبائع فيها شرط؟ لا يجوز، ولا يصح العقد، وعلى هذا فنقول: لا يجوز للمشتري أن يتصرف بالسلعة في غير الرد إذا كان للبائع فيها شرط خيار، أما إذا لم يكن للبائع فيها شرط خيار بل الخيار للمشتري فإنه بمجرد التصرف فيها بالهبة أو بالبيع دليل على رضاه وقطع خياره.
وأيضاً إذا اشترط المتعاقدان مدة معلومة فلهما أن يقطعا الخيار، يعني: لو اشترط كل واحد منهما عشرة أيام فلما كان بعد يومين اجتمعا في بيت أحدهما فقال أحدهما: يا فلان! أنا راضٍ بالسلعة، وأريد أن نمضي العقد، فقال البائع: نمضي العقد، فيلزم العقد حينئذ، فلا يصح أن يقول: أنا ما زلت على خياري بعد أن تفرقا، ولو قال: يا فلان! نريد أن نمضي العقد، فقال: أنا أمضي العقد، ثم بدا له وقال: أريد أن أبقى على خياري فهل يصح له ذلك؟ نقول: يصح؛ لأنه ما زال في المجلس.
عقد التصريف: هو أن يشتري المشتري السلعة على أنه متى ما نفِق المبيع وصُرف تم وإلا فله رده.
مثاله: أن يقول المشتري: أشتري منك البخور وإذا لم أبعه فإني أرجعه إليك، فإنه متى ما نفق المبيع -يعني: صُرف- وراج قبلت، وإلا فلي رده.
هذه صورة، وهناك صور أخرى سأذكرها لاحقاً.
أما حكم الصورة الأولى فقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أن الشرط فاسد، وهل يفسد به العقد أم لا؟
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يفسد به العقد، وذهب الحنابلة إلى أنه لا يفسد به العقد، بل هو صحيح، فيكون العقد باطلاً على مذهب الشافعية والحنفية وقول عند المالكية، ويكون العقد صحيحاً والشرط باطلاً عند الحنابلة على تفاصيل لا أريد أن أدخل فيها، وهناك قول عند المالكية: أن العقد يبطل.
القول الثالث في المسألة: أن مثل هذا الشرط يصح؛ لأن فيه مصلحة للطرفين، والشارع لا يمنع ما كان فيه مصلحة للطرفين. وأما الاستدلال بحديث: ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق )، فالمراد به كما قال أبو العباس بن تيمية وغيره: معنى ( كل شرط ليس في كتاب الله )، يعني: أن يكون مخالفاً لكتاب الله، أما إذا لم يكن مخالفاً لكتاب الله فهو صحيح، ومما يدل على ذلك أنهم صححوا شرط التأجيل، وصححوا أيضاً خيار الشرط، فدل ذلك على أن هذا الشرط صحيح، وهذا هو ظاهر صنيع أبي العباس بن تيمية وإن كان لم يُصرح به، والأولى أن يُصحح الشرط لكن لا بد من تحديد مدة، والمدة إما أن تكون معلومة عُرفاً أو لا بد من اشتراطها.
وأصحاب البقالات الذين يبيعون الألبان الطازجة يبيعونها بشرط الخيار إذا لم يُبع اللبن بعد ثلاثة أيام فيحق لصاحب البقالة أن يُعيد اللبن لصاحب اللبن، وقد رضي صاحب اللبن بذلك.
وأما قوله: فيه ضرر على البائع، نقول: البائع أعلم بسلعته، فإن هذا نوع من تصريف وترويج بضاعته، وفيه منفعة للطرفين، فإن من أعظم التسويق أن يجعل البائع هذا الشرط للمشتري بل ربما يضع بعض الثلاجات والبرادات على حسابه الخاص لهذا المنتج الذي جعل له شرطاً فيه، أعني به المشتري، وإذا لم يكن ثمة عرف فإنه لا بد من تحديد الشرط مثل: أصحاب النوفتيه الذين يشترون البضاعة بالجملة من ملابس الأطفال أو الملابس النسائية فيقول: إذا لم تُبع فإني سوف أعيدها، فأقول: مثل هذا أحياناً يبقى سنة أو سنتين ويتضرر البائع بذلك، فلا بد من تحديد مدة، ثم إن عدم تحديد المدة فيه غرر، والغرر منهي عنه في الشرع، فهذه صورة من صور عقد التصريف وهو أن يبيع بشرط متى ما نفق المبيع تم البيع وإلا فله رده.
الصورة الثانية من عقد التصريف: أن يكون وكالة، بأن يقول: يا فلان أريد أن أبيع سلعتك بخمسين وما زاد فهو لي، فهذا جائز عند جمهور الفقهاء خلافاً لبعض الحنفية، وبعض الحنابلة، وبعض الشافعية.
ومن صورها أيضا: أن يكون معلقاً، وهو صحيح خلافاً للأئمة الأربعة حيث إنهم منعوا التعليق في عقود المعاوضات، والصحيح جواز ذلك وهو رواية عند الإمام أحمد وذهب إليه أبو العباس بن تيمية و ابن القيم إلا أننا نقول: يصح التعليق في العقود شريطة تحديد مدة، وصورتها أن أقول: أبيعك هذه السلعة على أنه متى ما لم تستطع تصريفها فلك ردها، فيجوز لكن بتحديد مدة كما أشار إلى ذلك صاحب مطالب أُولي النُهى وهو من الحنابلة.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر