الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نُضل، أو نزل أو نُزل، أو أن نظلم أو نُظلم، أو أن نجهل أو يُجهل علينا.
قال المؤلف رحمه الله: [ باب حكم المرتد.
ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وجب قتله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من بدل دينه فاقتلوه )، ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل بالسيف، ومن جحد الله أو جعل له شريكاً أو صاحبة أو ولداً، أو كذب الله تعالى أو سبه، أو كذب رسوله أو سبه، أو جحد نبياً أو جحد كتاب الله أو شيئاً منه، أو جحد أحد أركان الإسلام، أو أحل محرماً ظهر الإجماع على تحريمه فقد ارتد، إلا أن يكون ممن تخفى عليه الواجبات والمحرمات فيعرف ذلك فإن لم يقبل كفر ].
الفعل يسمى تركاً، فهو ترك ما هو واجب فعله أو فعل ما هو منهي فعله.
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العممِ
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلمِ
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي صفحاً وإلا فقل يا زلت القدم
أعوذ بالله! فهذا أعطى النبي صلى الله عليه وسلم صفات الرب، فلا شك أن هذا القول قول كفر لكن إذا كان متأولاً تقام عليه الحجة.
بعض أهل العلم يرى أن الاستتابة واجبة، والبعض الآخر لا يرى وجوبها، ومن قال بوجوبها استدلالاً بقصة عمر ، ومن قال بعدم وجوبها قالوا: بظاهر الدليل: ( من بدل دينه فاقتلوه )، وقالوا: إن قصة أبي موسى ليس فيها أمر بالاستتابة، و عمر قال: فهلّا حبستموه، وكلمة (هلا) حض وحث، ومثل هذه الصيغة ليست دليلاً على الوجوب، وهذا أقرب، فيكون الاستتابة من باب اجتهاد الإمام، ولكن هذه الاستتابة غير إقامة الحجة، فإقامة الحجة أن يُزال عنه الجهل والتأويل في قوله أو فعله وأن يُبين له أنه كفر، فإن أقر أنه كفر واستمر على ذلك فيُستتاب ثلاثاً، هذا هو المراد.
إذاً الاستتابة هنا عله أن يرجع بعد ما ثبت له أن ما قاله مخالف للشرع، أما إقامة الحجة فهو بيان أن ما قاله مخالف للشرع، وأما الاستتابة فهي لإقامة الحد عليه بعد علمه بمخالفة شرع الله، مثل: أحياناً الذين ينادون بتطبيق أحكام الغرب علينا فهم ينادون بأن يتولانا كافر، وينادون بمثل ذلك، فهذا لا شك أنه كفر، فنقول له: هذا كفر، ونظامك غربي، فإنه أقر بذلك كفر، لأنه يقول: هذه رجعية، هذا كلام سطحي، هذا رجوع إلى أساطير الأولين، فهذا كفر عياذاً بالله، فيُستتاب، والاستتابة هنا لإقامة حد الردة عليه.
ومن قال: إنه يُستتاب اختلفوا فبعضهم قال: يستتاب ثلاثة أيام، وبعضهم قال: يستتاب ثلاثاً، يقول: ترجع أو قتلناك، ترجع أو قتلناك، أنت ترجع أو قتلناك، ثلاث مرات ثم يقتل.
قول المؤلف رحمه الله: (أو كذب رسوله أو سب رسوله أو جحد نبيناً من الأنبياء) يعني: مما ثبت اسمه في الكتاب والسنة، لكن لو جحد بعض الأسماء التي لا تعلم بإسناد صحيح، كما يقال: دانيال، هل هو نبي أم لا؟ وبعض الأسماء التي لم تُذكر في الكتاب ولا في السنة الصحيحة، وبعضهم يقول: دانيال ثابت بإسناد صحيح في قصة عمر بن الخطاب ، ولكن هذا من باب أنه لو أنكر شيئاً من أسماء الأنبياء التي هي موجودة في كتب التوراة والإنجيل فإنه يُنظر: فإن أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة وفي الكتاب والسنة فإنه يكون مرتداً.
قول المؤلف رحمه الله: (أو كذب كتاب الله)، مثلاً قال: الكتاب الموجود عندكم هذا ليس هو الكتاب كاملاً بل هو محرف، فهذا شرك وارتداد عن الدين، فيجب أن يُستتاب فإن تاب وإلا قتل.
قول المؤلف رحمه الله: (أو شيئاً منه) يعني: متفق عليه، والتكذيب هنا أحياناً إنكار، لا بد أن يكون هذا متفق عليه وإلا أحياناً يكون متأولاً، فـشريح القاضي أنكر العُجب والتعجب من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه في قراءة: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12] بالفتح فيكون العجب من الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي بعض القراءات: (بل عجبتُ ويسخرون) بالضم، فيكون التعجب من الله، فأنكرها شريح ، لكن إنكار شريح هنا ليس إنكاراً لا يعلمه أنه من قول الله إنما أنكر هذه القراءة فيكون متأولاً.
قول المؤلف رحمه الله: (أو جحد أحد أركان الإسلام)، كأن يقول: الآن الحج ما له داعي، الحج فيه موت وقتل وليس له داعي، فالحمد لله اللقاءات الأدبية والاجتماعات السنوية في مؤتمرات الأُمم والدول كافية في ذلك، ولا ينبغي أن تُبذل الأموال الطائلة في مثل الحج وغيرها من الصدقات فلا يلزم الحج، وإن كان لا بد فحجوا إلى كربلاء أو غير ذلك من مشاهد أهل البدع فهذا لا شك أنه كفر، وارتداد عن الدين، أو أنكر الصلاة أو الزكاة وجحد وجوبها.
قول المؤلف رحمه الله: (أو أحل محرماً ظهر الإجماع على تحريمه)، (أحل محرماً)، مثلاً: لو أحل الاستمناء باليد فهذا ليس مجمعاً على تحريمه ولو أحل مثلاً المتعة فهي ليست مجمعاً على تحريمها أو حرم الحلال كأن: يحرم البيرة فيقول: هذه حرام، البيرة حلال لكنها لا تُسكر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام )، وقال: ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) وهي لا تُسكر، فهو حرمها لكنه حرمها بتأويل وليس مجمعاً على تحريمها، ولهذا قال ابن تيمية : ومن أحل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المطهر، فهو كافر باتفاق الفقهاء.
مسألة العذر بالجهل مسألة طويلة جداً جداً، وليس هذا موطن بحثها، ولكني أقول: كون العلماء يقررون أنه إذا كان حديث عهد بإسلام أو ممن نشأ في البادية فإنه يُعذر دليل على أن أصل العذر قائم مقبول سواء في المسائل العلمية أو المسائل العملية، سواء كان في الاعتقاد وتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، وتفريق بعض العلماء بأن توحيد الألوهية لا يعذر صاحبه وما عداه فإنه يُعذر صاحبه هذا تفريق لو تأملنا كلام أئمة الدعوة وخاصة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فإنه يرى العذر بالجهل في كل المسائل، ولكنه يرى أنه في بلد معين أو في جهة معينة هؤلاء مثلهم لا يعذرون؛ لأنهم يعلمون ولكنهم يدعون الجهل فهم كفار، فمن قرأ للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه أنه كفر الجهة الفلانية أو البلدة الفلانية أو الرجل الفلاني فإنه كفره؛ لأنه يرى أن الحجة قد أقيمت عليه، وهذه مسألة مهمة، يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية في المجلد الأول: وإن كنا لا نُكفر من عبد الصنم الذي عند عبد القادر أو عند الجيلاني ولكنهم يقولون: إننا نكفر المسلمين ولا نكفرهم إلا إذا قاتلونا على الكفر، وقال كلاماً طويلاً، ونقل الشيخ عبد الرحمن بن حسن تقرير ذلك بكلام ابن تيمية في الرد على البكري في الدرر السنية، يقول: قال ابن تيمية : ونحن نعلم من دين الإسلام بالضرورة أن الله سبحانه وتعالى حرم دعاء الأموات ودعاء الأنبياء ودعاء الملائكة مما لا يسمعه ولا يقدر عليه إلا الله، وأن هذا من الشرك المعلوم من الدين بالضرورة، فمن استغاث بالأنبياء أو بالأولياء أو بالأموات فإنه شرك معلوم من الدين بالضرورة، ولكن لغلبة الجهل وقلة من بنشر آثار النبوة لا نكفرهم بذلك، فهذا يدل على أن ابن تيمية يرى أن العذر بالجهل حتى في المسائل العلمية والعملية، ومن فرق بالأشياء الظاهرة والباطنة، فنقول له: سؤال في الأسماء والصفات: أيهما أظهر من دعا وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغفر له بحجة أن له جاه أو الذي أنكر وجود الله مطلقاً أيهما أشد شبهة؟
الجواب: الذي يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64]، فهذا تأولوا.
وأما من أنكر وجود الله وقال: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت هذا ليس له عذر، فهو كافر، ومع ذلك هي من الأسماء والصفات، وغير ذلك، والمسألة تحتاج مزيد بحث.
نقف عند هذا، والله اعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر