إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الجهاد [5]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الغنائم نوعان: فإما أن تكون أرضاً فتوزع أو توقف لصالح المسلمين، وإما أن تكون غيرها من الأموال فتكون لمن شهد الوقعة، وتقسم بعد إخراج المؤنة ودفع الأسلاب والأجعال والتخميس، ثم الأنفال والرضخ وهو ما يعطاه النساء والصبيان والعبيد والكفار، ويكون عطاؤهم أقل من غيرهم من المجاهدين.

    1.   

    أحكام الرضخ

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو أن نظلم أو نظلم، أو أن نجهل أو يجهل علينا، وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [فصل: ويرضخ لمن لا سهم له].

    المقصود بالرضخ

    الرضخ معناه: أن يعطوا من الغنيمة دون السهم، أي: أن يعطوا من الغنيمة أقل من سهم الواحد منهم، ويرجع هذا الرضخ إلى اجتهاد الإمام، ومعنى الرضخ أن النساء إذا ذهبن في الغزو وكذلك الصبيان والعبيد، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيهم شيئاً بعد أخذ الخمس والربع، فإذا كان سهم كل غاز ألفين فتعطى المرأة التي تداوي الجرحى من الغنيمة شيئاً قليلاً، وقد قال عمير مولى آبي اللحم وكان من العبيد وقتذاك: إنه دخل مع المسلمين في غزوة خيبر، قال: فأخبر رسول الله أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرش المتاع، وخرش المتاع هو ما نسميه الأثاث المستعمل، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم منه، فهذا يدل على أنه أعطي من الرضخ ولم يعط من السهام.

    قال المؤلف رحمه الله: [ويرضخ لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد والكفار].

    أما النساء والصبيان والعبيد فلا إشكال، أما الكفار فهل يعطون من الرضخ أم يعطون من السهام؟ الأقرب والله أعلم أنهم يعطون من سهم الخمس كما قال تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]، فيعطون من هذا، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية حينما خرج معه يوم حنين وهو على شِركه، فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم له من سهم المؤلفة قلوبهم، وسهم المؤلفة قلوبهم من الخمس، قال تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]، هذا واحد، والثاني: وَلِذِي الْقُرْبَى [الأنفال:41]، قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب، والثالث: وَالْيَتَامَى [الأنفال:41]، والرابع: وَالْمَسَاكِينِ [الأنفال:41]، والفقراء يعتبرون منهم، والخامس: وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، والمقصود بقوله: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]، الذي هو بيت المال للسلاح والكراع ومصالح المسلمين العامة.

    مقدار ما يعطى الراجل والفارس من الرضخ

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يبلغ بالراجل منهم سهم راجل]. يعني النساء الآن أو العبيد غزوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأرجلهم يعطون من الغنيمة رضخاً لكن لا يبلغون سهم الراجل، وإذا كان العبد معه فرس فلا يعطى مثل الفارس، وإن كان يعطى أكثر من الراجل، وإذا كان معه خيل أو سيارة أو دبابة أو غير ذلك فإنه يعطى أقل مما يعطى مثله لو كان حراً.

    مقدار ما يعطى العبد الغازي على فرس سيده

    قال المؤلف رحمه الله: [وإن غزا العبد على فرس لسيده قسم لسيده سهم الفرس ورضخ للعبد].

    لو أن شخصاً عبداً معه خيل يجاهد به وليس فرسه فيعطي صاحب الفرس سهمين ويعطي الفارس سهماً، وهذه ثلاثة أسهم، إذا كان راكب الفرس من العبيد، فإنه يعطى صاحب الخيل وهو السيد سهمين، والفارس الذي هو من العبيد يرضخ له أقل مما يرضخ للفارس الحر، كما قال المؤلف.

    1.   

    أنواع الغنائم

    قال المؤلف رحمه الله: [باب الغنائم وقسمتها].

    الغنائم: هي الأموال التي تقسم بين المجاهدين غير الخمس والنفل، وهي نوعان: ‏

    النوع الأول: الأرض

    الأول: قال المؤلف رحمه الله: [أحدهما الأرض فيخير الإمام بين قسمتها ووقفها للمسلمين].

    الأرض هي التي فتحت عنوة، وهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف، يقول المؤلف: فحكمها أن الإمام يختار ما هو الأصلح بين قسمها بين المجاهدين وقت الحرب، وبين وقفها للمسلمين ويضرب عليها خراجاً مستمراً، فتكون من أرض الخراج، والمتقدمون من الفقهاء يسمون أرض الخراج وقفاً، وهذا اللفظ جعل بعض المتأخرين يفهم أن الوقف لا يجوز بيعه، قال ابن تيمية : وليس المراد بالخراج على إطلاق الفقهاء الوقف أنه لا يجوز بيعه، كما فهم بعض المتأخرين، إنما أرادوا بوقفه أن لها غلة وريعاً، وإن كان يجوز لأصحابها أن يبيعوها فيكون المشتري يخرج خراجها.

    قال المؤلف رحمه الله: [ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي في يده كل عام أجراً لها].

    انظر كلمة (ممن هي في يده) فلو كانت عند كافر ثم أسلم فبقيت عنده فيخرج الخراج لا لأنه أسلم، ولكن لأنه ما زالت عنده الأرض الخراجية. وقال بعضهم: إذا أسلم الكافر وهي عنده فإنه لا يخرج منها شيئاً. وقال بعضهم: إن هذا مخالف لما فعله عمر في العراق، فإنه أبقاها مع من كانت في أيديهم وأمرهم بالخراج، وكذلك مكة فتحت عنوة والآن هي عند أصحابها.

    وأرى والله أعلم أن هذا في حكم الإجماع السكوتي، فيكون الحكم أنه يجوز للإمام أن يبقيها مع أصحابها ولا يأخذ عليها شيئاً، وعلى هذا قلنا بجواز بيع رباع مكة؛ لأن عدم إخراجها وعدم طلب السلطان والإمام من الناس دليل على أنه أذن لهم بالانتفاع بها من غير إخراج شيء, وعلى هذا فيجوز، ولعلنا سمعنا أو قرأنا في كتب المتقدمين أن سفيان الثوري استأجر بيتاً في مكة فأراد المؤجر أن يأخذ أجرته فأبى سفيان الثوري وقال: رباع مكة لا تملك، وأرى والله أعلم أنها تملك، واختار ابن تيمية رحمه الله التفريق بين الإجارة والبيع، والأقرب والله أعلم عدم التفريق وأنها تملك ( وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور )، وهذا هو مذهب الشافعي .

    قول المؤلف رحمه الله: (الأرض فيخير الإمام بين قسمها ووقفها للمسلمين ويضرب عليها خراجاً مستمراً، يؤخذ ممن هي في يده كل عام أجراً لها، وما وقفه الأئمة من ذلك لم يجز تغييره ولا بيعه)، يقولون: وكذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من وقف وقسمة فليس لأحد نقضه ولا تغييره، وهذا محل تأمل، نعم إذا رأى الإمام أن مصلحة المسلمين إبقاء ما كان عليه من غير أخذ خراج، والذي أرى والله أعلم جواز ذلك، لكن قلنا بقول المؤلف لحرم تملك أراضي مكة وأراضي العراق -وهذا محل نظر كما لا يخفى- والراجح الجواز، وقد كانوا في الكوفة يخططون -مثلما نسميه نحن اليوم أرضاً مخططة- فيخططون ثم يقسمون فيما بينهم.

    النوع الثاني: سائر الأموال

    قال المؤلف رحمه الله: [الثاني: سائر الأموال فهي لمن شهد الوقعة ممن يمكنه القتال، ويستعد له من التجار وغيرهم].

    هذا الكلام يعطينا فائدة, أن كل من كان من أهل المقاتلة سواء كان عسكرياً أو مدنياً كما هو في المصطلح المعاصر فإنه يكون من أهل المقاتلة، فإن كان ذهب مع المسلمين يحميهم ويساعدهم أو يكون من الطليعة أو الردف أو حارس أو جاسوس للمسلمين على الكفار فإنه يكون في حكم المجاهد, كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم مع عثمان رضي الله عنه.

    قول المؤلف: (فهي لمن شهد الوقعة)، استدلوا على هذا بما جاء عن عمر رضي الله عنه كما أخرجه البيهقي بسند صحيح، أن طارق بن شهاب كتب إلى عمر أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة، والمراد هل يأخذ أهل الكوفة من الغنيمة أم لا؟ فقال عمر: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة.

    والذي شهد الوقعة هو من يمكنه القتال، وأما النساء إذا شهدن الوقعة فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب لهن بسهم، إنما يرضخ لهن من الغنيمة كما قال ابن عباس .

    قال المؤلف رحمه الله: [ويستعد له من التجار وغيرهم سواء قاتل أو لم يقاتل على الصفة التي شهد الوقعة فيها].

    يعني عثمان رضي الله عنه ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم له بسهم، ولم يقاتل لكنه قد خرج في حاجة الله وحاجة رسوله، وكل من خرج لمصلحة عامة فإنه يعطى له من الرضخ.

    كما لو أن الإمام بعث شخصاً إلى الكفار في دار الحرب، ووقعت الحرب -ومن المعلوم في الاتفاقيات أن الرسل لا تقتل- وغنم المسلمون من الكفار، وبعثوا بهذا المسلم إلى بلاد المسلمين -وهذا يحصل فيكون الأمن الجوي كما يسمونه على خطر، فينتقل من دار الحرب هذه إلى بلد آخر، ومن بلد آخر إلى بلاد المسلمين- فهذا له من السهم؛ لأنه إنما خرج في حاجة لله والمسلمين.

    قول المؤلف رحمه الله: (على الصفة التي شهد الوقعة فيها)، فإن كان راجلاً يعطى سهم راجل, وإن كان فارساً يعطى سهم فارس، أو عبداً يعطى سهم عبد، أو مسلماً أو كافراً ولا عبرة بما قبل ذلك ولا بعده، والمؤلف قال ذلك رداً على أبي حنيفة فـأبو حنيفة رحمه الله يقول: يعطون من الغنيمة حال دخولهم دار الحرب ولا علاقة لذلك بشهود المعركة، فلو أن أحدهم دخل دار الحرب التي سوف يحاربونها وهو راجل ليس عنده خيل، ثم حصل على خيل قبل المعركة من دار الحرب فإنه يعطى سهم راجل على قول أبي حنيفة، ولو دخل الحرب ومعه فرس ثم مات الفرس ودخل المعركة وهو راجل فيعطى سهم فارس، ولو دخل الحرب وهو عبد ثم عتق في دار الحرب فجاهد وهو حر فإنه يعطى سهم عبد هذا مذهب أبي حنيفة .

    أما مذهب الجمهور فقالوا: العبرة بشهود الوقعة ولا يعتبر ما قبل ذلك وهذا معنى كلامه.

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يعتبر ما بعده].

    فلو شهد مسلم هذه المعركة بعد انتهائها فإنه لا يعطى شيئاً لما روى سعيد بن منصور بسند جيد أن طارق بن شهاب كتب إلى عمر أن أهل البصرة غزوا نهاوند، وأن أهل الكوفة أمدوهم، فما إن وصل أهل الكوفة إلا وقد انتصر أهل البصرة على الروم، فقال أهل الكوفة: نحن أمددناكم فنأخذ من الغنيمة فقال عمر: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة.

    ولما قدم أبان بن سعيد كما روى أبو هريرة وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وقد نصر الله نبيه والمؤمنين، فجاء أبان بن سعيد فقال: (يا رسول الله! اقسم لنا فإنا قد شهدنا الغنيمة ), يظنون أنها مثل التركة كما قال تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8]، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجلس يا أبان! ولم يقسم له)، وهذه لفتة مهمة أحياناً إذا جاءك الرجل يريد شيئاً فلا تتفاوض معه، هدئ باله واجعله على الأمر الواقع، اجلس يا أبان! -وهذا من حنكة وإدارة محمد صلى الله عليه وسلم- ولم يقسم له، أحياناً يأتيك إنسان يستطيع أن يتفاوض ويتكلم معك, وربما يرى أنه من الشجاعة أن يتكلم معك في هذه اللحظة، ولكنه أحياناً لا يستطيع أن يفاتحك بالموضوع مرة ثانية، وهذا أمر طبيعي، فمن حنكة القائد الذي يستطيع أن يتخلص من الوضع ألا يتحدث معه في هذا الحال؛ لأنه إذا فاتحه مرة ثانية يصعب أن يفاتحه، وهذا طبيعي -سبحان الله- ولهذا من الأفضل عدم الجواب على كل سؤال يطرح عليك، فأحياناً سكوتك وهدوءك وطأطأة رأسك كافية في الرد، وأما إذا كان السائل أحمق:

    فيزيد سفاهةً وأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيبا

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا حق فيها لعاجز عن القتال بمرض أو غيره].

    قول المؤلف رحمه الله: (بمرض أو غيره) ضمنّه أمرين: أن يكون مريضاً وأن يكون عاجزاً عن القتال، وهذا فهم منه أنه إذا كان مريضاً مرضاً لا يعجزه عن القتال فإنه يأخذ ويعطى من الغنيمة، كما حصل لـسعد بن أبي وقاص في يوم القادسية، مرض وأصيب بالحمى فجعل له عريش يقود منه الجيش، لأنه لا يستطيع أن يقاوم القتال، فإذا كان كذلك فإنه يعطى من الغنيمة، أما لو أصيب بالشلل أو صار زمناً أو مرض مرضاً فيه عدوى نقص المناعة، فإنه لا يكون من أهل القتال ولا يرضخ له ولا يعطى.

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا لمن جاء بعدما تنقضي الحرب من مدد أو غيره].

    وهذا كما مر معنا وذكرنا قصة أهل الكوفة حينما أمدوا أهل البصرة.

    قال المؤلف رحمه الله: [ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش أسهم له ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت وتشاركه فيما غنم].

    المؤلف في هذا الكلام أفادنا في أمرين:

    الأمر الأول: أن الذي يخرج لمصلحة الجيش إما أن يكون عيناً أو دليلاً أو من أهل الطليعة أو يذهب مفاوضاً متفاوضاً لأعداء الدين، فهذا لو غنم المسلمون وهو غير موجود فإنه يعطى من الغنيمة.

    دليل ذلك: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه تخلف عن غزوة بدر؛ لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مريضة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان أن يبقى عند ابنته ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فإن عثمان إنما خرج في حاجة لله وحاجة رسوله، وإني أبايع له فضرب له بسهم مبايعة ) كأنه بايع ليعطيه من الغنيمة، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين الذين جاءوا من اليمن سهماً في خيبر، كما جاء في بعض الروايات إن صحت؛ لأنهم خرجوا في حاجة لله وحاجة رسوله.

    قول المؤلف رحمه الله: (ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت).

    سبق أن السرية إذا غنمت فإنه يخرج الخمس ثم بعد ذلك الربع إن كانوا في البداءة أو الرجعة ثم الباقي يقسم بين السرية والجيش.

    1.   

    كيفية تقسيم الغنائم

    إخراج مئونة الغنائم

    قال المؤلف رحمه الله: [ويبدأ بإخراج مئونة الغنيمة].

    الآن بدأ المصنف رحمه الله يفصل طريقة القسمة عامة قبل النفل وقبل السلب وغير ذلك.

    يقول: تجمع الغنيمة، ومن المعلوم أن جمع الغنيمة وحفظها ونقلها في المستودعات كل ذلك يتطلب مئونة.

    يقول المؤلف: فإذا جمعت الغنيمة وأراد الإمام أن يقسمها فإنه أول ما يبدأ به هو أن يعطي مئونة الغنيمة من أجرة النقل وأجرة الحفظ وغير ذلك؛ إعطاء هؤلاء بالبداءة لأن بهم بعد عون الله سبب بقائها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

    دفع الأسلاب إلى أهلها

    قال المؤلف رحمه الله: [ثم يدفع الاسلاب إلى أهلها].

    السلب هو اللباس، فينادي كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم حينما جمع الغنائم فقال: ( من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه )، فأحياناً الإنسان يقتل وليس عنده بينة، فيقول: أنا قتلت، لكن مثل القناصة هؤلاء قائد الجيش دائماً يكون عنده لباس وفراء أعظم من عامة الجيش وأحد المسلمين من القناصة، فقال لأحدهم: اشهد سأقتل قائدهم فضربه فمات، فلما جمع المسلمون الغنائم قال قائد الجيش: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم في قصة قتادة، قال أبو قتادة : (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رجل من المشركين إذا علا على رجل من المسلمين قتله، وإني أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه، قال: فالتفت إلي المشرك، فضمني حتى رأيت الموت، ثم أطلقني، قال: فلقيت عمر قال: ما أمر الجيش؟ قال: أمر الله ورسوله, ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الغنائم، وقال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه, قال: فقمت فقلت: من يشهد لي أني قتلت فلان؟ قال: فسكتوا، فنادى الرسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه، فقام أبو قتادة قال: من يشهد لي؟ فلما كان الثالثة قال: ما عندك يا أبا قتادة ؟ قال: فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم القصة، فقام رجل من المسلمين فقال: صدق يا رسول الله! سلب ذلك القتيل عندي -يعني أنا الذي أخذت سلبه- فارضه من حقه، يعني أعطه من الغنيمة حتى يرضى ) فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا ها الله إذاً لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عند الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه, فرد أبو بكر سلبه. وفي هذا عدة فوائد:

    الفائدة الأولى: أن أبا بكر ما قال ذلك إلا لأنه كان مستقراً عند الصحابة أن من قتل قتيلاً فله سلبه.

    الفائدة الثانية: أنه يجوز لمن عنده علم أن يتحدث وفي المجلس من هو أعلم منه، مثلما صنع أبو بكر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صدق أبو بكر فأعطه سلبه، قال: فأعطاني سلبه، فكان أول مال تأثلته في الإسلام )، يعني ما عندي مال، فاشتريت به بستاناً في خيبر.

    دفع الأجعال لأصحابها

    قال المؤلف رحمه الله: الثاني: [ثم يدفع الأسلاب إلى أهلها والأجعال لأصحابها].

    الأجعال على نوعين: النوع الأول: أن يقول الإمام: من يفتح هذا الحصن فله كذا، من يكشف لنا شفرة الصواريخ الذكية فله كذا، فهذا جعل الشرط.

    النوع الثاني: هو أن يعطي الإمام أحد الجيش العطية لغنائه في المسلمين، يعني أنه أبلى بلاءً حسناً كما صنع سلمة بن الأكوع ، فهذا يعطى من الغنيمة ويكون عطاؤه قبل التخميس، ويكون عطاؤه ليس لأنه تاجر؛ لأنه أغنى غناءً للمسلمين، فـسلمة بن الأكوع أغنم للمسلمين أهل تسعة أبيات، فأعطاه أبو بكر جارية من فزارة وهذه هي الأجعال.

    أما أن يقول الإمام: من يفعل لنا كذا فله كذا أو البداءة فإن هذا لا بد أن يؤخذ من الخمس.

    فلو سئلت: ما هي الأشياء التي يعطيها الإمام أحد الجيش من غير تخميس؟ فالجواب: هو السلب والجعل وهو الذي يعطيه الإمام لأحد الجيش لغناه في المسلمين، وقد قال سعد بن أبي وقاص حينما رأى سيفاً طويلاً من غنائم بدر: ( يا رسول الله! نفلنيه، قال رسول الله: ضعه من حيث أخذته، قال: يا رسول الله نفلنيه، قال رسول الله: ضعه من حيث أخذته، قال: يا رسول الله! أأجعل كمن لا غنى له؟ يعني أكون أنا مثل عامة الناس، وأنا قد أبليت بلاءً حسناً. قال: يا سعد! وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم، ثم نزلت آية الأنفال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد بالجعل ).

    إذاً الغنيمة تجمع أولاً، ثم يعطى مئونة حفظها، ثم بعد ذلك الأسلاب، ثم بعد ذلك من جعل له الإمام، ثم بعد ذلك يخمس؛ فتقسم الغنيمة خمسة أقسام وهذا كما قال تعالى: لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، ثم بعد ذلك يرضخ لمن لا سهم له، ثم بعد ذلك توزع الغنيمة بين المجاهدين.

    تخميس باقي الغنائم

    قال المؤلف رحمه الله: [ثم يخمس باقيها، فيقسم خمسها خمسة أسهم: سهم -أي خمس- لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم]. وهي الخيول التي تشترى للغزو، والدبابات والميزانية التي نسميها تكون للجيش والمصالح العامة.

    قال المؤلف رحمه الله: [يصرف في السلاح والكراع ومصالح المسلمين].

    السلاح والكراع يقوم مقامهما الآن الطيارات ومؤن التدريب وأماكن عسكرهم وكل هذا يحتاج إلى ميزانية ضخمة.

    فالغنيمة قسمناها إلى خمسة أقسام: السهم الأول -أي: الخمس- يقسم إلى خمسة أسهم: سهم لله ورسوله، وسهم لليتامى الفقراء، وسهم لذوي القربى، وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، وهؤلاء لا إشكال فيهم، ولكن الإشكال يبقى في بني عبد مناف، فالرسول صلى الله عليه وسلم من بني هاشم؛ فأعطى لهم هذا السهم؛ لأنه منهم، وأعطى بني المطلب، ولم يعط بني عبد مناف شيئاً، فجاء جبير وعثمان بن عفان فقالا: ( يا رسول الله! إنك أعطيت بني هاشم فلا ننكر فضلهم؛ لمكانك الذي وضعك الله، فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة، فكلنا عيال عم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه )، وهذا الحديث رواه البخاري .

    وتظهر هذه العلاقة حينما غضبت قريش وبنو عبد مناف وغيرهم على بني هاشم وحاصروهم في الشعب وقرروا ألا يبايعونهم ولا يناكحونهم فناصرهم بنو المطلب يبايعونهم ويشاربونهم ويناكحونهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام )، إلا أن بني المطلب يفارقون بني هاشم بشيء واحد وهو أنهم يأخذون الزكاة, أما بنو هاشم لا يأخذونها.

    قال المؤلف رحمه الله: [غنيهم وفقيرهم للذكر مثل حظ الأنثيين].

    يعني يقسم بينهم بالسوية الغني والفقير، أما بالنسبة لغنيهم وفقيرهم فهذا لا إشكال فيه ولا خلاف؛ لأنها ليست من باب الغنى ولكن من باب العطية، وباب العطايا يستوي فيه الغني والفقير، ولكن قال المؤلف: (للذكر مثل حظ الأنثيين) وعن أحمد أنه يسوى بين الذكر والأنثى؛ لأنهم أعطوا بسهم القرابة، والذكر والأنثى فيهما سواء البنت والابن.

    والقول الثاني: يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه سهم استحق لقرابة الأب شرعاً كالميراث.

    وأرى والله أعلم أن هذه مسألة خلافية، إذا كان الإمام -الذي هو إمام المسلمين- أراد أن يقسم هذا الفيء فعلى ما يختاره أئمتهم وعلماؤهم في ذلك الوقت، فهي مسألة اجتهاد وإن كنت أميل إلى أن الذكر والأنثى سواء، يعني لو كان قد أعطى الذكر مثل حظ الأنثى لبان واشتهر، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

    قال المؤلف رحمه الله: [وسهم لليتامى الفقراء].

    اليتيم: الذي لا أب له، فإن كان ليس له مال فإنه يعطى سهماً، وكذا المساكين والفقراء، وسهم لأبناء السبيل الذين تنقطع بهم السبل وليس عندهم ما يكفيهم حتى يعودوا إلى أوطانهم فيعطون ما يحتاجون.

    إخراج باقي الأنفال والرضخ

    قال المؤلف رحمه الله: [ثم يخرج باقي الأنفال].

    فالرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة غير قسم عامة الجيش، وسهم دون سهم الغزاة وهو الذي يسمى الرضخ يعطيهم أقل مما يعطى من هو ليس مثلهم، فإن كان عبداً معه فرس فيعطى دون من كان معه فرس من الأحرار، وإن كان عبداً راجلاً يعطى دون من كان راجلاً من الأحرار المجاهدين.

    تقسيم ما بقي من الغنائم للراجل والفارس

    قال المؤلف رحمه الله: [ثم يقسم ما بقي للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم: له سهم، ولفرسه سهمان؛ لما روى ابن عمر ]، ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهماً )، [وإن كان الفرس غير عربي فله سهم ولصاحبه سهم].

    هذا الفارس تختلف عطيته وسهمه فإن كان الفرس عربياً أصيلاً قوياً يعطى سهمين؛ لأن الخيل العربي الأصيل يتحمل ما لا يتحمله غير العربي، وإن كان الفرس غير عربي -ويسمى البرذون- فإنه يعطى سهماً واحداً كما جاء في بعض الروايات، والأحاديث في هذا الباب ضعيفة، والأقرب والله أعلم أنه إذا كان الخيل الغير العربي يكر ويفر فإنه يعطى كغيره؛ لأنه يمكن أن تكون المعركة نصف ساعة أو ساعتين ويتحمل الخيل فيعطى، والله أعلم.

    1.   

    الإسهام للفرس والدابة من الغنائم

    الإسهام من الغنائم لأكثر من فرسين للرجل الواحد

    قال المؤلف رحمه الله: [وإن كان مع الرجل فرسان أسهم لهما، ولا يسهم لأكثر من فرسين].

    إن كان شخص من المجاهدين معه خيلان يجاهد ويتعاقب عليهما فإذا تعب هذا الخيل ربطه وأخذ الثاني، وبدأ يجاهد به، فإن الإمام يعطيه عند قسمة الغنائم خمسة أسهم: سهمان للفرس الأول، وسهمان للفرس الثاني، وسهم للفارس نفسه.

    الإسهام لدابة غير الخيل من الغنائم

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يسهم لدابة غير الخيل ].

    أولاً: إذا كان عنده ثلاثة خيول فإنه لا يعطي أكثر من فارسين، الثاني: أن الإمام لا يعطي إلا من له خيل، فلو كان عنده بعير، فإنه لا يقسم له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الفارس؛ والفارس إنما يكون فيمن ركب الخيل، وأما قوله تعالى: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6] فإنه لا يفيد أن الركاب يعطى؛ لأنهم أجمعوا على أنه لو كان معه فيل لا يعطى، فكذلك لا يعطى لمن كان معه بعير، وقد كان في غزوة بدر أناس معهم أبعر ومع ذلك لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لهم شيئاً.

    أما الدليل على أنه إذا كان عنده أكثر من فرسين لا يعطيهم إلا بمقدار فرسين ما رواه أزهر بن عبد الله أن عمر كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن أسهم للفرس سهمين، وللفرسين أربعة ولصاحبها سهم، فذلك خمسة أسهم، قال: وما كان فوق الفرسين فهي جنائب، وهذا الحديث رواه سعيد بن منصور ، وقد قال فيه الحافظ ابن حجر : حديث فيه انقطاع.

    إذاً عرفنا السلب وهو كل ما على الكافر من سلاح، أو حلي، أو متاع، أو خيل، وهذا يكون للقاتل.

    الثاني: النفل: وهو العطية التي يعطيها الإمام بعض الغزاة لغنائه؛ لأنه أغنى المسلمين.

    الثالث: الجعول التي يعطيها الإمام بالشرط. أو لغنائه، والجعول بالشرط نوعان الأول: أن يقوم الإمام فيقول: من فتح الحصن فله كذا فهذا يعطى، الثاني: أنه ينفل السرية إذا كانت في البداءة الربع، وإذا كانت في الرجعة الثلث، هذا الجعل بالشرط، أما الجعل من غير شرط فهو أن يعطي أحد الجيش لغنائه، مثلما صنع لـسلمة بن الأكوع .

    نكتفي بهذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وسلم.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767974974