إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب النكاح [1]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النكاح سنة من سنن المرسلين، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، وقد يجب لعارض في حق بعض الأشخاص. وأول مقدمات النكاح خطبة المرأة إلى وليها، ويشرع للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة ما يدعوه إلى نكاحها، ولا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه حتى يترك أو يرضى، إلا في أحوال استثناها بعض الفقهاء.

    1.   

    مقدمة عن كتاب النكاح وعلاقته بالمعاملات المالية

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد الأكاديمية العلمية, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك, ضمن دروس الأكاديمية, والتي نسعد من خلاله بصحبة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب, فباسمكم جمعياً نرحب بالدكتور عبد الله , فأهلاً ومرحباً بكم!

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات!

    المقدم: ترحيبنا موصول بكم أيها المشاهدون الكرام, حيث نسعد دائماً وأبداً بتلقي أسئلتكم واستفساراتكم على أرقام الهاتف التي تظهر تباعاً أمامكم على الشاشة, حيث سنسعد بتلقي هذه الأسئلة بعد نصف ساعة من الآن, كذلك بإمكانكم التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني الخاص بالأكاديمية في موقعها الذي سيظهر أيضاً أمامكم على الشاشة بإذن الله تعالى, والترحيب موصول بالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك, فأهلاً بالجميع.

    شيخ عبد الله! معنا في هذا الدرس المبارك شرح عمدة الفقه, وقد خصص للحديث في هذه الدورة كتاب النكاح.

    فنستأذنكم بأن نقرأ عليكم جزءاً من المتن, وتتناول تفسيره.

    الشيخ: دعنا نبدأ! بداية بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل, أو نزل أو نزل, أو أن نظلم أو نظلم, أو أن نجهل أو يجهل علينا.

    المؤلف رحمه الله ذكر كتاب النكاح، فبعدما عرض باب عقود المعاوضات المالية دخل في المعاملات المالية غير المعاوضات؛ لأن النكاح فيه مال؛ لأن فيه مهراً لكنه ليس معاوضة, ومتى وجدت المعاوضة في عقد النكاح حرم؛ ولهذا حرم عقد الشغار حينما جعل الولي المرأة بمنزلة السلعة, فعاوض ببضعها, ولهذا كتاب النكاح هو من باب المعاملات المالية على سبيل العموم كما يقول ابن عابدين , ولكنه ليس من باب المعاوضات المالية.

    وناسب ذلك: أن المرء إذا عبد ربه وجمع ماله فإن النكاح لا يتم في الغالب إلا بجمع المال, فناسب تقديم كتاب البيع وتوابعه, ثم بعد ذلك عقد كتاب النكاح وفرقه, والمقصود بفرق النكاح: الطلاق والخلع واللعان وغير ذلك مما سنذكره إن شاء الله.

    هذا كتاب النكاح ولعلك يا شيخ ياسر تقرأ لنا المتن, وهو عمدة الفقه للعلامة ابن قدامة رحمه الله.

    1.   

    تعريف النكاح ومشروعيته

    المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ كتاب النكاح:

    النكاح من سنن المرسلين, وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد على عثمان بن مظعون التبتل وقال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ).

    ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر عادة كوجهها وكفيها وقدميها, ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن لا يسكن إليه, ولا يجوز التصريح بخطبة معتدة, ويجوز التعريض بخطبة البائن خاصة فيقول: لا تفوتيني بنفسك، وأنا في مثلك لراغب، ونحو ذلك ].

    تعريف النكاح لغة وشرعاً

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم, يقول المؤلف: (كتاب النكاح), النكاح في اللغة يطلق على العقد, ويطلق أيضاً على الوطء، وإن كان إطلاقه على العقد حقيقة، وهو أكثر, ولم يرد إطلاق النكاح على الوطء إلا في آية واحدة, وهي قوله تعالى: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230], قال أهل العلم: هذا الإطلاق للنكاح المقصود به الوطء, والأقرب والله أعلم أن النكاح هو العقد, ولكن أريد الوطء لورود السنة في ذلك, وعلى هذا فيبقى الأمر على أن الأصل في النكاح حقيقة هو العقد, ويطلق على الوطء مجازاً, ولولا ورود السنة لما علمنا أن الآية يراد بها الوطء.

    وأقصد بورود السنة حينما جاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتبت على زوجها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته ).

    أما الفرق بين الوطء وبين العقد في لغة العرب فيقول أبو علي الفارسي: فرقت العرب فرقاً لطيفاً بين إرادة العقد وإرادة الوطء, فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان فإنما يريدون بذلك العقد, وإذا قالوا: نكح امرأته أو نكح زوجته, فإنما يريدون به الوطء, هذا في اللغة.

    وأحسن تعريف للنكاح هو ما ذكره ابن عابدين في الجملة, وهو: عقد يحل استمتاع كل واحد من الزوجين بالآخر على وجه مشروع.

    فوجود العقد يحل للزوج أن يتحدث مع زوجته, وأن يستمتع بها, ولكن لابد أن يكون على وجه مشروع, فلا يطـأ في الحيض, ولا في موطن قضاء الحاجة, والباقي يجوز له ذلك, كما جاءت بذلك السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    المقدم: اللهم صل وسلم عليه.

    النكاح من سنن المرسلين

    الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول: (النكاح من سنن المرسلين), فليس هو سنة محمد صلى الله عليه وسلم وحده، بل سنة الأنبياء, ودليل ذلك قول الله جل وعز: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38], وكل نبي من أنبياء الله جاء وقد تطلب النكاح, وما تطلبه إلا بناء على طبيعة البشر, وأمر الله سبحانه وتعالى بذلك.

    وما جاء في قول الله تعالى: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39], في ذكره سبحانه وتعالى لـيحيى، فمعنى الحصور ليس كما فهمه الشافعية بالذي لا يأتي النساء, ولكن الحصور: الممتنع عن ارتكاب الفواحش.

    ثم إنه لو فرض أن يحيى حصور لا يأتي النساء, فشرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه, فإذا ورد فنقول: شرعنا أولى بالاتباع.

    ومما يدل على أن ذلك من سنن المرسلين: سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيحين من حديث أنس : ( أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخلوا على أزواجه فسألوهن عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم, فكأنهم تقالوها, فقالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فلا أتزوج النساء, وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر, وقال الآخر: وأما أنا فلا أنام الليل, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقال: ما بال أقوام يرغبون عن سنتي، فإني أصوم وأفطر, وأنام وأرقد, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني ).

    فدل ذلك على أن قصد النسل مطلوب شرعاً, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس بسند فيه لين: ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ), وله شاهد من حديث معقل بن يسار، وهو حسن إن شاء الله.

    وقد ( رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ), يعني الانقطاع للعبادة, يقول سعد بن أبي وقاص : ولو أذن له -يعني أذن له بالتبتل- لاختصينا؛ لأن هذا الشهوة جبل عليها المرء ذكراً كان أو أنثى.

    يقول سعد : ( ولو أذن النبي صلى الله عليه وسلم لـعثمان بالتبتل لاختصينا ), فدل ذلك على أن النكاح من سنن المرسلين.

    النكاح مستحب وقد يجب لعارض

    الشيخ: يقول المؤلف: (وهو أفضل من التخلي لنفل العبادة):

    النكاح في الأصل أفضل من التخلي لنقل للعبادة, فدل ذلك على أن النكاح سنة, وهذا هو الراجح, ودليل ذلك قول الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] الآية.

    ولم يكن واجباً؛ لأن الله لم يكن ليوجب على العباد شيئاً ويجعله تحت إرادتهم, فقال تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3], ولو كان واجباً لما قيل: مَا طَابَ لَكُمْ, فجعله تحت إرادة الإنسان.

    الدليل الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني).

    ومما يدل على أهمية النكاح: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به لأجل المكاثرة, فإنه مكاثر بهم الأمم, وفي رواية: ( فإنني مكاثر بكم الأنبياء ), وهي رواية أنس , فهذا يدل على أننا نفعل ما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالمكاثرة فيه.

    وقد يكون النكاح واجباً إذا خاف المرء على نفسه العنت, وتاقت نفسه لذلك, بل قال الحنابلة: ولو ظن خوف العنت, فلا ينبغي للإنسان أن يؤخر النكاح لأجل أمور دنيوية كدراسة ونحو ذلك, خاصة وأنه قد لا يصبر عن الحرام والعياذ بالله, فيجب عليه حينئذ أن يتزوج, فإن لم يستطع الزواج فقد أمر بتخفيف ذلك؛ في قوله عليه الصلاة والسلام: ( يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه- يعني الزواج- أغض للبصر وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ), والوجاء تعرفه العرب بلغتها يقولون: هو رض الخصيتين حتى لا يشتهي النساء, هكذا قال علماء اللغة, فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن الصيام يخفف شيئاً من جماح الشهوة.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة), الباءة في لغة العرب تطلق على معنيين:

    المعنى الأول: الجماع.

    والمعنى الثاني: مؤن النكاح.

    وقال بعضهم: إن الباءة المراد بها في الحديث مؤن النكاح, قالوا: لأنه لو أريد بالباءة الجماع لما قيل: (من لم يستطع فعليه بالصوم)؛ لأنه إذا كان لا يستطيع الجماع فكيف يصوم والمقصود بالصوم تخفيف الشهوة؟ هكذا قال أهل العلم, وأقول: هذا القول قوي, وإن كان الجماع يدخل في الحديث على سبيل التبعية؛ لأنه حينما أمر من عنده مؤن النكاح فإنه لو لم يكن له شهوة لما أمر بالزواج؛ لأنه يضر بالمتزوج بها؛ لأنه لا يعفها, فدخل الأمران جميعاً في هذا الحديث.

    1.   

    المصالح التي تتحقق بالنكاح

    الشيخ: والنكاح له مصالح, وفيه مصالح كثيرة, ولا أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ).

    ففيه استقرار العواطف, فالمرء إذا تزوج تجد أن عواطفه تثبت, ولا ينقلب إلى عواطف أخرى.

    الأمر الثالث: حفظ المجتمع من الشرور وتحلل الأخلاق, وكم رأينا من مجتمعات شددت في أمور الزواج, فطلبوها بما لا يرضي الله ولا يرضي رسوله الله صلى الله عليه وسلم.

    الأمر الرابع والخامس: من أعظم مصالح النكاح أيضاً بناء الأسرة المسلمة, وأساس المجتمع الإسلامي هي الأسرة, ومنطلق الدين والأخلاق والبروز والظهور إنما هو بالأسرة, ولهذا أنيط بالأسرة أحكام لم ينطها الشارع بغيرها, فدل هذا على أن للنكاح مصالح عظيمة. ‏

    ما ينبغي أن ينويه من أراد الزواج

    المقدم: ويدخل يا شيخ عبد الله في قضية الأسرة طلب الولد كمصلحة وتكثير سواد الأمة!

    الشيخ: العلماء قالوا: ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتزوج أن يجعل من نيته أموراً:

    أولاً: أن يغض بصره, فإن في إتيان المرأة مطلباً شرعياً, قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ( أرأيت لو وضعها في حرام ), فغض البصر من أعظم العبادة.

    أيضاً: طلب النسل, فإذا تزوج طلباً للنسل, فإنه نيته صالحة, وعلى هذا فطلب النسل مقصود, بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: ( يا رسول الله! إني خطبت, أو قال: تزوجت امرأة ليست بولود, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعها عنك ), ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم حرمان هذه المرأة من هذا الزوج, ولكنه مشرع بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام, وأراد بذلك بيان أن طلب النسل مقصد شرعي, وأن الشارع يتشوف إلى وجود النسل.

    قد يكون النكاح كما قلنا واجباً, وقد يكون مباحاً, وهو في الشيخ الكبير الذي لا شهوة له, أو الرجل المصاب بالعنة, وهو الذي لا يستطيع أن يأتي النساء, فهذا لا يجب عليه ولا يستحب كما قال أهل العلم.

    وهل يمكن أن يكون النكاح حراماً؟

    مداخلة: قد يكون حراماً إذا أدى إلى بخس حق المرأة بعدم أداء حقوقها ...

    الشيخ: إذا غرها بذلك, وقال لها: إني عندي أموال وليس عنده مال, ربما يكون عقد النكاح هنا تغريراً بها, لكن هناك عقد نكاح يكون محرماً، وهو ما إذا كان الرجل..؟

    مداخلة: إن كان الرجل كافراً.

    الشيخ: نعم؛ لكننا نفترض رجلاً مسلماً وامرأة مسلمة, فهل يمكن أن يكون العقد حراماً؟ نقول: نعم, العقد ربما يكون حراماً, وهو ما لو كان الرجل محرماً والمرأة محرمة.

    1.   

    حكم النظر إلى المخطوبة

    الشيخ: المؤلف يقول: (ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر عادة):

    قوله: (فله النظر), وهذه الكلمة يقصد بها الإباحة لا الوجوب ولا السنية, والأقرب والله أعلم أن نظر المخطوبة مقصود شرعاً, وهو سنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر : ( إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها ).

    وفي حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها, إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة وإن كانت لا تعلم ), وقوله: (فلا جناح), دليل على أن ضد ذلك هو الجناح، وهو المنع إذا لم يكن النظر لأجل الخطبة.

    ومما يدل على الاستحباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل نظرت إليها ), في رواية مسلم : ( قال: لا, قال: انظر إليها, فإن في عيون الأنصار شيئاً ), قال أهل العلم: إن في عيون الأنصار صغراً, والمرء يتشوف إلى كبر العيون, فالرسول أمره أن ينظر إليها, وفي رواية مغيرة قال: ( فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ), وهذا دليل على استقرار الإنسان إذا نظر حتى لا تعتريه الوساوس, وهذا مقصد شرعي.

    وعلى هذا فنقول: النظر سنة للخاطب, والسؤال: هل هو سنة لأي خاطب, أم إذا كان راغباً في النكاح؟

    نقول: ينبغي أن يكون إذا كان راغباً في النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة ), يعني بقصد الخطبة, وبعض الناس يريد أن يتزوج فينظر في اليوم الواحد أربعاً وخمساً وستاً، وهذا لا ينبغي له أن ينظر ولا يجوز؛ لأنه ربما يكون نظره تطفلاً, هذا واحد.

    الثاني: لأن النظر إلى المرأة العفيفة المصونة وترك نكاحها ربما يؤذي نفسها وضميرها, وربما تتألم بذلك, فلا ينبغي للمسلم أن يؤذي أخاه المسلم, وعلى هذا فلا ينبغي له أن ينظر إلا إذا قصد هذه المرأة ورغب فيها في الجملة, فحينئذ نقول له: انظر إليها.

    ما يجوز أن ينظر إليه الخاطب من المخطوبة

    الشيخ: من المسائل أيضاً أنه يقول المؤلف: (ما يظهر عادة كوجهها وكفيها وقدميها).

    أي: يجوز للرجل أن ينظر من مخطوبته إلى ما يظهر عادة, والذي يظهر في بيتها هو شعرها ووجهها, وأول صدرها ونحرها, ويديها إلى وسط عضدها, وأول ساقيها, هذا الذي يظهر عادة مع محارمها, فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالنظر إلى المخطوبة ولو لم تعلم، وهذا دليل على أنه لا ينظر منها إلا ما يظهر غالباً.

    قلنا: ولو لم تعلم, فما الدليل على هذا.

    الجواب: حديث أبي حميد وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة وإن كانت لا تعلم ), وهذا حديث رواه الإمام أحمد والطحاوي وسنده جيد, فهذا يدل على أن للإنسان أن ينظر إلى مخطوبته ولو لم تعلم, بل قال جابر رضي الله عنه: ( فخطبت جارية, فكنت أتخبأ لها وأنظر إليها, فلما نظرت إلى ما يدعوني إلى نكاحها وتزويجها تزوجتها ), فهذا يدل على أن للإنسان أن ينظر إلى مخطوبته ولو لم تعلم.

    1.   

    مسائل يجب التنبه لها في أمور الخطبة

    الشيخ: لكن ينبغي أن يبين مسائل: ‏

    عدم تبادل الصور بين الخاطب والمخطوبة

    الشيخ: المسألة الأولى: أنه لا ينبغي تبادل الصور بين المخطوبين, وكم حصل من المفاسد والفساد العريض بين الرجل ومخطوبته لأجل ذلك, وربما تطمئن المرأة وترسل صورتها للخاطب, فيحصل اختلاف، فربما يحصل للخاطب أن ينتقم, وربما يكون ضعيف النفس, ضعيف الوازع الديني, وينشرها في وسائل الإعلام, فلا ينبغي أن يحصل هذا, وإذا أراد أن ينكحها فليأت من الأبواب الشرعية, وهو النظر في الخطبة.

    عدم مبالغة المخطوبة في التجمل

    من المسائل أيضاً أننا نقول: في الغالب أن المرأة إذا جاء الخاطب ليخطبها تبالغ في التجمل, حتى يخرجها هذا التجمل عن حقيقتها, وربما يكون تغريراً, فينظر إلى المرأة التي ليست بوضيئة على أنها وضيئة بما تضعه على وجهها, فيكون فيه نوع من التغرير؛ ولهذا نقول: المرأة تتجمل, ولكن هذا التجمل هو ما تتجمل به المرأة غالباً أمام محارمها وأمام نسائها، وهو أن تسرح الشعر، وأن تضع أحمر الشفاه على الشفاه, وأن تكتحل, هذا هو التجمل الطبيعي.

    أما أن تصفر وتحمر بحيث ربما يغر الزوج, فهذا لا ينبغي أن يكون, وإن كانت سبيعة الأسلمية حينما انتهت من عدتها قال الراوي: فلما انتهت من عدتها تجملت للخطاب, يعني استعدت، وليس التجمل بأن تبالغ المرأة بحيث يخرجها ذلك عن طبيعتها المعتادة.

    عدم منع ولي المرأة الخاطب من النظر إليها

    المقدم: عفواً يا شيخ عبد الله ! في مسألة النظر للمرأة دون أن تعلم, البعض يكون عنده حرج أو إشكالية في هذه الجزئية, هل لابد من علم وليها بهذا الأمر؟

    الشيخ: أحياناً بعض الآباء يكون عنده من الإدراك والسعة والفقه ما لا يمانع بالنظر, وهذا دليل على عقله وفقهه.

    فلا ينبغي للأب أو الولي أن يمنع من رؤية ابنته أو موليته, فإن في رؤيتها نفعاً لها؛ حتى يستطيع الإنسان أن يتراجع من أول الطريق, لكنه ربما يتزوجها بناء على ما حدث هو عنها, فربما يدخل فيجدها خلاف ذلك, وعلى هذا فإذا كان الأب لا يريد, والمرأة من عقلها أنها لا تمانع ولو ذهبت إلى بيت أخيها, ورآها الخاطب، فلا حرج في ذلك, أو يكون أبوها إذا علم أن البنت لا تريد, ويشق ذلك عليها وعلى نفسيتها, فلا مانع أن يجعله ينظر من حيث لا تعلم, وخاصة إذا كثر عليها الخطاب فأرادت ألا ينظر أحد إليها, خشية من أنه إذا نظر إليها امتنع, فيكثر هذا الكلام, فيكون الولي أو الأب حصيفاً في ذلك, فيجعل ابنته تأتي إلى المجلس, وينظر الخاطب وهي لا تعلم, فلا حرج في ذلك.

    المقدم: وفي هذا مزيد من مراعاة لنفسية المرأة.

    الشيخ: نعم هذا مقصد شرعي, قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19], يعني المعروف الذي لا تتضايق المرأة من ذلك, وهذا يدل على أن الشارع يتشوف إلى بقاء الضمائر على ما هي عليه, ولا يحدث عداوة ولا شحناء, كما سوف يأتي في الخطبة على خطبة أخيه.

    عدم خلو الخاطب بمخطوبته

    الشيخ: من المسائل أيضاً: أن الخاطب لا يجوز له أن يخلو بمخطوبته, فإنه يوجد -وقد كثرت الأسئلة- أن الخاطب إذا خطب ورضوا به, ربما يخلو بها ويذهبون إلى المطاعم العائلية ويتعشون أو يتغدون جميعاً، وهذا محرم, فلا يجوز إلا بعقد قران, فإن عقد على زوجته فإن له أن يذهب بها وأن يمسها وغير ذلك, لكن قبل عقد القران لا يجوز أن يخلو معها.

    وأما ما نسمعه وتسمعونه من أنه لا بد أن يكون هناك وئام وحب قبل العقد, فهذا كله من ألاعيب الشيطان, ومن المدنية التي لم ننتفع منها إلا بمثل ذلك, والمدنية الحقة أن ننتفع بالعلم وليس بثقافات الغرب التي مجوها هم أنفسهم, ولم يأتنا منها إلا الفساد والإفساد.

    عدم تمكين الخاطب من المخطوبة وإلباسها الشبكة

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن الشارع عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا يخلون رجل بامرأة ), والمرأة المخطوبة ما زالت أجنبية لا يجوز أن يتحدث الإنسان معها, وكذلك لا يجوز أن يصافحها.

    أن بعض الذين يخطبون النساء هم الذين يقومون بإلباس المخطوبة ما تسمى بالشبكة, وهذا حرام ولا يجوز, لأنه لم يعقد عليها بعد, فإذا نظر إليها المرة الأولى فلا يجوز له أن ينظر أكثر من هذا إذا رغب فيها, ولا يجوز أن يمسها, وهذا ينبغي أن يبين حكم ذلك.

    1.   

    أحكام الخطبة على الخطبة

    لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه

    الشيخ: يقول المؤلف: (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا ألا يسكن إليه).

    هنا لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه, وهذا قول عامة الفقهاء, وقول أبي العباس بن تيمية وهو قول الأئمة الأربعة وغيرهم من سلف هذه الأمة.

    ومعنى أن يخطب على خطبة أخيه: أن يعلم أن فلاناً خطب بنت فلان, فيأتي إلى هذا الولي فيخطب المخطوبة وقد خطبت من أخيه المسلم، فلا يجوز, والحكمة في هذا لئلا يحصل العداوة والشحناء, بل قال ابن عابدين : إن الذي يصنع ذلك إنما فيه جفاء وعداوة, وهذا حق, والشارع الحكيم قصد بقاء النفوس كما هي, وحزازات النفوس مقصود إزالتها والتحرز من وجودها.

    وهذا لحديث ابن عمر : ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه, حتى يأذن الخاطب أو يترك ), وحديث أبي هريرة مثله.

    الحالة الأولى التي تجوز فيها الخطبة على الخطبة

    الشيخ: المسألة الأخرى: يجوز للخاطب الثاني أن يخطب مخطوبة الخاطب الأول, في أحوال:

    الحالة الأولى: أن يأذن الخاطب الأول, يعني يقول: اذهب أنت, أنا سأخطب وأنت اخطب, فلا حرج في ذلك؛ لأن هذا حق له، فإذا أذن فيه فالحمد لله, يقول الفقهاء: وما ترتب على المأذون فيه فلا شيء فيه, وفي قول عندهم: فلا ضمان عليه, هذا واحد.

    الحالتان الثانية والثالثة لجواز الخطبة على الخطبة

    الشيخ: الحالة الثانية: أن يترك الخاطب الأول, يقول: كنت خطبت بنت فلان, والآن تركتها, فإذا ترك فلا بأس للخاطب الثاني أن يخطب.

    الحالة الثالثة: يقول المؤلف: (ألا يسكن إليه), يعني ما زالوا في التفاوض ولم يقبلوا, أو لم ترض الزوجة وما زالت في طور البحث, فلا حرج للخاطب الثاني أن يخطب, ونسبه النووي إلى جمهور الفقهاء.

    يعني أن فلاناً خطب, وإلى الآن لم يردوا عليه, فالجمهور يقولون: لا بأس للخاطب الثاني أن يخطب.

    والوجه الآخر عند الشافعية وظاهر كلام أبي العباس بن تيمية أنه لا يجوز للإنسان أن يخطب بعد وجود الخطبة من الخاطب الأول إلا أن يردوا عليه بالنفي, أما إذا كانوا ما زالوا في طور البحث, فإن هذا من باب تلقي الركبان, وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان), و(نهى أن يبيع بعضكم على بيع أخيه, وأن يخطب على خطبة أخيه), فكل هذه الحكم مقصود بها إزالة العداوة والشحناء, ومن المعلوم أن الخاطب الأول لو علم أن الخاطب الثاني خطب, وهو يعلم بالخطبة, لكان في ذلك من الشرور ما سيكون لو كان بعد إذنه وقبوله, فهذه حالة ثالثة, وقلنا الراجح فيها أنها لا تجوز.

    الحالة الرابعة لجواز الخطبة على الخطبة

    الشيخ: الحالة الرابعة: أن يجهل الخاطب الثاني الحال, فإن جهل الخاطب الثاني الحال فلا حرج أن يخطب, ولا يأثم, ومثاله: ما ثبت في الصحيحين ( أن فاطمة بنت قيس خطبها معاوية بن أبي سفيان و أبو الجهم , فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فرجل لا يضع العصا عن عاقته ), يعني بذلك أنه كثير السفر, وقيل: لأنه شديد على النساء, ( وعليك بـأسامة ، فقالت بيدها, أسامة أسامة ! قال: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك, قالت: فنكحت أسامة فاغتبطت ), وهذا يدل على أنه لا بأس للخاطب أن يخطب إذا كان يجهل حال وفعل الخاطب الأول.

    1.   

    التصريح والتعريض بخطبة المعتدة

    الشيخ: يقول المؤلف: (ولا يجوز التصريح بخطبة معتدة).

    التصريح بالخطبة أن يقول: أريد أن أتزوجك, أريد أن أنكحك, أريد أن أخطبك, فهذا تصريح, وغير التصريح وهو الذي يسمى التعريض, أن يقول: إني لمثلك لراغب, أو: لا تفوتينا بنفسك, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم لـفاطمة بنت قيس وهي في عدة زوجها الذي طلقها ثلاث تطليقات فبت طلاقها قال: ( لا تفوتينا بنفسك ), هذا يدل على أن التعريض غير التصريح.

    المؤلف يقول: لا يجوز التصريح في المعتدة, والمعتدة تنقسم إلى قسمين: معتدة بائن, ومعتدة غير بائن.

    فأما المعتدة غير البائن فهي المطلقة رجعياً, وهي التي طلقها زوجها طلقة أو طلقتين وما زالت في العدة, فالمعتدة الرجعية لا يجوز التعريض ولا التصريح بخطبتها؛ لأنها ما زالت ذات زوج.

    أما المطلقة البائن, فهي التي لا تستطيع الرجوع إلى زوجها, وهي المتوفى عنها زوجها وهي في العدة, والتي طلقها زوجها ثلاث تطليقات, وكذلك على القول الراجح التي فسخت من زوجها لأجل رضاع, مثل من تزوجت بأخيها من الرضاع ففسخ, وهي ما زالت في العدة؛ فلا بأس أن تتزوج؛ لأنه لا يجوز لها أن ترجع إلى الزوج الأول.

    وكذلك المعتدة من لعان, فلا بأس أن تخطب تعريضاً إذا كانت في عدة فسخ اللعان, يقول المؤلف: إذا كانت في العدة فلا يجوز التصريح, ويجوز التعريض, فالتصريح لا يجوز مطلقاً لأي مطلقة, وأما التعريض فيجوز للمطلقة البائن, كالمتوفى عنها زوجها ولم تعتد أربعة أشهر وعشرا, والتي في عدة الطلاق الثلاث, والتي فسخت من عقد لعان, أو من رضاع, فيجوز للإنسان أن يخطبها تعريضا, فيقول: إني لمثلك لراغب, أو: لا تفوتينا بنفسك.

    ودليل ذلك: يقول سبحانه وتعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235], والآية نزلت في المتوفى عنها زوجها أنه لا بأس بالتعريض, والتعريض غير التصريح, فدل ذلك على أن التصريح باقٍ على الأصل أنه لا يجوز.

    1.   

    الأسئلة

    المقدم: إذاً: دعنا نتوقف عند هذا القدر, ونترك المجال للإخوة الحضور لتوجيه الأسئلة لفضيلة الشيخ.‏

    حكم من ينفر من المخطوبة إذا رآها فلم يعجبه جمالها

    السؤال: أحسن الله إليك! بعض الخطاب يقدم على رؤية المخطوبة ثم يحجم عن الإقبال على الزواج, بعد ذلك يرى أن من النصيحة الإخبار بعيوب المخطوبة أو غير ذلك, فيخبر بعض الناس ممن أراد أن يقدم على خطبتها، فما حكم ذلك؟

    الجواب: أحسنت! جزاك الله خيراً, هذا مهم لفت الأنظار إليه, وهو أن بعض الناس يخطب المرأة, ثم يحجم بسبب أن قلبه لم يرتح لها, لكن المشكلة أنه ربما يسأله الشخص, فيقول: أنت خطبت فلانة؟ قال: نعم, قال أنا أريد أن أخطبها, فما رأيك فيها؟ فلا ينبغي له أن يذكر هذا؛ لأن مسألة الجمال مسألة نسبية, فربما يأتي الرجل وهو يرغب في وصف معين ولم يجده في هذه الزوجة, فيبالغ في تقليلها, فربما يكون الخاطب الثاني لم يضمر في نفسه ما يطلبه الخاطب الأول, فربما بالغ في ذمها فيتركها, وربما يمنع الأرزاق, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( دعوا الناس يرزق بعضهم بعضا ), كما في صحيح مسلم من حديث جابر .

    ثانياً: أن هذا ليس من باب النصيحة؛ لأن له أن يقول: لا تتزوجها, فإن في دينها شيئاً, أو في خلقها شيئاً, لكن مسألة الجمال مسألة نسبية تتفاوت, فلا ينبغي للإنسان أن يقول كذلك, لكنه لو سئل ولم يعلم, يقول: والله لا أدري لكن أنا أخبرت بكذا, لكن إذا جاء وهو يعلم فالأولى ألا يصنع ذلك؛ لأنه ربما يمنع الناس من رزق، ومسألة الجمال تتفاوت.

    حكم الزواج بشرط عدم الإنجاب

    المقدم: نأخذ سؤالاً ورد عبر الإنترنت, هذا السائل من الإمارات يقول: السلام عليكم شيخنا الفاضل! هل يجوز الزواج ويكون من شروطه عدم الإنجاب برضا الطرفين؟

    الشيخ: هذه سوف نأتي إليها إن شاء الله, ولكن نقول: منع بعض أهل العلم أن يتزوج الإنسان لقصد الوطء فقط, الذي هو طلب العفة؛ لأنه لابد أن يطلب النسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تزوجوا الولود الودود, فإني مكاثر بكم الأمم ), وقالوا كما عند الحنابلة في قول: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع الرجل أن يتزوج المرأة لأنها عقيم, فدل ذلك على أن طلب النسل مقصود.

    والجواب الصحيح والراجح في أصح أقوال أهل العلم: أن ذلك لا بأس به إذا رضي كل من الزوجين بعدم الإنجاب, إلا أن ذلك مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تزوجوا الولود الودود, فإني مكاثر بكم الأمم ), وهذا على سبيل الاستحباب, ولا ينبغي للإنسان أن يترك هذا الأمر, هذا هو الراجح.

    حكم النظر إلى المخطوبة قبل الخطبة وبعدها

    السؤال: بالنسبة للنظر, هل يكون قبل الخطبة أو بعد الخطبة؟ أو هناك نظرتان: نظرة قبل ونظرة بعد؟

    الجواب: سؤال جيد, النظر يكون قبل الخطبة, وله أن ينظر بعد الخطبة, والواقع في المجتمع أنهم ينظرون بعد الخطبة, وبعضهم ما خطب إلا وقد نظر إليها, وكأن جابراً رضي الله عنه نظر إليها قبل أن يتقدم إلى ولي الزوجة, بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أراد أحدكم أن يخطب امرأة فلا جناح ), فهذا يدل على أنه إلى الآن لم يخطب, يدل على أن النظر إلى المرأة لا بأس أن يكون بعد الخطبة وقبل الخطبة, شريطة أن يكون قاصداً للنكاح من هذه المرأة.

    حكم سؤال الخاطب المخطوبة عما إذا كانت خطبت من قبل

    السؤال: هل يجب سؤال الخاطب المخطوبة إذا كانت مخطوبة من قبل أم لا؟

    الجواب: لا يلزم أن يسأل الإنسان قبل أن يخطب: هل هي كانت مخطوبة أم لا, هو يتقدم، إلا أن يجهل الحال, فإن جهل الحال فالحمد لله.

    ما تحصل به الخطبة

    السؤال: يا شيخ! بماذا تحصل الخطبة؟ هل تقع بأن يقول لها: أنا خطبتك مثلاً؟

    الجواب: طريقة الخطبة أنه يذهب إلى ولي المرأة, سواء كان الولي أباها أو أخاها أو غير ذلك, فيقول: أريد أن أتزوج فلانة, فإن قالوا: تقدم, فإن هذا يكون قبولاً منهم, وهذا يكون خطبة, أما الاصطلاح فسواء كونه قال: أريد أن أخطب فلانة, أو أريد أن أتزوج فلانة, أو أريد أن أتزوج فلانة, أنا راغب في فلانة, أنا لي في فلانة, هذا كله لا بأس به؛ لأنه لم يتم العقد, أما إذا أريد إبرام العقد فإن للحنابلة والشافعية صيغاً معينة لابد من وجودها، وسوف نتحدث عنها إن شاء الله.

    حكم العزوف عن الزواج

    السؤال: نأخذ آخر سؤال, الحديث عن النكاح وأنه من سنن المرسلين، يقول السائل أبو فريان من السعودية: أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة بأن يعتزل النساء إذا اتسعت المدينة, فهل يؤخذ من هذا جواز العزوف عن الزواج؟

    الجواب: أولاً: هذا الحديث فيه نظر, فالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بترك النكاح, ولو أذن لأذن لـعثمان بن مظعون ، وقد كان له في أول الإسلام, وقد قال سعد بن أبي وقاص : ( ولو أذن لاختصينا ), وحديث أنس في آخر الإسلام، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولكني أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).

    وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد بسند جيد: ( حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ), فطلب النكاح مقصد شرعي لا ينبغي تركه.

    1.   

    ركنا النكاح الإيجاب والقبول

    المقدم: نمضي قدماً في الدرس.

    قال المصنف: [ ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب من الولي أو نائبه, فيقول: أنكحتك أو زوجتك, وقبول من الزوج أو نائبه فيقول: قبلت أو تزوجت, ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ويقرأ ثلاث آيات: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102], وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1], اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يصلح لكم أعمالكم [الأحزاب:70] الآية, ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف للنساء ].

    تعريف الإيجاب والقبول وألفاظهما

    الشيخ: جزاك الله خيراً.

    يقول المؤلف: (ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب من الولي), هنا دخل المؤلف في أركان عقد النكاح, ولم يذكر المؤلف من أركان النكاح إلا ركناً واحداً مفصلاً بركنين, فإن شئت فقل: ركناً واحداً بقسميه, أو قل ركنين, وهما الإيجاب والقبول.

    والإيجاب والقبول هما ركن واحد يسمى الصيغة؛ لأن الصيغة داخلة في ماهية العقد, والمؤلف لم يذكر إلا هذا الركن, ولم يذكر الركن الآخر وهما الزوجان الخاليان من الموانع؛ لظهوره؛ لأنه لا يمكن أن يكون زواج من غير زوج وزوجة, فدل على أنه تركه لوضوحه وظهوره, ولم يذكر من ذلك إلا ما أشكل, ثم إن المؤلف سوف يأتي إلى هذا الشرط في عيوب النكاح كما سوف يأتي إن شاء الله قريباً.

    فالمؤلف يقول: (ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب وقبول):

    الإيجاب: وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه.

    والقبول: هو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه.

    ومعنى (من يقوم مقامه): من يؤذن له في إبرام العقد, سواء كان قبولاً أو إيجاباً.

    مذهب الشافعية والحنابلة في صيغة العقد وأدلتهم

    الشيخ: هذان هما ركنا النكاح عند الحنابلة, وقالوا: إنه لا يجوز أن يقول في الإيجاب إلا لفظين, اللفظ الأول: أنكحتك, والثاني زوجتك, قالوا: فلو قال في الإيجاب: ملكتك, أو خذ بنيتي, أو أعطيتك ابنتي, أو غير ذلك من الألفاظ لم يصح النكاح, كذلك القبول يجوز أن يقول: قبلت, أو يقول: قبلت هذا النكاح, أو قبلت هذا الزواج, لكنه لو قال: قبلت هذا العطاء, لم يصح, هذا القول هو مذهب الحنابلة, ومذهب الشافعية.

    وقبل ذكر القول الثاني نذكر دليلهم؛ قال المؤلف في الشرح: لأن ما سواهما لا يأتي على معنى النكاح فلا ينعقد به.

    والأولى أن يستدل لهم بأن يقال؛ لأن لفظ الإنكاح والتزويج هما اللفظان الواردان في القرآن؛ لقوله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230], وقوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22], هذا لفظ النكاح.

    أما لفظ التزويج فقول الله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ [الأحزاب:37], هذا القول الأول.

    الراجح فيما ينعقد به النكاح من الألفاظ ودليله

    الشيخ: القول الثاني في المسألة: أنه يجوز النكاح بغير لفظ النكاح والتزويج, وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية, و أحمد في المنصوص عنه, بل قال أبو العباس بن تيمية : لا أعلم نصاً لـأحمد إلا بمثل هذا, أي الانعقاد بأي لفظ دل على النكاح.

    ومما يدل على قوة هذا القول أمور:

    الأول: أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني, لا بالألفاظ والمباني, فاللفظ غير مقصود, وإنما المقصود المعنى, فلو قال شخص: وهبتك سيارتي بمائة ألف, صار بيعاً لا هبة, فالعبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.

    الدليل الثاني: أنه ورد في السنة ما يدل على عدم تخصيص هذين اللفظين, فقد صح عند البخاري و مسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي في قصة المرأة التي وهبت نفسها للنبي ورغب النبي عنها, فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها, وفيه: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن ), فدل ذلك على جواز العقد بغير لفظي النكاح والتزويج، وهو التمليك.

    الدليل الثالث: أن العقود كالنكاح وغيره ليست ألفاظها تعبدية توقيفية, لا يجوز غيرها, ولو كانت تعبدية لورد الشرع بذلك, فلما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك, فالمرجع في ذلك إلى اللغة والعرف, وكل ما أتى في الشرع من غير تحديد فالعرف واللغة هما اللذان يحددان, وقد دل على أن العرب والعجم يتزوجون على سنة الله ورسوله ويصح العقد, ولو كان اللفظ مقصوداً لبينه الشارع بياناً, والشريعة صالحة لكل زمان ومكان, وهذا هو الراجح.

    1.   

    فائدة عما يدور بين الناس في المجالس من المزاح في الزواج

    الشيخ: لكن هنا فائدة: يتداول في المجالس أن فلاناً دخل على أب لفلانة وقال: من هذه البنت الصغيرة؟ فقال: هذه بنتي, قال: تزوجتها, قال: قبلت خذها لك, قالوا: فهذا عقد, ولم يكن ثمة شهود وغير ذلك!

    فهذا ليس بصحيح, وهذه قصص تتداول في المجالس, لكن لو قال الأب: زوجتك بنتي التي أصغر من تسع سنين, فقال الرجل: قبلت, وكان هناك شهود, نقول: هذا عقد صحيح, أما من غير شهود فلا, فإن لم يكن يدخل بها إلا بعد بلوغها فلا بد من الأخذ بإذنها, فإن أذنت فالحمد لله, وإلا فإنه فلا يتزوجها.

    1.   

    أسئلة البرنامج والخاتمة

    المقدم: نستأذنك شيخ عبد الله في الوقوف عند هذا المقطع, بحيث نكمل بإذن الله تعالى في درس الغد.

    الشيخ: إن شاء الله.

    المقدم: أحبتنا الكرام! إلى هنا ينتهي لقاؤنا بكم في هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية العلمية, وهو في عمدة الفقه في كتاب النكاح, استضفنا من خلاله صاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية لشئون الدورات والتدريب, شكر الله له!

    شكراً لكم أنتم على طيب متابعتكم ومشاهدتكم, ولعلنا -يا شيخ- قبل أن نختم -وكما جرت العادة في دروس الأكاديمية- توجهون سؤالاً للإخوة بحيث نتلقى الإجابة عليه إن شاء الله تعالى في الغد.

    الشيخ: السؤال هو: ما هي المسائل التي يرخص فيها في الخطبة على خطبة أخيه المسلم؟ ذكرنا أربعاً, ما هي هذه الأشياء؟ والله أعلم.

    المقدم: جميل! إذاً لعلنا نتلقى الإجابات عبر موقع الأكاديمية وعبر الاتصال الهاتفي في درس الغد بإذن الله تعالى, وحتى نلقاكم فيه, نستودعكم الله.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768242271