إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب النكاح [2]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النكاح عقد شرعي يحل به الاستمتاع بين الزوجين، ويستحب عند العقد أن يخطب بخطبة ابن مسعود، كما يستحب إعلان النكاح والضرب بالدف وغير ذلك مما ذكر الفقهاء. ويعقد للمرأة عقد الزواج ولي من أوليائها العصبات على حسب ترتيبهم في القرابة، فلا ولاية للأبعد مع وجود الأقرب في الأصل أو وكيله؛ لأن الولي في النكاح شرط لصحة العقد عند الأكثرين، وكذلك الشهود.

    1.   

    إجابة أسئلة البرنامج والتعليق عليها

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها المشاهدون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية الإسلامية التي تأتيكم على قناة المجد العلمية, حيث يسرنا وبترحاب بالغ أن نرحب بصاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية, أهلاً ومرحباً بكم شيخ عبد الله !

    الشيخ: حياكم الله، ومرحباً بالإخوة المستمعين والمستمعات!

    المقدم: ترحيبنا موصول بكم أيها الأحبة وبالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك, ونسعد كثيراً بتواصلكم معنا من خلال إجاباتكم على الأسئلة التي سيطرحها الشيخ عبد الله في نهاية كل حلقة, وكذلك من خلال تلقينا لأسئلتكم التي تبعثون بها عبر البريد الإلكتروني على موقع الأكاديمية, وكذلك عبر اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم تباعاً على الشاشة, نرحب بكم مرة أخرى شيخ عبد الله .

    الشيخ: حياكم الله!

    المقدم: وكنتم قد طرحتم في الدرس الماضي سؤالاً, وطلبتم من الإخوة المشاهدين الإجابة عليه, وقد تلقى بريد البرنامج مجموعة كبيرة من الإجابات, دعنا نستأذنكم في استعراضها.

    المسائل التي يرخص فيها للخاطب على خطبة أخيه

    الشيخ: تفضل.

    المقدم: كان السؤال في الحلقة الماضية عن المسائل التي يرخص فيها للخاطب على خطبة أخيه المسلم, فكان من الإجابات إجابة الأخت خديجة من المغرب تقول فيها:

    أولاً: أن يأذن الخاطب الأول.

    ثانياً: أن يترك الخاطب الأول، يقول: كنت قد خطبت بنت فلان والآن تركتها.

    ثالثاً: ألا يسكن إليها، بمعنى أنهم ما زالوا في التفاوض, ولم يقبلوا به, فلا بأس للخاطب الثاني أن يخطب.

    ثم ذكرت تعليقاً تقول: عند الشافعية وابن تيمية رحمه الله قول آخر: بأنه لا يجوز للإنسان أن يخطب بعد وجود الخطبة من الخاطب الأول, وفصلت في هذا الأمر!

    ورابعاً: أن يجهل الخاطب الثاني الحال, فإن جهل الحال فلا حرج أن يخطب.

    الشيخ: جميل.

    المقدم: هذه إجابة الأخت خديجة من المغرب, وهناك إجابة أيضاً من الأخت أم إبراهيم من السعودية قريبة من هذه الإجابة, ونستعرض الإخوة الذين شاركونا, ونشكرهم على هذا التواصل، وهم:

    الأخ عبد الرحيم المغراوي من المغرب أيضاً بعث بإجابة, نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية, الأخت حفيدة الصحابة أيضاً من السعودية, ذكرت هذه الحالات الأربع, طلحة من السعودية, بو العراس عبد الرفيق من الجزائر.

    وأيضاً الأخت فوزية من الكويت, و طالب العلم الشرعي من المغرب, و السعدية أم عبد الرحمن من المغرب أيضاً.

    وأيضاً إجابات الأخت رياحين من مصر, ذكرت نفس التفصيل, والأخت مريم من السعودية, والمفكرة من السعودية, وغيرها من الإجابات كثيرة ولله الحمد.

    الشيخ: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم لما يحب ويرضاه, وأن يجعلهم من طلبة العلم الذين يوفقهم الله سبحانه وتعالى في دينهم ودنياهم.

    المقدم: آمين بإذن الله تعالى.

    1.   

    تكرار النظر للخاطب والمحادثة مع المخطوبة

    حكم تكرار نظر الخاطب إلى المخطوبة

    الشيخ: بداية أرحب بالإخوة الحضور, وبالإخوة المستمعين والمستمعات, وبقي بعض المسائل في موضوع الخطبة, لم يسعفنا الوقت لتدارك شرحها.

    المسألة الأولى: حكم التكرار في نظر الخاطب لمخطوبته, يعني يأتي الخاطب إلى المخطوبة وربما يعتريه بعض الحياء, فينظر إليها لكن ليس نظر تأمل وتدقيق, فهل له أن ينظر مرة ثانية؟ أي: لو أنه نظر وخرجت المرأة فهل له أن يطلب مرة ثانية أن ينظر إليها؟

    نقول: نعم, لا بأس أن ينظر مرة, ومرتين، وثلاثاً حتى يسكن إليها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ), كما جاء عند أهل السنن من حديث المغيرة بن شعبة .

    والثاني: ألا يكون قصده التطفل والحرج, هذان شرطان للتكرار في النظر.

    حكم الحديث مع المخطوبة عند وجود محرم لها

    الشيخ: مسألة أخرى: هل للخاطب أن يتحدث مع مخطوبته مع وجود محرمها؟

    فأحياناً الخاطب يطلب الحديث مع المخطوبة مع وجود المحرم, أولاً: لكي يعرف هل فيها عي أم ليس فيها عي؟ وهذا لا بأس به أيضاً؛ لأنه ربما يمنعه عيها من الارتياح والمودة التي تكون في القلب, فلا حرج أن يتحدث الخاطب مع مخطوبته مع وجود محرمها, فمثلاً يسألها: تدرسين في أي مكان؟ ما هوايتك؟ بحيث يعرف ما هي طريقة حديثها.

    1.   

    مستحبات النكاح

    الخُطبة -بالضم- قبل العقد

    الشيخ: ندخل في المسألة: وهي قول المؤلف: (ويستحب أن يخطب قبل العقد), وقد قرأت يا شيخ ياسر هذا الباب كاملاً إلى باب ولاية النكاح, فلعلنا نشرح من غير قراءة؛ لأننا قرأنا بالأمس.

    المقدم: تفضل يا شيخ!

    الشيخ: المؤلف يقول: (ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود ).

    ابن مسعود رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الخطبة في التشهد، وعلمهم الخطبة عند الحاجة، وقال: ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ), ثم قرأ الثلاث الآيات المذكورة في المتن.

    وبالمناسبة نلاحظ أن كثيراً من الخطباء والمتحدثين والأدباء, يزيدون في هذا الحديث قول: (ونستهديه), وهذه الزيادة لم تكن موجودة في الروايات, والبقاء على النص مطلب, ولا حرج في زيادتها, لكنها ليست من عند النبي صلى الله عليه وسلم.

    المؤلف يقول: إنه يستحب أن يخطب بهذا قبل العقد, وهذا قول عامة أهل العلم، أنه يستحب للإنسان إذا أراد أن يعقد بين الزوج وزوجته أن يقول مأذون الأنكحة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه.. الحديث, فهو من المستحبات, وهذا كما قلنا قول عامة أهل العلم, خلافاً لـداود الذي قال بالوجوب.

    إيقاع العقد مساء يوم الجمعة

    الشيخ: ومن المستحبات التي ذكرها بعض أهل العلم: أن يعقد مساء يوم الجمعة, وقد فعله بعض الصحابة كـضمرة وغيره, وقالوا: لأن مساء يوم الجمعة فيه دعوة مستجابة, كما جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي إلا استجيب له ).

    فقالوا: يستحب أن يعقد بعد صلاة العصر مساء يوم الجمعة, كي يوافق هذه الدعوة, ولكننا نقول: ما الدليل على ذلك؟ إذا فعل الصحابة أو بعض الصحابة أمراً فهو دليل على الجواز, أما الاستحباب فلا بد له من دليل, وقد جاء في بعض الروايات من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى يوم الجمعة وصام يومه, وعاد مريضاً وشهد نكاحاً وجبت له الجنة ), ولكن هذا الحديث لم يسعفنا؛ لأنه ضعيف بمرة, فيه محمد بن حفص الوصابي وهو ضعيف كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم.

    وعلى هذا فنقول: إن تخصيص يوم الجمعة جائز، ولكنه ليس بمستحب, ولم نقل: (بدعة) لأنه كما يقول أبو العباس بن تيمية : كل فعل فعله الصحابة رضي الله عنهم فلا يوصف بالبدعية.

    إعلان النكاح

    الشيخ: المؤلف يقول: (ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف للنساء), في هذا الكلام مسائل:

    المسألة الأولى: استحباب إعلان النكاح, وهذا قول عامة أهل العلم, أنه يستحب إعلان النكاح, ومعنى إعلان النكاح هو إظهاره وإشهاره, إما بالأفراح, وإما بالذكر والإعلان بأن يقال: فلان بن فلان تزوج فلانة بنت فلان, أو يذكر في فرح ويدعى الناس, ويجتمعون, فهذا نوع من الإعلان.

    وهذا قول عامة أهل العلم أنه يستحب الإعلان, بل قال الزهري : كل نكاح ليس فيه إعلان, وطلب من الشهود أن يكتموه، فإنه نكاح سر لا يصح, من شدة أهمية الفرق بين النكاح والسفاح.

    ولكننا نقول: إذا توفرت الشروط فإنه يجوز ولكنه يكره, وقد قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: إن الإعلان أولى من الإشهاد, فلو وجد إعلان للنكاح من غير إشهاد لصح, أما لو وجد إشهاد من غير إعلان, يعني يأتي شهود فيشهدون ويكتمون هذا النكاح, يقول ابن تيمية : فهذا ينظر فيه, وأما إذا لم يوجد إشهاد ولا إعلان, فهذا باطل عند عامة أهل العلم, فهذا يدل على أهمية الإعلان.

    ودليل هذا ما رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالغربال ), وهذا الحديث في سنده خالد بن إياس وهو ضعيف كما أشار إلى ذلك البيهقي رحمه الله.

    وأحسن منه ما رواه يحيى بن أبي سليم عن محمد بن حاطب , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والضرب بالدف ), وهذا الحديث إسناده جيد.

    وعلى هذا فنقول: إن الإعلان والصوت -والصوت المراد به الإعلان, بأن يتحدث الناس بأن هذا زواج فلان بن فلان- مستحب.

    الضرب بالدف في النكاح

    الشيخ: المؤلف قال: (والضرب عليه), يعني أشار إلى أنه يستحب الضرب بالدف, وهذا مذهب الحنابلة أن الضرب بالدف مستحب, واستدلوا على ذلك بحديث عائشة : ( أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال ), وقلنا: إن الحديث ضعيف.

    وذهب الشافعية إلى أن الإعلان إذا وجد فإن الضرب بالدف مباح, وهو مباح بقول عامة أهل العلم, لكن النظر في الاستحباب, قال الشافعية: هو مباح وليس بمستحب؛ لأن الأصل في الدف المنع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم عليه بأنه مزمار أو أقر أبا بكر بقوله: (أمزمار من مزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: دعهما فإنه يوم عيد), قالوا: فإذا رخص من حظر, دل على أنه ليس بسنة ولكنه مباح, وهذا القول قوي.

    وعلى هذا فنقول: يباح الضرب بالدف في النكاح, وقد قال أبو مسعود , وفي رواية ابن مسعود كما ذكر ذلك ابن أبي شيبة في المصنف: أن أحد التابعين رأى أبا مسعود -وفي رواية ابن مسعود- في نكاح، وإذا بين يديه الجواري الإماء يضربون بالدف, فقال: أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: إنه رخص في الأعراس, والرخصة دليل على الجواز.

    1.   

    شروط إباحة الضرب بالدف

    الشرط الأول: أن يكون ضرب الدف من النساء دون الرجال

    الشيخ: ولضرب الدف شروط:

    الشرط الأول: أن يباح ضرب الدف للنساء دون الرجال, وهذا قول عامة أهل العلم, بل حكى أبو العباس بن تيمية رحمه الله أنه لم يكن يفعل بين الرجال. ذكر ذلك في كتاب الاستقامة, بل قال: ولم يكونوا يتاجرون على الضرب بالدف كما يصنع الآن.

    والمتاجرة: هي ما تقوم به بعض النساء، بحيث تكون هذه مهنتها.

    بل قال رحمه الله: ولا يعطى مبلغاً من المال.

    وقول ابن تيمية محل تأمل! فقد روى ابن أبي شيبة أن ابن عباس رضي الله عنهما ختن بنيه, وأعطى اللاعبين أربعة دارهم, واللاعبون هم الصبيان الصغار الذين ضربوا بالدف, فهذا يدل على جواز العطاء, أو جواز الإعطاء, وهذا فعل من ابن عباس وهو أولى لنا من غيره, فهو حبر الأمة وترجمان القرآن, لكننا نقول: إن الدف لابد أن يكون من النساء.

    الشرط الثاني: ألا يكون في الدف جلاجل وصنوج

    الشيخ: الشرط الثاني: ألا يكون في الدف جلاجل وصنوج, هذا قول أكثر أهل العلم من الحنابلة والمالكية والشافعية.

    وجوز بعض المالكية وبعض الشافعية أن يوجد فيه جلاجل, ولكننا نقول: البقاء على النص مطلب, وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الدف الذي كان يفعل, وهو أولى.

    الشرط الثالث: أن يكون في مناسبة يشرع فيها كالنكاح والختان

    الشيخ: الشرط الثالث: وهل له وقت معين؟ يعني الضرب بالدف للنساء, هل له وقت معين؟

    خص ذلك المالكية بالنكاح خاصة؛ لأن المالكية قالوا: يضرب بالدف للنساء في النكاح خاصة.

    وذهب الحنابلة إلى أنه في النكاح وفي الختان؛ لحديث ابن عباس , وإذا ولد له مولود, ولقدوم غائب, ولعقد الإملاك, الذي هو عقد القران.

    وذهب أبو يوسف من الحنفية إلى أنه لا يكره الضرب بالدف للنساء في كل فرح إذا لم يكن ثمة فسق, يعني ما لم يكن فيه مجون, مثل رقص غربي أو شرقي, أما إذا كان فيه تدفيف, (تدففان) كما في حديث عائشة ، فهذا لا بأس به للجواري -البنات الصغار- في كل فرح.

    ودليل قول أبي يوسف هو ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث بريدة : ( أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالغربال, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوفي بنذرك ).

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أوفي بنذرك ), دليل على أن ضربها بالدف هنا مباح, ولو كان مكروها أو محرماً لمنعها من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: ( لا وفاء لنذر إلا في ما ابتغي به وجه الله ), وفي رواية: (لا نذر في معصية), فدل ذلك على أنه ليس بمعصية.

    وهذا أشار إليه شيخنا عبد العزيز بن باز رحمة الله تعالى عليه, وهو قول أبي يوسف ، وهو قول قوي إذا كان للجواري الصغار.

    أما إذا كان فيه مجون أو غناء فاحش من تشبيب بالنساء وغير ذلك, فهذا يمنع ابتداء, سواء وجد دف أو لم يوجد, وأسأل الله سبحانه وتعالى الإعانة.

    1.   

    حكم الغناء

    المقدم: لكن يا شيخ عبد الله , الكلمات التي تقال أحياناً مع الدف, هل هناك أيضاً ضابط لها؟

    الشيخ: نحن قلنا هذا باستثناء مسألة الغناء, فالغناء إذا كان فيه تشبيب بين الرجال والتغزل الشديد, فهذا يمنع لأنه محرم, ولو لم يكن فيه موسيقى, أما إذا وجد فيه موسيقى فهو إثم على إثم, وقد حكى ابن الصلاح الإجماع على أن الغناء الذي فيه تشبيب -يعني غزلاً فاحشاً- محرم.

    ولنذكر مسألة الغناء إن شئت, أي: هل الغناء مباح أم ليس بمباح؟

    نقول والله تبارك وتعالى أعلم:

    الغناء مجمع على تحريمه عند الصحابة, ولا يعلم عند الصحابة خلاف في ذلك, فقد حلف ابن مسعود كما في الحديث الصحيح عنه, و ابن عباس على أن قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6], قال: والذي نفسي بيده إنه الغناء. وهو دليل على التحريم؛ لأن الله يقول: أُولَئِكَ لَهمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6].

    ومن الأدلة على ذلك ما رواه أبو مالك الأشعري كما عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن أقوام من أمتي, يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ).

    وهذا الحديث رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم, وقد رواه موصولاً غير واحد من أهل العلم, وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري أنه رواه غير البخاري من تسع طرق, كلهم رووها بسند صحيح.

    والعجب ممن لا يأخذ بهذا الحديث بحجة أن هشام بن عمار تكلم فيه الإمام أحمد وهو من رجال البخاري , ثم يستدل على الجواز بأحاديث ليست من رجال البخاري ولا مسلم ولا أهل السنن, وربما احتجوا بكتاب لـأبي الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني, و أبو الفرج الأصبهاني ليس بحجة؛ فكيف يحتج بالأحاديث التي ذكرها؟!

    وهذا استطراد مهم ذكرناه عرضاً!

    1.   

    ولاية النكاح

    المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ باب ولاية النكاح:

    لا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين, وأولى الناس بتزويج الحرة أبوها, ثم أبوه وإن علا, ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل, ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها, ثم معتقها ثم الأقرب فالأقرب من عصباته, ثم السلطان, ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه, ولا يصح تزويج الأبعد مع وجود أقرب منه, إلا أن يكون صبياً أو زائل العقل أو مخالفاً لدينها, أو عاضلاً لها, أو غائباً غيبة بعيدة, ولا ولاية لأحد على مخالفة لدينه, إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة ].

    من شروط عقد النكاح الولي

    الشيخ: جزاك الله خيراً, يقول المؤلف: (باب ولاية النكاح).

    الآن المؤلف بعدما انتهى من أركان النكاح شرع في شروط النكاح, وأول شرط ذكره المؤلف هو الولي, فالولي من شروط عقد النكاح, هذا هو قول جماهير أهل العلم من السلف والخلف, وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة, خلافاً لـأبي حنيفة .

    ودليل الولي هو ما رواه أبو موسى الأشعري , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا نكاح إلا بولي ), وهذا الحديث تكلم فيه, والصحيح أنه حديث صحيح, احتج به وصححه البخاري و علي بن المديني و محمد بن يحيى الذهلي ، والإمام أحمد رحمهم الله تعالى, والأئمة من بعدهم.

    ومما يدل على شرطية الولي قول الله تعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232], وهذا خطاب للأولياء, ولو لم يكن الولي شرطاً لما كان لمخاطبته فائدة.

    ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ [النور:32], وهذا خطاب للأولياء, هذا هو الراجح.

    وقد روى الإمام أحمد رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها من طريق ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت نفسها من غير ولي فنكاحها باطل, باطل, باطل, ولها المهر بما استحل من فرجها, وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ), وهذا الحديث حديث قوي, وإن تكلم فيه جماعة من أهل العلم.

    فالراجح أن الولي شرط, ولا ندخل في تفاصيل ذلك.

    من هو الولي؟

    الولي هو القريب الذي ولاه الله سبحانه تزويج من لا يزوج نفسه, كالمرأة والصبي الصغير فإنه لا يزوج نفسه, بل يزوجه وليه, كذلك المرأة على القول الراجح كما مر معنا.

    شروط الولي في عقد النكاح

    الشيخ: والمؤلف لم يذكر شروط الولي, فلو ذكرناها على عجل.

    فمن شروط الولي: أن يكون حراً, لأن غير الحر ليس له ولاية على نفسه, فكيف يكون له ولاية على الغير؟!

    الثاني: أن يكون مكلفاً, يعني بالغاً عاقلاً, فالصبي لا تصح ولايته في عقد النكاح, هذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله, وما جاء في حديث ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه: أن أم سلمة قالت: قم يا عمر , فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهذا حديث ضعيف؛ لأن فيه ابن عمر بن أبي سلمة وهو مجهول كما أشار إلى ذلك ابن حبان وغيره, ولو صح فإن أحمد رحمه الله قال: ليس هذا الحديث دليلاً على أن عمر كان صغيراً, والأصل أن الصبي ليس ولياً إلا أن يكون بالغاً عاقلاً.

    كذلك الموافقة في الدين, فإذا كان يوافقها في الدين فنعما هي, فأما إن كان وليها كافراً فلا يزوج المسلمة, وحينئذ, فما الحل؟

    نقول: يزوجها السلطان المسلم, فإن لم يكن ثمة سلطان فالمراكز، فيقوم مدير المركز الإسلامي الذي له ولاية وكلمة بين المسلمين كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

    وإن وقع إحراج للمرأة المسلمة فليؤت بوليها ويحضر مراسيم عقد النكاح، وإن كان موجوداً مدير المركز الإسلامي في بعض البلاد الأوروبية, وهذا صدر فيه فتوى من المجامع الفقهية, ومن هيئة كبار العلماء, برئاسة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله تعالى على الجميع.

    اشتراط الشاهدين لعقد النكاح

    الشيخ: ومن شروط عقد النكاح: الشاهدان.

    يقول المؤلف: الشاهدان شرط من شروط عقد النكاح, وهذا مذهب الجمهور خلافا لـمالك .

    واستدل أهل العلم على هذا بحديث جابر : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ), هذا حديث رواه ابن ماجه وفي سنده ضعف, فإن فيه محمد بن عبيد الله العزرمي , أو العرزمي ، وهو ضعيف, والأحاديث في هذا الباب لا تصح في الشاهدين، إلا أن بعضها يشد بعضاً.

    وقد قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: إذا وجد الإعلان بحيث اشتهر عند الناس أن فلاناً تزوج فلانة ولم يوجد الشهود يصح النكاح, ولا ينبغي أن يفتى به إلا للضرورة والحاجة, فنبقى على قول الجمهور وهو أولى, والأحاديث يشد بعضها بعضاً.

    وقد قال ابن عباس بسند صحيح: لا نكاح إلا ببينة, وهذا إسناد صحيح موقوف على ابن عباس , وقال أبو هريرة رضي الله عنه: فإنما الزانية هي التي تنكح نفسها, فإذا نكحت نفسها من غير شهود ولا ولي, فإن في هذا سبباً لعدم حفظ الأعراض, والمرأة ضعيفة, فلربما اغترت بكلام الزوج, وظنت حسناً ما ليس بالحسن.

    يقول المؤلف: (وأولى الناس بتزويج الحرة أبوها).

    الآن المؤلف أدخل بعض مسائل الولاية على الشهادة, وكان الأولى أن يقول: لا نكاح إلا بولي, وأولى الناس, ثم يعقب بعد ذلك بذكر الشهادة.

    وكأنه رحمه الله أراد التسهيل لطالب العلم, فهو لم يعقد المسائل, بل جعلها تذكر على سبيل البساطة, بخلاف الكتب التي ألفها المتأخرون.

    1.   

    الأسئلة

    المقدم: عفواً دكتور عبد الله , يعني لو يؤجل موضوع الأولوية في الولاية إلى ما بعد استعراض بعض الأسئلة، وأيضاً فتح المجال للإخوة إن كان لأحدهم سؤال فيما مضى من الشرح, وإلا فأسئلة الإنترنت كثيرة.

    الشيخ: تفضل.‏

    حكم الخلوة بالمرأة بعد العقد عليها مشافهة بدون ولي ولا شهود

    المقدم: الأخ أمير من كندا يقول: هل يجوز لمن عقد على زوجته شفاهية مع تأجيل البناء ما يجوز لمن عقد عليها شفاهية وبنى بها؟ يعني مثل الحديث معها والخلوة بها وغير ذلك؟

    الشيخ: لا يجوز للإنسان أن يتزوج المرأة بأن تقول المرأة: زوجتك نفسي, ويقول الزوج: قبلت, شفاهية من غير وجود ولي, ولا وجود شاهدين, أما إذا كان من غير وجود ولي ولا شاهدين, فهذا باطل عند الأئمة الأربعة, لكن إذا وجد الشاهدان ولم يوجد الولي فـأبو حنيفة رحمه الله قال بذلك, وقد خالفه وجود النص الشرعي, وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: لا تزوج المرأة المرأة, ولا تزوج المرأة نفسها, وقد كنا نقول: التي تزوج نفسها هي الزانية!

    فلا يجوز للإنسان أن يتزوج بهذه الطريقة, ويجب الفصل بينهما, ولا يجوز أن يقربها، وأن يبرم عقداً جديداً بشروطه.

    حكم المحادثة الصوتية بين المخطوبين عن بعد

    المقدم: حقيقة يا شيخ عبد الله كثرت الأسئلة من الإخوة حول قضية المحادثة الصوتية عن بعد, يعني طالب العلم الشرعي من المغرب يقول: ما حكم المحادثة الصوتية بين المخطوبين؟

    وأيضاً هناك شخص آخر يسأل: هل يشترط وجود محرم عندما تتحدث المخطوبة إلى خطيبها عن طريق الشبكة العنكبوتية إن كان في دولة أخرى؟

    الشيخ: أحياناً الإنسان يخطب المرأة من نفسها, يقول: أريد أن أتزوجك, فهل لك رغبة في ذلك؟ وإن كان لك رغبة في ذلك ذهبت إلى أوليائك وتزوجتك, فإذا كان هذا حديثاً قليلاً, بحيث يعرض عليها هذا الأمر فلا حرج في ذلك, فقد خطب معاوية بن أبي سفيان و أبو الجهم من فاطمة نفسها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تفوتينا بنفسك, فقالت: يا رسول الله! خطبني معاوية بن أبي سفيان و أبو الجهم ).

    فإذا كان هذا من غير استطراد في الكلام, ومن غير تشبيب وتعزل فلا حرج, وعلى هذا لا يكثر من المحادثة والمكالمة؛ لأن الشيطان في مثل هذا الباب عزيز وشديد, فلربما غر الخاطبين بمعسول القول, وقال: استفصل أمرك, وربما تجد أكثر من ذلك, وبعد ذلك ربما غره أن أحداً قال: أنا أكثرت الحديث معها, فلما رغبت أن أتزوجها علمت أن فيها عيباً بسبب الحديث, فجعلوا هذا الحديث سبباً لمعرفة الزوج أكثر وأكثر, ولكن هذا من ألاعيب الشيطان؛ ولهذا ينبغي أن تقفل خطوات الشيطان, وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21], فإذا كان حديثاً بسيطاً بحيث يعرف من هي, ويعرف طبائعها، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.

    خطبة ابن مسعود ومواضع استحبابها

    المقدم: الأخ محمد بن علي من الجزائر يسأل عن خطبة ابن مسعود يقول: هل الخطبة خاصة بالنكاح, أم هي عامة في كل الخطب القولية والمكتوبة؟

    الشيخ: هذه مسألة هل يستحب أن يخطب خطبة ابن مسعود في خطبة الجمعة وفي كل خطبة؟

    الأقرب والله أعلم أنه هو الأفضل, وقد أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية , وألف بعض أهل الحديث رسالة في ذلك, وهو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة , بين أنها ليست بسنة, ورد عليه الشيخ بكر أبو زيد في استحبابها, والمسألة محتملة, والأقرب الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم, وهو: إن الحمد لله نحمده, فقد رواه مسلم من حديث ابن عباس أيضاً, كما جاء في قصة وفد ثعلبة بن ضماد الغفاري .

    المقدم: نستأذنكم باستقبال اتصال, معنا الأخت أم معاذ، تفضلي!

    مداخلة: شيخنا ذكرت في درسك السابق ما هي الأشياء أو المسائل التي يرخص للخاطب على خطبة أخيه المسلم, فذكرت في الحالة الثالثة ألا يسكن إليها, أي: في التفاوض, وما كان في طور البحث, فذكرت أنها تتفرع منها مسألتان, أنه يجوز وأنه لا يجوز, ورجحت أنه لا يجوز, وهناك دليل يا شيخ في صحيح مسلم ( أن فاطمة بنت قيس خطبها أبو جهم و معاوية ، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستشيره, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم .. ), الحديث, وأنه رجح وقال لها: ( انكحي أسامة بن زيد ), فهذا دليل على أنه عدة أشخاص خطبوا فاطمة بنت قيس , فهل هذا يدل على جواز هذا الأمر, هذا والله أعلم, نريد استفصالاً في هذه المسألة.

    الطلب الثاني: يا حبذا لو تنصحون الأخوات في الأفراح عن الضرب بالدف؛ لأن المسألة توسعت كثيراً, والمنكرات فيها والرقص الغير جائز منظم من الغربيات أو الشرقيات, فيا حبذا لو تفصل في هذه المسألة يا شيخ, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    المقدم: وعليكم السلام, شكراً للأخت أم معاذ !

    معنا اتصال الأخ حمدان من الطائف, تفضل!

    مداخلة: السؤال الأول: أحياناً عندما أعمل عقد زواج يصاحب ذلك منكرات كالغناء عند النساء, والتصوير للحفل، فالبعض إذا نصحته يستمع, والبعض الآخر لا يستمع، وليس بيدي شيء من الأمر, إنما الأمر بيد النساء، فهل أكتفي بإنكار المنكر وأعمل العقد, أم أنصرف ولا أعمل العقد؟ السؤال الثاني: أسمع من الكثير من الناس بأن لبس الدبلة لابد منه عند عقد النكاح, أو المتزوج حديثاً، فما حكم ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.

    الخطبة على الخطبة وحديث فاطمة بنت قيس

    المقدم: شكراً للأخ حمدان من الطائف, لعلنا نجيب اتصال الأخت أم معاذ .

    الشيخ: الأخت أم معاذ سألت عن حديث فاطمة , وقد ذكرنا حديث فاطمة وشرحناه, وقلنا: حديث فاطمة رضي الله عنها أن معاوية خطبها ولم يعلم بخطبة أبي جهم , وخطب أبو جهم ولم يعلم بخطبة معاوية , وقلنا: إن من المسائل التي يجوز فيها الخطبة على خطبة: ما أخيه إذا جهل الحال, وهذا من الجهل بالحال, وعلى هذا ليس في الحديث إشكال ولا اختلاف، ولله الحمد.

    ثانياً: مما يدل على أن المرأة إذا لم يسكن إليها الخاطب, لا يجوز للخاطب الثاني أن يتقدم بين يدي خطبته؛ لأن الحكمة من النهي هي دخول العداوة والبغضاء, وهذا حاصل بلا شك؛ ولهذا نقول: كل ما يسبب العداوة والبغضاء والإحن والشحناء فالشارع يأمر بسد بابه.

    التوسع في ضرب الدف عند لنساء

    الشيخ: أما المسألة الثانية: وهو التوسع في الدف، فأنا ذكرت هذا, وهو مؤسف حقاً؛ لأن الشيطان يتلاعب ببعض الناس, والمشكلة أن مثل هذه الأشياء يتولاها النساء ولا يتولاها الرجال, وربما غرت المرأة بمعسول القول, وأننا سوف نأتي بدفات إسلامية كما يقال، وربما تأتي هذه المرأة وتتغير أو يتغير الحال عند حضور الأعراس.

    وأنا أقول يا إخوان: وهذا عجب! أحياناً بعض النساء تتعنت وتقول: لا بد من الدف, والدف مباح أو مستحب, هب أنه مستحب استحباباً شديداً, لكن إذا علمنا أن وجود الدف سبب للقطيعة بين الإخوان، وسبب للقطيعة بين النساء, وهناك من النساء متورعات لا تحضر الزواج, فنقول: من أعظم مقاصد التشريع الألفة بين المسلمين.

    وعليه فهذا الدف ولو قلنا باستحبابه فإنه يستحب إزالته, بل إن أبا العباس بن تيمية في مثل هذه المواطن قال: إذا كان الدف واجباً، وتعارض مع واجب أعظم منه، وهو اجتماع كلمة الأسرة, فاجتماع كلمة الأسرة أولى من هذا الدف؛ ولهذا بعض النساء تقول: أنا أضرب بالدف، ومن شاء حضر، ومن شاء فلا يحضر, وهذا خطأ, ولا ينبغي أن يكون مثل هذا.

    ثانياً: إذا وجد الدف فينبغي أن يتولى الدف نساء حكيمات عاقلات؛ لأنه يلاحظ أنه أحياناً بضرب الدف الصغيرات أو بعض النساء الغير حكيمات, فتطلب من التي تدفف أن تغني بأغنية معينة, وشيئاً فشيئاً حتى يؤزهم الشيطان أزاً, ومثل هذه المواطن ينبغي أن يتأد فيه, لا ينبغي للنساء الصالحات أن يقاطعن هذه الأعراس؛ لأن عدم حضور النساء الصالحات الأعراس سبب جرأة بعض الناس في مثل هذه الأشياء, فلو حضرت الأخوات الصالحات وأنكرن بأسلوب حكيم هادئ لبعض المنكرات, لكان في ذلك خير عظيم.

    أمر آخر: بعض النساء لا تحب أصلاً وجود الدف, وهذا خطأ, شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خير لنا من هذه المرأة؛ ولهذا يجوز سماع -وليس استماع- الرجال للضرب بالدف وقت الأعراس, وقد روى البخاري من حديث الربيع بنت معوذ حينما دخل عليها, فكان يضرب بالدف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ذلك يوم عرس), فهذا يدل على أن سماع الضرب بالدف لا بأس به.

    لكن الضرب بالدف شيء, وسماع صوت المرأة الحرة شيء آخر, فلا يجوز للمرأة أن ترفع صوتها لتتغنج, وقد قال الله تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32], فإذا كان ذلك في أمهات المؤمنين فغيرهن من باب أولى.

    حكم التصوير لحفل الزواج

    المقدم: الأخ حمدان له تساؤلان, الآن قضية الدف تمت الإجابة عليها.

    الشيخ: تمت الإجابة نعم, أولاً: يجوز ضرب الدف للنساء خاصة عند العقد, ولكن مسألة التصوير بغض النظر عن مسألة إباحتها أو حرمتها, وأنا أرى أن التصوير حلال, لكني أقول: يمنع في وقت الزواج؛ لأنه حصل بسببه فتن وبلايا, وقد وجد في الشبكة العنكبوتية أفراح بعض الأسر وبعض العوائل التي ما كانوا يتصورون أن تخرج، والناس ذممهم ربما تكون واسعة, فإذا أغري بشيء من المال ربما أخرج مثل هذه الأشياء, ولربما جاءوا واجتمعوا بغير المحارم لينظروا ما لا يجوز النظر إليه, وربما جاءت بأبهى حلة وأحسن زينة, وهذا بلا شك يحرم, سواء قلنا إن كشف الوجه حلال أم حرام, فهذا كله حرام؛ لأن هذه قد جاءت بزينتها.

    حكم لبس الدبلة لحديث العهد بالنكاح

    الشيخ: أما لبس الدبلة فهذا لا يجوز؛ لأنه من التشبه, أما إن لبس الخاتم فسواء للنكاح أو غير النكاح, وهو الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم, فنقول: جائز, أما إذا فعل لبس الخاتم للختم, فنقول: مستحب, فإذا لبسه من غير ختم نقول: جائز؛ لفعل الصحابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    ولي النكاح هل هو شرط وجوب أم شرط صحة للعقد

    المقدم: سؤال أخير من الأخ محمد من الجزائر يقول: هل الولي شرط وجوب أم شرط صحة, بحيث يبطل عقد النكاح؟

    الشيخ: الولي شرط صحة, فإذا عدم لم يصح النكاح, هذا قول جماهير أهل العلم.

    المقدم: أحسن الله إليكم, لعلنا نكمل قضية الولاية.

    1.   

    ترتيب أولياء النكاح

    الشيخ: يقول المؤلف: (وأولى الناس بتزويج الحرة أبوها).

    وهذا هو الأقرب، أن أباها أولى بتزويجها, فلو وجد أب وأب الأب, وابن، فأيهم يقدم؟ قال المؤلف: يقدم الأب, وهذا قول الجمهور.

    ولكن ابن تيمية قال قولاً وهو من الفقه بمكان، قال: ولو قيل بأن الابن والأب يتساويان كما يتساوى الإخوة إذا اجتمعوا!

    وهذا القول قوي, وعليه نقول: الأولى أن يقدم الأب, ولكن لو زوج الابن مع وجود الأب فنقول: إن العقد صحيح, وإن كان الأولى تقديم الأب؛ لأنه أشفق، وهو أولى بالحضانة, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أنت ومالك لأبيك ).

    الثاني: يقول المؤلف: (ثم أبوه), يعني الجد, هكذا ذكر المؤلف الجد؛ لأن الجد أشفق.

    والقول الثاني في المسألة: أن الابن أولى من الجد, وهذا لعله يكون أقرب, وهو قول أحمد في رواية, واختارها إسحاق بن راهويه رحمة الله تعالى على الجميع, وهذا أولى.

    1.   

    الأسئلة

    المقدم: نستأذنكم يا شيخ هناك اتصال هاتفي, معنا الأخت أم عبد الله من الدمام, تفضلي!

    مداخلة: عندي سؤالان يا شيخ.

    السؤال الأول: ما الدليل على تخصيص ضرب الدف بالنساء دون الرجال؟

    والسؤال الثاني: هل من حالات جواز الضرب بالدف حالات الأعياد والسفر؟

    وسؤال أخير: بالنسبة للزواجات وحكم الضرب بالطبل وما شابهها, بعض الناس يقولون: أنت تحجر واسعاً والدين يسر, يعني لا بأس به! فما جوابكم جزاكم الله خيراً, والسلام عليكم.

    المقدم: شكراً للأخت أم عبد الله من الدمام.‏

    دليل تخصيص النساء بجواز ضرب الدف

    الشيخ: أجبنا على السؤال الأول، وهو تخصيص النساء؛ لأننا نقول: إن المزمار بما فيه الدف, ففي الصحيحين من حديث عائشة : ( أنه دخل أبو بكر رضي الله عنه وإذا جاريتان تدففان, ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع وجهه إلى الجدار, فدخل أبو بكر وقال: مزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهما يا أبا بكر , فإنه يوم عيد ), قال أهل العلم: هذا دليل على أن الدف من مزامير الشيطان, إلا أنه رخص فيه للجواري يوم الأعياد, وما ورد فيه النص, والقاعدة الفقهية تقول: كل محظور وجد ما يرخصه فلا يقاس عليه؛ لأن الرخصة لا يقاس عليها, هذا هو الأقرب.

    حكم ضرب الدف في الأعياد والسفر

    الشيخ: الثاني: ضرب الدف في الأعياد، نقول: لا بأس بضرب الدف في الأعياد, فقد جاء في الصحيحين في حديث عائشة : (تغنيان بغناء بعاث، وكان ذلك يوم عيد), فلا بأس بذلك في الأعياد.

    أما السفر، فإذا كان للنساء فنقول: السفر بلا شك فرح, فلا حرج للنساء, لكن ليس مع الرجال؛ لأنه محظور أمام الرجال، والعلم عند الله.

    حكم الضرب بالطبل في الزواج

    الشيخ: أما مسألة الطبل, فقد صح عن ابن عباس أنه قال: الدف مزمار, والطبل مزمار, وبين أن الطبل من مزامير الشيطان.

    وقد قال الإمام أحمد : الطبل هو الكوبة, (وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكوبة), فهذا يدل على أن هذه الملاهي ممنوعة.

    والذي يستدل بـابن حزم نقول له: لو حضر ابن حزم إلى زماننا هذا لم يقل بإباحتها؛ لأنه تكلم على التغبير, والتغبير هو عود يضرب على جلد مشدود, فيحدث بعض الأصوات, فلو حضر ابن حزم مثل زماننا هذا, فأظنه لا يقول بإباحتها.

    حكم طلب المخطوبة أن ترى الخاطب

    المقدم: جيد! نستقبل آخر اتصال، معنا الأخ أبو جواد من الجوف, تفضل!

    مداخلة: ما حكم طلب البنت النظرة الشرعية, بأن ترى الرجل, هل له أصل؟ وأرجو من الشيخ الرد على بعض الذين يفتون بجواز الدف والطبل للرجال, وجزاكم الله خيراً.

    وعندي فيه ملاحظة: لو تكون الأسئلة بعدما ينتهي الشيخ من الشرح؛ لأن الشيخ لاحظت أنها خمس دقائق يشرح وأربعين دقيقة أغلبها أسئلة، فلو تكون الأسئلة بعد نهاية الشرح، الله يجزيكم خيراً.

    المقدم: جزاك الله خيراً, شكراً لك أخ أبا جواد, الوقت الذي نخصصه للأسئلة هو منتصف الدرس, يشرح الشيخ تقريباً قرابة نصف ساعة, ثم نأخذ أسئلة سواء عبر الإنترنت أو الإخوة الحضور, أو أسئلة المشاهدين, ويكمل الشيخ شرحه فيما تبقى، ويختم الدرس بإذن الله تعالى.

    الشيخ: سؤاله يقول: ما حكم طلب المرأة رؤية الرجل؟ وأقول: لا حرج في ذلك, فهو حق لها, وقد صح عند البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: إني لأتجمل لامرأتي كما أحب أن تتجمل لي, وهذا يدل على أن المرأة تستمع بالرجل مثل ما يستمتع الرجل بها, فلا حرج على المرأة أن تنظر, وقد روى ابن جرير الطبري في قصة امرأة ثابت بن قيس حينما خالعت زوجها قالت: ( يا رسول الله! والله لا أعتب على ثابت في خلق ولا دين, ولكني أكره الكفر بعد الإسلام, وقالت: رأيته دميم الخلقة ), يعني ليس بحسن, فلم تستطع أن تصبر, فهذا يدل على أن للمرأة أن تنظر للزوج أو للخاطب.

    المقدم: السؤال الثاني تمت الإجابة عليه, إذا لعلنا نكمل يا شيخ معكم.

    1.   

    تقديم الأقرب فالأقرب في ولاية النكاح

    الشيخ: نقول: الأولى في التزويج الأب ثم الابن ثم الجد، ثم الأخ لأبوين, وهو ما يسميه العامة شقيقاً, ثم الأخ لأب, ثم ابن الأخ الشقيق, ثم ابن الأخ لأب, ثم العم الشقيق, ثم العم لأب, ثم ابن العم الشقيق, ثم ابن العم لأب.

    ثم يقول المؤلف: (فالأقرب فالأقرب من عصباتها), ودليل الأقرب فالأقرب لم يذكره المؤلف إلا في التعليل, والأصح في الدليل هو ما رواه الإمام أحمد وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينما سأله الرجل: من أبر؟ قال: ( أمك وأباك, وأختك وأخاك, ثم أدناك أدناك )؛ لأن الولاية ثابتة للأولياء, ويقدم فيها الأدنى فالأدنى, يعني الأقرب فالأقرب، وهو حق له.

    إذا ثبت هذا فإننا نقول: إذا تساوى الناس في الدرجة, مثل أخوين أو ثلاثة لأبوين, فأيهما يقدم؟ المعروف عند العامة ابتداء أنه يقدم الأكبر سناً، يقول ابن تيمية : وهذا ليس له أصل, وإن كان بعض أهل العلم جعله في المرتبة الثانية, قالوا: يقدم صاحب الدين والخلق, ثم الأسن, وأنا أقول: إنه يقدم صاحب الدين، وإن لم يكن فالمرأة لها أن تختار, فتقول: أريد أن يعقد لي فلان, فلها ذلك, والعلم عند الله.

    ولو أحبوا أن تزول الخصومة أقرع بينهم, فالقرعة حق، والعلم عند الله.

    من يزوج المرأة السلطان أو المعتق

    الشيخ: يقول المؤلف: (فالأقرب من عصباتها ثم السلطان)، يعني إذا لم يوجد أحد من أوليائها فإن السلطان يزوجها.

    المقدم: (ثم معتقها).

    الشيخ: قوله: (ثم معتقها), يعني أن المرأة إذا أعتقها سيدها فإنه ينظر إلى أبيها وإلى ابنها وإلى جدها وإلى أخيها, فإن لم يكن لها أحد من أقربائها، فإن المعتق أولى من السلطان.

    قيام الوكيل مقام الأصيل في ولاية النكاح

    الشيخ: يقول المؤلف: (ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه).

    مثال: لو فرض أن ابن الابن موجود, والأخ الشقيق موجود, فإن المقدم ابن الابن، فإذا كان ابن الابن موجوداً ولكنه غير حاضر, ووكل غيره, فهل الوكيل يقوم مقام الأصيل, أم إذا غاب الأصيل سقط حقه؟

    نقول: لا يسقط حقه, بل إن الوكيل يقوم مقام الأصيل, ويبقى حقه قائماً.

    حكم تزويج الولي الأبعد مع وجود الأقرب

    الشيخ: يقول المؤلف: (ولا يصح تزويج الأبعد مع وجود أقرب منه).

    الأبعد يعني أبعد في الدرجة, وليس البعد في المسافة؛ لأن البعد في المسافة سوف يأتي الحديث عنه, أما هنا فلا يصح أن يكون الولي هو العم مع وجود الأخ لأب, ولا يجوز تزويج الأخ لأب مع وجود الأخ الشقيق، وهلم جراً.

    فإن عقد البعيد مع وجود القريب، فهل يصح؟ يقول المؤلف: لا يصح؛ ولهذا قال: (ولا يصح تزويج).

    والقول الثاني في المسألة: أنه عقد موقوف على رضاه, فإن رضي تم العقد, وإلا بطل العقد, وهذا القول أقرب, فيكون تصرفه تصرفاً فضولياً.

    ودليل ذلك: أننا منعنا صحة ذلك لوجود حق للولي القريب, وحقه يمكن إرجاعه في أخذ رضاه, فإن رضي صح العقد، والعقد الموقوف ثابت في السنة كما في حديث عروة البارقي حينما (اشترى للنبي صلى الله عليه وسلم شاتين بدينار، بعدما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري شاة بدينار).

    1.   

    أسئلة البرنامج والخاتمة

    المقدم: نستأذنكم يا شيخ عبد الله , نظراً لقرب انتهاء وقت هذه الحلقة, فنتوقف عند هذه المسألة بإذن الله تعالى, ونكمل ما تبقى في اللقاء القادم.

    وقبل أن نختم معكم يا شيخ عبد الله ومع الإخوة المشاهدين, حبذا لو ذكرتم سؤال هذه الحلقة.

    الشيخ: سؤال هذه الحلقة وإجابته ستكون في الأسبوع القادم إن شاء الله, وهو:

    ما حكم الشاهدين في عقد النكاح؟ وهل يصح النكاح مع وجود الإعلان من غير إشهاد؟

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا, وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص والسداد في القول والعمل, وأن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين, ونعوذ بالله من أن نضل أو نضل, أو نزل أو نزل, أو أن نظلم أو أن نظلم, ونستغفر الله في السر والعلن, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    المقدم: اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    شكر الله لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية لشئون الدورات والتدريب شرحه وبيانه.

    شكراً لكم أنتم على طيب مشاهدتكم ومتابعتكم لنا وللإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك, ونسعد كثيراً بتواصلكم مع دروس هذه الأكاديمية الإسلامية العلمية.

    وأيضاً نتلقى أسئلتكم وإجاباتكم بإذن الله تعالى على موقع الأكاديمية, وأيضاً من خلال اتصالاتكم الحية في البرنامج, ونشكركم مرة أخرى, وحتى نلقاكم بإذن الله تعالى في دروس قادمة, نستودعكم الله, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953691