الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد العلمية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك، ضمن دروس الأكاديمية، حيث يسرنا في بدئه أن نرحب بصاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، فأهلاً ومرحباً بكم.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين.
المقدم: ترحبينا موصول بكم أيها الأحبة، ونسعد بتواصلكم عبر أرقام الهواتف التي ستظهر أمامكم على الشاشة من خلال تلقي أسألتكم الهاتفية.
أيضاً نسعد كثيراً بتواصلكم من خلال الإجابات على الأسئلة التي يطرحها الشيخ في نهاية كل درس، وأيضاً الأسئلة العامة على الدروس عبر موقع الأكاديمية على الشبكة العالمية (الإنترنت).
نرحب بكم مرة أخرى فأهلاً بالجميع!
شيخ عبد الله ! كنا قد طرحنا في اللقاء الماضي في نهاية الدرس سؤالاً عن حكم تزويج الأب ابنته البكر البالغ من غير رضاها، وذكر القول الراجح مع الدليل في هذه المسألة!
وقد ورد للبريد الإلكتروني للبرنامج مجموعة كبيرة من الإجابات، من ضمنها إجابة الأخت خديجة من المغرب تقول فيها:
لا يجوز للأب تزويج ابنته البالغة من دون رضاها، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تنكح البكر حتى تستأذن، قيل: يا رسول! فكيف إذنها؟ قال: أن تسكت )، أخرجه البخاري ، وهذا هو القول الراجح، وذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله.
الشيخ: نعم، وهذا مذهب الإمام أحمد ، واختيار أبي العباس بن تيمية ، والحديث متفق عليه، وليس رواه البخاري فقط.
المقدم: ومن الإجابات التي أتت إجابة نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية، وأيضاً رجح في المسألة، وفصل الخلاف.
الشيخ: لا نريد التفصيل.
المقدم: نعم، الأخت شموخ من مصر أيضاً بعثت بإجابة، الأخت مريم من السعودية، الأخ مصعب من المغرب، نشكر هؤلاء الإخوة الذين بعثوا بالإجابات.
طلحة من السعودية، ومن المغرب الأخت السعدية أم عبد الرحمن .
ومن الإجابات خلود من السعودية، وغيرهم من الإخوة نشكرهم جميعاً على هذا التواصل الطيب مع الأسئلة التي تطرح، وأيضاً نترك المجال لكم يا شيخ لإكمال الشرح الذي بدأ بالأمس.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
أحبتي الكرام! ذكرنا كلام المؤلف في مسألة تزويج الأب أبناءه الصغار، والأبناء الكبار، وتزويج الأب بناته، وقسمنا تزويج الأب للبنات إلى ما دون التسع وما فوق التسع ودون البلوغ، وما بعد البلوغ، وكان ذلك في البكر، ونسينا أن نذكر الثيب:
أما الثيب فإن عامة أهل العلم -وقد نقل إجماعاً- على أنه لا يجوز لوليها سواء كان أباً أم غيره أن يزوج الثيب حتى يستأذنها ويستأمرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تنكح الثيب حتى تستأمر )، وهذا الحديث واضح فيه.
الحنابلة قالوا: (ويستحب استئذان البالغة)، وعندهم أن البالغة يجوز لأبيها أن يزوجها من غير رضاها حتى لو كانت بالغة، وقلنا الراجح أنه لا يجوز لوليها ولو كان أباً أن يزوجها إلا برضاها إذا كانت فوق التسع، وأيضاً البالغة، وعلى هذا فنقول: إن القول الراجح أنه يجب استئذانها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تنكح البكر حتى تستأذن )، قلنا: هذا خبر بمعنى الأمر.
أما سائر الأولياء غير الأب فقد قلنا: إنه لا يجوز لغير الأب أن يزوج البنت الصغيرة سواء كان وصياً أو جداً أو أخاً، ولا البالغات إلا بعد إذنهن، وعلى هذا فلو زوج الأخ أخته دون التسع فلا يصح النكاح؛ لأنه يشترط في النكاح الرضا.
ولذا اختلف الفقهاء: هل لحركة الناطق حكم حركة الأخرس أم لا؟ نقول: الأقرب أنه لا تعتبر إلا إذا احتفت بها القرائن القوية، أما مع الاحتمال فإذا حصل الاحتمال بطل الاستدلال.
وعلى هذا فالثيب لابد من صراحتها، والثيب هي المرأة التي دخل عليها زوج بنكاح صحيح، هذه الثيب لا بد أن تستأمر، يقال: فلان خطبك، فإذنها أن تقول: أريده أو لا أريده، أما البكر فلربما يكون حياؤها مانعاً من تصريحها بذلك، فإن جمهور الفقهاء قالوا: إنها إذا قيل لها: فلان خطبك، فإنها إن سكتت أو بكت، كعادة بعض البنات، فإن هذا إذن، إلا إذا كان بكاؤها بمعنى السخط وعدم الرضا، وإن كان قصد الرحمة بفراقها لوالديها، فهذا لا حرج فيه إن شاء الله، ويعلم ذلك بعد انتهاء البكاء، فيعرف أثر ذلك.
إذا علم هذا فإن إذن البكر هو أن تسكت، لكن لو أنها قالت: لا أريده، أو أريده مثل ما يوجد الآن، حيث أصبحت البنت الآن لا تجد غضاضة بسبب كثرة الخلطة وسماع الناس مثل هذا الحديث، وربما تكون وسائل الإعلام، أو حديث الناس في البيوت، ربما يجرئ البنت على مثل هذا، فربما خاطبت أباها، أو خاطبت أمها، أو خاطبت أخاها ما لا تخاطبه في أقاربها الآخرين، وحينئذ نقول: إنها لو صرحت بالرضا فإن جمهور الفقهاء قالوا: لا بأس بذلك؛ لأن الصراحة أولى من الكناية، خلافاً لـابن حزم .
فـابن حزم قال: لو قيل لها: فلان خطبك فقالت: أريده، قال: نعيد عليها السؤال، فنقول: فلان خطبك، فإن قالت: أريده، أعدنا عليها السؤال حتى تسكت، وهذا من الجمود الذي ذهب إليه ابن حزم في ظاهريته غفر الله لنا وله.
وبالمناسبة لابد أن ننصر ابن حزم ، فـابن حزم من أذكياء العالم، قال ابن تيمية رحمه الله: وابن حزم ربما يأتي بأشياء يتعجب لها، كما أنه يأتي بأشياء يتعجب منها.
المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ وليس لولي امرأة تزويجها بغير كفئها بغير رضاها، والعرب بعضهم لبعض أكفاء، وليس العبد كفؤ الحرة ولا الفاجر كفؤ العفيفة، ومن أراد أن ينكح امرأة هو وليها فله أن يتزوجها من نفسه بإذنها، وإن زوج أمته عبده الصغير، فله أن يتولى طرفي العقد، وإن قال لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك بحضرة شاهدين، ثبت العتق والنكاح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ].
والكفاءة معناها: المساواة، بأن تكون الزوجة مساوية أو كفؤة للزوج، والكفاءة هنا اختلف العلماء في معناها على ثلاثة أقوال:
فالحنابلة يشترط عندهم الكفاءة في الدين، فلا تزوج عفيفة بزان أو فاجر، كما قال تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3]، فلا تزوج عفيفة بفاجر، ومثله إذا كان الرجل يتعاطى المخدرات ويتاجر فيها، فإن المتاجرة بالمخدرات ضرره على الزوجة وعلى الأولاد أعظم من ضرر عدم أداء بعض الواجبات المتعلقة بالله، فلها أن تطلب الفسخ، ولا حق للزوج أن يمتنع من الخلع؛ لأنه قد غرر بها ولم يخبرها بذلك، هذا نوع من أنواع الكفاءة، وهو كفاءة الدين.
الثاني: كفاءة المنصب، والمنصب يقصد به الفقهاء النسب، فلا يزوج حر بأمة، والمقصود بالأمة هي التي لم تعتق بعد.
الثالث: اليسار، فلا تزوج امرأة غنية برجل فقير إلا بإذنها.
الرابع: الصنعة، ومعنى الصنعة: أن تكون وظيفته هو ليست وظيفة أتباعه.
الخامس: الحرية.
أما الأحاديث التي يشترط فيها الكفاءة فعامتها موضوعة، من ذلك ما ذكره المؤلف: ( لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء )، ضعيف بمرة، بل هو إلى الوضع أقرب، فقد رواه البيهقي من طريق مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطأة عن عطاء و عمرو بن دينار عن جابر ، وأحاديثه موضوعة، فإن الحجاج ضعيف، فهذا ضعيف بمرة.
الثاني الذي استدل به العلماء هو: قول عمر بن الخطاب كما عند الدارقطني و البيهقي و الحاكم من طريق إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمر أنه قال: لأمنعن فروج ذوات الأحساب من النساء إلا من الأكفاء، وهذا منقطع ولا يصح، فإن إبراهيم بن محمد بن طلحة تنقطع فيه أعناق الإبل.
فلا يصح في مسألة النسب حديث، ولهذا ذهب المالكية و أحمد في رواية اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أنه لا بأس إذا كان الرجل كفؤاً للمرأة في الدين والخلق أن يزوج، ولا حق للأولياء في الفسخ، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج زينب بنت جحش القرشية زيد بن حارثة الذي كان مولى، ومعلوم أن قريشاً هم أعلى نسباً من غيرهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( واصطفى قريشاً من كنانة ).
فهذا دليل، والدليل الثاني أن بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف .
وقد تزوجت فاطمة بنت قيس القرشية أسامة بن زيد بن حارثة .
ذهب عامة الفقهاء ومنهم الحنفية والمالكية والشافعية وهو اختيار أبي العباس بن تيمية إلى أن الولي إذا زوج ابنته ممن ترضاه وكان ذا خلق ودين، فإنه ليس للأولياء الذين بعده طلب الفسخ، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم زوج زينب بنت جحش زيد بن حارثة ، وزوج فاطمة بنت قيس أسامة ، ولو كان للأولياء حق لاستؤذنوا؛ فلما لم يستأذنوا دل على أن ليس لهم حق؛ لأننا نقول: ما ترتب على المأذون فيه فليس فيه ضمان.
ومعنى النسب عند الحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية التفريق بين العجمة والعروبة، بأن العربي كفؤ للعربي أياً كانت بيئته، وأياً كانت قبيلته، وأما الأعجمي فإنه على كلام الحنابلة ليس كفؤاً للعربي، ولهذا قالوا: (والعرب بعضهم لبعض أكفاء)، فإن المقداد بن الأسود الكندي تزوج من قرشية، تزوج ضباعة بنت الزبير وهي قرشية، فهذا يدل على أنه لا بأس بأن تتزوج عربية غير عربي.
وأما قول المؤلف: (والعرب بعضهم لبعض أكفاء)، هذا أصله حديث، أخرجه البزار من حديث معاذ بن جبل ، وأخرجه البيهقي من حديث ابن عمر نحوه، وهذا الحديث ضعيف بمرة، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
إذا ثبت هذا فإن أبا العباس ابن تيمية رحمه الله قال كلاماً متيناً في هذا، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علق الأحكام بالصفات المؤثرة، ولم يخص العرب بنوع من الأحكام، إذ كانت دعوته للبرية جميعاً، وعلى هذا وهذا هو الأقرب والله أعلم أن العرب وغيرهم سواء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ).
الحنابلة هنا عندما قالوا: العرب بعضهم لبعض أكفاء؛ حتى أن الحنابلة يرون أن من يباع ثم يعتق لا بأس بزواجه؛ لأنه عربي، فالعرب أكفاء لبعض.
أي: العبد وهو الذي بقي عليه الرق ليس كفؤ الحرة، وهذا قول عامة الفقهاء.
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لـبريرة الخيار حينما عتقت وكان مغيث زوجها ما زال على الرق، فكان مغيث يحبها، فكان إذا خرجت إلى السوق يلحقها ويرغبها في بقائها فترفض، فجاء مغيث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال: يا رسول الله! إن بريرة لم تردني، فهلا كنت شافعاً، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا
بل جعل الأمور تجري على ما يريده الزوجان!
وبقاء العشرة الزوجية والأسرة المسلمة مطلب شرعي لا يجوز ولا ينبغي الاستهانة به لأغراض وأهواء ومطامع دنيوية، فليس للأولياء حق في خفر وفي نقض وقطع هذه الصلة التي بين الزوجين إذا ثبت أنهما على هدى ونور واستقامة.
المقدم: دكتور عبد الله عفواً، قضية الكفاءة بالنسب، الآن توجد قضية العادة أو العرف، هل يحكم يا شيخ؟!
الشيخ: مسألة العادة والعرف الذي يفعل الآن عندنا مصطلح عرفي لا علاقة له بكلام الحنابلة ولا بكلام المالكية ولا بكلام الشافعية؛ لأن الحنابلة يقولون: الرق، هو الرجل العتيق الذي كان أعجمياً، أما الآن الوضع الحالي الذي يوجد في بعض البلاد وبعض الجهات؛ هذا لأن جده أو غيره تبنى حرفة معينة كانت تزدرى، مثل الصناع وغير ذلك، فاستمر على ذلك، لكن يعلم أنه كان له نسبه وله أصله، فهذا نشأ الناس عليه فلا يزوجونه، لا يمكن أن يستدل بهذه الحالة على كلام الحنابلة؛ لأن الحنابلة قالوا: والعرب بعضهم لبعض أكفاء، فهذا كفؤ لعربي لأنه عربي، فلا يسوغ أن يقال: هذا من قبيلة فلان وليس كفؤاً لقبيلة بني فلان، إنما اختلف العلماء في مسألة واحدة، وهي: هل القرشي كفؤ لغير القرشي؟ والراجح أنهما سواء، وأما العرب فهم أكفاء، ثم إن مسألة الكفاءة إنما هي كفاءة الدين والحرية على الراجح.
الشيخ: زواج الرجل من الأمة لم نذكرها؛ لأنه لم يتحدث عنها المؤلف، فنقول: زواج الحر من الأمة لا يجوز إلا بشروطه التي في آية: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فشروطه: هي ثلاثة شروط: الشروط الأول: أن ليس عنده مهر للحرة، والثالث: ألا يستطيع الصبر عليهن.
هذه المسألة يسميها الفقهاء مسألة تولي طرفي العقد، فالمؤلف يقول: للولي إذا كان يجوز له أن يتزوج هذه المرأة أن يتولى طرفي العقد، بأن يكون هو الولي وهو الزوج.
مثاله: امرأة لا يوجد لها أب ولا أخ ولا عم، لكن عندها ابن عم، فابن عمها وليها، فإذا رغب ابن عمها أن يتزوجها وأذنت بذلك، فله أن يقول: زوجت نفسي فلانة وقبلت ذلك، هذا هو قول عامة الفقهاء من الحنابلة والمالكية والحنفية وأكثر السلف، خلافاً للشافعي رحمه الله.
ودليل الجواز ما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ووصله ابن سعد في الطبقات، أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال لـأم حكيم بنت قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم، قال: فزوجتك نفسي، وهذا يدل على صحة تولي طرفي العقد.
وأما حديث المغيرة بن شعبة أنه أمر رجلاً من الأولياء -أبعد من المغيرة - أن يزوجه، فهذا ليس دليلاً على عدم جواز تولي طرفي العقد، ولكن دليل على أن له أن يولي الولي الأبعد مع وجود الأقرب إذا كان القريب سوف يتزوج المولية.
وعلى هذا فنقول: من الشروط التي ذكرها الجمهور أنه لا يجوز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب إلا أن يكون الولي القريب صغيراً أو مجنوناً أو مخالفاً لدينها، أو عاضلاً لها، أو غاب غيبة بعيدة، هذه خمس، زد على ذلك أمراً سادساً وهو: إذا أراد الولي القريب أن يتزوجها فله أن يولي البعيد ذلك، وإن كان يجوز له تولي طرفي العقد.
رجل عنده أمة وعنده عبد، فله أن يزوج هذا من هذه، وله أن يتولى طرفي العقد، ولا شك أن للسيد تولي طرفي العقد؛ لأنه قد تولى أمرهما كله، وقد ملك منافعهما، ومن أعظم المنافع النكاح، والتولي من ذلك.
المقدم: لماذا قال: (عبده الصغير) يا شيخ؟
الشيخ: أحسنت! سؤال جيد، قال: (عبده الصغير)، ليبين أنه ذكر في السابق أنه يجوز للأب أن يزوج أبناءه الصغار وبناته، كذلك يجوز للسيد أن يزوج عبده الصغير من غير إذنه، أما العبد الكبير فلا يجوز إلا بإذنه؛ لأنه هو الذي يطلق وهو الذي يعقد، أعني العبد الكبير.
هذه مسألة يسميها العلماء: هل يجوز أن يكون المهر عتقاً؟
ذهب الجمهور إلى جواز أن يكون المهر عتقاً، وهو مذهب الحنابلة، خلافاً لبعض الشافعية، والراجح الجواز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس أنه ( أعتق
المؤلف يقول: (بحضرة شاهدين)، وذلك لأجل توفر بقية الشروط، فقول السيد لأمته: أعتقك وجعلت عتقك صداقك، فالسيد هو الولي، والمهر هو العتق، وبقي الشاهدان، ولهذا قال: (بحضرة شاهدين)، فثلاثة شروط قد توفرت للسيد مع أمته إذا أراد أن يعتقها وأن يتزوجها.
يقول المؤلف: ( لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق
وللسيد تزويج إمائه كلهن، وعبيده الصغار بغير إذن، وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها، ولا يملك إجبار عبده الكبير على النكاح، وأيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر، فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته، إلا أن يفديه السيد بأقل من قيمته أو المهر، ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم فله فسخ النكاح ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول بها، وإن أصابها فلها مهرها، وإن أولدها فولده حر يفديه بقيمته، ويرجع بما غرم على من غره، ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء، وإن كان ممن يجوز له ذلك فرضي بها، فما ولدت بعد الرضا فهو رقيق ].
الشيخ: المؤلف هنا ذكر فصلاً في نكاح العبيد والإماء، ونحن سوف نذكره على عجل؛ لأنه غير متوفر في هذا الزمان، وما يقال إنه يوجد في بعض البلدان ينبغي التثبت فيه؛ لأن السرقة في مثل ذلك كثير وكثير، فلا ينبغي أن يتوسع في هذا الباب؛ لأنه أحياناً يكون غشاً وخداعاً فيسرق الطفل الصغير، أو تسرق البنت الصغيرة، ويربونها ثم تباع على أنها أمة، وهذا كثير، وقد كانوا في سوق النخاسين يتاجرون بمثل ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر منهم: رجلاً باع حراً وأكل ثمنه )، وهذا من ذلك.
يقول المؤلف: (وللسيد تزويج إمائه كلهن وعبيده الصغار بغير إذن)، السيد إذا كان عنده إماء أو كان عنده عبيد صغار، فله أن يزوجهم من غير رضاهم، كما أننا قلنا إن للأب تزويج بناته الصغار وأولاده الصغار إذا كانوا دون التسع، وأما دليل ذلك؛ فلأنه -أي السيد- له العقد على منافعهم لأنها ملكه كإجارتهم.
يقول المؤلف: (وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها).
صورة المسألة: رجل عنده زوجة، هذه الزوجة عندها أمة، فأرادت الزوجة أن تزوج أمتها، ولا يجوز للزوجة أن تتولى؛ لأن المرأة لا يجوز أن تتولى عقد النكاح؛ لأن الولي لا بد أن يكون ذكراً، وحينئذ نقول: للزوج أن يتولى نكاح أمة موليته، يعني زوجته أو ابنته إذا كان لها أمة، لأنه حينئذ يقوم مقام سيدتها، وليس للمرأة أن تعقد، فناب الوكيل مقام الموكل.
وهذه من المسائل التي يلغز بها، يعني يعايا بها، يقال: ما هي المسألة التي يجوز للوكيل أن يعمل ما لا يجوز للموكل بأي حال من الأحوال؟ فالموكل لا يستطيع.
قد تقول لي: لكن لو أذن وأعطى وكيله أن يصيد له خارج الحرم بسلاحه، أقول: هذا ليس داخلاً في هذا؛ لأنه يجوز له أن يصطاد إذا تحلل، لكن هذه دائماً، فهذه من المسائل التي يعايا بها، ما هي المسألة التي يجوز للوكيل أن يتولى ما لا يتولاه الموكل؟ وهي هذه المسألة.
يقول المؤلف: (ولا يملك إجبار عبده الكبير على النكاح)، أي السيد إذا كان له عبد كبير، فلا يجوز له أن يزوجه من غير إذنه؛ لأن العبد يملك أمر نفسه في الطلاق، فكذلك يملكه في الزواج.
يقول المؤلف: (وأيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر)، العهر هنا معناه: الفسق والمجون والفجور، فكأنه حينما تزوج هذه تزوجها بغير طريق شرعي.
واستدل العلماء على هذا بما رواه الترمذي و أبو داود و ابن ماجه كلهم من طريق الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما عبد تزوج من غير إذن سيده فهو عاهر )، وهذا الحديث قال فيه الترمذي : حسن صحيح، والحديث فيه عبد الله بن محمد بن عقيل والأقرب أنه كما قال البخاري مقارب الحديث، والحديث حسن إن شاء الله.
معنا اتصال هاتفي من الأخت أفراح من الخرج، تفضلي.
الشيخ: قلنا إن الوكيل يقوم مقام الأب، فإن كان الأب حياً فلا بأس بذلك على الخلاف، وإن كان الأب ميتاً فيسمى وصياً، فالراجح أن الوصي لا يأخذ حكم الأب.
فالجواب نقول: لا يخلو هذا الوكيل من أن يكون موكله وهو الأب حياً أو ميتاً، فإن كان حياً جاز؛ لأن الوكيل قام مقام الموكل، فإن كان ميتاً فيسمى وصياً، فلا يجوز على القول الراجح، والله أعلم.
مداخلة: أحسن الله إليك يا شيخ! الآن إذا كان لزوجة الرجل أمة، فهل للرجل أن يطأها؟
أي: رجل عنده زوجة، وزوجته عندها أمة، فهل للرجل أن يطأ أمة زوجته؟
الشيخ: الجواب: لا يجوز للزوج أن يطأ أمة زوجته، ولو فعل لاستحق الرجم، هذا هو قول جمهور الفقهاء، إلا إذا كان له فيها حق، يعني إذا كان يملك جزءاً من هذه الأمة، يعني اشترتها الزوجة بعشرة آلاف، وبقي ألفان، قال: أنا أشاركك فيها، فحينئذ نقول: لأن له فيها حقاً، فلا يرجم، أما إذا لم يكن كذلك فإنه يكون زانياً وهو محصن، وعلى هذا فيرجم، وقد جاء في ذلك حديث، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم.
المقدم: جميل، معنا اتصال هاتفي من الأخ حمدان من الطائف، تفضل أخ حمدان .
مداخلة: عندي ثلاثة أسئلة: إذا كان الولي أحياناً يدرك وأحياناً لا يدرك، سواء بمرض أو غير ذلك، فهل يجوز أن يتولى هو العقد بحال صحوته، أم لابد من قيم عليه؟ هذا السؤال الأول.
السؤال الثاني: اختلف في أن يعقد الأخ لأب بوجود الأخ الشقيق، لربما أحياناً نجد أن الأخ لأب أفضل من الأخ الشقيق ...، فنرجو من شيخنا حفظه الله التعليق على ذلك.
السؤال الثالث: بنت أحد الفقراء قد تكون صغيرة، ثم يربيها حتى تكبر، ثم يتزوجها ...، وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: أعد السؤال لو سمحت.
مداخلة: يعني كان في السابق يجوز هذا بسبب الفقر، يأخذ رجل غني أو ميسور حاله بنت أحد الفقراء صغيرة، ثم يربيها حتى تكبر، ثم يتزوجها، فما حكم ذلك؟
الشيخ: يتزوجها بإذن وليها وبإذنها؟
مداخلة: إيه بإذن وليها وبإذنها أيضاً.
الشيخ: طيب، ما الإشكال، قصدك الإشكال إنه رباها؟
مداخلة: إيه، يعني رباها وهي صغيرة، حتى إذا كبرت تزوجها.
الشيخ: الأخ حمدان يقول: إذا كان الولي لا يدرك، يعني يصحو قليلاً ويغمى عليه قليلاً، نقول: هذا حكمه حكم المعتوه، فإن أفاق وعلم ما يقول فله أن يزوج وقت صحته، وإن كان مغمى عليه فلا يزوج، وإن خشي فوات الكفؤ لأجل غيبوبة الولي فإن الولاية هنا تنتقل إلى الولي الأبعد، والله أعلم.
نقول: إذا كان الأخ الشقيق قد توفرت فيه أدنى شروط الولاية، فلا يجوز أن يتولى الأخ الأب العقد مع وجود الأخ الشقيق، إذا كان الأخ الشقيق فاسقاً لكنه يعلم اختيار وكفؤ موليته؛ لأنه حق له، فلا يجوز أن يخفر حقه، وهذا افتيات في حقه، والله أعلم.
شيخنا الفاضل لدينا مشكلة وقد حيرت الكثير من المغاربة، وهو أنه عندنا قانون يمنع الزواج بالبنت قبل أن تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، ولهذه العلة أصبح كثير من الناس يتزوجون بدون إذن القاضي، ويتعاون الزوج والزوجة على عدم الإنجاب إلى أن تصل سن الثامنة عشرة، ثم يذهبان إلى القاضي ويعقدان العقد من جديد، ولا يخبران القاضي بأنهما متزوجان خوفاً من العقوبة، فما هو قول الشرع في هذا الفعل؟ بل إذا بلغت البنت ثماني عشرة سنة فلها الحق أن تزوج نفسها بدون ولي، من ضمن بنود القانون، أيضاً كثرت أسئلة الإخوة في بعض دول أوروبا عن ذلك.
الشيخ: الجواب على هذا: أن الأنظمة أحياناً يكون مقصوداً بها التنظيم، وأحياناً تكون مخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى، فإذا كانت هذه الأنظمة فيها مصلحة للجميع فالأولى التقيد بها، ومن المعلوم أن توسع الفساد والإفساد، وإغراء كل من الجنسين بالآخر أمر متفش لا ينكره عاقل، بل ولا ينكره أدنى من عنده مسكة عقل.
وعلى هذا فإذا خشي الزوج أو خشي ولي الزوجة، أو ولي البنت أنه إذا لم يزوجها ربما تقع في الفساد، فأرى والله أعلم أن من المصلحة الشرعية -ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح- أن يزوجها، ولو من غير علم، ويكون هذا زواجاً عرفياً، بأن يعقد بوجود الولي والشاهدين، ولو لم يكن هناك تنظيم أو تسجيل في ذلك؛ لأن الحفاظ على الأعراض مطلب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )، هذه مسألة.
المسألة الثانية: أنهم يجوزون نكاح البنت من غير ولي، فهذا لا شك في حرمته، وقد قال الإمام أحمد : أرى أنه لو زوج حاكم أو قبل حاكم زواج المرأة من غير ولي، رأيت أن يفسخها لوضوح الحديث، والحديث هو: ( أيما امرأة نكحت نفسها من غير ولي فنكاحها باطل، باطل، باطل، ولها المهر بما استحل من فرجها )، وإن كان هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وأبو حنيفة رحمه الله يعذر حينما لم يبلغه هذا الحديث، لكن العتب على من جاء بعده، حينما لم يأخذ بهذا الحديث مع وضوحه.
الشيخ: الحرية هي عدم الرق، بأن يكون الرجل حراً، ليس عبداً وليست أمة، هذه الحرية.
وأما اليسار فهو في المال، أن يكون ذا مال، فإذا زوجت امرأة غنية برجل فقير مدقع فهذا نوع من عدم الكفاءة، ولكنها كفاءة مال، وليست كفاءة نسب، وهذا كله لا بأس به، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا بني بياضة! أنكحوا
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
الشيخ: ينظر الولي، أحياناً بقاء البنت في رضا مع الزوج مطلب شرعي، يعني لا ينبغي للأب أن يكره ابنته على الزواج من شخص لا تريده، فأحياناً البنت تحب المال، وتحب البحبوحة من العيش، فإذا أرهقها وليها بأن تتزوج رجلاً ذا قلة في اليد فلربما تتضايق، ولا تستطيع البقاء معه، وربما انفصل عقد النكاح بعد وجود ابن أو ابنتين، أو ولد أو ولدين؛ ولهذا أرى والله أعلم أننا مع تطلبنا لذي الخلق والدين، لكن ينبغي أن نعرف طبيعة الأسرة، إذا كانت طبيعة الأسرة عندهم نوع من بحبوحة المال فلا ينبغي أن يتسرع في مثل هذا؛ لأن ذلك ربما يؤدي إلى ضيق في العيش ويحدث عدم وئام بين الزوجين.
الشيخ: الله يقول: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فالشهادة لابد أن تكون من ذوي عدل من المسلمين، ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فلابد أن يكون مسلماً.
وأما شهادة المرأة في النكاح، فهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء، فذهب الحنابلة إلى أن المرأة لا تتولى عقد النكاح، ولا عقد الطلاق، ولا القصاص.
وذهب الشافعية و أبو يوسف إلى أن المرأة تتولى شريطة أن يكون الرجل بمقام امرأتين، وأرى والله وأعلم أن هذا أظهر، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث ابن عباس : ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه )، هذا لفظ البخاري و مسلم ، فهذا يدل على أن البينة لو جاء بها المدعي بأي شيء كان جاز ذلك، والله أعلم.
الشيخ: لا يجب، لكن لابد أن يكون هناك قائم بالحجة لعل ذلك يحصل وقت من الأوقات، فلابد معرفة ذلك، لكن ذكرنا هذا لأجل إكمال الشرح، ولهذا تجد أننا لم نذكر الخلاف ولم نتوسع في شرحنا.
الشيخ: ينظر، إذا عقد عليها وهي لا تريده فلا يتم العقد حتى ترضى، فإذا قالت: لا أريدك أن تزوجني فلاناً، فأبى، فينظر، هذه واحدة، وإذا كان ذا خلق ودين، فقالت: أريدك أن تزوجني فلاناً، فأبى هذا الزوج الثاني، ثم الثالث، فهذا دليل على فسقه؛ لأنه حينئذ يكون قد عضلها، وتنتقل الولاية إلى الولي الآخر.
الشيخ: سؤال الحلقة القادمة إن شاء الله هو:
لو قبلت البكر النكاح صراحة، فهل يصح النكاح؟ مع الدليل؟
لو قبلت البكر النكاح صراحة، بأن قال: فلان تزوجك، فقالت: قبلت، هل يصح النكاح أم لا، مع ذكر الدليل؟ والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
المقدم: اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحبتنا الكرام! إذاً هذا هو سؤال اليوم، نسعد كثيراً بتواصكم من خلال مراجعة هذا الدرس، والتعرف على الإجابة الصحيحة، والإرسال لهذه الإجابة، حيث سنستعرضها بإذن الله تعالى في بداية درسنا القادم.
أيها الأحبة إلى هنا نصل معكم إلى ختام هذا الدرس، شكر الله لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، والشكر موصول لكم أنتم على طيب متابعتكم لنا، وللإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك.
حتى يجمعنا بكم لقاء قادم بإذن الله تعالى، نستودعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر