الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام، متابعي قناة المجد العلمية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك ضمن دروس الأكاديمية، حيث يسرنا في بدئه أن نرحب بصاحب الفضيلة الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي، وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية لشئون الدورات والتدريب.
باسمكم جميعاً أرحب بالشيخ عبد الله، فأهلاً ومرحباً بكم.
الشيخ: حياكم الله، وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: ترحيبنا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم عبر اتصالاتكم التي نستقبلها بعد انتهاء شيخنا من درسه، وذلك في منتصف الحلقة تقريباً على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم، كذلك نسعد بتلقي إجاباتكم عن الأسئلة التي تطرح في نهاية كل درس، وأسئلتكم عبر الإنترنت على موقع الأكاديمية، ترحيبنا أيضاً موصول أيضاً بالإخوة الحضور في هذا الدرس المبارك، فأهلاً بالجميع.
نستأذنكم دكتور عبد الله في استعراض مجموعة من الإجابات التي وردت.
الشيخ: تفضل!
المقدم: كإجابة عن سؤال الحلقة الماضية، وكان السؤال: عن المحرمات في النكاح من أجل عارض مؤقت؟
الشيخ: أي: ما كان تحريمه لأجل عارض مؤقت.
المقدم: نعم، ما كان تحريمه من أجل عارض مؤقت، وردت مجموعة من الإجابات، الأخت المفكرة من السعودية تقول:
أولاً: الملاعنة ستحرم على الملاعن.
الشيخ: لا، قلنا: ما كان تحريمه لأجل عارض مؤقت يزول، أما الملاعنة فلا يزول.
المقدم: إذاً هي ذكرت الرضاع، وذكرت غير ذلك.
الشيخ: لا، هذا في حكم التحريم المؤبد لأجل سبب، نحن نريد ما كان تحريمه لأجل عارض مؤقت يزول.
المقدم: نستبعد الإجابة إذاً.
إجابة الأخت خلود من السعودية تقول:
منها المعتدة حتى تنتهي عدتها، لقول الله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235].
الزانية حتى تتوب.
من طلقها ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره.
المحرمة حتى تحل من إحرامها.
المشركة حتى تؤمن، ذكرت خمساً.
الشيخ: نعم، المشركة إذا كانت غير كتابية.
المقدم: الأخ مصعب من المغرب بعث بمجموعة من الإجابات يقول: المعتدة، والزانية إذا كانت مستمرة حتى تتوب، المطلقة ثلاثاً، المحرمة، الكافرة الغير كتابية، كما لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج كافراً كتابياً كان أو غير كتابي حتى يؤمن.
الشيخ: نعم.
المقدم: السعدية أم عبد الرحمن من المغرب ذكرت مجموعة من الإجابات، هل نكرر الإجابات التي وردت يا شيخ؟
الشيخ: لعل هذا يكفي؛ لكن لو ذكرت أسماءهم!
المقدم: طيب نذكر أسماءهم: السعدية أم عبد الرحمن من المغرب فصلت في ذلك.
غزلان من المغرب أيضاً أجابت إجابة مطولة.
الأخ غادة من الولايات المتحدة، أيضاً عبد الرؤوف عبد الفتاح غيث من مصر، و أم الإماء من الجزائر، وكذلك الأخت خديجة من المغرب بعثت بإجابة مفصلة في هذا الأمر.
الأخت مريم من السعودية.
الأخ عبد الرحمن المغراوي من المغرب.
هذه جملة من الإجابات التي وردت.
وذاك لأن العبد إذا تعلم العلم وعلمه فإن الناس يتعلمون ويعبدون الله على علم وبصيرة، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، فنسأل الله أن نكون ممن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان على الهدى وأمر بالتقوى.
المقدم: نعم، جزاكم الله خيراً.
الشيخ: يا شيخ! ذكر لنا الإخوة والأخوات أن المحرمات في النكاح كلها إن لم يختلف في بعض المسائل مشتملة عليها آية في آخر الجزء الخامس من سورة النساء، وطلبنا من الإخوة قراءتها، فمن منكم يريد أن يقرأها؟
مداخلة: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:22-23].
الشيخ: جزاك الله خيراً، بارك الله فيك، فتح الله عليك، نقرأ ما وصلنا إليه وهو قول المؤلف: (فصل في الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح)، فلتتفضل.
بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله: [ فصل في الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح:
ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بينها وبين خالتها )، ولا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، ولا للعبد أن يجمع إلا اثنتين، فإن جمع بين من لا يجوز الجمع بينه في عقد واحد فسد، وإن كان في عقدين لم يصح الثاني منهما، ولو أسلم كافر وتحته أختان اختار منهما واحدة، وإن كانتا أماً وبنتاً ولم يدخل بالأم فسد نكاحها وحدها، وإن كان قد دخل بها فسد نكاحهما وحرمَتا على التأبيد، وإن أسلم وتحته أكثر من أربع أمسك منهن أربعاً وفارق سائرهن، سواءً كان من أمسك منهن أول من عقد عليها أو آخرهن.
وكذلك إذا أسلم العبد وتحته أكثر من اثنتين، ومن طلق امرأةً فنكح أختها أو خالتها أو خامسة في عدتها لم يصح، سواءً كان الطلاق رجعياً أو بائناً ].
تحدثنا في جملة مما سبق أن ذكرناه على سبيل الإجمال وبعض التفصيل، وقلنا: إن من المحرمات ما تحريمهن لسبب عارضٍ يزول، وقلنا من أمثلته: ما كان لأجل الجمع كالجمع بين المرأة وعمتها، فهنا لا يجوز أن يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، ولا بين المرأة وأختها؛ لأن ذلك محرم، وقد ذكرنا من الأدلة:
أولاً: أما الأختان فقد قال الله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23].
وأما في غيرهما: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها ).
وقد بينت سنة النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من هذا الحكم، وهو ما جاء في بعض الروايات: ( إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم )؛ وذلك لأن المرأة قد جبلت على الغيرة، فلربما غارت على أختها أو غارت على عمتها أو غارت على خالتها، فيحصل في ذلك قطيعة ورحم.
نقول: إن أثر القطيعة حاصل، لكن القاعدة الشرعية تنص على: (أنه إذا تعارضت مفسدتان قدم أدناهما)، ومن المعلوم أننا لو حرمنا ابنة الخالة وابنة العمة لكان في ذلك مشقة وعسر على الرجل إذا أراد أن يبحث عن زوجة، والعفاف والعفة وإحصان الفروج مقصد ومطلب شرعي لا يستهان به، فنأخذ بهذا الأصل ولو كان يترتب عليه بعض المفاسد، وهي قطيعة ابنة الخالة وابنة العمة، ونحن حينما تعارضت هاتان المفسدتان قلنا: لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها، أو أختها أو خالتها؛ لأن بينهما أواصر ووئاماً، ثم إن الزوجة حق عمتها عليها عظيم، وحق خالتها عليها عظيم ما ليس في ابنة الخالة وابنة العمة.
وبالمناسبة تطلب الفقيه مقاصد التشريع من أعظم ما يجعل المرء يكون رأيه أو حكمه الشرعي مبنياً على هدى؛ فإن المرء والفقيه إذا علم الحكمة الشرعية أيقن إيقاناً تاماً أن هذا من عند الله؛ ولهذا لا حرج أن نتأمل قول الله تعالى حينما قال في الراسخين: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، وأنا أرى أن هذه الآية ليست في المتشابه فقط، بل بالمتشابه والمحكم، فإذا علم الراسخ الفقيه في العلم أن هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم الحكمة من هذا التشريع، علم أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه لم يكن من منطوق بشر، إنما هو من وحي رب الأرض والسماء، فيعلم أنه كله من عند الله فيؤمن بهذا الحكم، ويعلم أنه من عند الله!
المقدم: مسألة التوقف عند العلة والسؤال عنها دائماً، وجعلها مقدمة أحياناً؟!
الشيخ: هذا سؤال جميل، يعني: أحياناً نتطلب علة للحكم، وأقول: أعظم علة، أو أعظم حكمة، أو أعظم مقصد هو امتثال المأمور، وهذا مهم أن نشير إليه فنقول:
بعض الفقهاء، أو بعض الباحثين، أو بعض الذين يتحدثون في المقاصد، حينما يأتي نص شرعي أمر العبد أن يتقيد به أو أن يمتثله، فتجد أنه أحياناً يقول: من المصالح ومن مقاصد التشريع أن لا نفعله، فيترك مقصداً شرعياً قطعياً، وهو امتثال المأمور، إلى مقصد شرعي مظنون وهو رفع الحرج أو بعض المقاصد الأخرى، ونقول كما قال الشاطبي : (إن امتثال المأمور مقصد شرعي أمر الشارع به وحث وحظ وعليه)، وعلى هذا فإذا جاءك أمر شرعي بالفعل فامتثله، فإن من أعظم مقاصد التشريع هو العبودية.
الحر لا يجوز له أن يتزوج أكثر من أربع، والدليل على ذلك قول الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، وهذا قال فيه أهل العلم: إن هذا وإن كان القاعدة الأصولية تقول: العدد لا مفهوم له، إلا أن هذا خرج مخرج الخبر، فيفهم من قوله: مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، المنع من يتزوج أكثر من ذلك.
ودليله أيضاً: إجماع أهل العلم، كما نقل ذلك ابن قدامة في المغني.
وقد جاء عند الترمذي وحسنه بعض المتأخرين: أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمسك أربعاً وفارق سائرهن )، وهذا الحديث وإن كان في سنده بعض الضعف إلا أن إجماع أهل العلم على ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا بعض أهل الأهواء وأهل البدع، والعبرة بمذهب أهل السنة والجماعة.
نقول: اختلف العلماء في ذلك: فذهب جمهور الفقهاء إلى أن التعدد جائز وليس بمستحب، واستدلوا على ذلك بأدلة:
الدليل الأول: قالوا: إن الآية تقول: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3]، فجعل ذلك إلى إرادة المكلف، ولو كان تكليفاً لم يكن للمكلف فيه دخل ولا إرادة، هكذا قالوا!
الدليل الثاني: قالوا: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3].
الدليل الثالث: قالوا: ما جاء عند أبي داود وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل )، قالوا: فهذا دليل على إن الإنسان يبرئ ذمته ولا يتزوج إلا واحدة.
وذهب بعض أهل العلم، وهو قول أهل الحديث، واختيار شيخنا ابن باز ، وهو رأي ابن تيمية رحمه الله؛ قالوا: إن التعدد مسنون؛ لما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ( تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً ).
قالوا: وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدد، وتزوج أبو بكر وعدد، وتزوج عمر وعدد؛ فهذا يدل على مشروعيته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( اقتدوا باللذين من بعدي
وهذه المسألة لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها وعلاتها؛ فإن بعض الناس ربما قال: التعدد سنة، وينسى شروط التعدد، وشروط التعدد هي:
الأول: أن يكون ذا قدرة مالية وبدنية.
الثاني: أن يأمن على نفسه عدم الحيف في الجملة، وإلا فإن تطلب العدل في كل شيء مما لا يستطاع، كما قال الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129].
والعدل بين الزوجات إنما هو في النفقة والسكنى والمبيت، وما زاد على ذلك فهو معروف وفضل.
وليس المراد بالعدل العدل في المحبة، وقد لا يشك مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم من أعدل البشر، بل هو عدل، وقوله عدل، وحكمه عدل، وفعله وتصرفاته عدل، ومع ذلك اجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( اجتمعن في بيت
تقول عائشة : فدخلت فاطمة رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وإياه في مرط واحد، حتى قامت فاطمة إلى قريب من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله ما تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من فراشه، فقال: (ما لك يا بُنية! فقالت: إن أزواجك اجتمعن يناشدنك العدل في
أي: كانت تساوي عائشة في الحظوة والجمال.
فدخلت زينب بنت جحش، تقول عائشة : وكانت امرأة صالحة غير أن بها سورة -يعني: حدة وغضباً- سرعان ما ترجع عنها -وهذا من عدل عائشة في وصف ضرتها زينب- فدخلت زينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله مع عائشة، فقالت زينب : يا رسول الله! إن أزواجك اجتمعن يناشدنك العدل في بنت أبي قحافة، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم _ وهذا يدل على أن كثيراً من المشاكل الأسرية لو حققها الزوج أو الزوجة فإن السكوت كفيل بحل كثير من مشاكلنا.
فسكت رسول الله، فبدأت زينب تتكلم وأنا ساكتة، فلما التفتت إلي فلاحتني -يعني: خاصمتني- وقالت: عائشة فيها وفيها وفيها، قالت: فكنت ألتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب أن أنتصر لنفسي؛ قالت: فلاحيتها، فضحك عليه الصلاة والسلام وقال: ( إنها ابنة
يقول المؤلف: (فإن جمع بين من لا يجوز الجمع بينه في عقد واحد):
مثال: عقد على امرأة وأختها، أو عقد على امرأة وعمتها، أو عقد على امرأة وخالتها في عقد واحد، يقول المؤلف: (فسد العقد)؛ لأن الزوجة الأولى ليست بأولى من الثانية، والأخت الصغيرة ليست بأولى من الكبيرة، والكبيرة ليست بأولى من الصغيرة، وكذلك قل في العمة ليست بأولى من غيرها، وكذا الخالة ليست بأولى من غيرها، وعلى هذا فقس، وعلى هذا تعارضا فتساقطا.
يقول المؤلف: (وإن كان في عقدين)، يعني: تزوج إحداهما ثم تزوج الأخرى ولو بعدها بلحظة، فقال للأولى: قبلت الزواج، ثم التفت إلى الثانية وعنده وليها فقال: قبلت الزواج، فهذا يقول المؤلف: (لم يصح الثاني منهما)، أي: فيصح الأول ولا يصح الثاني، ويكون الثاني باطلاً.
لما عقد العقد الثاني على عقد صحيح فيكون الثاني هو الباطل؛ لأن الثاني ترتب أو كان تالياً لعقد صحيح، ولا يجوز الجمع بينهما؛ لأنه لا يجمع بين المرأة وعمتها، فمتى وجد العقد الأول حرم العقد الثاني.
فقال المؤلف: (اختار منهما واحدة)، ولم ينظر إلى التي عقد عليها أولاً؛ لأن الحكم ترتب بعد إبرام العقدين.
أعيد: لم ينظر هنا إلى أيهما كان عقدها الأول؛ لأننا لا ننظر التكليف إلا بعد الإسلام، ومتى وجد العقدين قبل الإسلام فإن للزوج أن يختار من شاء منهما كبيرة أو صغيرة، تقدم عقدها أو تأخر.
يقول المؤلف: (وإن كانتا)، يعني: الزوجتين، (أماً وبنتاً) نظرت: (فإن كان لم يدخل بالأم) يعني: عقد عليهما ودخل بالبنت ولم يدخل بالأم فإن الأم حينئذٍ يفسد نكاحها، وذلك لأن العلماء يقولون: يحرم على الرجل إذا تزوج بالبنت أن يعقد على أمها، فإن كان قد عقد عليهما ولكنه دخل بالأم ولم يدخل بالبنت، فما الحكم؟
لا يجوز أن يعقد على البنت وقد دخل بالأم.
أعيد: لو أنه عقد عليهما ودخل بالأم فإن العلماء يقولون: يفصل بينهما؛ لأنه بمجرد العقد على البنت يحرم عليه أن يعقد على الأم، هكذا قالوا.
وقال بعضهم: إن العبرة بالدخول؛ لأنه لا يجوز أن يستمتع ببضع امرأة وبنتها أو بنت وأمها قبل الإسلام، فإن كان قد دخل بهما جميعاً حرمتا جميعاً على التأبيد؛ ولهذا قال: (وإن كان قد دخل بها فسد نكاحهما وحرمتا على التأبيد)، يعني: لو أسلم ومعه أم وابنتها فيجب عليه أن يفرق بينهما ولا يبقى مع إحداهما، لأنه لا يجوز له أن يجمع بين بضع الأم وابنتها.
يقول المؤلف: (أمسك منهن أربعاً وفارق سائرهن)، والدليل: لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال لـغيلان بن سلمة، بل قال: ( أمسك أربعاً وفارق سائرهن )، ولم يقل: فارق الأخيرة، إنما جعل الخيار له، فله أن يمسك الأخيرات ويطلق الأول، وله أن يمسك الأول ويطلق الأخيرات، فجعل الخيار إلى إرادته وهواه.
يقول المؤلف: (سواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليها أو آخرهن)، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمسك أربعاً وفارق غيرهن )، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم بين من عقد عليهن أولاً أو تالياً أو وسطاً، والقاعدة الأصولية تقول: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، وهذه قاعدة طيبة لطالب العلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أعطى حكماً عاماً، وهذا الحكم العام ربما يحتاج إلى بيان في بعض تفاصيله، فلما لم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم دل على أنه عام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم، وقد قال الله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38].
فترك الاستفصال في مقام الاحتمال، أليس هذا المكان يحتمل أن يمسك أول النساء أو آخرهن أو وسطهن؟ نقول: هذا الاحتمال قائم، ومع ذلك لم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فدل على أن له أن يمسك ما شاء.
يقول المؤلف: (وكذلك إذا أسلم العبد وتحته أكثر من اثنتين)، العبد لا يجوز له أن يتزوج أكثر من اثنتين، فلو أسلم العبد وعنده أكثر من اثنتين وجب عليه أن يبقي اثنتين ويفارق سائرهن، وله الخيار في أن يبقي أولهن أو آخرهن.
أولاً: هذه المسألة يُلغز بها فيقال: هل للرجل عدة في النكاح مثلما للمرأة؟
فالجواب: أنه له عدة من وجه آخر، بمعنى: عدة في عدم النكاح، فلو أنه تزوج ثم طلق امرأة فليس له أن ينكح أختها حتى تنتهي عدة الزوجة الأولى؛ لأننا نقول: إن المطلقة طلاقاً رجعياً هي زوجة، فلو تزوج أختها في زمن عدتها فيكون قد جمع بين المرأة وأختها.
يقول المؤلف: (سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً)، وعليه فلو طلق المرأة آخر ثلاث تطليقات -يعني: طلقها ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها- الآن هي تعتد ثلاثة قروء، فهل له أن يتزوج أختها زمن عدة المطلقة بائناً؟
عامة الفقهاء، ونقل بعضهم الإجماع : على أنه لا يجوز حتى تنتهي عددتها، ورأى أبو العباس ابن تيمية وقد نقلوه عن ابن الزملكاني الشافعي، وروي عن الزهري : أن له أن يتزوج في عدة المطلقة البائن إذا استبرأت بحيضة واحدة.
والأقرب والله أعلم: أنه لا يجوز له أن يتزوج الأخت الثانية إلا بعد انتهاء عدة الأولى؛ سواء كانت رجعية أو بائناً.
قوله: (أختها)، وقس مثل ذلك في الخالات والعمات.
يقول: (أو خامسة)، أي: شخص عنده أربع نساء ويريد أن يتزوج خامسة، قلنا له: لا يجوز أن تجمع بين الرابعة والخامسة، قال: أريد أن أطلق الرابعة، فأقول: أنت طالق ثلاثاً حتى تباح لي الزوجة الخامسة، نقول: لا، حتى لو قلنا بأن الطلاق الثلاث يقع ثلاثاً فلابد أن تنتهي عدة المطلقة، سواءً كان طلاقاً بائناً أم رجعياً.
وهذه من المسائل التي ينبغي أن تذكر للرجال والنساء، فإن بعض الناس إذا كانت عنده أربع نساء وأراد أن يخطب خامسة ويخشى أن تذهب عنه طلق إحدى زوجاته فيريد أن يتزوجها، فقلنا: لا يجوز لك أن تتزوج حتى ولو كانت الرابعة قد طلقتها آخر ثلاث تطليقات؛ لأنها ما زالت في العدة، هذا هو الأقرب، والله تبارك وتعالى أعلم.
المقدم: شكراً للأخت: دانة على هذا السؤال.
الشيخ: ذكرنا في أول دروسنا ما الذي يجوز أن يرى الخاطب من المخطوبة، وقلنا: إن الراجح أن يرى ما يظهر غالباً وهو الشعر وأول الصدر -يعني: النحر- والبيان إلى وسط العضدين، وأول الساقين، فله أن يرى ذلك، ويجوز أن تسرح المرأة شعرها وأن تضع من الزينة ما تضعه في الغالب، والتي تضعه في الغالب هو الكحل وما تضعه من حمرة في الشفتين، هذا هو الغالب، أما أن تتجمل وتتزين بحيث لو رآها الرجل أو رآها القريب لها ربما لم يعرفها، فهذا لا ينبغي لها؛ لأنه فيه نوع من الخداع.
ومن المسائل أيضاً: أن بعض النساء أحياناً يكون في ظهرها أو في فخذها عيب يمنع إقبال الزوج على ذلك، فلا حرج أن يرى الزوج ذلك، مثل لو كانت المرأة فيها احتراق في فخذها أو على ظهرها فللخاطب أن يرى ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فله أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها )، ومن المعلوم أن مثل هذا ربما يكون عيباً، ولابد للزوج أن يعلم.
مداخلة: لو سمحت يا شيخ! ما الحكمة من أن العبد له زوجتان وليس أربعاً؟ هل هي حكمة مذكورة في القرآن الكريم أو في السنة النبوية؟
المقدم: شكراً للأخت: أم محمد ، الإجابة يا شيخ!
الشيخ: الحكمة: طاعة الله وطاعة رسوله، والثاني: أن العبد لا يملك أمره مثلما يملك الحر، فالعبد يملكه سيده، فلأجل هذا لو اشتغل بأربع ربما انشغل عن سيده، فأجاز الشارع له الزوجتين، ولا يجوز له أن يزيد على ذلك.
ثم إن حكم العبد في الشريعة على النصف من حكم الحر، فكما أن الرجل الحر إذا زنا وهو غير محصن يجلد مائة جلدة، فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2].
أما العبد فيجلد خمسين جلدة، والعلم عند الله.
مداخلة: أحسن الله إليك يا شيخ! رجل متزوج وأراد أن يتزوج زوجة ثانية، فهل له أن يشترط عليها بعض الشروط التي من حقه، كأن يقول: أغلب الأيام تكون للزوجة الأولى، أو يكون نصيب الثانية أقل من الأولى في بعض الحقوق؟
الشيخ: هذه مسألة يسميها العلماء في الوقت المعاصر (زواج المسيار)، ومعنى زواج المسيار: هو أن المرأة أسقطت حقها في البيتوتة سواءً كان حقاً عاماً، يعني: كل البيتوتة، أو تقول: لا حرج أن تبقى مع زوجتك الأولى يومين ولي يوم واحد، والأصل أن هذا حق للزوجة فإذا أسقطته فالذي ذهب إليه الحنابلة في رواية، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية خلافاً لجمهور الفقهاء: أن العقد صحيح والشرط صحيح؛ لكن لو أن الزوجة بعدما دخل الزوج عليها رغبت في العدل، وقالت: أريد أن تعدل بيني وبين الزوجة الأولى، فلا يحق للرجل أن يرفض ويقول: أنا سوف أستمر وقد تزوجتك على هذا الشرط، لأننا نقول: هذا حق للمرأة، فالزوج إما أن يعدل وإما أن يطلق.
ولا يجوز له أن يبقى مع الزوجة الثانية بناءً على أنه دخل بالشرط؛ لأن هذا حق للمرأة يجوز أن تتنازل عنه، لكنه لا يسقط؛ لأنه حق ثابت شرعاً.
مداخلة: يا شيخ! عبد الله هناك حديث سمعته من أحد الإخوة لا أدري هو صحيح أم لا في النكاح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أقربكم مني يوم القيامة المعتدون)، أو عبارة حول هذه، فأنا أسأل عن الحديث هل هو ثابت؟
المقدم: نعم، شكراً للأخ خالد، تفضل يا شيخ!
الشيخ: هذا الحديث من أكياس وكيس الذين يريدون التعدد، فهذا من الأحاديث الباطلة، ولا يصح، وأحسن شيء في الباب: ( تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً ).
وبالمناسبة بعض القصاص وبعض المؤرخين وبعض الذين يريدون أن تسوق سلعهم أحياناً يذكرون بعض الأحاديث الباطلة؛ لأجل أن تسوق سلعهم، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب المنار المنيف قصصاً طريفة في مثل هذا، وذكر: أن رجلاً كان يبيع النخل فرأى كساداً في سوقه فقال: هذه النخل اشتروها، أوما سمعتم قول الحبيب عليه الصلاة والسلام: (أكرموا عمتكم النخلة)!
وهذا حديث باطل، ولا يجوز أن يروى مثل هذا على أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن من روى حديثاً يرى أنه كذب عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أحد الكاَذِبيْن، أو أحد الكاذبين كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة ، ومن حديث أبي موسى وغيرهما.
الشيخ: الجواب: لا يجوز بالإجماع أن تتكشف المرأة تكشفاً فيه من التبرج خروج الشعر والرقبة والصدر واليدين إلى الساعدين وغير ذلك لزوج العمة ونحوه؛ لأن هذا التحريم إنما هو تحريم مؤقت، فلربما افتتن في من تبرجت بمثل هذا فطلق هذه المرأة التي حرمت لأجلها فتزوجت، ومن المعلوم أن مثل هذه الأمور فيها من الفساد العريض والضرر ما لا يخفى على ذي لب.
الشيخ: ذكرنا بالأمس أن الرضاعة تحرم ما يحرم النسب والولادة، وقلنا: إن الجمع بين الأختين سواء كان بنسب أو رضاعة يحرم، وقد ذكرنا أن هذا هو قول الأئمة الأربعة، والعلم عند الله.
وهذا الجمع بين الأختين محرم حتى على رأي ابن تيمية رحمه الله، لأن الله يقول: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23]، ولم يستفصل الشارع، فيدل على العموم ونأخذ قاعدة: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
الشيخ: الشارع الحكيم جوز للرجل المسلم أن يتزوج الكتابية إذا كانت محصنة عفيفة، فإن كانت تتبرج تبرجاً ملفتاً للنظر فلا يسوغ للرجل أن يبقى معها؛ لأن من شرط الزواج بالكتابية أن تكون محصنة، بمعنى: عفيفة، فالإحصان في الشرع يقصد به الإسلام، ويقصد به الإحصان في النكاح، ويقصد به العفة، فإذا كانت المرأة عفيفة غير متبرجة جاز أن تبقى معه وإلا فلا يجوز؛ لأن في ذلك اختلاطاً في الأنساب، ولربما واقعت من لا يباح لها مواقعته.
الشيخ: سؤال جيد، جاء عند الفقهاء: أنه ( تخيروا لنطفكم ذوي الأنساب )، وجاء في بعض الروايات أنه منع أن يتزوج الإنسان قريباته، وهذا باطل، فلا يصح، هذه قاعدة: لا يصح في الباب حديث في الحث على الزواج من القريبات، أو في الحث على الزواج من غير القريبات.
والدليل على هذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد تزوج علي رضي الله عنه فاطمة وكان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالأولى بالرجل أن يختار المرأة الدينة العفيفة الحكيمة العاقلة ذات الخلق، هذا هو الأقرب.
وأما قولنا: (الدينة) فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك )، وأما الخلق فقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
وقولنا: (أن تكون عاقلة) فالعقل في المرأة فيه من الفضل والصبر على تربية الأبناء وعلى غضب الزوج أحياناً ما لا يخفى.
الشيخ: نعم، الدخول بالأمهات بعد العقد يحرم البنات، والعقد على البنات يحرم الأمهات، وهذا قد ذكرناه.
الشيخ: سؤال الحلقة القادمة: ما الحكم فيما لو طلق رجل امرأته ونكح أختها أو خالتها أو خامسة في عدتها؟ وهل يختلف الحكم فيما لو كان الطلاق رجعياً أو بائناً؟
المقدم: جيد، إذاً: نريد إجابة مفصلة؟
الشيخ: نعم! إجابة مفصلة يستدعيها المقام.
المقدم: أحبتنا الكرام! إلى هنا نصل معكم إلى ختام هذا الدرس من دروس الأكاديمية في شرح كتاب النكاح، كان معنا من خلاله صاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية لشئون الدورات والتدريب، فشكر الله له شرحه وبيانه.
والشكر موصول لكم أنتم على طيب متابعتكم معنا، وللإخوة الحضور في هذا الدرس المبارك، نشكركم جميعاً ونسعد دائماً وأبداً بتواصلكم من خلال هذه الدروس المباركة دروس الأكاديمية، نسأل الله العلي القدير أن ينفعنا جميعاً بها، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، إنه جواد كريم.
أحبتنا الكرام! حتى يجمعنا لقاء قادم بكم في درس من دروس الأكاديمية نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر