الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية، حيث نلتقي فيه معكم أيها الأحبة في شرح كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله، ويتولى شرح هذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية.
فباسمكم جميعاً نرحب بضيفنا الشيخ عبد الله ، فأهلاً ومرحباً بكم يا شيخ!
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين.
المقدم: ترحيبنا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم من خلال اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم، وكذلك تواصلكم البريدي عبر البريد الإلكتروني الخاص بموقع الأكاديمية، وكذلك بريد الشيخ ضيف هذا اللقاء، ونسعد أيضاً بإجاباتكم عن أسئلة كل درس.
شيخ عبد الله ! لعلنا نبدأ درسنا في هذا اليوم باستعراض الإجابات عن سؤال الأمس.
الشيخ: تفضل.
المقدم: كان السؤال الذي طرحتموه: إذا طلق المولي بعد إيلائه، فهل طلاقه يكون بائناً أم رجعياً؟ مع ذكر دليل كل قول وذكر الراجح؟
الشيخ: نعم.
المقدم: الإجابات الواردة في هذا المقام كثيرة، من هذه الإجابات إجابة الأخت جميلة من العراق: تقول في إجابتها:
أولاً: قول الجمهور واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الطلاق رجعي؛ لأنه طلق بغير عوض فأشبه الذي لم يحلف، والذي بغير عوض طلاق رجعي، وهذا القول قوي.
ثانياً: إذا طلق عليه الحاكم أو طلقها، فإن طلاقه بائن؛ لأن هذا الطلاق لرفع الضرر على المرأة، مثل العنين، والقول الأول هو الأقوى.
الشيخ: نعم، هذا الصحيح وهذا الراجح والله أعلم، وهو ظاهر القرآن؛ لأن الله يقول: فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:226-227]، فذكر الشارع سبحانه لفظ (الطلاق)، فإذا ذكر لفظ (الطلاق) فالطلاق هنا طلاق شرعي، والطلاق الشرعي: أن يطلق في طهر لم يجامعها فيه، ويكون أيضاً يحق له فيه الرجعة.
المقدم: نعم، ومن الإجابات التي وردت:
إجابة الأخت: سمر من الأردن، والأخت: خديجة من المغرب، و غزلان كذلك من المغرب.
وإجابة الأخ: نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية، وعزيزة باخلعة أيضاً من السعودية، ومريم من السعودية، والأخت: كنزة من المغرب، وخلود من السعودية، وجميلة من العراق استعرضنا إجابتها قبل قليل، وفوزية من الكويت، ولولو إبراهيم من السعودية.
والأخت: لولو حقيقة لها أيضاً سؤال يا شيخ!
الشيخ: تفضل.
الشيخ: ذكرنا هذا، وقلنا: ترفع المرأة أمرها إلى الحاكم، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226]، والفيئة كما قال ابن عباس وغيره هي: الجماع، فدل ذلك على أن مضي المدة لا تطلق بها المرأة، والدليل أيضاً: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227]، فجعل لفظ (الطلاق) بيد الزوج لا بمجرد مضي المدة، هذا هو الراجح، والله أعلم.
المقدم: أحسن الله إليكم.
المقدم: أحسن الله إليكم، قال المصنف رحمه الله: [ باب القسم والنشوز:
وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم، وعماده الليل، فيقسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية، وليس عليه المساواة بينهن في الوطء، وليس له البداءة في القسم بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه).
وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإذن زوجها أو له، فيجعله لمن شاء منهن؛ ( لأن
وإذا أعرس على بكر أقام عندها سبعاً، ثم دار، وإن أعرس على ثيب أقام عندها ثلاثاً؛ لقول أنس : ( من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أن يقيم عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً، وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل، ثم قضاهن للبواقي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج
يقول المؤلف: (باب القسم والنشوز):
القسم هو: توزيع الزمان بين نسائه، وهو إعطاء المرأة حقها في البيتوتة عندها للصحبة والمؤانسة، وعليه فمجرد بقاء الزوج مع زوجاته في الليل أو في النهار -على الوجه الذي سوف نذكره في القسم- يكفي في ذلك، فالبيتوتة كافية في ذلك ولو لم يحصل وطء.
وهذا القسم واجب باتفاق الفقهاء، نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر و ابن قدامة وغيرهما، قال ابن قدامة : لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية في القسم خلافاً، وهذا لا شك فيه؛ لأن الله يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3].
ومن المعلوم أن قسمه لبعض نسائه دون بعض ميل وحيف وعدم تسوية، كما عند أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )، فيجب على الزوج أن يسوي بين نسائه في القسم.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يقسم بين نسائه بالسوية، وكن تسع نساء، فقد روى الإمام أحمد و أبو داود و النسائي و الترمذي و ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل فيقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )، وهذا الحديث صححه بعض المتأخرين.
والصواب أن الحديث مرسل، فإن أكثر الرواة كـحماد بن سلمة و عبد الوهاب الثقفي و إسماعيل بن علية رووه عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً، فالحديث مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف.
وهذا الحكم بالإرسال لهذا الحديث قاله البخاري و أبو زرعة و النسائي ، وكذلك الترمذي ، فهذا الحديث ضعيف وإن كان معناه صحيحاً، فقد كان عليه الصلاة والسلام يعدل بين نسائه، وكان عليه الصلاة والسلام، يدور على نسائه -كما سوف يأتي بيانه- بعد العصر، فيدخل على كل واحدة منهن، غير أنه يدنو ولا يجامع عليه الصلاة والسلام.
ذكرنا الخلاف بالأمس على عجل، ونقول:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الذي يجب على الزوج العدل فيه هو القسم في البيتوتة، ولا يجب القسم في الكسوة والنفقة، إذا أدى لكل واحدة من نسائه النفقة الواجبة والكسوة الواجبة.
دليلهم في هذا، قالوا: لأن العدل في النفقة والكسوة مما يشق، والقاعدة الفقهية تقول: (المشقة تجلب التيسير)؛ لأنه ربما يكون له زوجة كبيرة يكفيها للباسها ألف ريال، ويتزوج زوجة شابة ربما لا يكفيها أقل من ثلاثة آلاف ريال، فلو سوى بينهما لكان في هذه الزوجة فضل في عدم لباسها، فسوف تكنزه لها.
فقالوا: ثم إنه ربما يعطي الزوج بعض نسائه على حسب عرف كل زوجة عند أهلها، فامرأة ذات يسار ربما يكون لباسها ليس مثل امرأة ليست بذات يسار، فلهذا قالوا: لا يجب العدل.
القول الثاني في المسألة: وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد مال إليها ورجحها أبو العباس بن تيمية رحمه الله، قالوا: إنه يجب العدل بين النساء في القسم وفي الكسوة وفي النفقة؛ لأن الله يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ومن أعظم المعروف أن يعدل بين نسائه؛ لأنه إذا لم يعدل فسوف يكون فيه نوع من الضير والضرر وإيغار الصدور والوحشة بين نسائه، فدل ذلك على وجوب العدل في ذلك.
وأيضاً: قول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، قالوا: فندب الشارع إلى الواحدة عند خوف عدم العدل، وإنما يخاف من ترك الواجب.
وقال ابن تيمية : ووجوبه أقوى وأشبه بالكتاب والسنة:
يقول: ولأن ترك العدل في النفقة والكسوة يورث الأحقاد ويثير وحر الصدور ويؤثر على الحياة الزوجية.
وأقول: يستحب للزوج أن يعدل بين نسائه في النفقة والكسوة باتفاق الفقهاء، وكذلك ينبغي للزوج أن يتحرى العدل في ذلك، ولا يجحف؛ لأن المرأة لو علمت أن زوجها أعطى إحدى نسائه بيتاً جميلاً ولم يعطها مثلها، بل اكتفى ببيت مستأجر، فهذا ربما يوغر صدرها، ويؤثر ذلك على أولادها وعلى أولاده، فربما حصلت حرب داحس والغبراء لأجل ذلك!
أو ربما تكون بعض نسائه هي التي تقوم بشئونه في الولائم والضيوف، فلا حرج يفضلها على من تصنع هذا على مضض وكره؛ لأن هذا من العدل ومن التشجيع، فيكون التفضيل ليس لأجل الميل، بل لأجل العمل والصفة.
أو تكون بعض نسائه تخدمه وتقوم بشئون بيته وتراعي هذا الأمر، فلا حرج في التفضيل؛ لأن هذا التفضيل من أجل الخدمة والعمل، وليس لميل نفسي، وإذا كان كل نسائه يسارعن في خدمته وفضل بعضهن فأرى أن هذا فيه نوع من الإجحاف، وفيه نوع من الظلم، وفيه نوع من الميل، وقد قال الله تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، وقال صلى الله عليه وسلم: ( فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).
على هذا نقول: إذا كانت إحدى زوجاته تفضل عليهن بالخدمة له أو لأبيه وأمه، فإنه لا بأس أن تعطى لأجل الخدمة، لا لأجل المحبة، كما أن الوالد يعطي بعض أولاده لأجل خدمته له أو لأجل بذله لنفسه له، ولا يعطي الآخرين؛ لأن هذا عطاء بالصفة والعمل، وليس عطاءً بالميل والمحبة.
الشيخ: لا يلزم أن يظهر بين زوجاته، ولا حرج أيضاً أن يقول لبعض زوجاته: خذي هذه الساعة ولا تخبري فلانة؛ لأجل أن المرأة ربما إذا كان فيها هذا الكتمان تحظى بها وتستأنس بها وتقع هذه الهدية في القلب موقعاً، ويقول للثانية مثلما قال للأولى، وبهذا يحصل الوئام، والحكمة في التعامل مطلب، فقد كان عليه الصلاة والسلام يصنع ذلك؛ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام!
ومن جميل ما يذكر في السنة في هذا: ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، وكان إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن، وإنه دخل على تقول قالت
( قالت
على هذا أيها الإخوة! يجب على الزوج أن يعدل في القسم.
وللزوج أن يأتي إلى نسائه في بيوتهن، في محالهن، في غرفهن، وله أن يدعوهن إلى غرفته أو إلى بيته، كل ذلك لا بأس به، وإن كان الأفضل أن يأتي هو إلى بيوتهن وحجرهن وغرفهن كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن ذلك أستر وأقل خروجاً للمرأة من بيتها؛ لأن الله قال لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].
المقدم: شيخ عبد الله! بالنسبة لمن كان عمله كما ذكرت بالشفتات ولكن عمله متقلب، يعني: أحياناً بالليل وأحياناً بالنهار؛ فهل يكون على العكس؟
الشيخ: إذا كان معاشه بعض الأوقات في الليل قسم بالنهار، وإذا كان معاشه بالنهار قسم بالليل.
لو أن رجلاً عنده أمة وثلاث حرائر، قلنا: إن الأمة على النصف من الحرة، فإذا أخذت حرة ليلة، والأخرى ليلة، والأخرى ليلة، والأمة لو أخذت ليلة لكانت الأمة مثلها مثل الحرة.
ولهذا نفترض أن ثمة ليلتين، ليلة لأمة وليلة لأمة، فإذا لم يكن له أمتان وكان له أمة واحدة، فيكون للأمة ليلة من ثمان ليال.
يقول المؤلف: (وإن كانت كتابية)، يعني: يجب على الزوج أن يعدل في القسم بين نسائه ولو كانت إحدى نسائه كتابية أو ذمية؛ لأن هذا العدل حق للزوجية وليس حقاً للديانة.
أي: لا يجب على الزوج أن يعدل في الوطء؛ لأن هذا مما لا يستطاع، ولا يقدر عليه الإنسان؛ ولهذا قال الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129].
روى ابن جرير ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال: العدل في الحب والجماع.
ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يحب عائشة كما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد، أن عمرو بن العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه مسروراً تبرق أسارير وجهه قال: ( يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ قال:
ولهذا كان عليه الصلاة والسلام لا يخبئ شيئاً، وقد ( اجتمع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- فأمرن
قالت: ( فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لـ فاجتمعن فأمرن زينب بنت جحش ، تقول عائشة : وهي التي كانت تساميني في المحبة والجمال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك اجتمعن يناشدنك العدل في بنت أبي قحافة ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجب
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كله عدل قولاً وفعلاً وتقريراً، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
على هذا فلا يجب العدل في الوطء كما قلنا في تفسير الآية، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك )، فالصواب أنه مرسل.
المقدم: بالنسبة لقضية الوطء، هل هي مرتبطة بقضية القسم في الليلة؟
الشيخ: لا يلزم، بل يقسم بين نسائه بالعمل ولا يلزم الوطء، وأنا لا أحب أن أفصل في هذا، لكن قال ابن القيم رحمه الله: إن ترك الجماع لعدم الداعي إليه وعدم الانتشار فلا حرج، أما إن كان ثمة داع إلى ذلك، ورغب أن يكون ذلك لبعض ضرائرها، فهو آثم في ذلك.
والأقرب والله أعلم أن يقال: إذا عف الرجل نساءه فلا بأس بذلك، والله تبارك وتعالى أعلم.
أي: لا يجوز للزوج أن يبتدئ لبعض نسائه بالقسم دون بعض، أو أن يسافر ببعض نسائه دون بعض إلا بالقرعة، فهنا لا بأس بذلك.
فلا يجوز للزوج أن يبتدئ لبعض نسائه بالسفر؛ لأن ذلك نوع من الميل، وقد قال الله تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ [النساء:129]، وهذا ليس من العدل، بل يجب أن يقرع بين نسائه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه )، فعلى هذا يجب على الزوج أن يعدل.
الواقع أن بعض الأزواج إذا أراد أن يسافر يأخذ معه زوجته الثانية التي ليس معها أولاد ويترك الأولى، فهذا لا يجوز، إلا أن يستأذن الأولى، فإذا استأذن الأولى فالحمد لله، وإذا كان في كل عطلة يسافر بإحدى نسائه فلا حرج، ولا ينبغي للزوجة الأولى أن تقول: أريدك أن تسافر معي وحدي مثلما تسافر معها وحدها؛ لأن العادة أن الرجل إذا سافر بامرأته يسافر بالمرأة وأولادها، فلا حرج، ولا يكون هذا نوعاً من الميل؛ لأن هذه الثانية لو كان عندها أولاد لصنع بها مثلما صنع بالأولى.
ثانياً: أن المرأة أحياناً تمتنع من السفر، فإذا امتنعت المرأة من السفر وأحبت أن لا تسافر، فإن الزوج حينئذٍ إذا سافر بالثانية أو الثالثة لا يلزمه أن يقضي لمن لم ترغب بالسفر؛ لأنها أسقطت حقها.
يقول المؤلف: ( فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه )، وهذا كما قلنا حديث متفق عليه من حديث عائشة .
أما لو دخل في الليل لقصد الضرورة، مثل أن تكون المرأة التي ليست هي ليلتها مريضة، أو يكون أحد أولادها مريضاً؛ فلا حرج في ذلك، وقد كان عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: ( يدخل على نسائه ويجتمعن في بيت التي هو عندها )، هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين.
تقول عائشة : ( فاجتمعن عندي، وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يخرج يمد يده إلى التي هو عندها فيرفعها، وتقول: فيعلمن بذلك فيخرجن، وكان آخر العصر -وبطبيعة الحال يكون الغرفة فيها نوع من الظلام- فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه فمد يده إلى
المقدم: شكراً للأخ عابد ، الإجابة!
الشيخ: الدليل هو قول الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226].
هذا هو الدليل على أنه يجوز للرجل أن لا يطأ امرأته إلا كل أربعة أشهر، ولكن هذا الأمر إذا لم يخف على المرأة العنت، فإن خيف عليها العنت والزنا وأنها لم تعف، فيجب على الزوج أن يعفها أو يطلقها.
ولكنه يجوز ابتداءً أن يترك أربعة أشهر فأقل، أما أقل من ذلك فلا حرج؛ لأن ( الرسول صلى الله عليه وسلم حلف أن لا يطأ نساءه أو أن لا يدخل على نسائه شهراً ) كما ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة ، فهذا الأمر منوط بعدم خوف العنت على الزوجة.
الشيخ: يقول المؤلف: (وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإذن زوجها، أو له فيجعله لمن شاء منهن).
أحياناً المرأة ترى زهداً وعدم رغبة من الزوج، فتخاف أن يطلقها، فتقول لزوجها: يومي لفلانة، فلابد من شرطين:
أولاً: أن يكون هذا برغبة الزوجة.
والثاني: أن يكون برضا الزوج، فلو قالت إحدى زوجاته: يومي لهند، فلا يلزم الزوج أن يوافق.
إذاً: لابد من توفر شرطين: نزول الزوجة عن رغبتها في ليلتها، ورضا الزوج نفسه؛ لأن هذا حق لهما جميعاً؛ فلابد من رضاهما جميعاً.
إذاً: هي تحدد من تنازلت لها، ولا يلزم الزوج، فإما أن يقول: لكِ أن تجعليه لي، أو أن تحددي شيئاً أنا أريده، فإن قالت: أريده لهند ولم يرغب الزوج بذلك، فإن له أن يمتنع، لكن لا يجوز له أن يصرفه إلى مريم.
فلابد من رضا الطرفين، فلو قالت: ليلتي لهند وهو لا يريد هنداً، بل يريد هدى مثلاً، فإنه والحالة هذه لا يجوز له أن يصرفه إلى هدى؛ لأن هذا حق لهما جميعاً، فلابد من رضاهما جميعاً، هذا القسم الأول، كما قالت سودة : (يا رسول الله! يومي لـ
الثاني: أن تقول الزوجة لزوجها: يومي لك، اصرفه كما تشاء، فله أن يصرفه كما شاء.
وإذا قلنا إن له أربع نساء، مثلاً: هند، ومريم، وهدى، وعائشة، فقالت مريم: يومي لهدى، فهل له أن يجعل لهدى يومين متواليين، أم يجعلها على حسب القسم الذي هو لمريم؟ مثل أن يكون لمريم اليوم الأول، ولهند اليوم الثاني، ولهدى اليوم الثالث، ولعائشة اليوم الرابع، فهل يجوز له إذا أسقطت مريم حقها إلى هدى (رقم ثلاثة)، أن يقول لهدى: لكِ اليوم الثالث والرابع أم يقول: لكِ أول ليلة ولك الثالثة؟
قال القرطبي: ويكون مكان التي أسقطتها في ليلتها، ولا يجمع الليلتين، هذا قوله.
والأقرب والله أعلم أن له أن يجمع برضا صاحبة الحق الذي قبل، والحمد لله.
المقدم: شكراً للأخت أم أسامة .
الشيخ: مسألة أن يقول الزوج لزوجته: لا تكشفي لعمك من الرضاع أو لأخيك من الرضاع، هذا بينه وبينها، لكن لو كشفت فلا حرج في ذلك؛ لأن هذا مباح، وقد امتنعت عائشة رضي الله عنها من أن يدخل عليها عمها من الرضاع، قالت: حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليلج عليك عمك، فإنه عمك من الرضاع، قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل؟ قال: إنه عمك، فليلج عليك ).
فهذا يدل على أن الأصل أنه يجوز كشف وجه المرأة أمام محارمها، بل ولا ينبغي لها أن تمتنع، لكن إذا منعها زوجها فإنها تنظر المصلحة، إذا كان الزوج ربما يخاف أو يغار، فينبغي للمرأة أن تطيعه في هذا الأمر، أما إن كانت قد اعتادت قبل الزواج فلا ينبغي للزوج أن يتعنت في هذا الأمر، والله أعلم.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم.
نقول: هذا صحيح، ولكن لو أذنت الزوجة التي يومها الثالث بإسقاطه إلى الرابع، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
يقول المؤلف: (وإذا عرس على بكر أقام عندها سبعاً ثم دار):
أي: إذا تزوج بكراً فإنه يقيم عندها سبع ليال، قال العلماء: الحكمة في هذا أن البكر ربما يكون عندها كثير من الحياء والخجل، وتستوحش من خروج الزوج عنها، فبقاؤه سبع ليال فيه من إزالة الوحشة وإدخال السرور والأنس ما لا يكون في الثيب التي قد اعتادت هذا الباب.
المؤلف يقول: (وإن عرس على ثيب أقام عندها ثلاثاً):
هذا الحكم فيه دليل، وهو ما جاء في الصحيحين من حديث أنس أنه قال: ( من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً ).
يقول أبو قلابة الراوي عن أنس : ولو شئت أن أقول: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقلت، فهذا يدل على أن قول الصحابي: (من السنة) له حكم الرفع.
قال المؤلف: (وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل):
في هذا دلالة على أن الثيب التي أقام عندها ثلاثاً، لو أحبت أن يقيم عندها سبعاً فلها ذلك إذا رغبت، ولا يلزمه أن يستأذن نساءه، بل يكون هذا على رغبة الزوجة الجديدة، وهي الزوجة الثيب.
قال المؤلف: (ثم قضاهن للبواقي):
أي: إذا جلس عند الثيب ثلاثاً، وقالت: أريدك أن تبقى عندي سبعاً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ليس بك على أهلك هوان )، يعني: أنا عندما خرجت بعد ثلاث، فليس لأجل أنك هينة عليَّ، ولكن هذا العدل، ( إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي )، هذا الحديث اختلف العلماء فيه.
الشيخ: تفضل.
المقدم: معنا اتصال هاتفي من الأخت: أم محمد من مكة ، تفضلي بسؤالك.
مداخلة: فضيلة الشيخ جزاك الله خير الجزاء ونفع بعلمك المسلمين، لي سؤال لو سمحت!
الشيخ: تفضلوا.
والإمام الشافعي قال: إن كان متيسر الحال فعليه المؤنة، وإذا كان غير متيسر فلا، هذا الذي أخذناه في درس الفرائض؟
الشيخ: نعم.
مداخلة: طيب! حتى أن الزوجة عليها خدمة الزوج، والقيام على أولاده، وكل هذا، وربنا سبحانه وتعالى قسم للزوج نصف تركة الزوجة، وقسم له الربع أحياناً إذا كان لها أولاد؟
المقدم: السؤال واضح أخت أم محمد .
مداخلة: طيب! هل يجوز للزوجة إذا مرض الزوج أن تتركه ولا تمارضه؟
المقدم: تسمعين الإجابة بإذن الله تعالى من الشيخ الآن!
الشيخ: إذا مرضت الزوجة فإنها ما زالت عند الزوج، وله أن يستمتع بها ما شاء، وعلى هذا فحقه منها إنما سقط لعذر، مع إمكانية الاستمتاع ولو ببعضه، فهنا قلنا: يجب عليه أن يمرض زوجته، بمعنى: أن ينفق عليها؛ لأن هذا من العشرة بالمعروف ومن النفقة الواجبة عليه.
أما بعد الوفاة فإن العلاقة انتهت، فليس بعد الوفاة شيء، ولا يمكن أن يستمتع منها، فهي هنا انقطعت، فينظر إلى ميراثها.
مع أني أقول والله أعلم: إن قول الشافعي رحمه الله: أنه إذا كان ذا يسار فإنه يجب عليه ذلك؛ لأن هذه هي زوجته إن شاء الله في الجنة، وما زالت علاقة الزوجية باقية بدليل أنه يجوز له أن يغسل زوجته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن متِ غسلتك، وإن متُ غسلتيني ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
المقدم: جميل، لعلنا قبل أن نختم الدرس نأخذ معكم قضية الأقوال في الحديث!
قولان عند أهل العلم:
فقال أكثر أهل الحديث: إنه يقسم لنسائه الأخريات سبعاً، فإذا جلس عند الثيب سبع ليال، فليقسم للنساء الأخريات سبعاً.
قالوا: والحكمة في هذا أنه جعل هذا الأمر إلى رغبة الزوجة الجديدة، قال: (إن شئت سبعت لك)، ولم ينظر إلى أزواجه الأخريات، وهذا هو قول أكثر أهل الحديث.
وقال بعضهم وهو قول الحنفية أشار إليه الطحاوي : أنه يقسم للبواقي أربعاً؛ لأنه جلس مع زوجته الجديدة أربعاً زائدة.
والأقرب والله أعلم هو قول أكثر أهل الحديث، وهو القول الأول؛ لأن هذا لو كان عدلاً لاستأذن نساءه جميعاً، والله أعلم.
الشيخ: سؤال الحلقة هو: ما حكم البداءة في القسم لبعض أزواجه دون بعض، أو السفر بها من غير قرعة؟ مع ذكر الدليل؟ والله أعلم.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم، ولعلنا أيضاً نرجئ سؤال الأخ : زيد من رفحة الذي سأل عن النشوز للدرس القادم بإذن الله تعالى.
الشيخ: إن شاء الله.
المقدم: أحبتنا الكرام! إلى هنا نصل معكم إلى ختام هذا الدرس من دروس شرح كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله، حيث كان معنا شارحاً لهذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، شكر الله له.
والشكر موصول لكم أنتم على طيب متابعتكم لهذا الدرس، حتى نلقاكم بإذن الله تعالى في دورس قادمة، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر