الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:
فسنستأنف درسنا في كتاب القواعد لـابن اللحام الحنبلي, وقد وصلنا إلى القاعدة السابعة, ومعلوم أن القواعد التي مرت وإن لم تكن من قواعد أو من مسائل الأصول المشهورة إلا أنها من الأهمية بمكان, وهي من عوارض الأهلية، كما مر معنا من الأشياء التي تكون ثمرتها في أصول الفقه ليست كبيرة خاصة القاعدة السابعة, فإن هذه من المسائل التي تحدث فيها الفقهاء رحمهم الله على الأصول وثمرتها في علم الأصول قليلة؛ لأنها تتعلق بولي الأمر, وتتعلق بالثواب والعقاب, ومعرفة ما على المكلف من حكم؛ ولهذا سوف نذكرها على عجل.
الملقي: قال المؤلف رحمه الله: [ القاعدة السابعة: الكفار مخاطبون بالإيمان إجماعاً -ونقله القرافي- وبفروع الإسلام في الصحيح عن أحمد رحمه الله تعالى, وقاله الشافعي أيضاً, واختاره أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعي و الرازي و الكرخي وجماعة من الحنفية وبعض المالكية, وجمهور الأشعرية والمعتزلة. وعن أحمد رواية لا يخاطبون بالأوامر, ويخاطبون بالنواهي، وهو الذي قاله القاضي أبو يعلى في مقدمة المجرد. وحكى بعض أصحابنا رواية أنهم غير مخاطبين بشيء من الفروع الأوامر والنواهي, وقاله بعض الحنفية ].
فإذا قلنا: إن الكفار مخاطبون بالإيمان -وهذا نقله القرافي بالإجماع- بمعنى أننا نأمرهم أن يؤمنوا, فصار هذا من المسائل العلمية، إذاً العبد مأمور بالاعتقاد في المسائل العلمية؛ ومأمور مع الاعتقاد بالعمل في المسائل العملية, فالمسائل العلمية مثل: الإيمان بالله، والإيمان بالرسل, والإيمان بالقرآن, والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، فهؤلاء الكفار مخاطبون بالإيمان, يعني: يتوجب عليهم الإيمان ويجب عليهم أن يفعلوا الإيمان الآن.
لكن المسائل العملية يظهر أن الذين يقولون بأنهم مكلفون إنما نظروا إلى المؤاخذة, ولم ينظروا إلى أصل الفعل؛ لأنهم أجمعوا على أن لكل امرئ ما نوى في العبادات, والكافر ليس له نية. إذاً من قال: إن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام إنما نظر إلى المؤاخذة في الآخرة, لا إلى أصل الفعل مع بقائهم على الكفر.
هل يعني ذلك أن الذين يقولون: إنهم غير مخاطبين أنهم لا يعذبون؟ قالوا: إن تعذيبهم يوم القيامة بسبب عدم إيمانهم بالله، فيعاقبون لأنهم كفار؛ لكن الذين يقولون: إنهم مخاطبون بفروع الشريعة يقولون: مع أنهم يعذبون لأجل كفرهم فهم يعذبون -أيضاً- لأجل تركهم المأمورات, فيزيد العذاب عليهم, ودليلهم: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:42-45], إذاً هذا العذاب بسبب تركهم الواجبات وفعلهم المحرمات، هذا هو المشهور، وهو رواية عن أحمد وهو قول الشافعي, وأكثر الحنابلة, وأكثر أصحاب الشافعي، وهو قول علماء الأصول, كـالرازي و الكرخي من الحنفية وجماعة من الحنفية, وبعض المالكية، وهو المذهب المالكي, وجمهور الأشعرية والمعتزلة.
إذاً هذا هو المقصود أنهم مخاطبون بمعنى المؤاخذة, وسوف يعذبون عليها يوم القيامة, والمؤلف لم يذكر هل هم مخاطبون بالعقوبات, كالزنا والفواحش والأكل في نهار رمضان, بحيث لو رئي شخص يفعل هذا لعوقب أهلاً، لا يقال: العقاب لا يكون إلا باعتقاد, فالصحيح -أيضاً- أنهم مخاطبون بالعقوبات.
قوله: (وعن أحمد رواية يقول: لا يخاطبون بالأوامر ويخاطبون بالنواهي).
يعني: لا يخاطبون بالمسائل العملية التي فيها فعل, لكنهم يخاطبون في المسائل العملية التي فيها ترك, فإذا فعلوا ما أمروا بتركه فإنهم يعاقبون, وهذه هي التي يسميها العلماء: مخاطبون بالعقوبات.
قوله: (وحكى بعض أصحابنا رواية: أنهم غير مخاطبين بشيء من الفروع: الأوامر والنواهي).
هذا القول يحتمل أنهم غير مخاطبين في الآخرة, ويحتمل غير مخاطبين في الدنيا فلهم أن يفعلوا ما شاءوا, وهذا القول فيه ما فيه؛ لأنه يلزم على ذلك أن لهم الحق أن يتصرفوا في بلاد الإسلام كأهل الذمة بما يخالف شرائع الإسلام, وهذا باطل لو كان على إطلاقه, لكنهم مأمورون، بمعنى أنهم يفعلون ما يفعله أهل الإسلام من الشرائع الظاهرة, أما العقوبات التي تحل بأهل الإسلام من قبل ولي الأمر فهم مخاطبون بها أيضاً, وهي تكون من الشرائع الظاهرة, مثل شرب الخمر, وهذه يعاقب عليها، ولا يقول: أنا ديني يقول لي: اشرب الخمرة، وكذلك الأكل في نهار رمضان لا يصح أن يقول: أنا لا أؤمن أصلاً بالقرآن، ولا أؤمن بالصيام, إذاً أنا أفعل ما هو في ديني. نقول: لا؛ بل أنت مخاطب بالعقوبات.
الشيخ: يعني: هم غير مخاطبين بالقتال؛ لأن معنى هذا أنهم سيقاتلون أنفسهم! وهذا القول محل نظر؛ لأن أهل الذمة لو أرادوا أن يقاتلوا مع أهل الإسلام لصد عدوان المعتدي من الكفار ببلاد أهل الإسلام, ولكان هذا جهاداً في حق أهل الإسلام, وإن لم يكن جهاداً في حق الكفار, لكنهم مأمورون, فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين, فلو أن ولي أمر المسلمين أمر أهل الذمة أن يقاتلوا كان واجباً عليهم, وإلا لعدوا قد خفروا الذمة؛ لأنه يجب على ولي أمر المسلمين أن يحمي أهل الذمة, ويسعى بذمتهم أدناهم.
وأما قوله: (لامتناع قتالهم أنفسهم)؛ فنقول: الجهاد يتنوع؛ فهناك جهاد الطلب, وهناك جهاد الدفع, وليس المقصود بالجهاد قتال كل كافر كما يظن قائل هذا: (لامتناع قتالهم أنفسهم)؛ لأنه ظن أن الجهاد هو قتال كل كافر وهذا ليس بصحيح؛ لأن من الكفار من هم معاهدون أو مستأمنون أو من أهل الذمة, إذاً الجهاد ليس قتال كل كافر, ولكن الجهاد هو لإعلاء كلمة الله, وحماية أوطان أهل الإسلام وهذا جهاد الدفع, وإعلاء كلمة الله في بلاد أهل الكفر وهذا جهاد الطلب.
فلو ظهر الإسلام في بلد ولو كان بعض أهله كفاراً فإنهم إن كانوا من أهل الكتاب يدفعون الجزية, ولكن لا يقاتلون.
الشيخ: الشرط الشرعي هو: حصول ما تتوقف عليه العبادة التي فيها عبادة, فالوضوء شرط شرعي, بدليل أنه ليس كل وضوء يجزئ؛ لأن من الوضوء غسل اليدين كما قال سلمان الفارسي وروي مرفوعاً عند الترمذي وإن كان في سنده ضعف: ( من سنة الأكل الوضوء قبله والوضوء بعده ), والمقصود بالوضوء هو الاغتسال والتنظف, إذاً الوضوء المقصود هنا وضوء شرط, وحصول الشرط الشرعي يتوقف على التكليف, فلو توضأ الكافر فلا يرفع حدثه؛ لأنهم اشترطوا لهذا الشرط الشرعي الإسلام، وهذا غير موجود.
وقول المؤلف: (فعندنا ليس بشرط), يعني: (ليس بشرط التكليف)؛ لأنه نظر إلى التكليف من حيث الثواب والعقاب, لا من حيث الفعل؛ لأنه من حيث الفعل يكون تكليف شرط, فلو قال كافر: أنا أريد أن أتوضأ, فهل هو شرط في صحة التكليف أم ليس بشرط؟ يقول المؤلف: ليس بشرط في صحة التكليف، وهو المؤاخذة يوم القيامة أن يكون مسلماً, هذا هو المقصود هنا؛ لأن حصول الشرط الشرعي, هل هو شرط في صحة التكليف أم لا؟ المقصود بذلك أن الكافر إذا لم يتوضأ ليس معناه أنه غير مخاطب بالصلاة؛ لأن حصول الشرط في حقه غير موجود, ولكن المقصود أنه مكلف بمعنى معاقب عليه في الآخرة, وإن كان حصول شرط شرعي غير متوقف في حقه.
الشيخ: مر وأن قلنا: إن فائدة التكليف في حق الكفار أكثرها أخروية، وهي دنيوية في مسائل الإيمان, وهم مخاطبون بالإيمان, ومأمورون بالإسلام, يأمرهم ولي الأمر, وهذه فائدة دنيوية؛ لأنهم إذا أسلموا صار لهم ما للمسلمين؛ يتزوجون من المسلمين, وينكحون من المسلمين, هذا واحد, وأيضاً فائدة أخروية أنهم مأمورون بالعقوبات فيعاقبون على فعل المنهيات.
إذاً ليس التكليف في حق الكفار أخروياً فقط, وليس دنيوياً فقط، وإن كان الأخروي فيه أكثر، والله أعلم.
ثم قال: [ قال أبو الخطاب في التمهيد ] كتاب التمهيد كتاب في الأصول وهو كتاب جيد, وللفائدة فإن كتب الأصول المتقدمة أنفع لطالب العلم من كتب الأصول المتأخرة, والغريب أن أكثر الكتب التي تقرأ ويحال عليها الطلاب هي من الكتب المتأخرة, والكتب المتأخرة يتعب طالب العلم ويمل بتفكيك العبارات وحل الألغاز والمشكلات, ولو قرأ كتب أهل العلم المتقدمين لوجد فيها سلاسة لا توجد في كتب المتأخرين؛ لأن كتب المتأخرين يقصدون قلة العبارة مع مرادات كثيرة, وأما المتقدمون فإنهم يطلقون الكلام على عواهنه كيفما اتفق؛ لأن قصدهم هو الإفهام وليس الاختصار المخل, كما أشار إلى ذلك الإمام الشاطبي .
الملقي: [ قال أبو الخطاب في التمهيد: وفائدة المسألة أنا نقول: يعاقب على إخلاله بالتوحيد وبتصديق الأنبياء وبالشرعيات, وعندهم لا يعاقب على ترك الشرعيات, فالخلاف يظهر ههنا حسب ].
الشيخ: (حسب) يعني: فقط.
الملقي: [فقد أجمعت الأمة على أنه لا يلزمه أن يفعل العبادة إذا أسلم في حال كفره, ولا يجب عليه القضاء إذا أسلم, انتهى].
الشيخ: هذا واضح, وهذا المقصود أننا عندما نقول: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لا نقصد أنهم مأمورون بفعل العبادة حال كفرهم؛ لأن الأمة أجمعت على أن الكافر لا يلزمه أن يفعل العبادة حال كفره, وكذلك لا يجب عليه القضاء, وأما قول المؤلف: (وفائدة المسألة أنا نقول: يعاقب على إخلاله بالتوحيد وبتصديق الأنبياء وبالشرعيات)، يعني: يعاقب على الشرعيات ليس عقاباً دنيوياً إلا فيما فيه من العقوبات الواجبات أو فعل المنهيات, وأما الأخروي فهو يعاقب في التوحيد ويعاقب في الشرعيات.
الملقي: [ وكذا قال غالب الأصوليين, ومن العلماء من قال بخلاف ذلك ].
الشيخ: اقرأ كلام ابن تيمية رحمه الله في التعليق الثامن.
الملقي: [ وذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى: بأن الخلاف في حديث ... وجمع بين من قال ... الكفار في الفروع، ومن نفاه بقوله كما في مجموع الفتاوى ... ].
الشيخ: يعني: هذا من حيث القول بأنهم مخاطبون بالإيمان فقط, والقول الأول أنهم مخاطبون بالإيمان وبفروعه, فالعذاب كلما كفروا بالفروع كلما زاد وخاصة إذا حاربوها, ومنعوا من إطعام المسكين، ومنعوا من الصلاة؛ كما قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى [العلق:9-10], فهذه زيادة في العذاب, فليس هذا مثل الكافر الذي يقول: اجعل المسلمين يصلون في مساجدهم؛ لأن هذا عذابه أخف من عذاب الذين يمنعون, وكذلك الذي يمنع الحجاب ويحارب أهل الإسلام أعظم عند الله سبحانه وتعالى عقوبة من الذي يدع أهل الإسلام على عقائدهم.
الملقي: [ ومن العلماء من قال: للخلاف فائدة, وكلام أبي الخطاب في الانتصار يقتضي ذلك, وهو مخالف لما قاله في التمهيد؛ فقال فيمن أسلم على أكثر من أربع نسوة: قولهم -يعني: الحنفية- النهي عن الجميع قائم حال الشرك لا يصح؛ لأن الكفار عندهم غير مخاطبين وهو رواية لنا ].
الشيخ: هذا ليس له فائدة.
من المعلوم أن المسألة فيها خلاف, فمن العلماء من قال: إن هذه المسألة مبنية على مسألة هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ والصحيح أن هذا ليس له شأن؛ بدليل أن أحمد و الشافعي يريان أنهم مخاطبون, ومع ذلك الشافعية لا يوجبون الاغتسال, فهل يعني ذلك أنهم متناقضون؟ والحنابلة يرون وجوب ذلك, فهل يدل على أنهم اختلفوا في قاعدتهم؟ فالقاعدة شيء, ومسألة أنهم مخاطبون بفروع الشريعة شيء آخر؛ لأن المقصود به الثواب والعقاب الأخروي عندهم.
وعلى هذا فهذه المسألة الذي يظهر والله أعلم أنها لا شأن لها بمسألة هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ والمسألة فيها خلاف, الأظهر أنهم لا يجب عليهم الاغتسال؛ لأن كل حديث ورد في الأمر بذلك ففيه كلام, وأما رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم حينما أسلم بالاغتسال فقد تفرد بها عبد الرزاق ، ولو صح فإنه قد خاطبه هو وحده, وإلا فعامة من أسلم لم يخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, ومن المعلوم أنه لا يجوز تأخير البيان, لكن إذا وجد منهم سبب يقتضي الاغتسال -كأن كان قريباً- يعني: قبل الإسلام بقريب ولم يحصل منهم شيء فهنا يغتسلون, وإن اغتسلوا حال كفرهم باعتقاد أن ذلك يخفف ويرفع فهذا كما قال ابن تيمية لا يؤمرون بذلك, ومن المعلوم أن أبا سفيان حينما هزمهم المسلمون يوم بدر قال: والله لا نغتسل من جنابة, فأشار إلى أنه لا يغتسل من جنابة حتى يقاتل المسلمين, فيدل على أنهم كانوا يغتسلون لأجل ذلك، والله أعلم.
الشيخ: والذي يظهر أن ذلك لا شأن له بالفروع, ودخول الكافر المسجد ينقسم إلى قسمين: دخول المسجد الحرام, وهذا لا يجوز, فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28], ودخول أما غير المسجد الحرام وهذا الصحيح أن ذلك يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال في المسجد, وكان اليهود يدخلون على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد يحدث أصحابه, لكن إذا كان دخولهم في المسجد سوف يؤثر مثل تبرج المرأة ونحو ذلك فهؤلاء يمنعون, لا لأجل دخول المسجد؛ ولكن لما يترتب عليه من أذى، والله أعلم.
الشيخ: لا, ليس لأجل هذا؛ ولكن لأجل أنه لا يمسه إلا المطهرون, فالكافر نجس.
الملقي: [ولكن القاضي قال في المجرد وتبعه ابن عقيل وقاله صاحب المذهب: إنه يصح إصداق الذمية القرآن إذا قصد به اهتداءها, فينبغي أن يحمل قوله في التخريج إذا جوزنا للذمي قراءته, إنما هو إذا قصد به الاهتداء].
الشيخ: يعني: الذمية إذا تزوجها شخص وجعل من مهرها إهداء القرآن لها, فهل ينفع؟ يقول المؤلف: فإذا قصد الاهتداء وأن تسلم جاز, والله يقول: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6], فهذا معنى يسمع, وقد جاء كما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو؛ مخافة أن يناله العدو ), فإذا كان الذمي سوف يؤذي المصحف ويهينه فلا يجوز إعطاؤه المصحف، والله أعلم.
الشيخ: هذا هو الراجح.
الملقي: [ بناهما ابن الصيرفي و الطوفي على القاعدة، وليس بناء جيداً من وجهين: أحدهما: أن المذهب عدم لزوم القضاء, والمذهب تكليف الكفار بالفروع ].
الشيخ: هذا الذي نقوله لكم يا إخوان! أن أكثر المسائل في المذهب أن... التكليف للكفار في فروع الشريعة, ومع ذلك لا يأمرونهم بالفعل, فليس المقصود من هذه المسائل أنها داخلة في فروع الشريعة.
الملقي: [ الثاني: أن الروايتين إنما هما في المرتد, وأما الأصلي فلا يلزمه قضاء بالإجماع؛ لكن قد يتخرج لزوم القضاء على قول من يقول: المرتد مكلف بالفروع دون الأصلي ].
والمسألة الأخرى أيضاً إذا أسلم الكافر وهو دون الميقات, فهل يجب عليه أن يرجع إلى الميقات؟ الصحيح أنه لا يجب عليه؛ لأنه دخل الميقات بمأذون فيه شرعاً؛ وهو جواز الدخول إلى هذه المنطقة فله أن يحرم, وغير ذلك من المسائل مثل: استئجار الكافر للجهاد.
فكل هذه المسائل من مسائل الفروع, لكن ذكر المؤلف بعض القواعد.
كذلك إذا أتلف الحربي شيئاً من أموال المسلمين وغير ذلك من الأشياء فهؤلاء مخاطبون بمعنى أنها من باب فعل المنهي عنه للمخاطب فيؤاخذ, فلو أن ذمياً أو مستأمناً أتلف مال مسلم فهو مأمور بالتعويض, فهذا يدل على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة، هذه من المسائل التي يخاطبون بفروع الشريعة من حيث الدنيا, وكذلك الأصول.
ينبني على أن الخمر هل هي ملك لهم أم لا؟ وفي المسألة روايتان حكاهما القاضي يعقوب بن إبراهيم وأبو الحسن بن بكروش وغيرهما, إحداهما: يملكونها فيجب الرد، هذا قول جمهور أصحابنا, والثانية: لا يملكونها فينبغي وجوب الرد, وقد يقال: لا يجب ردها, ولو قلنا: هي ملك لهم إذ يلزم منه تسليم الخمر الظاهر إلى الذمي, وقد اتفق الأصحاب فيما علمت على أنه إذا أظهرها أنها تراق, ولهذا إذا أتلفها متلف فإنه لا يضمنها، وعلى هذا جمهور الأصحاب ].
الشيخ: وذهب عطاء في رواية وقول عند بعض الحنفية إلى أن المسلم يضمنها للذمي؛ لأنه يجوز أن يشربها, والذي يظهر والله أعلم أن الذمي له أن يشربها بينه وبين نفسه, إذا شاء, بمعنى أنه لا يعاقب، فلو أن شخصاً شهد على ذمي أنه يشرب الخمر في بيته -في بيت الذمي- فهذا لا يعاقب, أما المسلم فيعاقب.
الملقي: [ وخرج أبو الخطاب وجهاً بضمان قيمتها إذا قلنا: أنها مال لهم, وأبى ذلك الأكثرون, وحكي لنا قول: يضمنها الذمي للذمي, ورأيت بعض شيوخنا يبني هذا الفرع على هذه القاعدة إن قلنا بتكليفهم, فيمتنع الرد أو الضمان إن تلف وإلا وجب, وفي هذا البناء نظر؛ لأن فرض المسألة فيما كانت الخمرة لذمي, أما إذا كانت لحربي فلا يجب رد ولا ضمان, والقول بالتكليف عام في الحربي والذمي ].
فبعضهم قال: لا يضمنه؛ لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة, وبعضهم قال: يضمنه؛ لأن المقصود حماية الحرم، وهذا هو الراجح، وعلى هذا فيضمنها, وبعضهم قال: إن ضمانها لا أثر له للحرم, يعني: لن يذهب ويأتي بطير آخر يضعه, ولكن الذي يظهر لي والله أعلم بادي الرأي أن ضمانه هو هنا؛ لأنه لا بد أن ينتفع أهل الحرم؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] ماذا يصنع فيه؟ يتصدق به, فيطعم أهل الحرم, فينتفع أهل الحرم بذلك.
نكتفي بهذا، ونكون بهذا قد انتهينا من هذه القاعدة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر