إسلام ويب

القواعد لابن اللحام [18]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مفردات اللغة العربية لها مدلولاتها اللغوية ومعانيها، فلذلك أدخلت بعض مدلولات الألفاظ وبيان معانيها في علم أصول الفقه وقواعده؛ لأن له علاقة في معرفة مراد الله ومراد رسوله عليه الصلاة والسلام، وما يترتب عليه من أحكام؛ من ذلك الواو العاطفة هل تفيد الترتيب أم لا؟ والصحيح أنها لمطلق الجمع لا تقيد ترتيباً ولا معية، إلا أنها في النصوص الشرعية تفيد الأهمية والترتيب مع وجود قرائن تدل على ذلك.

    1.   

    القاعدة التاسعة والعشرون: تفسير حروف تشتد حاجة الفقهاء إلى معرفتها

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:

    الملقي: قال المؤلف رحمه الله: [ القاعدة التاسعة والعشرون: في تفسير حروف تشتد حاجة الفقهاء إلى معرفتها ].

    المقصود بالحروف عند علماء اللغة وعلماء الحديث

    الشيخ: ليس المقصود بالحروف عند علماء اللغة وعلماء الحديث هو الحرف الواحد (الحاء) و(الفاء) و(الطاء) و(الغين)، ولكن المقصود بالحرف هو الجملة أو اللفظة بكاملها، ولهذا يقولون: وقد زاد الإمام الزهري حرفاً كما في حديث عائشة أنها قالت: ( وكان يجلس الليالي أولات العدد يتحنث فيه )، قال الزهري : (وهو التعبد)، فقوله: (وهو التعبد) لم يكن من قول عائشة , فيقولون: زاد الزهري حرفاً.

    وكما قال عروة بن الزبير رضي الله عنه عندما ذكر مسألة يغسل ذكره ويتوضأ زاد عروة : وأنثييه، رواها حماد بن زيد عن أيوب السختياني مرفوعاً, فأخطأ حماد فزاد هذا الحرف.

    وقال مسلم بن الحجاج وفي هذا الحديث حرف تركناه, يقصد بذلك قصة عمر بن الخطاب : ( ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج وتعتمر )، كلمة: (وتعتمر) تفرد بها سليمان بن قحطان التميمي وهذا معروف عند علماء الحديث.

    مذاهب العلماء في دلالة الواو العاطفة على الترتيب

    الملقي: [ منها: الواو العاطفة، هل تفيد الترتيب أم لا؟].

    الشيخ: أما هنا فالغالب أنها أعم من أن تكون كما قال العلماء, فالغالب أنها يقصد بها الألفاظ حروف الجر وغيرها.

    الملقي: [ في ذلك مذاهب: أحدها: وهو الذي عليه جمهور النحاة والفقهاء أنها لا تدل على ترتيب ولا معية، قال في التسهيل: لكن احتمال تأخر المعطوف كثير، وتقدمه قليل, والمعية احتمال راجح.

    وما ذكره مخالف لكلام سيبويه وغيره، فإن سيبويه قال: وذلك قولك: مررت برجل وحمار، وكأنك قلت: مررت بهما، وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء ولا بشيء مع شيء، هذا كلامه.

    وهذا القول يعبر عنه بأنها لمطلق الجمع، ولا يصح التعبير بأنها للجمع المطلق؛ لأن المطلق هو الذي لم يقيد بشيء، فيدخل فيه صورة واحدة، وهي قولنا مثلاً: قام زيد وعمرو، ولا يدخل فيها القيد بالمعية ولا بالتقديم ولا بالتأخير لخروجها بالتقييد عن الإطلاق، وأما مطلق الجمع فمعناه أي جمع كان، وحينئذ فيدخل فيه الأربعة المذكورة والله أعلم ].

    الشيخ: معروف أن مطلق الشيء يختلف عن الشيء المطلق، فالشيء المطلق هو الكامل، وأما مطلق الشيء فهو يأخذ أصل هذا الشيء.

    وأما مسألة الواو فهل تفيد الترتيب مع المعية أم لا؟ والمقصود بالمعية هو الجمع، الذي هو الشيء المطلق، فإذا قلت: إذا مررت بمحمد وعلي فأعط المال الذي أخبرتك، فهل هذا مشروط بوجود محمد وعلي جميعاً أم يجوز وجود أحدهما؟

    والمعنى الثاني: هل لا بد من الترتيب وهو محمد وعلي أم يجوز العكس: علي ومحمد.

    المعروف من كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن أنه لا يبدأ بشيء إلا لأهميته، إما لمحبة الله له، وإما غلظة لما سواه؛ ولهذا قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ [الفرقان:68-69].

    فتجد أن هذه الأشياء على هذا الترتيب؛ ولهذا لم يختلف العلماء على أن الزاني تقبل توبته، ولكنهم اختلفوا هل القاتل تقبل توبته أم لا؟ ولم يختلفوا على أن أعظم الذنب أن تشرك بالله شيئاً.

    وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( حينما قرأ قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، قال: أبدأ بما بدأ الله به ).

    وقد ذكر جمهور الفقهاء وجوب الترتيب في الوضوء على ما ورد في قول الله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا [المائدة:6]، فتكررت الواو ومع ذلك تفيد الترتيب، وإن كنا لم نوجب الترتيب لأجل هذه الآية فقط، ولكن أوجبناها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومداومته، ولكن هذه البداءة دليل على قصد الترتيب وأنه مشروع؛ ولهذا نحن نقول في القرآن: إن البداءة بالشيء دليل على أهميته وأفضليته, وإن لم يكن على الترتيب جزماً، هذا الذي يظهر, والله أعلم.

    وأحياناً يكون الترتيب على سبيل رفع الحرج؛ كما قال تعالى في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89]، فتجد أن تحرير الرقبة هي الأخيرة، وجاء قبلها الكسوة وقبل الكسوة الإطعام، الآن في الإطعام تستطيع أن تطعم عشرة مساكين بمائة ريال أو بستين ريالاً، لكنك إذا أردت أن تكسوهم فهذا لا يكفي، بل تحتاج إلى ستمائة ريال أو أكثر، وإذا أردت أن تعتق رقبة فلن تستطيع -إن وجدت- بأقل من عشرة آلاف ريال، فهنا الترتيب قصد به رفع الحرج، وإن كان الإنسان مخيراً والله أعلم.

    الملقي: [ والمذهب الثاني: أنها تدل على المعية، ونقله إمام الحرمين عن الحنفية وكلام أصحابنا يدل عليه.

    والمذهب الثالث: أنها تدل على الترتيب وممن قال ذلك من أصحابنا عن الإمام أحمد أبو موسى في الإرشاد وأبو محمد الحلواني وغيرهما، حتى إن الحلواني لم يحك خلافاً عن أصحابنا إلا أنه قال: تقتضي أصولها أنها للجمع.

    ونقل هذا المذهب صاحب التتمة من الشافعية عن بعض أصحابهم وتابع الماوردي في الوضوء من الحاوي فنقله عن الأخفش وجمهور الشافعية، واختاره الشيخ أبو إسحاق في التبصرة نقل هذا المذهب أيضاً قطرب عن طائفة من النحاة, منهم ابن درستويه و ثعلب و أبو عمرو الزاهد و ابن جني و ابن برهان الربعي .

    وأنكر ابن الأنباري المتأخر هذا النقل عن جميع من ذكر عن النحاة، وزعم أن كتبهم تنطق بخلاف ذلك، وقال: لم نر هذا النقل عنهم إلا في بعض التعاليق الخلافية الفقهية لا في كتب أهل اللغة والعربية ].

    الشيخ: الآن مسألة الواو هل تفيد الترتيب أم لا؟

    اختلف العلماء على أقوال منها:

    القول الأول: أنها لا تفيد الترتيب ولا المعية.

    القول الثاني: تفيد المعية.

    القول الثالث: تفيد الترتيب، وهذا القول نقله ابن أبي موسى عن الإمام أحمد , ويقولون: إن هذا قول بعض علماء العربية كـابن جني وفلان وفلان وفلان، ثم جاء ابن الأنباري فأنكر وقال: وإن هذا الكلام لا يوجد في كتب علماء اللغة، وإنما هو شيء وجد في تعاليق كتب الفقه.

    ودائماً نحن ننسب الأقوال إلى أصحابها في كتبهم؛ ولهذا قال: لم أر هذا النقل عنهم إلا في بعض التعاليق الخلافية الفقهية، لا في كتب أهل اللغة والعربية، يعني علماء العربية ما ينقلون هذا.

    الآن سوف نذكر الأقوال ونذكر ما يظهر والله أعلم.

    الملقي: [ ويدل على ما ذكره أن أبا علي الفارسي نقل إجماع نحاة أهل الكوفة والبصرة على أن الواو العاطفة لمطلق الجمع، وكذلك قال الشيرازي : أجمع نحاة أهل البصرة والكوفة على أن الواو لا تقتضى تقديم شيء ولا تأخير شيء، ولم يصح عنهم في ذلك شيء إلا ما نقل عن الربعي في شرح كتاب الجرمي أنه نقل عن الشافعي أنها للترتيب قال: فلقوله وجه.

    قال ابن الأنباري : ولا يصح عن الشافعي ذلك، وأنه أخذ من قوله في الوضوء والترتيب فيه من القراءتين قال: وقد نص الشافعي على ما إذا وقف على ولده وولد ولده بالاشتراك، والمذهب الرابع: قاله أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا ].

    الشيخ: أبو بكر عبد العزيز هو غلام الخلال، وهو يميل إلى مذهب الظاهرية كثيراً, والله أعلم.

    الملقي: [ قاله أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا أن الواو العاطفة إن كان كل واحد من معطوفاتها مرتبطاً بالآخر، وتتوقف صحته على صحته أفادت الترتيب بين معطوفاتها؛ كقوله تعالى: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، وقوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، وكآية الوضوء وإن لم تتوقف صحة بعض معطوفاتها على بعض لم تدل على الترتيب كقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، وقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وقد أومأ الإمام أحمد إلى هذا أيضاً. المذهب الخامس: ونقل عن الفراء أن الواو للترتيب إذا تعذر الجمع، والله أعلم ].

    الشيخ: الذي يظهر -والله أعلم- كما تعلمون أن اللغة واسعة, وربما جاء في القرآن ما يؤيد أحد وجوهها، إما لبيان الجواز أو لبيان الأفصح؛ ولهذا ذكر العلماء في قوله تعالى: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ [طه:63]، على أن (إنْ) هنا على لغة من يلزم اسم إن وخبرها الألف دائماً, وهذا ابن تيمية ينقله عن علماء اللغة أنه من لغة العرب, فبدلاً من أن تقول: إن هذين لساحران, تقول: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ [طه:63] وكما قال الشاعر:

    إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها

    والقصد من المسألة أن القرآن -كما قلت- غالباً ما يذكر هذا، وإن لم يفهم الترتيب بهذه الواو إلا أن المعهود على لسان الشارع أنه لا يذكر الشيء قبل الشيء إلا لأهميته ومقصوده, فإذا نظرنا إلى النظم فإننا نلاحظ أنه إما أن يكون قصد به الأفضلية, أو قصد به رفع الحرج, فإن قصد به رفع الحرج دل على أن هذا من باب التخفيف فقوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89]، رتبت من باب رفع الحرج، وإلا فالغالب أن الشارع إنما يقصد به الترتيب وإن لم يكن واجباً.

    ولهذا فإن قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، دليل على أن الحج أولى من العمرة وأقوى منها؛ ولهذا لم يختلفوا في وجوب الحج, واختلفوا في وجوب العمرة، على خلاف ما يقوله أبو بكر عبد العزيز.

    فالذي يظهر -والله أعلم- أن الشارع لا يبدأ بشيء -خاصة المسائل المبتدأة- إلا لفائدة الترتيب وأهميته، وإن كنا لا نوجب ذلك إلا بقرائن أخرى, فنقول: إن الواو في كلام الله في القرآن تفيد استحباب ترتيب الأفضلية، والله أعلم, كآية الوضوء فإن الترتيب للأفضلية، وقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ [البقرة:196]، فبدأ بالحج لأفضليته وعظمه، وكذلك قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158]، للبداءة به, هذا الذي يظهر والله أعلم.

    وأما كلام ابن أبي موسى عن الإمام أحمد أنه تدل على الترتيب، فهذا الترتيب لا يلزم منه الوجوب, هذا الذي يظهر من كلام أحمد رحمه الله, والله أعلم.

    وقال سيبويه في الواو: لا تفيد الترتيب والمعية على عامة لغة العرب؛ هذا في حق المكلف, أما في كلام الله فلها معنى آخر وهو أنها تفيد الترتيب والأهمية، أو أن الترتيب مع الواو يفيد أهمية السابق على المسبوق, والله أعلم.

    أما في لغة عامة الناس فإنها لا تفيد ترتيباً ولا معية، فلا نحتج على هذا بذاك, ففرق في المعهود من كلام الله والمعهود من كلام لغة العرب، فإن المعهود من كلام لغة العرب لا يدل على الترتيب ولا على المعية, كما قال سيبويه , لكننا نستطيع أن نقول: إن الصفا يبدأ بها الإنسان, وإن الحج أولى من العمرة وغير ذلك.

    فروع ومسائل متعلقة بالواو العاطفة

    الملقي: [ إذا تقرر هذا فها هنا فروع تتعلق بذلك.

    منها: إذا قال لزوجته: إن قمت وقعدت فأنت طالق فلا يقع الطلاق إلا بالقيام والقعود، ولا يكفي أحدهما على الصحيح من الروايتين، ولا فرق بين أن يتقدم أحدهما على الآخر أم لا؟ هكذا ذكر من وقفت على كلامه من الأصحاب بناء على القاعدة أن الواو لمطلق الجمع، ويتخرج لنا قول آخر: أنها لا تطلق حتى، ثم تقوم وتقعد كالفاء وثم على قولنا إنها للترتيب ].

    الشيخ: إذا قال الرجل لامرأته: إذا قمت وقعدت، فهنا لا بد فيها من القعود والقيام لا لأن الواو تقتضي الترتيب, كما نقول دائماً: إن نفي الدليل المعين لا يستلزم منه نفي المجهول, هنا لا لأن قولنا: إذا قمت وقعدت تفيد الواو للترتيب لا علاقة لها بذلك، ولكن لأنها شرطية.

    فقوله: إذا قمت وقعدت فيها نوع من تنازع الشرطية, كأنه قال: إذا قمت وإذا قعدت فأنت طالق، أم أن المقصود إذا قمت وقعدت فأنت طالق، فهل الواو قصد بها هنا جملتين أم معطوفين؟

    الذي يظهر -والله أعلم- أن الرجل إذا قال لامرأته: إذا قمت وقعدت هو قصد القعود والقيام جميعاً.

    كما قال أبو البركات : إنما عرف ذلك بالإضافة، وهي القرائن المحتفة وليس ذلك لأجل الترتيب من عدمه والله أعلم.

    الملقي: [ ومنها: إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها: أنت طالق وطالق وطالق، طلقت ثلاثاً بناء على القاعدة أنها لمطلق الجمع, هذا هو أصح الروايتين عن أحمد , ونص عليه في رواية صالح و الأثرم وغيرهما, وهو المذهب عند الأصحاب. وعن أحمد تبين بالأولى. قال ابن أبي موسى : بناء على أن الواو للترتيب, وفي بناء ابن أبي موسى نظر, بل الأولى في تعليل أنها تبين بالأولى؛ لأنه إنشاء، والإنشاءات يترتب معناها على ثبوت لفظها، ولو علق طلاق زوجته التي لم يدخل بها على شرط كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت طلقت ثلاثاً, جزم به الشيخ أبو محمد المقدسي وغيره وسواء قدم الشرط أو أخره، جزم به أبو البركات ].

    الشيخ: بعضهم يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق قبل الدخول بها فيقع الطلاق ألبتة، يعني: لها أن تتزوج كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] فهذا يدل على أن مجرد وقوع الطلاق الأول كاف في ذلك, والله أعلم.

    الملقي: [ ومنها: لو وقف على أولاده وأولاد أولاده وأولاد أولاد أولاده فإنه يكون مشتركاً بين البطون كلها بناء على القاعدة، وقال الأصحاب: إن رتب أولاً ثم شرك ثانياً بالواو اتبع شرطه.

    وقال أبو العباس : حرف الواو نحواً لا يقتضى الترتيب فلا ينفيه لكن هي ساكتة عنه نفياً وإثباتاً، ولكن تدل على التشريك وهو الجمع المطلق، فإن كان في الوقف ما يدل على الترتيب مثل أن رتب أولاً ثم شرك ثانياً عمل به، ولم يكن ذلك منافياً لمقتضي الواو، ولم أر لأصحابنا خلافاً إذا عطف بالواو وحدها.

    فإن قلت: فقد اختار صاحب المغني أنه إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده ما تعاقبوا على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده أن هذا يدل على الترتيب، قلت: إنما اختار هذا لقرينة غير الواو وهي أن التشريك يقتضي التسوية، ومشاركته تؤدي إلى التفضيل، حيث يجمع بين الشركة والنصيب، لكن يتخرج لنا قول آخر بالترتيب بناء على أن الواو للترتيب ].

    الشيخ: واضح الآن, هنا يقول: إذا قال الرجل: أوصيت هذا المال لولدي، وولد ولدي، وولد ولد ولدي، يقتضي التشريك، ثم قال: [ لا لأن الواو تفيد الترتيب من غيره, ولكن التشريك يقتضي التسوية ].

    الملقي: [ ومنها: ما قاله بعضهم: إن وجوب الترتيب في الوضوء والبداءة بالصفا بناء على أن الواو للترتيب، وليس بناء جيداً ].

    الشيخ: الصحيح ليس بناء جيداً، الوجوب ليس بناء جيداً، الوجوب من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، ولكن هذه البداءات تفيد الأفضلية في كلام الله سبحانه وتعالى في كتابه.

    الملقي: [ لأن المذهب الصحيح أنها ليست للترتيب، والمذهب الصحيح وجوب الترتيب والبداءة بالصفا وإنما ثبت هذا بأدلة غير الواو ].

    الشيخ: صحيح، إذا قال: أنت طالق وطالق فهذا لا نقول به بناء على أن الواو تقتضي الترتيب, ولكن نحن نقول: الصحيح أن الواو لا تقتضي الترتيب ولا المعية, هذا كلام سيبويه , ولكنها في القرآن تفيد الواو الأهمية, والله أعلم.

    لعلنا نقف عند هذا، ويكون وقوفنا إلى القاعدة الثلاثين, والله أعلم, وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768033574