إسلام ويب

فقه العبادات - الطهارة [1]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على كل مسلم أن يتفقه في دينه وأن يتعلم أحكامه، ومن أهم ما يجب تعلمه أحكام العبادات، ابتداءً بأحكام الطهارة؛ لأنها مفتاح الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام؛ ولهذا يبدأ بها العلماء في مؤلفاتهم، ولا يمكن معرفة أحكامها إلا بمعرفة ما يتطهر به كالماء والتيمم، ويجب على المسلم معرفة أقسام المياه وأحكامها؛ إذ هي آلة الطهارة الأولى، وحتى لا يستخدم في طهارته ماءً لا يجزئ.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم. وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أيها الإخوة والأخوات! الطلاب والطالبات، المشاهدون والمشاهدات! في هذا الصرح العلمي العريق الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، والتي تشع على أكثر من اثنتين وثمانين دولة من دول العالم كله، نرحب بكم أجمل ترحيب، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا المجلس مجلس خير وبركة، وعلم ومنفعة، ومعرفة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

    ولا شك أن مجالس العلم مجالس تحفها الملائكة، وتغشاها الرحمة، وتتنزل عليها السكينة؛ ولهذا فإن فقهاء الإسلام من علماء العصر يرون أن المجلس إنما هو ما تعارف عليه الناس في المجلس، فمجلس البيع هو ما يتبايع فيه المتبايعان، أو ما يحصل فيه البيع في وسائل الاتصال الحديث، ولا شك أن هذا المجلس الذي تحفه الملائكة بإذن الله، فإنه لا يقتصر على الإخوة الذين معنا في هذا الأستديو، بل يشمل من يستمعون خلف الشاشات ويأخذون أقلامهم يقيدون فوائد هذا الدرس، فهم بإذن الله سوف يكونون ممن تحفهم الملائكة.

    أهمية التفقه في الدين بناء على الدليل

    الشيخ: فحيهلاً بكم جميعاً في هذا الصرح المبارك، ونحن في هذا الدرس سوف نشرح بإذن الله فقه العبادات التي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلمها، وهناك مسائل لا يسع المؤمن ولا المؤمنة جهلها، ولهذا سوف نشرحها بإذن الله، مبنيةً على الدليل المعتمد من الكتاب وصحيح السنة، دون الالتفات إلى المذهبية، فليست أقوالنا مبنيةً على مذهب أبي حنيفة، أو على مذهب مالك، أو على مذهب الشافعي ، أو على مذهب أحمد ، بل إننا ننظر ما وافق فيه هؤلاء الدليل، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: كل يؤخذ من قوله ويترك، إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعصوم بأبي هو وأمي، وإلا فكل واحد من علماء الإسلام أصاب كثيراً، وخفيت عليه السنة في بعضها.

    ولهذا فإننا حينما نشرح الفقه فإنما نتعبد الله سبحانه وتعالى في أن نعلم حكم الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر، نجتهد ونتثبت ونتوسع في هذا الأمر، هل لنا أن نجد مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم نجد وقد بلغنا جهدنا ووسعنا وطاقتنا في بحث هذا، فإن الله سبحانه وتعالى يعذر كل مجتهد، ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ).

    مراعاة الخلاف السائغ المبني على الدليل

    الشيخ: المسائل العملية ربما يكون الإنسان فيها مصيباً وربما مخطئاً والأمة بخير ما داموا كلهم ينشدون الكتاب والسنة، فإذا أخذ أحدهم بقول أبي حنيفة وترك قول مالك أو الشافعي أو أحمد فهو على خير بإذن الله ما دام لم يعلم الدليل.

    وكذلك لو كان على مذهب مالك ، وأخذ مذهب مالك ، وترك مذهب الشافعي أو أحمد أو ترك مذهب أبي حنيفة فإنه بإذن الله على خير؛ كما قال العبد الصالح عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا؛ لأنهم لو اتفقوا رأيت أن مخالفهم على ضلال، أما إن اختلفوا فإن أن الناس في سعة!

    وجاء رجل إلى الإمام أحمد وقد ألف كتاب اختلاف الفقهاء، فقال له: يا أبا عبد الله ! انظر هذه أقوال أهل العلم في الأمصار، فنظر إليه الإمام أحمد ورأى أنه قد كتب كتاب الاختلاف، فقال أحمد : سمه كتاب السعة.

    لأننا والحمد لله نبحث ونجتهد، وما دام كل واحد ينشد كتاب الله وسنة رسوله، وعنده دليل خفي أو ظاهر؛ فلا ينبغي أن يكون الخلاف سبباً في تناحر المسلمين وتضليل بعضهم لبعض؛ لأن ذلك من التصرفات التي كان أهل الإشراك عليها, مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:32].

    هذه القاعدة من الأهمية بمكان؛ لأننا سوف يستمع لنا أناس من أقطار الأرض، منهم من تربى على مذهب أبي حنيفة ، ومنهم من تربى على مذهب مالك ، ومنهم من تربى على مذهب الشافعي ، ومنهم من تربى على مذهب أحمد ، ومنهم من تربى على مذاهب أهل العلم الأخرى، ومن المعلوم أن هؤلاء الأئمة لم يأت علمهم من فراغ، ولم يكن الواحد منهم قد اجتهد من عند نفسه، بل إنما تربى بناءً على مدارس سبقه إليها علماء كبار، فـأبو حنيفة رحمه الله قد تربى على مذهب عبد الله بن مسعود الذي أخذ عنه تلامذته، ثم أخذ عن بعضهم النخعي ، ثم أخذ عنه حماد بن أبي سليمان ، ثم أخذ عنه أبو حنيفة النعمان .

    و مالك بن أنس لم يأت من فراغ، بل كان بناءً على مدرسة ومجالس تربى عليها، فقد كان رحمه الله أخذ علمه من تلامذمة عبد الله بن عمر الذي كان فقيه أهل المدينة، وكان من تلامذة ابن عمر كـنافع و سالم ، و سالم و نافع تربى عليهما فقهاء أهل المدينة كـالزهري وغيره، وأخذ ذلك مالك من الزهري ، ومن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، ومن الأئمة بعدهم.

    وكذلك الإمام الشافعي أخذ علمه من سفيان بن عيينة في مكة، ومن مسلم بن خالد الزنجي في مكة، ثم انتقل بعد ذلك ليتعلم على يدي مالك وهو ابن ست عشرة سنة، ثم بعد أن أخذ علم مالك ذهب إلى محمد بن الحسن ، فأخذ علم محمد بن الحسن ، فجمع بين فقه الرأي وفقه الحديث، وألف كتابه العظيم كتاب الرسالة.

    ثم جاء أحمد بن حنبل -رحمهم الله جميعاً- فأخذ بعلم من كان قبله، فأخذ بعلم أهل الحديث، وفقه الأئمة التابعين، الفقهاء السبعة، وكذلك عطاء بن أبي رباح ، و سعيد بن المسيب ، وغير هؤلاء، فكلهم على الحق، وقد وردوا واغترفوا من حوض محمد صلى الله عليه وسلم.

    منهجية الفقه المبني على الدليل

    الشيخ: على هذا أيها الإخوة! فلسنا نشرح متناً فقهياً حنبلياً أو شافعياً أو مالكياً، وإنما نذكر المسائل ونشرحها ونعرف ما دليل ذلك، وما دليل من خالف، فإن وافقنا الحق فالحمد لله، وإن لم نوافق الحق فيعذر بعضنا بعضاً، ولا ينبغي أن تكون مسائل الاجتهاد هي مسائل تضليل؛ لأننا نجد بعض الإخوة ممن حفظ بعض المسائل ربما يستنكف أن يجد غيره قد خالفه في ذلك.

    0وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل فقيل له: يا أبا عبد الله ! ما ترى في لحم الجزور، هل ينقض الوضوء؟ قال: نعم، ينقض الوضوء، فقال له: يا أبا عبد الله ! هل نصلي خلف مالك بن أنس ، وخلف سعيد بن المسيب ؟ يعني: كيف نصلي وهم يرون أنه لا ينقض؟ قال أحمد : رحمك الله، أتراني أقول: لا تصل خلف مالك بن أنس ، أو لا تصل خلف سعيد بن المسيب ؟!

    يعني أن هؤلاء لهم اجتهادهم، وأنت ولو صليت خلفهم فلك اجتهادك، وهذا هو دين أهل العلم.

    دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى الآثار

    لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار

    ولربما نسي الفتى أثر الهدى والشمس طالعة لها أنوار

    وعلى هذا فإننا سوف نسير بإذن الله على هذا المنهج، منهج الفقه المنبني على الدليل، نستنبط أقوال أهل العلم في المسائل، ونأخذ ما وافق الحق, فمرة مذهب أبي حنيفة، ومرةً مذهب الشافعي ، ومرةً مذهب مالك، ننطلق من حيث انطلقوا، ويعذر بعضنا بعضاً، نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والتسديد.

    فضل علم الفقه وتعلمه

    الشيخ: من المعلوم أن هذا الفن -أعني به فن الفقه- من أشرف العلوم، ومن أجل العلوم، فإن الإنسان لا يعرف الحلال والحرام إلا بالفقه في الدين، والناس كثر، لكن الفقهاء قلة، فأهل العلم في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم متفقون، وفي فهمهم لسنة النبي مختلفون، وهؤلاء على مدارك، وعلى منازل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لفقيه الأمة معاذ بن جبل: ( يأتي معاذ بن جبل يوم القيامة، وقد سبق العلماء بربوة )، وهذا يدل على أنهم تتفاوت منازلهم، وكل من اعتمد على الحق، واجتهد في الحق، ودار حيث يدور الحق، فإنه بإذن الله على هدى، وإنه على صراط مستقيم، وقد قال الله تعالى في حق نبيه: فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ [الأنعام:90].

    فنحن نقتدي بهؤلاء الأئمة، ولا يسوغ لنا أن نضلل عالماً قد اجتهد في دين الله سبحانه وتعالى، فإنهم وإن أخطأ بعضهم فإنه لم يخطئ لأجل هوىً في نفسه، ولم يخطئ لأجل ترك الحق، ولكنه كان ينشد الحق، فـأبو حنيفة الذي يعتب عليه من يعتب لتركه الدليل كان السبب في ذلك أنه عاش رحمه الله في الكوفة؛ وكان أهل الحديث فيها في ذلك الوقت قلة، فكان يعتمد على النصوص العامة فيستدل، قال أبو العباس بن تيمية : أبو حنيفة ربما يترك القياس والقاعدة لأجل أثر رواه عبد الله بن مسعود ! أي: فيترك القياس لقول صحابي! يقول ابن تيمية : فما بالك لو كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم!

    فهؤلاء هم الأئمة، وهؤلاء هم الذين حفظوا لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد ذكر الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه قصة الأعمش سليمان بن مهران ؛ الإمام المحدث القارئ، فكان عنده أبو حنيفة النعمان رحمه الله، فسأله سائل الأعمش فقال: ما تقول يا سليمان في هذه المسألة؟ فطأطأ الأعمش رأسه ثم رفعه فقال: ما تقول يا نعمان في هذه المسألة؟ خفيت عليه، فقال أبو حنيفة رحمه الله: أقول فيها كيت وكيت، فسكت الأعمش ، ثم رفع رأسه وقال: من أين لك هذا؟ أي: سموا لنا رجالكم، أليس كذلك؟ فليست المسألة أن معرفة الناس بأنك عالم أو تحمل شهادات عالية؛ فيقبل قولك على الإطلاق، لا؛ لأنك توقع عن رب العالمين، فالعالم يوقع عن رب العالمين، فلا بد أن يأتي بدليل, ولذا قال له: من أين لك هذا؟

    قال النعمان رحمه الله: أولم تحدثنا قلت: حدثنا فلان، عن فلان، عن فلان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، فهذا منه، فضحك الأعمش فقال: يا معشر الفقهاء! أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.

    فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي له أن يبحث عن الدليل، وألا يعتمد فقط على حفظ الحديث، ولا شك أن حفظه نعمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه )، ولهذا فإذا جمع الله لعبده أمرين: حفظ الحديث والفقه فيه، وبنى أصوله على أصول الأئمة, ولم يأت بأقوال شاذة تخالف الأئمة الأربعة وغيرهم؛ فإنه بإذن الله على هدى، وعلى صراط مستقيم.

    هذه المقدمة أراها من الأهمية بمكان أيها الإخوة، حتى نعلم حينما يسمع أحدنا وهو خلف الشاشة قولاً قد تربى عليه في مذهب معين، فإذا قلنا: الراجح كذا ودليله كذا، يعلم أننا نأخذ من حيث أخذ الأئمة، وننهل من حيث نهل الأئمة، وكلهم من معين رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتشف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088520227

    عدد مرات الحفظ

    777089354