الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
وها نحن قد عدنا والعود أحمد، فنسأله سبحانه وتعالى المزيد من فضله، وأن يعيننا على الصواب في القول والعمل.
أيها الإخوة في الله! كنا قد شرحنا في الدرس الماضي مسائل في باب المياه، ثم تحدثنا عن باب الآنية، وذكرنا آنية الكفار، وذكرنا الأحاديث التي يفهم منها بعض القراء التعارض بينها وبين ما قررناه، فأجبنا عن كثير من المسائل، وتحدثنا عن آنية الذهب والفضة، وذكرنا أقسام هذه المسائل، أما اليوم فإننا بإذن الله سوف ندلف إلى باب آداب قضاء الحاجة.
حينما نتحدث عن آداب قضاء الحاجة فإنه من المعلوم أن الإنسان لا يقضي الحاجة إلا في مكان، وهذا المكان إما أن يكون قد خصص له كالحش ونحوه، أو يكون في فضاء، فإذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته في مكان ما، فإن هذا المكان الذي سوف يقضي فيه حاجته يكون في حكم دخوله للحش، وعلى هذا فيستحب للإنسان أولاً أن يقول شيئاً عند دخول الخلاء، وقلنا: إن الخلاء هو المكان الذي تقضى فيه الحاجة.
فإذا أراد أن يأتي مكان قضاء الحاجة فيقول الدعاء الوارد عند دخول الخلاء، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخُبْثِ والخبائث )، والحديث متفق عليه.
وفيه فائدة: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك قبل الدخول، ( كان إذا أراد أن يدخل الخلاء )، وعلى هذا فإذا أراد أن يدخل الخلاء وهو دورات المياه فإنه قبل أن يدخل يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث - أو من الخبث- والخبائث.
فإن كان في فضاء فإنه إذا رأى أن هذا المكان يحسن أن يقضي حاجته فيه فإنه يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
الخبث قال بعضهم: إنه بالضم ذكران الشياطين، والخبائث إناث الشياطين.
وقال بعضهم: إنه بالتسكين يكون المقصود به الشر، الخبْث اللي هو الشر، والخبائث هي الذوات الشريرة، إذاً الأول بالتسكين الشر، وبالخبائث المقصود بها الشريرة، والذي يظهر والله أعلم أننا إذا قلنا: الخبث والخبائث فالمقصود به ذكران الشياطين والشر نفسه، والخبائث إناث الشياطين والأنفس الشريرة كلها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا علم هذا فإن بعض الناس يقول: بسم الله، فأقول: إنه لو قال: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث فجائز، ولكن كل الأحاديث الواردة بالبسملة أحاديث ضعيفة، من ذلك ما رواه الترمذي و ابن ماجه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ستر ما بين الجن وعورات بني آدم أن يقول إذا دخل الكنيف: بسم الله )، وهذا الحديث ضعيف، في سنده رجل يقال له: الحكم النصري وهو ضعيف، فإذا لم يقل: بسم الله، فهذا هو الذي جاءت السنة به.
فإن قال ذلك فنقول: لا حرج شريطة ألا يظن أنها سنة، أو أن يداوم عليها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما سبب هذا الذكر؟
مداخلة: أن الشخص إذا أراد أن يقضي حاجته لا بد له من معين، فيكون هذا الدعاء معيناً له بإذن الله.
الشيخ: ويتعوذ بالله من الذي يكشف وينظر إلى عورته، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الغائط فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )، فلأجل أنها محتضرة، يعني حاضرة فإنه ينبغي له أن يتعوذ بالله من شرها، والله أعلم.
عند الخروج من الخلاء يقول: غفرانك، كما ثبت ذلك عند أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج من الخلاء قال: غفرانك )، وهذا الحديث صححه ابن خزيمة ، و ابن حبان ، و النووي ، وغير واحد من أهل العلم.
ولو قال: ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) فهذا حديث رواه ابن ماجه ، فإن قاله فلا حرج، لكن الحديث فيه ضعف، والله أعلم، والصحيح أنه من قول أبي ذر كما ذكر ذلك الدارقطني ، فإن قاله أحياناً فلا حرج ولو لازمه؛ لأنه قول صحابي فلا حرج إن شاء الله، لكن السنة أن يقول: غفرانك. ما الحكمة بأن يقول الإنسان: غفرانك؟
الحكمة -والله أعلم- هو أنه لما يسر الله له إزالة ما في بطنه، فهو يسأل ربه أن يزيل ما علق من الذنوب، أي: فلما زال ما علق من الأوساخ الحسية ناسب أن يسأل ربه أن يزيل عنه الأوساخ المعنوية، وهذا هو الظاهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فالجواب: أنه لا حرج أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وهو يقضي حاجته، لماذا؟ الجواب: سوف نتحدث عن مسألة ذكر الله في الخلاء أنه مكروه، لكن يقال: ذكر الله العام مكروه، وقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث مستحب، والقاعدة: إذا تعارض مأمور ومحظور فيقدم المأمور. وإذا تعارض واجب ومحرم فالمقدم الواجب؛ لأن الواجب أعظم، وهذا غير ما لو تعارض مباح ومحرم، فيقدم المحرم.
وإذا اجتمع مبيح ومحظور فيقدم المحظور، أما الواجب فيقدم على المحرم، والمستحب يقدم على المكروه، وعلى هذا فلو قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) وهو في دروة المياه فلا حرج في ذلك؛ لأن المستحب أقوى من المكروه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: الشيء الذي يدخل به إلى الخلاء وفيه ذكر الله أنواع:
أولاً: المصحف: ما حكم الدخول بالمصحف إلى الخلاء؟
الجواب: لا يجوز، بل قال بعض أهل العلم كـالمرداوي صاحب الإنصاف ولا أظن عاقلاً يخالف في ذلك؛ لأن المصحف مأمور فيه الإكرام، ودخول الخلاء به فيه الإهانة له، إلا إذا كان ذلك خوفاً عليه، فإذا كان ذلك خوفاً عليه فأصبح ضرورة فلا حرج، مثل أن يكون في دورات مياه غير أهل الإسلام، أو يخاف على مصحفه من الضياع فنقول: احفظه خارج الحمام، ولكن لا ينبغي أن تدخل به إلى الحمام إلا إذا خفت عليه من سرقة ونحوها، فاجعله في داخل الجيب، ومع ذلك يجب على الإنسان أن يتوقى ولا يدخله إلى الخلاء، والله أعلم.
ثانياً: دخول شيء فيه ذكر الله، كصحيفة فيها اسم الله، فنقول أولاً: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في هذا الباب، واستدل بعض أهل العلم على الكراهة بما جاء من حديث أنس بن مالك : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدخل الخلاء خلع خاتمه، وكان نقشه محمد رسول الله )، فقالوا: كلمة (الله) ذكر، فكان الرسول يخلع خاتمه لأجل ألا يدخل به الخلاء.
والجواب على هذا أن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً، فقد ضعفه النسائي و أبو داود وقال: منكر، وهذه هي طريقة أهل العلم من المتقدمين، وصححه بعض أهل العلم من المتأخرين، والصحيح أن الحديث موقوف على أنس.
فإن خلع ما كان فيه ذكر الله عند دخوله الخلاء فهذا أفضل إلا إذا كان قد وضعه في جيبه فلا حرج في ذلك؛ لأنه في حكم ما في قلبك، فلما جاز أن تدخل أنت لأن قلبك في حكم الصندوق، فكذلك يجوز دخولك بما فيه ذكر الله تعالى وقل مثل ذلك دخول الأجهزة الالكترونية، كالجوال والأيفون، وغير ذلك مما فيها مصاحف، فإذا كانت مقفلة وهي داخله فهذه حكمها كحكم ما لو دخل الإنسان وفي قلبه القرآن كاملاً، فلا حرج في ذلك، لكن إذا كان سوف يظهره أو يقرأ فيه فلا ينبغي له ذلك، والله أعلم.
إذاً: الابتعاد غير الاستتار، فأنت ربما تقضي حاجتك وقد استترت من زملائك وأصحابك، لكنك لم تبتعد، فالسنة أن تبتعد، وقد جاء في ذلك حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يقضي حاجته أبعد )، ولكنه حديث ضعيف، وأحسن شيء هو حديث المغيرة بن شعبة. إذاً يستحب للإنسان أن يبتعد.
القسم الثاني: الاستتار بمعنى ألا يراه أصحابه حال قضاء الحاجة، يعني يختفي، الآن عندنا ابتعاد والثاني اختفاء، فكان من سنته صلى الله عليه وسلم أن يستتر؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن جعفر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب ما استتر لحاجته هدف أو حائش نخل )، الهدف: يعني الشيء المعترض، مثل تل صغير، أو شجرة ليس فيها ظل ينتفع به، فيقضي حاجته بحيث لا يراه أحد، ولو كان قريباً، هذا هو الأفضل.
فهذا ينبغي أن يكون عليه الإنسان، وإذا كان ليس هناك مكان فلا حرج إن شاء الله شريطة ألا يظهر منه شيء من العورة، وفي الصحيحين قال حذيفة رضي الله عنه: ( فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم، فبال قائماً وأنا خلف عقبه )، يعني أنه قريب منه، فإذا كان هناك حاجة وضرورة فلا حرج إن شاء الله، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومما يدل على أن الكلام إن كان لحاجة فلا بأس به ما جاء في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال له: ( ائتني بثلاثة أحجار، قال: فأتيته وهو يقضي حاجته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: إنها رجس )، وفي رواية عند ابن خزيمة : ( ائتني بغيرها )، فدل ذلك على أنه إذا كان يحتاج إلى الكلام فلا حرج، فإذا كان الإنسان في دورات المياه، وطرق عليه الباب فلا حرج أن يتنحنح أو يقول: أنا فيه، أو قد ينادى به فيقال: يا فلان، فيقول: نعم، بحيث يخبر الناس.
أما الحديث الوارد (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك)، فهذا الحديث ضعيف، ولو صح فإن النهي إنما هو لأجل أن الرجل يرى عورة أخيه، والرجل الآخر يرى عورة صاحبه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: أولاً في هذه المسألة مسائل:
مداخلة: مباح.
الشيخ: استقبال بيت المقدس يلزم منه استدبار مكة، وذلك إذا كان الإنسان في المدينة، فنقول: الصحيح أن استقبال بيت المقدس ليس فيه نهي.
فعلى هذا فاستقبال القبلة حال قضاء الحاجة لا يجوز، والدليل ما جاء في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا. قال
ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (رقيت على ظهر بيت لـ
وأما ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة )، فهذا حديث جابر وهو حديث ضعيف والله تبارك وتعالى أعلم، وحديث عائشة ضعيف أيضاً الذي يرويه عنها عراك بن مالك، فهو منقطع، والله تبارك وتعالى أعلم.
وأما قول جابر: ( ولقد رأيته قبل وفاته بعام مستدبر أو مستقبل القبلة ) فهذا أيضاً حديث ضعيف؛ لأن في سنده محمد بن إسحاق، و محمد بن إسحاق لا يقبل حديثه إذا أتى بما ينكر، وهذا مما استنكر عليه الأئمة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فعلى هذا فحكم استقبال القبلة محرم، وليس مكروهاً، وحكم استدبار القبلة جائز، والأفضل الترك، والله أعلم.
إذا ثبت هذا فإننا نقول في هذا الأمر: إنه ينبغي للإنسان إذا كان يريد أن يبني منزلاً في بيته فلا يجعل مكان الحش وقضاء الحاجة مستقبل القبلة ولا مستدبرها؛ لأجل أن القبلة ينبغي أن تكون معظمة، وقد قال الله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144]، فهذه القبلة التي رضيها الله لنبيه، ورضيها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، لا ينبغي أن تهان باستقبال أو استدبار، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
من المعلوم أن الاستنجاء هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء. والاستجمار هو إزالة الخارج من السبيلين بغير الماء كحجر، أو خرقة، أو شيء مباح، والله أعلم.
أما الحال الأولى وهي الاستنجاء بالماء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستنجي بالماء عند قضاء الحاجة، وهذا أمر مجمع عليه، والله أعلم، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كـابن قدامة وغيره، وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنه قال: ( كنت أنا وغلام نحوي نحمل إداوةً من ماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قضى حاجته أعطيناه إياه )، أو كما قال رضي الله عنه.
فكان ذلك دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى حاجته يعطى هذه الإداوة ليستنجي بها، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث المغيرة ( حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوارى ويستنجي أخذ إداوةً من ماء )، أي: لأجل أن يستنجي بالماء، والله أعلم.
الحال الثانية: الاستجمار، والاستجمار هو إزالة الخارج من السبيلين بغير الماء، كالمناديل، والخرقة، والحجر، والتراب، ونحو ذلك.
فيجوز للإنسان أن يزيل الخارج من السبيلين بهذه الأحجار، أو بهذه المناديل، ولو كان الماء موجوداً عنده، وإن كان الأفضل أن يستخدم الماء، لكنه يجوز الاستجمار ولو كان عنده ماء، والله أعلم.
وسوف نتحدث عن مسألة الاستجمار، وطريقة الاستجمار إن شاء الله، فعلى هذا فيجوز للإنسان في البر مثلاً أو في البيت أن يتمسح من الخلاء بمنديل أو بخرقة.
الحال الثالثة: أن يستخدم الاثنين، فيمسح السبيلين بالمناديل، ثم يستخدم الماء، وهذا أيضاً جائز، ولكن لم يرد حديث صحيح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، وإنما جاءت أحاديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء في قوله تعالى: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108] قال: إنكم تتبعون الحجارة الماء )، وهذا الحديث جاء من حديث أبي هريرة ، وجاء من حديث ابن عباس ، وجاء من حديث عائشة ، ولا يصح في الباب حديث، والله أعلم.
ولكنه إذا جاز الماء وجاز الاستجمار، فالجمع بينهما جائز، والله أعلم، وأحسن شيء إنما هو من قول عائشة ، والله أعلم، وعلى هذا فلو استخدم الجميع فلا حرج، ونقول للمرضى الذين في المستشفيات، ويشق عليهم الذهاب دائماً إلى دورات المياه: قد جعل الله لكم الرخصة والعافية والسعة بأن تستخدموا المناديل عند قضاء الحاجة وأنتم في أسرتكم، ولا حرج في ذلك، لكن يجب أن تعلموا أن هذا التمسح بالمناديل وغيرها لا بد فيها من أحكام، وهو باب الاستجمار.
مداخلة: لا يجزئ حتى يكون ثلاثاً.
الشيخ: نعم حتى يكون ثلاثاً، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافاً للمالكية والحنفية، فإنهم قالوا: يجزئ ولكن الأفضل الثلاث، والصحيح أنه لا يجزئ إلا بثلاثة أحجار ولو أنقى بمرة أو مرتين.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند الإمام أحمد وأهل السنن: ( أيها الناس! إنما أنا لكم بمنزلة الوالد، فإذا أراد أحدكم أن يقضي حاجته فإنه يجزئ من ذلك ثلاثة أحجار )، فقوله: (يجزئ) دليل على أن غير الثلاثة لا يجزئ، وهذا من باب المأمور، والقاعدة: أن باب المأمور لا يجوز تركه، والله أعلم، هذا المسألة الأولى.
كذلك العظم لا يجوز، لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستجمر بالروث والعظم إذا كانا يؤكل لحمهما؛ قال: لأنه طعام إخوانكم من الجن ).
واليوم تجد بعض الناس إذا قيل له: إن الشرع عندكم في الإسلام كذا؛ تجده يكون على استحياء ويخاف أن ينقد لأجل دينه، أما سلمان فقال: أجل! علمنا صلى الله عليه وسلم حتى الخراءة، فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نقضي الحاجة، فهل يعقل ألا يخبرنا كيف نتقاضى؟
بل أخبرنا بها من باب أحرى وأولى، فإذا كان هذا علاقة بين الإنسان ونفسه، فعلاقته مع إخوانه، وعلاقته مع ربه، وعلاقته مع الناس أجمعين من باب أولى، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، والله أعلم، على هذا فلا يجوز أن يستنجي برجيع أو عظم.
والسؤال: إذا استنجى برجيع أو عظم ومسح ثلاث مرات بالعظم، أو ثلاث مرات بالروثة الطاهرة، فهل يصير طاهراً؟
اختلف العلماء في ذلك، فذهب الشافعي و أحمد إلى أنه لا يكون طاهراً، فيجب عليه الإعادة، أي: لابد أن يتمسح بثلاثة أحجار، أو بثلاثة أشياء طاهرة منقية، ولو تطهر المكان!
وذهب أبو حنيفة و مالك، وهو اختيار ابن تيمية رحمهم الله، أنه لو تمسح بروث أو عظم فإنه آثم، ولكنه يكون طاهراً، قالوا: لأن النهي إنما هو من باب اجتناب المحظور، واجتناب المحظور يأثم صاحبه ولكن الفعل صحيح، والله أعلم.
وأما الحديث الوارد فيه وهو حديث أبي هريرة عند الدارقطني : ( إنهما لا يطهران ) يعني: الروثة والعظم فقالوا: بأنه حديث ضعيف، ضعفه غير واحد من أهل العلم رحمهم الله جميعاً.
الجواب: أننا قلنا: إن استعمال آنية الذهب والفضة، أو المطلية بهما، بحيث لو عرض على النار لبقي فيه شيء أن ذلك محرم.
وأما لو عرضت الآنية على النار فلم يبق شيء فإننا نقول: لا حرج في ذلك؛ لأن هذا نوع من بقاء اللون، ولا حرج فيه كما مر معنا، والله أعلم.
الجواب: أنا قلت: هذه النية لا بد فيها من استعمال وفعل فهي لا تخلو من حالين.
الحال الأولى: إما أن ينوي الإنسان حال استعمال الماء.
الحال الثانية: أن ينوي قبل استعمال الماء، فقبل استعمال الماء إن كان قد خرج لأجل الطهارة فإن هذه النية كافية، ولا يلزم النية إلا أن يكون حال إرادة الوضوء، فيكفي أنه من خروجه أو من قيامه من منامه وهو يريد رفع الحدث، والله أعلم.
الجواب: الفأر الحي الراجح فيه -والله أعلم- أنه في حكم الطاهر؛ وذلك لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي قتادة عند أهل السنن في الهرة: ( إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات )، فكذلك الفأرة.
فالأصل أن سؤر الفأرة طاهر، وعرقها طاهر، إلا أنه يشق التحرز منه، فإذا وجد شيء من نجاستها على الماء فالأصل أنه إن كان قد غير شيئاً من أوصافه فإنه يكون نجساً، وإن لم يغير فالأصل فيه الطهورية، والله أعلم.
الجواب: نعم، قلنا: يجوز الوضوء فيه إذا لم يغير طعمه أو لونه أو ريحه.
الجواب: أولاً الشافعية لا يقولون: لا يجوز استعماله، يقولون: يكره استعمال الماء المشمس وهو مذهب الحنابلة، وقد جاء في ذلك أحاديث وهي ضعيفة أنه يورث البرص، والصحيح أن استعمال الماء المشمس لا حرج فيه، والله أعلم؛ لأن هذه المسائل تحتاج إلى دليل، ولا دليل في ذلك، والله أعلم.
الجواب: الماء الذي خالطه الصابون إذا كان ماءً موجوداً فلا حرج في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة بنته حينما ماتت: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور )، ومن المعلوم أن الكافور إذا كان مطحوناً ربما غير، فلا حرج في ذلك، والله أعلم.
قوله: (غلب عليه الصابون)، لا يؤثر في الماء في الغالب، والله أعلم.
الجواب: هذا سؤال جيد: اشتباه الثياب الطاهرة بالثياب النجسة بعض العلماء قال: إذا كان يعلم عدد النجس فإنه يصلي عدد الثياب النجسة وزيادة صلاة واحدة، فلو كان عنده مائة ثوب خمس وثوبان طاهران، واختلطت مع بعضها البعض قالوا: لا بد أن يصلي مائة مرة ومرة، فلا بد أن يلبس ثوباً ويصلي، ثم يلبس الثاني ويصلي، حتى يكمل مائة وواحداً؛ قالوا: لأننا نعلم حينئذ أنه قد صلى في ثوب طاهر؛ لأنه صلى بعدد النجس وزيادة، وهذا فيه كلفة، وقد قال الله تعالى: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، وهذا من التكليف بما يطاق، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
والجواب على هذا أن نقول بقاعدة التحري، فيتحرى الثياب الطاهرة فيأخذ واحداً ويصلي ولا حرج عليه، وهل صلاته صحيحة؟
نقول: صلاته صحيحة؛ لأنه اجتهد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد )، لكنه لو أخبر بعد ذلك أنه صلى في ثوب نجس، فالراجح -والله أعلم- أنه لا حرج عليه ولا يلزمه الإعادة، لما جاء عند أهل السنن ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث
وجه الدلالة: أنه لو كانت النجاسة في الثوب إذا كان جاهلاً أو ناسياً تبطلها لبطلت من أول الصلاة، فلما أكمل صلى الله عليه وسلم دل على أن الناسي بوجود نجاسة في ثوبه لا بأس بذلك، والله أعلم.
الجواب: هذا السؤال جيد، كيف نطهر؟ الماء النجس؟ هو أننا نضيف إليه ماء طهوراً بحيث يصير كثيراً وتزول النجاسة.
ولهذا يسميها العلماء مكاثرة، أي: تطهير الماء النجس إما أن يضاف إليه ماء طهور بحيث يزيل الماء النجس، فهذا يطهره، لكن ينبغي أن يكون ماءً طهوراً كثيراً، فيكون وقوع نجاسة في ماء كثير فلا يؤثر فيه النجاسة، والله أعلم.
الجواب: قلنا: إنه على مذهب بعض أهل العلم يجب أن تتركهما جميعاً، والراجح -والله أعلم- أنه يتحرى أي الإناءين طهور، فإن لم يكن عنده شيء من التحري فإنه حينئذ يتركهما ويتيمم.
السؤال الأول: هل يذكر دعاء الخلاء وهو في مكان الخلاء؟ الجواب: لا يذكر، أو يذكر.
السؤال الثاني: حكم دخول المصحف للخلاء؟ هل الجواب: لا يجوز، الثاني: لا يجوز إلا لحاجة، الثالث: يجوز لحاجة. والله أعلم.
لعل في هذا كفاية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على طاعته، وأن يلهمنا الصواب في القول والعمل. وإلى درس قادم. نستودعكم الله، وعلى أمل اللقاء بكم في برنامج يتجدد في شرح الفقه على القول الراجح إن شاء الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر