الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وهذا يدل على أن تعلم العلم من أعظم القربات؛ لأن العبد لا يمكن أن يعبد الله إلا على علم، ولهذا أمر الله نبيه سبحانه وتعالى بأن يعلم معنى لا إله إلا الله، وأن يستغفر لذنبه، فقال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، وهذا يدل على أن العالم الذي يستغفر الله بعلم أفضل من العابد الذي يستغفر بلا علم، فلربما استغفر عن بعض المسائل التي يكون فعلها هو الصحيح، ولهذا ذكر أهل العلم أن العبد أحياناً يؤتى من قبل جهله، ولا يؤتى من قبل أهل العلم، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم زار رجلاً من الأنصار حتى كأنه كالفرخ، فقال له صلى الله عليه وسلم: هل كنت تدعو بدعاء؟ قال: كنت أقول: اللهم إن كنت معذبي في الآخرة فعجل لي العقوبة في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! سبحان الله! لا تطيقه! هلا قلت: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] ).
فالإنسان أحياناً يؤتى من قبل جهله، ولكن أهل العلم هم أهل الدراية:
دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى الآثار
لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما نسي الفتى أثر الهدى والشمس طالعة لها أنوار
نحن بداية هذا الدرس كنا نختصر، ورغبوا أن يزيد هذا الاختصار فيكون اختصار الاختصار، ولكن لن نعدم إن شاء الله من فائدة، ولهذا سوف نذكر رءوس المسائل المهمة في كل باب عل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا.
وإذا تأصل طالب العلم، وطالبة العلم في معرفة الدليل في أصول المسائل فإنهم بإذن الله سوف يستطيعون أن يبحثوا في كتب أهل العلم عن المسائل الأخرى، فيبنوا الأصول الجديدة على الأصول التي بنوها بمعرفة الدليل، وكيفية الاستدلال، وطريقة الاستدلال، ومناقشة الأدلة، فإن هذه المعالم وهذه المعارف هي من أهم مهمات طالب العلم؛ لأن طالب العلم إذا عرف كيف يستدل، وعرف كيف يناقش، وعرف كيف يرجح، فإن هذا هو أساس العلم.
ولهذا يحسن بأهل العلم والمشايخ وطلبة العلم أن يركزوا على طلاب العلم في معرفة الخلاف، وكذلك يركزوا على رفع الملام عن الأئمة الأعلام، أي: لماذا اختلف الأئمة؟
كذلك ينبغي أن يركزوا على طريقة فهم الدليل، وللعلم ليس فهم الدليل مبنياً على عقول بعض الناس، فربما تجد الرجل من عباقرة الناس ولكنه ليس فقيهاً بالفقه الشرعي، ولربما رأيت رجلاً يجيد علم الكلام وعلم المنطق لكن فتاويه ليست مبنية على التأصيل الشرعي؛ ولهذا ليس الفقه دليلاً على العبقرية، لكن ربما يكون الشخص عبقرياً وليس بفقيه، فكل من أخذ العلم وطريقة الاستدلال من أهله، فإنه بإذن الله سوف ينجح ويفلح أشد الفلاح، ولهذا كان من أهم المهمات أن يتعلم طالب العلم كيف يستدل، وكيف يناقش، وكيف يرجح.
ومعرفة كيفية المناقشة مهمة لطالب العلم؛ لأن المناقشة أحياناً تكون من غير علم، والذي يناقش من غير علم ربما يخطئ، أو يتكلف المناقشة، ويخرج النص الشرعي عن مدلوله الظاهر، ولهذا يقول أبو العباس بن تيمية رحمه الله: ينبغي أن يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما أراده الله وأراده رسوله، لا على ما أراده المجتهد في نفس الأمر.
فلهذا ربما يأتي بعض الناس إلى دليل فيؤوله حتى يسلم قوله، وهذا ليس من الحكمة، وليس من الفقه، وليس من العقل، ولعلي أذكر مثالاً على هذا، وهو ما يذكره بعض أهل العلم حينما جاء إلى حديث: ( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وسواك، وأن يمس من الطيب ما قدر عليه )، والحديث متفق عليه.
فعندما كان يرجح أن غسل الجمعة مستحب قيل له: ما معنى (غسل يوم الجمعة واجب)؟ قال: (واجب) يأتي في اللغة بمعنى الساقط، كما قال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [الحج:36]، ثم قال تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36]، يعني سقطت على جنوبها، قال: فهذا الحديث دليل على أن الغسل ليس بواجب، والمعنى: غسل يوم الجمعة ساقط على كل محتلم، كما أشار إلى ذلك بعض الفقهاء الحنفية! وهذا من التكلف الذي لا ينبغي؛ لأن هذا يخرج النص الشرعي عن معناه.
والواقع أن الواجب في لغة الشرع يأتي بمعنى الحتم والأهمية واللزوم، واللزوم لا يلزم منه الوجوب التكليفي الذي عرفه الفقهاء من مصطلحاتهم وفي علم الأصول، والله أعلم.
وإذا درسنا معنى هذا المنهج، عرفنا كيف نستدل، وكيف نناقش، وكيف نرجح، والغالب أن الراجح لا يكاد يخرج عن قول جمهور أهل العلم، كما يقول الإمام الذهبي ويقول: أنا لا أقول: إنه إجماع، ولكني أقول: إنه لا يكاد يخرج الحق عن مذهب جمهور أهل العلم؛ لأنهم أخذوا العلم عن مدارس الصحابة، فإذا اجتمعت هذه المدارس على قول فإنه لا يكاد يخرج الحق عن هذا إلا إلى قول مبني على غير أصول الأئمة.
ودائماً تجدون أن الراجح أو الدليل لا بد أن يبني أصوله على قواعد ومقدمات، وهذه من المهمات بمكان، وإن شاء الله سوف يكون لنا محاضرات خارج هذه الأكاديمية الإسلامية المفتوحة؛ لنبين كيف يستدل طالب العلم، وكيف يرجح، وقد كان لنا بعض المحاضرات وبعض الكلمات بعنوان: (كيف تكون فقيهاً)، وهي موجودة في الإنترنت، فلو استمع الإنسان لها فإنه يستفيد.
كذلك العناية بفقه السلف، فإن الإنسان إذا سمع فقه السلف عرف أن قول المتقدمين أقوى وأقعد وأضبط من قول المتأخرين.
والتيمم في اللغة: بمعنى القصد، قال الله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، يعني: ولا تقصدوا الخبيث لأجل النفقة والصدقة والزكاة، فإن بعض الناس إذا أراد أن يزكي الحبوب أو الثمار التي عنده يقصد الحبوب والثمار الرديئة، التي سماها الله (الخبيث)، يعني: الرديء. فيتصدق بها، لذلك قال: (ولا تيمموا)، أي: ولا تقصدوا، (الخبيث)، فدل هذا على أن التيمم هو القصد.
وأما في الاصطلاح: فإن التيمم هو التعبد لله تعالى في رفع حدث بمسح وجهه ويديه بنية مخصوصة على صفة مخصوصة.
وأما السنة فقد تكاثرت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتواترت على أنه كان يتيمم، منها حديث عمار بن ياسر ، الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيده الأرض ضربةً واحدة، ومسح ظاهر وجهه وكفيه ).
وكذلك حديث حذيفة وحديث جابر وحديث أبي هريرة ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من خصائص هذه الأمة أن الله أباح لهم التيمم، فجاء في حديث جابر في الصحيحين: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، وذكر منها قال: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ).
وكذلك في حديث حذيفة : ( فضلت على الأنبياء بثلاث )، وفي حديث أبي هريرة : ( فضلت على الأنبياء بست )، وذكروا أن منها: ( جعلت تربتها لنا طهور )، فهذا يدل على أن التيمم من خصائص هذه الأمة، حيث حرم الله سبحانه وتعالى ذلك أمماً أخرى، ولم يبحه إلا لهذه الأمة؛ لأن الله رفع عنها الآصار والأغلال والشدة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين ).
ولهذا قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: من ترك التيمم وهو محتاج إليه فإن فيه شبهاً من اليهود والنصارى، أي: من ترك التيمم وهو محتاج إليه الاحتياج الشرعي؛ بأن يتكلف، ولا يستطيع أن يتيمم يظن بذلك أنه لا يرفع حدثه، فلا بارك الله في رجل لم ترفع حدثه سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام كما عند أهل السنن و أحمد من حديث أبي هريرة ، و أبي ذر : ( الصعيد الطيب طهور المؤمن، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، والحديث رواه أبو داود واللفظ له، وكذلك الترمذي ، وأما لفظ (عشر سنين)، فإن بعض الروايات لم تذكره.
وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على أن التيمم بدل عن الماء حين العجز عنه، وقد نقل الإجماع الكاساني من الحنفية، ونقله ابن المنذر -ويقال: إن ابن المنذر أصوله شافعية- ونقله ابن قدامة رحمه الله، وكذا النووي والله تبارك وتعالى أعلم.
الصحيح أن التيمم منه ما هو عزيمة، ومنه ما هو رخصة.
أما العزيمة فهو إذا حضرت الصلاة ولم يجد الإنسان الماء، فإنه يجب عليه أن يستعمل التراب، فإنها حينئذ تكون عزيمة؛ لأن الإنسان واجب عليه أن يصلي بطهارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، والوضوء يعني: رفع الحدث، ورفع الحدث إنما يكون بالماء، أو يكون بالتيمم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن، وإن لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، هذا العزيمة.
وأما كونه رخصة فمثاله: الرجل الذي يشق عليه استعمال الماء، إما لخوف برد فيزيد مرضه، أو يتباطأ شفاؤه، أو يجد حرجاً في استعماله، مثل: لو كان بيده جرح فالماء لا يؤدي به إلى التهلكة لكنه يتضرر، أو يتباطأ برؤه، فإن الشارع أباح له أن يتيمم، كما جاء ذلك عند أهل السنن من حديث عبد الرحمن بن حاطب ، عن عمرو بن العاص : أنه تيمم ثم صلى بأصحابه، فقال له صلى الله عليه وسلم: ( صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم )، والحديث في سنده انقطاع كما أشار إلى ذلك الإمام البيهقي ، حيث إن عبد الرحمن بن حاطب لم يسمع من عمرو بن العاص ، والحديث جاء من طريق عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص ، وهذا أصح، لكن ليس فيه التيمم، ( وإنما توضأ فغسل مغابنه وصلى بأصحابه ).
على كل حال يكون التيمم رخصة في حال عجز الإنسان عن استعمال الماء لمرض نحو، فإن استخدم الماء وتحمل المشاق فهو مأجور على ذلك، وإن تركه خوفاً من مرض أو برد فإنه لا بأس بذلك.
ومن ذلك ربما يكون بعض الناس في البر، وهو شديد البرودة وشديد الهواء، وربما صعب على الناس التوقي منه إلا في البيوت أو في الخيام المحصنة عن البرد، وإلا فإن الإنسان إذا كان خارج الصحراء فإنه يجد كلفةً وحرجاً، وربما إذا احتلم في الليل وأراد الاغتسال -خاصةً لعدم وجود ماء حار- فربما خاف على نفسه المرض، أو خاف على نفسه الهلكة، بمعنى زيادة المرض، فربما تيمم، فهذا التيمم إنما هو رخصة.
أهل العلم رحمهم الله ذكروا للتيمم شروطاً، وهم يختلفون في عددها على أقوال:
فمن أهل العلم من جعل شروط التيمم ثلاثة، وهي: دخول الوقت. والثاني: العجز عن استعمال الماء أو عدم الماء. والثالث: طلبه في رحله. وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية ومن وافقهم.
وبعض أهل العلم يجعل شروطه شرطين: العجز عن استعمال الماء وطلبه.
وبعض أهل العلم يجعل شرط التيمم واحداً، وهو العجز عن استعمال الماء، فإذا غلب على ظنه أنه لن يجد عنده ماءً فيتيمم، ثم إذا وجد الماء في رحله ولم يكن ذلك عن تقصير أو إهمال فإن صلاته صحيحة؛ لأن صلاته بنيت على غلبة ظن، والقاعدة تقول: إن العمل بالظن من قواعد الشرع.
فأما الحسي فهو أنه يريد أن يصلي فلا يجد ماءً أصلاً، فالماء معدوم، فهذا داخل دخولاً أولياً في قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، فهذا يدخل بدلالة المطابقة؛ لأن عدم الوجود الحسي يدخل في قوله: (فلم تجدوا) بدلالة المطابقة.
النوع الثاني: العدم المعنوي، وهو أنه غير قادر على استعمال الماء؛ إما لأنه يخاف على نفسه أو لأنه زائد عن ثمن مثله أو لأنه يجد حرجاً في استعماله، فهو ليس عادماً للماء، بل الماء موجود لكنه لا يستطيع أن يستعمله؛ لأنه يخاف على بدنه، أو على جرحه، أو أنه زائد على ثمن مثله، مثل: لو كان في البر يريد أن يتوضأ، فوجد رجلاً يبيع ماءً، فقال: بكم هذا الماء؟ فقال له: هذا الماء يساوي ألف ريال، والماء قليل، وهو في العادة ربما يساوي عشرة ريالات، لكن هذا الرجل أراد أن يستغل عدم وجود الماء في المنطقة، ففي هذا الحال فإن الشارع يجوز للمكلف ألا يشتري هذا الماء؛ لأنه زائد عن ثمن مثله، فيكون حينئذ كأنه معدوم حساً؛ أي: فكان هذا العدم المعنوي بمثابة العدم الحسي، وحينئذ نقول: يجوز له التيمم.
وقد أجمع أهل العلم على أن الإنسان إذا خاف على نفسه الهلكة والعطب، فإنه يجوز له أن يترك الماء ويتيمم، وقد ذكر ابن أبي عمر صاحب كتاب الشرح الكبير قال: لا نعلم في ذلك خلافاً، والواقع أن فيه خلافاً عن بعض الظاهرية؛ فإن بعض الظاهرية لا يبيحون له أن يتيمم إذا كان في الحضر، وكذلك لا يبيحون له أن يتيمم إذا كان حدثه هو الحدث الأكبر، كما روي عن عمر و عبد الله بن مسعود ، وسوف نأتي إن شاء الله إلى بيان هذه المسألة، والله تبارك وتعالى أعلم.
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم إلى أن الإنسان إذا كان يريد أن يتيمم فلا يصح أن يتيمم لصلاة الظهر قبل دخول وقتها؛ قالوا: لأن التيمم طهارة ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ولأن الله أمر عباده أن يتوضئوا لدخول كل صلاة بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] إلى أن قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، قالوا: فدل ذلك على أمر كل من دخل عليه وقت صلاة أن يشرع في الوضوء أو التيمم، ثم قالوا: وجاءت الرخصة في ترك الوضوء لمن كان طاهراً، وبقي التيمم على حاله، والدليل على ما ذكر في الوضوء ما جاء في صحيح مسلم من حديث بريدة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات كلها بوضوء واحد )، قالوا: فدل هذا على أن للإنسان أن يترك الوضوء إذا كان طاهراً بطهارة مائية، وبقي التيمم على حاله.
واستدلوا أيضاً بما رواه ابن المنذر أن ابن عمر كان يتيمم لدخول وقت كل صلاة، هذه أدلة الجمهور.
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب أبي حنيفة و الأوزاعي ، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وعليها الفتوى عندنا، وهو رأي شيخنا عبد العزيز بن باز ، وشيخنا محمد بن عثيمين ، وغيرهما من أهل العلم قالوا: إن التيمم إنما هو بمثابة الماء حين عدمه، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن، وإن لم يجد الماء -وفي رواية: عشر سنين- فإذا وجد الماء فليتق الله، وليمسه بشرته ).
وجه الدلالة قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام البدل -وهو التيمم- مقام المبدل -وهو الماء- فدل على أن التيمم يأخذ جميع أحكام الماء إلا ما دل الدليل الشرعي عليه.
قالوا: وأما قولهم: (إنها طهارة ضرورة فتقدر بقدرها)، فإن هذه القاعدة إذا خالفت عموم نص شرعي فلا يعول عليها.
ثانياً: قالوا: وأما فعل ابن عمر رضي الله عنه فغاية ما يكون فيه أنه فعل صحابي، وإذا كان فعله صلى الله عليه وسلم أحياناً لا يدل على الوجوب ففعل الصحابي من باب أولى، ولكن هذا يدل على استحباب أن يتيمم الإنسان لدخول وقت كل صلاة.
فإن قال قائل: أنتم لم تأخذوا بالوجوب فما دليل الاستحباب؟
قلنا: دليل الاستحباب هو عموم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، ثم قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، فإنه يشرع للإنسان إذا أراد أن يفعل عبادة أن يجدد لها وضوءاً أو طهوراً، فإذا فعل ذلك فقد أحسن غاية الإحسان، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وعلى هذا فإنه يجوز للإنسان أن يتيمم ولو لم يدخل الوقت.
والذين اشترطوا هذا الشرط قالوا: لا يجوز للإنسان أن يتيمم حتى يبحث في رحله، يعني: في بيته، في مخيمه، في خيمته، في مكانه؛ لأن الواجب أن يستعمل الماء، ولا يصح دعوى عدم وجود الماء إلا بيقين، واليقين لا يتحقق إلا بعد البحث، قالوا: فإذا لم يبحث ثم تيمم، ثم وجد الماء بعد ذلك في رحله، فواجب عليه أن يعيد الوضوء؛ لأنه لم يكن عاجزاً عن استعمال الماء، ولم يكن الماء معدوماً، فدل ذلك على وجوب أن يبحث.
والراجح والله أعلم أن البحث مبني على عدم وجود الماء، فإن غلب على ظنه عدم وجود الماء، ثم وجد الماء بعد، فالراجح أنه لا يجب عليه أن يعيد؛ لأن الصلاة بنيت على طهارة، وهي التيمم، وهذا التيمم بني على غلبة ظن، وغلبة الظن من الأمور التي أناط الشارع الأحكام الشرعية عليها، فدل ذلك على أنه لا يلزمه.
وهل هذا مبني على التفريط أم عدمه؟ مثال ذلك: بعض الناس ربما يكون قد استعد لرحلة، فوضع أغراضه في سيارته، ثم جاءت الزوجة فأخذت جالوناً من الماء فوضعته خلف مرتبة السيارة، وهو لم يعلم بذلك، ثم ذهب إلى البر، وبينما هو ينتظر أصحابه بحث عن الماء فتذكر أنه لم يأت بماء، فاتصل على إخوانه وأصدقائه وقال: ائتوا بالماء، وكانت قد حضرت الصلاة، فصلى بتيمم، فلما أراد أن يقضي بعض أغراض السيارة وجد الماء، فالراجح والله تبارك وتعالى أعلم أنه لا يلزمه إعادة الصلاة؛ لأنه بنى صلاته على غلبة ظن، وأما إذا كان مفرطاً أو جاهلاً أو أنه علم ولكنه نسي فإن الراجح أنه يعيد الصلاة.
مثال ذلك: لو أن بعض الناس ذهب لرحلة، وأتى بهذا الماء فوضعه في السيارة ولكنه نسي، فلما صلى تذكر أنه قد أتى بالماء وهو في الوقت، فنقول: الأحوط له -وهو مذهب الحنابلة- إعادة الصلاة؛ قالوا: لأن النسيان في الشرط ليس كالنسيان في اجتناب المحظور، فلو أن إنساناً نسي أنه أكل لحم جزور وصلى، فإن لحم الجزور نسيانه لأجل ترك شرط، قالوا: فإن نسيانه لا ينفعه فيجب عليه أن يعيد، ومثله الطهارة شرط للصلاة، فإذا نسي المشروط الطهارة فلا أثر لنسيانه ويجب عليه أن يعيد، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا فإنه إذا تحقق وبحث ولم يجد الماء، فلا يلزمه إذا جاء وقت الصلاة الثانية أن يبحث مرة ثانية، كما يقوله من يقوله من فقهاء الشافعية، فإنهم قالوا: يلزمه الطلب لكل صلاة، والراجح أنه إذا بحث مرةً واحدة وغلب على ظنه أو تيقن عدم وجود الماء فلا معنى لأن يبحث مرة ثانية؛ لأنه بنى على غلبة ظن أو يقين، واليقين لا يزول بغير اليقين، ولا يقين حينئذ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
والقاعدة: أن الواجب تعميم المسح لا تعميم التراب، فإذا قلنا: إن القاعدة تعميم المسح فإنك تبسط أصابعك وكفك وتضرب ضربة واحدة على التراب ثم تمسح، وتعمم المسح، فتمسح ظاهر كفيك ووجهك.
إذا ثبت هذا فإن تعميم المسح شيء، وتعميم التراب شيء آخر؛ لأنه لا يلزمك أن تجعل التراب في كل بقعة من بقع وجهك، وليس واجباً أن تجعل التراب في كل بقعة من بقع يديك؛ لأن ثمة فرقاً بين تعميم المسح وتعميم التراب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
والموالاة نقصد بها ألا يفرق في المسح بين أعضائه، بحيث لو أن التراب ماء لجف العضو الذي قبله، وقد سبق في الموالاة.
وهذا قلنا: إنه مبني على الحاجة، فإذا كان هناك حاجة وأخل بالموالاة فلا حرج في ذلك، وإذا كان ليس بحاجة فتفريطه يعد نوعاً من الإهمال، فيجب عليه أن يعيد؛ لما جاء في حديث الرجل الذي ترك موضع ظفر على قدمه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، من حديث بقية ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ترك موضع ظفر على قدمه، فقال: ارجع فأعد وضوءك )، وهذا الحديث حسنه الإمام أحمد ، ورأى أن بقية بن الوليد قد صرح بالتحديث في هذا الإسناد، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
قالوا: يعني: أن الإنسان مأمور أن يمسح وجهه قبل يديه، وقد ذكرنا خلاف أهل العلم في الترتيب في الوضوء، وقلنا: إن الراجح وجوب الترتيب خلافاً لبعض الحنفية.
إذا ثبت هذا فإن الحنابلة وكذا الشافعية قالوا: الترتيب في التيمم كالترتيب في الوضوء، فيجب عليه أن يمسح وجهه قبل يديه، واستدلوا بقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6]، فيجب أن يبدأ الإنسان بما بدأ الله به وهو الوجه هذا الوقل الأول.
القول الثاني في المسألة: لا يجب الترتيب في أعضاء الوضوء في التيمم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث عمار بن ياسر في الصحيحين: ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيده الأرض ضربةً واحدة، ومسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه )، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم عماراً أن يمسح اليدين قبل الوجه، فلو كان الترتيب واجباً لأمره أن يمسح الوجه قبل اليدين، فدل ذلك على أنه إن بدأ بالوجه على ظاهر القرآن فلا حرج، وإن بدأ باليدين على ظاهر السنة فلا حرج، فدل على أن الترتيب ليس بواجب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وبعض أهل العلم يجعل من فروض ذلك: دخول الوقت، والراجح والله أعلم أنه ليس منها دخول الوقت، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإننا نقول: إذا أراد الإنسان أن يصلي فله أن يتيمم ويصلي، سواء دخل وقت الصلاة أم لم يدخل، ولو دخل وقت الصلاة الثانية فلا يلزمه أن يتيمم ما لم يحدث؛ لأن الراجح أن التيمم بمثابة الوضوء، خلافاً لجمهور أهل العلم الذين قالوا: إن التيمم مبيح وليس برافع.
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن التيمم مبيح، ومعنى (مبيح) أن التيمم إنما هو مبيح لأداء العبادة، وليس رافعاً للحدث الذي هو وصف قائم بالبدن.
والقول الثاني: أن التيمم رافع للحدث، فهو بمثابة الماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته ).
والراجح أن التيمم رافع وليس بمبيح، وثمرة الخلاف في هذا مسائل، فمن قال: إن التيمم مبيح وليس برافع أوجب عليه أن يتيمم لدخول وقت كل صلاة، ومن قال: إن التيمم رافع فإنه لم يوجب عليه أن يتيمم إذا لم يحدث.
ومن المسائل أيضاً: من قال: إن التيمم مبيح، قال: فلو نوى رفع الحدث بالتيمم لم يصح تيممه؛ لأنه ناو لرفع حدث وهو ليس بماء، ولكنه بتيمم، وهذا مذهب قال به الحنابلة ومن وافقهم، والراجح والله أعلم أن التيمم رافع، فلو نوى أن يكون مبيحاً للصلاة أو رافعاً فإنه لا ثمرة ولا أثر لذلك؛ لأن القصد هو فعل العبادة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت أن وجود الماء مبطل للتيمم فهنا مسألة، وهي: لو أنه تيمم لأداء صلاة الظهر، ثم كبر وصلى، وفي أثناء صلاته جاء الماء، فهل نقول: إن وجود الماء في أثناء صلاته يوجب عليه أن يقطع الصلاة؛ لأنه حين وجد الماء كانت طهارته ليست بصحيحة، أم نقول: ما دام أنه بدأ صلاته بطهارة شرعية -وهي -التيمم فلا تبطل هذه الطهارة حتى يكمل عبادته؟
قولان عند أهل العلم:
القول الأول: ذهب مالك و الشافعي .
وهو رواية عند الإمام أحمد إلى أنه لا يلزمه أن يقطع الصلاة؛ قالوا: الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي، فكان بمثابة ما لو عجز في الحج عن الهدي ثم شرع في الصوم، فلو شرع في الصوم ثم وجد الهدي، فلا يلزمه أن يعود إلى الهدي، بل يستمر في صومه.
القول الثاني وهو الأحوط والله تبارك وتعالى أعلم: أنه يعيد الصلاة ويعيد الوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، فلا فرق بين أن يجده حال الصلاة أو خارج الصلاة، فإذا كان لا يستطيع أن يمسه بشرته حال الصلاة إلا بقطعها دل على أن قطعها هو الأصل، ولعل هذا هو الأحوط والراجح، والمسألة فيها كلام طويل عند علماء الأصول، فإنهم يمثلون بهذه المسألة لما يسمى باستصحاب الإجماع، قالوا: فإن الإجماع منعقد على صحة طهارته في أول الصلاة، فيستصحب الإجماع إلى نهاية الصلاة، ولكن استصحاب الإجماع لا يقال به في حالة وجود دليل يبطله، وهو وجود الماء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإن هناك مسألة أخرى، وهي أن من مبطلات الوضوء عند أحمد والشافعي أن ماسح الخف إذا خلع خفيه فإنه تبطل طهارته، وعند أبي حنيفة ومالك يبطل غسل القدمين فقط فواجب واجب عليه ألا يصلي حتى يغسل قدميه، وروي عن النخعي و الحسن البصري ، و قتادة ، و سليمان بن حرب أن طهارته كلها باقية، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية .
لكن على مذهب من قال: إن الخلع يبطل الطهارة، لو أنه تيمم وهو لابس خفه، ثم خلع الخف، فهل خلع الخف يبطل الطهارة أم لا علاقة لطهارة المسح على القدمين بطهارة مسح عضو الوجه واليدين؟
الجواب: اختلف العلماء في ذلك على قولين:
فذهب الحنابلة إلى أن الإنسان إذا خلع خفه ولو كانت طهارته طهارة تيمم فإن طهارته تبطل، قالوا: لأن البدل يأخذ حكم المبدل.
وذهب سائر الفقهاء -لا أقول: جمهور أهل العلم- إلى أن الإنسان إذا خلع خفه، وكانت طهارته طهارة تيمم، فإن طهارته باقية ما لم يبطلها ناقض من النواقض المعروفة، وأما خلع الخف فإنه ليس بناقض؛ لأنه لم يتعلق به حكم.
وأما في الوضوء على القول بأن النزع يبطل فإنه تعلق به حكم، وهو المسح، فإذا خلع فإنه بمثابة من انتقل من المسح إلى الغسل، ولا غسل حينئذ، وهذه المسألة ذكرنا الخلاف فيها، وقلنا: إن الأحوط أن الإنسان يعيد الوضوء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومن أراد استزادة في هذا فليراجع باب المسح على الخفين، وقلنا: إن القياس على الرأس خطأ؛ لأن الرأس الأصل أنه ممسوح، وأما الرجل فالأصل أنها مغسولة، فإذا خلع الممسوح فقد رجع إلى حكمه وهو الغسل، ولهذا ذهب مالك و أبو حنيفة إلى أنه يجب عليه أن يغسل رجليه، ولكن مالكاً قال: يوالي بين الفسخ والغسل، وقال أبو حنيفة : إذا أراد أن يصلي فلا بد أن يغسل رجليه؛ لأنه لا يرى الموالاة في الوضوء، والراجح والله أعلم هو مذهب الحنابلة والشافعية، وهو أن الخلع يبطل الطهارة، والله تبارك وتعالى أعلم.
وأما اختيار أبي العباس بن تيمية فهو مشكل؛ لأن الخف قد نزع ونزعت أحكامه، وأما الاستدلال بفعل علي رضي الله عنه، فإن حديث علي الذي رواه البيهقي إنما هو في غسل أو مسح النعلين، والنعلان غسلهما يعني: رشهما حتى كان كالغسل، وأما النعلان المعروفان فلا يصح فيهما مسح حتى يغسل القدم، ثم إن الأثر عن علي بن أبي طالب فيه كلام، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
اختلف العلماء في ذلك، ويعجبني كلام الإمام الحافظ ابن حجر حينما قال: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة التيمم إلا حديث عمار بن ياسر ، أبي الجهيم الذي رواه البخاري و مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه رجل وهو يقضي حاجته، ثم أقبل إلى جدار فضرب يديه بالجدار، ومسح وجهه ويديه )، وأما ما عدا ذلك فإنه إما أن يكون حديثاً ضعيفاً، أو يكون موقوفاً وليس بمرفوع، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن حجر رحمه الله، ولعل ما يشهر ويشتهر في هذا هو ما رواه الدارقطني من حديث علي بن ظبيان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين )، والصحيح أن هذا الحديث موقوف، وأن علي بن ظبيان قد أخطأ في رفعه، كما أشار إلى ذلك غير واحد من الحفاظ، وأن أكثر الرواة عن ابن عمر إنما رووه من فعله وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وإذا ثبت هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمار بن ياسر : ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربةً واحدة )، ولهذا قال الإمام أحمد : السنة هو الضربة الواحدة، فإن ضرب ضربتين جاز؛ لأنه فعل صحابي، ولكن الراجح والله أعلم أنه يجزئه -وهو السنة- ضربة واحدة، فإن ضرب ضربتين فإننا نقول: جائز، ولكن السنة تركه، خلافاً للشافعي و أبي حنيفة اللذين قالا: بأن الإنسان يتيمم بضربتين.
وهنا مسألة: ما صفة مسح اليدين في التيمم؟
الراجح أنه يمسح إلى الكوعين، ولا يمسح الذراع، وأما ما جاء في مسح الذراع من حديث رواه البيهقي ، فإن هذا إنما هو اجتهاد للصحابة قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وإلا فإن النبي قال لـعمار : ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه )، فدل ذلك على أن الواجب هو الكفان، وليس الذراعين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ولعلنا نكتفي بهذا في هذه الحلقة، وإلى حلقة أخرى بإذن الله، نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم، وإلى اللقاء، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر