إسلام ويب

فقه العبادات - الطهارة [15]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أحكام التيمم معرفة شروط التراب الذي يجوز التيمم به، كأن يكون طاهراً له غبار، وحكم التيمم بالتراب المغصوب أو بالثلج أو التيمم عن الحدث الأكبر؟! خلاف بين العلماء في ذلك. ومن الأبواب المهمة في الفقه باب الحيض الذي يخطئ كثير من الناس في تنزيل أحكامه على آحاد النساء، لكن ينبغي التفقه فيه لمعرفة أقل سن يمكن أن تحيض فيه الفتاة وأكثر سن ينقطع فيه وغير ذلك من الأحكام.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا مطروداً يا رب العالمين.

    أيها الإخوة والأخوات! كنا قد شرحنا باب التيمم، وذكرنا مسائل في التيمم، وذكرنا تعريف التيمم من حيث اللغة ومن حيث الاصطلاح، وذكرنا بعض المسائل المتعلقة بالتيمم، وثمة بعض المسائل لم يسعفنا الوقت لتداركها وشرحها، ولعلنا نذكرها إن شاء الله.

    وكما قلت -أيها الإخوة والأخوات- إن الإخوة قد رغبوا ألا نذكر إلا رءوس المسائل المهمة في كل باب علنا ندرك شرح كتاب الطهارة في هذا الفصل، ونحن إن شاء الله معتمدون على ربنا مستعينون به على إنهاء هذا القسط الذي طلب منا أن نشرحه، وعلى هذا أيها الإخوة! فإن باب التيمم قد ذكرنا بعض مسائله، ونحن الآن نذكر بعض ما تبقى.

    وقد ذكرنا أن شروط التيمم ثلاثة: أولها: دخول الوقت على مذهب الشافعية والحنابلة، والراجح عدمه كما هو مذهب مالك و أبي حنيفة ، واختيار أبي العباس بن تيمية ، والثاني: وجود التراب، والثالث: البحث في رحله.

    والمسألة التي سوف نطرحها: ما يشترط في تراب التيمم.

    اشتراط كون التراب طاهراً غير مغصوب

    الشيخ: اشترط العلماء شرطاً واحداً أجمعوا عليه، وهو أن يكون طاهراً، فالشرط الأول المجمع عليه هو أن يكون التراب طاهراً، والطهورية ضدها النجاسة، فلا يصح التيمم بتراب نجس، سواء قد تبول فيه إنسان، أو وقعت فيه عذرة.

    واستدل العلماء على وجوب طهورية التراب بما جاء في قول الله تبارك وتعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، والطيب كما يقول الإمام الزجاج في معاني القرآن: هو النظيف الطاهر، وهذا هو الأصل، فإن الطيب ضد الخبيث، والطيب ضد النجس، والله سبحانه وتعالى حينما ذكر ذلك فإنما أمر بالطيب الحلال، والطيب ضد النجس، وعلى هذا فقد قال أهل العلم: إنه لا بد للإنسان أن يتيمم بتراب ليس بنجس.

    وكذلك اشترطوا أن يكون التراب غير مغضوب، وقد ذكرنا خلاف أهل العلم في حكم الوضوء بالماء المغصوب، وذكرنا أن مذهب الحنابلة وقول عند المالكية أنه لا تصح الطهارة بالمغصوب، والقول الثاني وهو مذهب جمهور أهل العلم: صحة الطهارة به مع الإثم؛ لأن النهي ليس عائداً على ذات العبادة، والقاعدة في هذا: أن النهي إذا لم يعد على ماهية العبادة، ولا على وصفها الذي لا ينفك عنها - ومعنى وصفها الذي لا ينفك عنه هو الشروط التي لا تنفك عن وجودها الشرعي- فإن الأصل أن العبادة صحيحة مع الإثم، وهذا هو مذهب الشافعية والحنفية، ورواية عند الإمام أحمد ذهب إليها كثير من المحققين، وعلى هذا فالتراب إذا كان مغصوباً فإن الطهارة صحيحة، وترفع الحدث، لكن يأثم الإنسان باستعمال هذا الماء أو هذا التراب الذي ليس له حق فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي و الدارقطني من حديث أبي سعيد : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    هذا الشرط الأول الذي أجمعوا عليه.

    اشتراط كون التراب له غبار

    الشيخ: وهناك شرط آخر أشار إليه الشافعية والحنابلة، وهو أنهم قالوا: أن يكون التراب له غبار.

    وعلى هذا فإذا تيمم برمل ليس له غبار لم يصح التيمم.

    واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، قالوا: روى ابن المنذر و البيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (الصعيد الطيب هو تراب الحرث الذي له غبار)، وفي رواية: (هو تراب الحرث)، وهذا الأثر عن ابن عباس ضعيف يرويه قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه، عن ابن عباس .

    والذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم هو القول الثاني، وهو مذهب مالك ، ورواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله وكثير من المحققين كـالشوكاني وغيره، وهو أن الصعيد هو كل ما كان من وجه الأرض، كما أشار إلى ذلك الإمام الزجاج ، فإنه حين ذكر (الصعيد) قال: لا أعلم بين علماء اللغة اختلافاً أنه وجه الأرض.

    وعلى هذا فوجه الأرض هو ما كان منها من التراب والرمل والحصى وغير ذلك، فإذا وجد تراب أو رمل فإنه يجوز التيمم به، ومما يدل على هذا ما جاء في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، في مسألة ما امتن الله به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أن جعل التراب لأمة محمد طهوراً، فقد جاءت أحاديث كثيرة عن جابر ، و أبي هريرة ، و حذيفة ، و عائشة ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن الله جعل تربة هذه الأرض لنا طهوراً ومسجداً.

    والشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص : ( وجعلت الأرض لنا مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركتك الصلاة فعندك طهورك ومسجدك ).

    وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنك متى ما احتجت إلى الصلاة وقد دخل وقتها فالأرض هي طهور، ولم يقل صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض: إنها لا بد أن يكون لها غبار، ومن المعلوم أن الرمل ليس له غبار في الغالب، فإن الذي يعلق في يديك هو حبيبات الرمل، والغبار هو غبار الحرث كالتراب، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر بأن يتطهر ويصلي متى أدركته الصلاة، فإنه لا يلزم أن يكون التراب له غبار، والقاعدة: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان ثمة أمر واجب غير هذا لبينه صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ البلاغ المبيَّن.

    ومما يدل على هذا أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثير الأسفار، ويقطع الفيافي والقفار، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ينقل التراب الذي له غبار، فدل ذلك على عدم وجوبه، فقد نقل لنا الصحابة رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينقل له العنزة -والعنزة الحربة- وتحمل له الإداوة، فلما كان الشيء المستحب ينقل له، فلو كان الغبار واجباً لأمر به صلى الله عليه وسلم، فلما لم ينقل دل على أن الأصل هو إباحة التيمم بكل ما على وجه الأرض، وهذا هو مذهب مالكأبو حنيفة له وجه في هذا القول إلا أنه يبالغ ويدخل كثيراً من المسائل- وهو قول ابن حزم أنه يقول: الصعيد: ما علا وجه الأرض مما هو متصل به، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088556325

    عدد مرات الحفظ

    777304043