الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا مطروداً يا رب العالمين.
أيها الإخوة والأخوات! كنا قد شرحنا باب التيمم، وذكرنا مسائل في التيمم، وذكرنا تعريف التيمم من حيث اللغة ومن حيث الاصطلاح، وذكرنا بعض المسائل المتعلقة بالتيمم، وثمة بعض المسائل لم يسعفنا الوقت لتداركها وشرحها، ولعلنا نذكرها إن شاء الله.
وكما قلت -أيها الإخوة والأخوات- إن الإخوة قد رغبوا ألا نذكر إلا رءوس المسائل المهمة في كل باب علنا ندرك شرح كتاب الطهارة في هذا الفصل، ونحن إن شاء الله معتمدون على ربنا مستعينون به على إنهاء هذا القسط الذي طلب منا أن نشرحه، وعلى هذا أيها الإخوة! فإن باب التيمم قد ذكرنا بعض مسائله، ونحن الآن نذكر بعض ما تبقى.
وقد ذكرنا أن شروط التيمم ثلاثة: أولها: دخول الوقت على مذهب الشافعية والحنابلة، والراجح عدمه كما هو مذهب مالك و أبي حنيفة ، واختيار أبي العباس بن تيمية ، والثاني: وجود التراب، والثالث: البحث في رحله.
والمسألة التي سوف نطرحها: ما يشترط في تراب التيمم.
واستدل العلماء على وجوب طهورية التراب بما جاء في قول الله تبارك وتعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، والطيب كما يقول الإمام الزجاج في معاني القرآن: هو النظيف الطاهر، وهذا هو الأصل، فإن الطيب ضد الخبيث، والطيب ضد النجس، والله سبحانه وتعالى حينما ذكر ذلك فإنما أمر بالطيب الحلال، والطيب ضد النجس، وعلى هذا فقد قال أهل العلم: إنه لا بد للإنسان أن يتيمم بتراب ليس بنجس.
وكذلك اشترطوا أن يكون التراب غير مغضوب، وقد ذكرنا خلاف أهل العلم في حكم الوضوء بالماء المغصوب، وذكرنا أن مذهب الحنابلة وقول عند المالكية أنه لا تصح الطهارة بالمغصوب، والقول الثاني وهو مذهب جمهور أهل العلم: صحة الطهارة به مع الإثم؛ لأن النهي ليس عائداً على ذات العبادة، والقاعدة في هذا: أن النهي إذا لم يعد على ماهية العبادة، ولا على وصفها الذي لا ينفك عنها - ومعنى وصفها الذي لا ينفك عنه هو الشروط التي لا تنفك عن وجودها الشرعي- فإن الأصل أن العبادة صحيحة مع الإثم، وهذا هو مذهب الشافعية والحنفية، ورواية عند الإمام أحمد ذهب إليها كثير من المحققين، وعلى هذا فالتراب إذا كان مغصوباً فإن الطهارة صحيحة، وترفع الحدث، لكن يأثم الإنسان باستعمال هذا الماء أو هذا التراب الذي ليس له حق فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي و الدارقطني من حديث أبي سعيد : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
هذا الشرط الأول الذي أجمعوا عليه.
وعلى هذا فإذا تيمم برمل ليس له غبار لم يصح التيمم.
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، قالوا: روى ابن المنذر و البيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (الصعيد الطيب هو تراب الحرث الذي له غبار)، وفي رواية: (هو تراب الحرث)، وهذا الأثر عن ابن عباس ضعيف يرويه قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه، عن ابن عباس .
والذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم هو القول الثاني، وهو مذهب مالك ، ورواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله وكثير من المحققين كـالشوكاني وغيره، وهو أن الصعيد هو كل ما كان من وجه الأرض، كما أشار إلى ذلك الإمام الزجاج ، فإنه حين ذكر (الصعيد) قال: لا أعلم بين علماء اللغة اختلافاً أنه وجه الأرض.
وعلى هذا فوجه الأرض هو ما كان منها من التراب والرمل والحصى وغير ذلك، فإذا وجد تراب أو رمل فإنه يجوز التيمم به، ومما يدل على هذا ما جاء في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، في مسألة ما امتن الله به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أن جعل التراب لأمة محمد طهوراً، فقد جاءت أحاديث كثيرة عن جابر ، و أبي هريرة ، و حذيفة ، و عائشة ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن الله جعل تربة هذه الأرض لنا طهوراً ومسجداً.
والشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص : ( وجعلت الأرض لنا مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركتك الصلاة فعندك طهورك ومسجدك ).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنك متى ما احتجت إلى الصلاة وقد دخل وقتها فالأرض هي طهور، ولم يقل صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض: إنها لا بد أن يكون لها غبار، ومن المعلوم أن الرمل ليس له غبار في الغالب، فإن الذي يعلق في يديك هو حبيبات الرمل، والغبار هو غبار الحرث كالتراب، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر بأن يتطهر ويصلي متى أدركته الصلاة، فإنه لا يلزم أن يكون التراب له غبار، والقاعدة: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان ثمة أمر واجب غير هذا لبينه صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ البلاغ المبيَّن.
ومما يدل على هذا أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثير الأسفار، ويقطع الفيافي والقفار، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ينقل التراب الذي له غبار، فدل ذلك على عدم وجوبه، فقد نقل لنا الصحابة رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينقل له العنزة -والعنزة الحربة- وتحمل له الإداوة، فلما كان الشيء المستحب ينقل له، فلو كان الغبار واجباً لأمر به صلى الله عليه وسلم، فلما لم ينقل دل على أن الأصل هو إباحة التيمم بكل ما على وجه الأرض، وهذا هو مذهب مالك -و أبو حنيفة له وجه في هذا القول إلا أنه يبالغ ويدخل كثيراً من المسائل- وهو قول ابن حزم أنه يقول: الصعيد: ما علا وجه الأرض مما هو متصل به، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وقالوا: إنه إن تيمم وترك الماء لم يكن غير واجد للماء، والله يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6]، وهو واجد، فالوجود هنا إما وجود كامل أو وجود ناقص.
ثم قالوا: ولا يصح الاستدلال على المنع بأن يقال: لا يجمع بين البدل والمبدل، فقد ذهب المالكية والحنفية إلى أنه لا يجوز أن يجمع في أعضاء الوضوء بين البدل والمبدل، فالجواب على هذا: أن القاعدة صحيحة وسليمة -أنه لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل- لكن هذه القاعدة إنما هو عدم جواز الجمع بين البدل والمبدل في عضو واحد، فأما نحن فلم نجعل الوجه يتيمم له بالتراب، ويتوضأ له بالماء، إنما التراب عما لم يصله الماء، فدل ذلك على أننا لم نجمع بين البدل والمبدل، فإنما جعلنا البدل في بعض الأعضاء، والمبدل في البعض الآخر، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله تعالى.
مثاله: شخص في بدنه نجاسة، فواجب عليه أن يزيلها لقوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، ولحديث أبي داود وأهل السنن من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن رأى بهما أذىً فليمطه )، فهذا يدل على أن الإنسان مأمور أن يزيل الأذى من بدنه وثوبه الذي يصلي فيه، قالوا: فإن عجز إما لعدم وجود الماء، وإما لعدم استطاعته، فهل يتيمم بنية الإزالة وهي لم تزل؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب الحنابلة إلى أنه يتيمم، كما لو حبس في بقعة فيها نجاسة، فإنه يتيمم لرفع الحدث، ويتيمم للبقعة.
وذهب سائر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية -وعليه أكثر فقهاء الأمصار- إلى أن التيمم إنما جاء لعبادة وهي رفع الحدث، ولم يأت لإزالة النجاسة هذا أولاً.
ثانياً: ولأن التيمم إنما جاء بصفة مخصوصة، وهي ضرب الأرض ومسح الوجه واليدين، وليست هذه إلا في رفع الحدث، فأما إزالة النجاسة فهي عين خبيثة، متى ما زالت زال أثرها، وإن بقيت فإنها كحكم المعدوم، والقاعدة: أن المعدوم لا حكم له، وهذا هو الراجح، وأن الإنسان لا يصح له أن يتيمم لإزالة النجاسة، أو بدلاً عن إزالتها بالماء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
هنا نكون قد انتهينا من باب التيمم، أو قد ذكرنا غالب مسائل التيمم، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: هذه المسألة وهي مسألة ما يوجد في بعض المناطق كمنطقة القطب الشمالي أو سيبيريا، حيث إن الأرض مليئة بالثلوج، فلا يستطيعون أن يذيبوا الثلج لأجل أن يحصلوا على الماء، ولا أن يجدوا التراب، فهل يصح أن يتيمموا بالثلج؟
نقول: اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية رحمهم الله إلى جواز التيمم بالثلج؛ لأنه من الصعيد، فكل ما علا على وجه الأرض صار صعيداً.
القول الثاني هو قول سائر فقهاء الأمصار: أن الثلج إنما هو شيء عارض ليس هو من صلب الأرض، ولا من صلب الصعيد، فدل ذلك على أن الأصل في الأرض هو عدم وجود الثلج، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر امتنان الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه على هذه الأمة بالأرض والتراب، فقال: ( وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً )، فجعل هذه المنة إنما هي في الأرض، ولو كان شيء مما يعلق بالأرض مما ليس منها جائزاً لذكره الله، خاصةً أن ذلك في مقام الامتنان، فلما لم يذكره وليس هو من أجزاء الأرض فالراجح -والله أعلم- أنه لا يجوز له ذلك. إذاً ماذا يصنع؟
نقول: إن استطاع أن يأخذ الثلج فيتمسح به ويكون بمثابة الوضوء فهو أفضل من عدمه، فإننا ذكرنا فيمن به جرح إما أن يغسله، وإما أن يمسحه بالماء، وإما أن يتيمم له، فنقول: إذا استطاع أن يأخذ هذا الثلج ويتمسح به فالحمد لله، وإن لم فإنه ينوي رفع الحدث، ويصير بمثابة من لم يجد الماء ولا التراب، فإن الراجح والله أعلم أن الإنسان إذا لم يجد الماء ولا التراب أنه ينوي رفع الحدث ثم يصلي؛ لأن هذا ما يستطيعه.
مثلاً: أناس في البر، فاحتلم أحدهم، وشق عليه أن يغتسل؛ لأنه يخاف على نفسه الهلكة، أو زيادة المرض، فهل يصح أن يتيمم بنية رفع الحدث الأكبر ويتوضأ بنية رفع الحدث الأصغر أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك، فذهب سائر فقهاء الأمصار وهو مذهب الأئمة الأربعة إلى جواز أن يتيمم الإنسان للحدث الأكبر.
واستدلوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى قال: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فذكر الله سبحانه وتعالى في الآية الحدث الأكبر (كنتم جنباً)، والحدث الأصغر (أو جاء أحد منكم من الغائط)، فذكر ذلك وأمر بالتيمم، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
وذهب عمر بن الخطاب و عبد الله بن مسعود كما روى ذلك البخاري و مسلم أنهما امتنعا ومنعا أن يتيمم الإنسان للحدث الأكبر، وقيل: إن عمر رجع إلى قول الجمهور.
وقال عبد الله بن عمر كما روى البخاري و مسلم: أن عبد الله بن مسعود قال: قال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! ما تقول في رجل أجنب ولم يجد الماء؟ قال: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً -يعني: يبقى لا يصلي حتى يجد الماء ثم يقضي ما فاته- قال: فما تقول في قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]؟ قال: يوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا، فكأنه قال: إن هذا في حق المسافر، أو إنما هي في غير الحدث الأكبر، قال أبو موسى : فما تقول في قصة عمار بن ياسر حينما قال: كنت أنا و عمر في بعض الأسفار، فاحتلمنا، فأجنبنا، فأما أنا فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، وأما عمر فلم يصل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب الشمال على اليمين، وظاهر كفيه الوجه ونفخ فيهما )، الحديث.
قال عبد الله بن مسعود: أولم تر عمر لم يقبل قول عمار؟
فكأن ابن مسعود رضي الله عنه خفيت عليه، وهذا يدل دلالةً واضحة على أن الإنسان مهما بلغ من العلم فقد تخفى عليه بعض المسائل، فهذا الكنيف الذي ملئ علماً وهو عبد الله بن مسعود ، وهذا الحبر الملهم وهو عمر بن الخطاب خفيت عليهما هذه المسألة، فنحن والناس والعلماء من باب أولى وأحرى. فلأجل هذا ينبغي أن يعذر الآخرون، فالإنسان مهما بلغ من العلم فقد يهم أو يخطئ أو يزل.
يقول أبو العباس بن تيمية : والغلط واقع في عامة الناس حتى من الصحابة، فالصحابة غلطوا، فـعدي بن حاتم جاء بحبلين، فوضعهما أمامه، فجعل يأكل حتى يتبين له الأسود من الأبيض، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( إن وسادك إذاً لعريض، إنما المراد بياض النهار من سواد الليل )، فالخطأ والوهم حاصل من الناس صغيرهم وكبيرهم، لكن الخطأ الأعظم هو أن يبين للإنسان له الخطأ فيبقى على خطئه.
يقول يحيى بن معين : ليس العيب ممن يخطئ في الحديث إذ كان هذا موجوداً، ولكن العيب أن يخطئ ولا يرجع عن خطئه بعد أن أخبر.
وهذه كلمة عظيمة، فالإنسان كلما كثرت مروياته، وكثرت محفوظاته، وكثر علمه، فإنه ربما ينسى، أما الذي محفوظاته أو علمه قليل، فإنه ربما يكرره ولا ينسى، ولهذا قال الإمام الشعبي رحمه الله حينما كان يحدث العلم، فقال له رجل: يا إمام! أعد علي ما تقول، قال: والله ما كتبت سوداء في بيضاء قط! يعني: أنا لا أكتب حتى تقول لي: أعد، أنا مجرد أن أستمع أحفظ، وقال: ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه جاهل لكان به عالماً.
فهذا يدل على أن الإنسان يكون منه الوهم، ويكون منه النسيان، وهذا أمر معروف، ولكن الشأن كل الشأن هو أنه إذا أخطأ وأخبر بخطئه يجب عليه أن يرجع، وهذا أيها الإخوة دروس يستفيد منها طالب العلم في طلبه للعلم.
الجواب: بعض أهل العلم ذكر أن الحجر من الصعيد، وهو قول للمالكية.
وبعضهم قال: إن الحجر ليس منه، وهو قول لبعض الظاهرية.
والذي يظهر والله أعلم أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الغاشية: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20]، فالله سبحانه وتعالى غاير بين الأرض وبين الجبال، مما يدل على أن الأرض ليست من الجبال، ولعل هذا أظهر، إلا إذا كان هذا الحجر وهذا الجبل فيه غبار، فيكون قد علق فيه شيء من أجزاء الأرض.
الجواب: لا يلزمهم، نحن ذكرنا هذا في باب الوضوء، أن الإنسان لا يلزمه أن يحمل الماء، وقلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال له الرجل: ( يا رسول الله! إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته )، فهذا يدل على أنه لا يلزمهم أن يحملوا ماء لوضوئهم، وهذا يدل على أنهم إذا لم يؤمروا أن يحملوا لوضوئهم فلا يؤمرون أن يحملوا لتيممهم، والله أعلم.
وباب الحيض هو من أدق أبواب الفقه، وقد قال الإمام أحمد : جلست تسع سنين أتأمل باب الحيض.
وقال الإمام النووي رحمه الله: اعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب، وغلط فيه الكبار، وصنف فيه المحققون، وليس السبب في هذا عسر معرفة الأحكام الفقهية؛ لأن الحكم الشرعي يسير بإذن الله على من يسره الله له؛ لأن الله يقول: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].
والقرآن علم كما قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49]، ولكن الخفاء وعدم الظهور في تحقيق مناط الأحكام على أجناس النساء، ذلك أنك تعلم مثلاً أن أقل الحيض يوم وليلة على قول، ولكن هل الذي أتاها حيض أم دم من الدماء؟ لأن النساء يأتيها دم من دم الحيض، ويأتيها دم غير دم الحيض، فهي قد يشكل عليها هل هذا الدم هو الحيض الذي علق الله به الأحكام أم هو دم الفساد الذي لم يعلق الله به حكم الحيض.
فهذا هو سبب الغموض، وأما مسألة الحكم الشرعي في هذا فإن باب الحيض موجود في كل كتب الأئمة الكبار، وذكروا أدلتهم في هذا الأمر، وهم يختلفون من حيث الراجح والمرجوح على حسب فهم كل واحد للدليل، كما يختلفون في أبواب التيمم والوضوء، وإزالة النجاسة والصلاة وغير ذلك من الأبواب.
وعلى هذا فباب الحيض إنما هو دقيق بسبب عدم ظهور بيانه وحكمه في حق آحاد النساء، فالمرأة تستشكل مع أنها تعلم بالحكم.
مثال ذلك: جاء في الحديث الذي رواه البخاري : ( أن النساء كن يأتين إلى
وأما في الاصطلاح الفقهي: فهو دم طبيعة وجبلة، يخرج من قعر الرحم، يأتي على أوقات معلومة.
هذا هو التعريف الدقيق للحيض، ونلاحظ أنه يشتمل على قيود وأوصاف:
الوصف الأول: قولهم: (دم طبيعة وجبلة) يفيد أن هذا الدم إنما هو دم جبلة كتبه الله على بنات آدم، كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين لـعائشة : ( إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ).
وعلى هذا فإذا كان هذا الدم الذي يأتيها ليس هو الطبيعي الذي يأتيها في العادة فإنه لا يكون حيضاً؛ لأن هذا الدم الذي أتاها ليس هو دم الجبلة والطبيعة، ولهذا فالمرأة الحصيفة تعرف الدم الذي يأتيها، أما بعض النساء فمجرد أن يأتيها شيء من الحمرة تظن أنه حيض، وقد قال ابن عباس : (أما ما رأت من الدم البحراني -وهو الدم الغليظ الثخين الأسود- فلتمسك عن الصلاة). فهذا يدل على أنه دم طبيعة وجبلة.
وأما ما يأتي المرأة عبر طهرها من خيوط وغير ذلك، فهذا أحياناً له أثر في نفسية المرأة، وليس هو دم حيض؛ لأنه ليس دم طبيعة وجبلة، فخذوا هذه القاعدة.
الوصف الثاني: قولهم: (يخرج من قعر الرحم)، وكونه يخرج من قعر الرحم يعني: أنه لا بد أن يكون دم طبيعة وجبلة، وإلا فإن الدم أحياناً يخرج من قعر الرحم لكنه ليس هو دم الطبيعة والجبلة؛ لأنه يكون من عرق، فالعرق لا كما يظنه بعض الباحثين أنه خارج الرحم، فقد يوجد في الرحم، مثل ما تضعه المرأة من اللولب لتمتنع من أن تحمل لأجل أن تفارق بين البويضة والحيوان المنوي، فأحياناً يخرج دم من قعر الرحم، لكن هذا الدم الذي خرج لا بسبب دم الطبيعة والجبلة، ولكن بسبب جرح، وهو العرق الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ( ليس ذلك بحيض، ولكنه عرق )، ولكن إذا خرج بدم طبيعة وجبلة ومن قعر الرحم فإنه يكون حيضاً.
الوصف الثالث: قولهم: (يخرج على أوقات معلومة)، وهذا الوقت معلوم عند غالب النساء، وإلا فإن بعض النساء ربما لا تدرك هذا، كمن لا تحسن معرفة عادتها فإنها تخرج وترجع إلى التمييز، وهو أن تميز بين الدم البحراني والدم غير البحراني.
إذاً هذه أوصاف وقيود لدم الحيض: أولاً: أنه دم طبيعة وجبلة. ثانياً: أنه يخرج من قعر الرحم. ثالثاً: أنه يخرج على أوقات معلومة، والعلماء أفادونا بهذا التعريف: أن دم الاستحاضة ليس بحيض؛ لأمور أولاً: أنه يخرج على غير أوقات معلومة. الثاني: لأنه ليس دم طبيعة وجبلة. والثالث: لأنه عرق، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
والله سبحانه وتعالى قد وضع هذا الدم في المرأة لأجل رحمة الله جل جلاله وتقدست أسماؤه بالجنين الذي يكون في بطن الأم، فإن الله خلق هذا الدم لأجل أن يكون غذاء للولد وتربيةً له، أي: يتربى فيه حتى يكبر، فالجنين في بطن الأم لا يتغذى على الأرز، ولا على اللحم، إنما يتغذى على الدم الذي يقذفه رحم المرأة، والله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين.
الأصل الأول: أن الله علق أحكام الحيض على وجوده، فقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، وقال صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة )، فجعل سبحانه وتعالى وكذا رسوله صلى الله عليه وسلم وجود الدم دلالة على تطبيق أحكامه.
الأصل الثاني: الأصل أن كل دم يأتي المرأة بحيث يأتي منضبطاً في أوقات ويرتفع في أوقات فهو دم حيض؛ لأننا قلنا: إنه يأتي في أوقات معلومة.
الأصل الثالث: أن الحيض مرتبط بعامة النساء، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي في قصة حمنة بنت جحش ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً كما تحيض النساء )، فعلق أحكام الحيض من حيث خفاؤه أو ظهوره على ما تعتاده النساء في غالب حيضهن.
وهذه القاعدة مهمة: وهي أن الشارع علق حكم الدم على غالب ما يأتي النساء، فالغالب الذي يأتي النساء هو الذي يعلق به الحكم، وأما ما شذ وندر فإننا نقول: النادر لا حكم له.
الجواب: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن أقل سن تحيض فيه المرأة هو تسع سنين، وقد ذكروا دليلاً على ذلك ما قالت عائشة رضي الله عنها: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)، يعني: فحاضت فهي امرأة.
قالوا: ولأنه هو السن الذي وجد أن النساء قد يقع عليهن الحيض فيه، وإلا فإن الغالب أن البنت لا يأتيها الحيض إلا في السنة الثانية عشرة، أو الثالثة عشرة، أو الرابعة عشرة، ولكن هذا يختلف على حسب برودة البلد، أو رطوبته، أو طبيعة النساء في ذلك البلد، هل هي جبلية تعيش في الجبال أم لا فهذا له أثر، لكنهم قالوا: قد وجدنا في عامة النساء أن المرأة لا تحيض في أقل من تسع، وعلى هذا فجعلوا تسع سنين حداً، فإن وجد دم قبل تسع سنين فلا عبرة به؛ لأن هذا نادر والنادر لا حكم له، هذا قول عامة أهل العلم.
وذهب أبو العباس بن تيمية و ابن رشد من المالكية إلى أنه ليس ثمة سن يحدد فيه حيض المرأة، فيمكن أن تحيض بنت ثمان أو سبع، فمتى وجد الدم الذي يأتي كعادته وجبلته، وله أوقات معلومة فهو حيض وإن لم يكن عندها تسع سنين؛ والدليل: أن الله علق أحكام الحيض على وجوده، ولم يحدده بسن معين، فمتى وجد فقد ثبت حكمه، وهذا القول قوي، وهو أظهر، لكن بشرط، وهو أننا نسأل: هل قريباتها كأمها وخالتها وعمتها وأختها كان يأتيهن الدم قبل ذلك أم لا؟ فإن كان الدم يأتي أخواتها، أو أمهاتها، أو عماتها في سن السابعة وهو دم منضبط، فإننا نقول: بمجرد أن يأتيك هذا الدم فإنه يكون دم حيض.
وأما إذا كانت أمهات البنت، أو عماتها، أو خالاتها لا يأتيهن الدم في أول حيض إلا في التاسعة، ثم جاءها الحيض قبل ذلك فإننا نقول: هذا نادر، والنادر لا حكم له، فإن تكرر في الشهر الثاني والثالث حتى صار هو الأصل في حقها قلنا: تعلق به حكم الحيض؛ لأن الشارع علق الحكم على وجوده، فجاء هذا الدم منضبطاً في أوقات معلومة، ودم جبلة وطبيعة، وإلا فالأصل أنها لا تعتد به ولا تعتبره.
وليس هذا هو مذهب الحنابلة -كما يظنه بعض الناس- أنها المبتدئة، فنحن لا نقول هذا في المبتدئة، لكن نقول: حينما خرجت عن عادة النساء فلا يتعلق بهذا الدم حكم؛ لأنه نادر، والنادر لا حكم له، حتى إذا صار هو الأصل فحينئذ تعلم أنه حيض، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا بلغت المرأة خمسين سنة فإنه ينقطع عنها الحيض حينئذ، وعليه فلو رأت الدم بعد ذلك فلا تعتد به، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وقول عند بعض المالكية.
وقال بعضهم، وهو المذهب عند الحنابلة: بستين سنة.
وبعضهم قال: سبعين سنة.
والراجح: نقول: إن الأصل والغالب أن المرأة ينقطع حيضها في الغالب وهي قد بلغت خمسين سنة، فإن كانت عماتها وخالاتها وأمهاتها وأخواتها يبقين إلى أكثر من ذلك وهو دم منضبط في أوقات معلومة، ودم جبلة وطبيعة، فإنها تعتد به حيضاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( تحيضي في علم الله كما تحيض النساء )، فهي تحيض كما تحيض النساء.
فإذا لم يكن عماتها ولا خالاتها على هذا فالأصل أنها لا تعتد به؛ لأن انقطاع الدم في حال الخمسين هو الغالب في عامة النساء، والله أعلم.
وعلى هذا فلا حاجة لأن نستدل بقوله تعالى: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ [الطلاق:4]؛ لأن اليأس من المحيض ليس له حد محدود، فربما تيأس المرأة من الحيض وهي بنت أربعين سنة، وربما بعد سبعين سنة، أو ستين سنة، وقيل: إن المرأة لا يمكن أن تحمل وهي تحيض، وقالوا: أن امرأة إبراهيم عليه السلام كانت ابنة سبعين سنة، وهذا من أخبار بني إسرائيل، وليس يثبت فيه حديث صحيح يصار إليه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فنقول: اختلف العلماء في ذلك:
فذهب عامة الفقهاء وهو قول غالب السلف والخلف، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة: إلى أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يوماً، فمتى رأت الدم في أثنائه فهو حيض، فإن كانت تحيض ستة أيام ثم جاءها الدم في الشهر الثاني أكثر فإنها تعتد به إلى أن يكون خمسة عشر يوماً، ثم بعد ذلك تغتسل وتصلي وتتوضأ لكل صلاة ولا يضرها الدم، هذا هو قول عطاء بن أبي رباح ، و عبد الرحمن بن مهدي ، وهو مذهب مالك و الشافعي و أحمد ، وهو قول أكثر السلف كما يقول النووي رحمه الله.
ويستدلون على هذا بأن هذا هو غالب النساء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( تحيضي في علم الله كما تحيض النساء ).
واستدل بعضهم بأثر ليس له خطام ولا زمام، فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حق الحائض: ( أليست تحيض شطر دهرها لا تصلي ولا تصوم )، قالوا: فإذا كان هذا هو شطر دهرها، فشطر الدهر هو شطر الشهر، وشطر الشهر خمسة عشر يوماً، وهذا الأثر لا أصل له، إنما يذكره الفقهاء وليس له سند عند كتب الفقهاء، وقد قال البيهقي رحمه الله: تطلبته في كتب أهل الحديث فلم أجده، يعني: ليس له أصل.
والثابت إنما هو قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد : ( قيل: يا رسول الله! ما نقصان الدين؟ قال: أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم )، هذا هو لفظ الحديث، وأما (تجلس شطر دهرها لا تصلي ولا تصوم)، فهذا لا أصل له، والأحكام الشرعية كما يقول أبو العباس بن تيمية : ولا يجوز الإيجاب لا الاستحباب إلا بحكم شرعي من الكتاب والسنة.
الجواب: يقول: إذا كان الإنسان عنده حدث أكبر، فإذا عمم سائر بدنه وتمضمض واستنشق ولم يتوضأ فما هو الدليل على أنه يجزئه عن الوضوء؟
الدليل هو قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، فالله سبحانه وتعالى لم يفصل في هذا ما هو الطهارة، فدل ذلك على أن الإنسان إذا عمم جسده فإنه يكون داخلاً في هذا، فترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، فلما كان هذا المعنى محتملاً أن يتوضأ أو لا يتوضأ، ولم يذكر الشارع شيئاً من ذلك، دل على أن ذلك عام، والله أعلم.
ومما يدل عليه ما جاء في الصحيحين من حديث عمران بن حصين : ( أن رجلاً أجنب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك لم تصل؟ قال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء، ثم أعطاه الماء، ثم قال: خذ هذا فأفرغه على جسدك )، وفي رواية: ( فأفرغه عليك )، فدل ذلك على أن مجرد الإفراغ ليرفع به الحدث الأكبر، فإنه يرفع الحدث الأصغر، والله أعلم.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين لنا صفة المسح، إنما كان يمسح على ظاهر قدمه، كما روى أبو داود من حديث علي بن أبي طالب أنه قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفه )، هذا هو الأصل، وعلى هذا فإنه يمسحه بما يستطيع: أربع أصابع أو ثلاث أصابع، فإن هذا يكفي بإذن الله؛ لأن هذا هو غالب اليد، والمقصود بذلك المسح بغالب اليد الماسحة، فإذا كانت هي الغالب بالأصابع فإن ذلك يجزئ، أما إصبع واحد فليس هذا هو المسح باليد؛ لأن اليد لا يطلق على الإصبع إنما يطلق على جميع الأصابع، والله أعلم.
الجواب: إن للسائل حقاً، والأصل أن هذا ليس داخلاً في الموضوع، ولكن نقول: الأصل أن الإنسان يعطي الفقير المال الذي هو واجب عليه، فإن كان الفقير الذي يريد أن يعطيه ليس عنده حسن تصرف فأراد أن يشتري له من باب الوكالة عنه لسوء تصرفه في هذا المال، فيعطيه من القوت أو من الثياب التي يحتاجها فلا حرج إن شاء الله في ذلك، وإلا فإذا كان الفقير يستطيع أن يتصرف أو يحسن التصرف فلا يجوز أن يغالب على هواه، ولا يغالب على هذا المال؛ لأن المال ماله، وإن الزكاة حق المال، والله تبارك وتعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر