الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
نواصل ما كنا قد توقفنا فيه، فنقول: إن ثمة مسائل طارئة على الحيض لعلنا نذكرها إن شاء الله.
وبعض النساء -هداهن الله- أحياناً تطهر في أقل من عادتها، وتقول: سوف يأتي الدم، فنقول: لا يجوز للمرأة أن تتأخر في الاغتسال إذا تيقنت أنها قد طهرت، فلو حصل الجفاف وكان عادتها الجفاف، أو حصلت القصة البيضاء، فلا يجوز لها بعد ذلك أن تتأخر؛ لأنها مأمورة أن تصلي.
وعلى هذا فإذا كانت عادتها أياماً معدودة، فأتت في الشهر الذي بعده بأقل من عادتها، وكان الذي جاءها بقي أكثر من يوم وليلة فإنها تعتبره دماً، وما بعد ذلك فإنها تعتبره طهراً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وذهب بعض أهل العلم كالحنفية والمالكية إلى تفصيلات، بما يسمى ثلاثة أيام الاستظهار.
أما الحنابلة فيقولون: إنها لا تعتبر شيئاً حتى يتكرر.
الاستحاضة: هي دم عرق يأتي المرأة، وليس هو بدم حيض، وعليه فهذا الدم ليس دم جبلة وطبيعة، ولكنه دم عرق، يعني: دم فساد، فما حكم المستحاضة؟
المستحاضة التي استمر دمها أكثر من خمسة عشر يوماً لا يخلو أمرها من ثلاثة أحوال.
فإذا كانت عادتها ثمانية أيام، ثم في الشهر الثاني استمر الدم حتى خمسة عشر يوماً، فإنها تعتبره حيضاً، فإن استمر الدم أكثر من خمسة عشر يوماً علمنا أن هذا الدم الزائد استحاضة، فإذا جاء الشهر الثاني والدم ما زال مستمراً فإنها تعتد بالعادة التي كانت تأتيها قبل ذلك، وهي ستة أيام أو ثمانية أيام، أول الشهر أو وسطه أو آخره، على حسب ما كانت تأتيها.
إذاً: هذه حال من استمر بها الدم ولها عادة، والراجح أن العادة مقدمة على التمييز، خلافاً للمالكية والشافعية ورواية عند الإمام أحمد ، والعادة هي الأصل كما قال صلى الله عليه وسلم: ( فاجلسي قدر ما كانت تأتيك عادتك )، فهذا يدل على أن الاعتبار بالعادة، وليس بالتمييز.
ثم اعلموا أن حديث: ( إن دم الحيض دم أسود يعرف )، صححه ابن حزم ، ولكن ضعفه أبو حاتم وغيره؛ وذلك لأن فيه نكارة، فالراجح أن هذه الزيادة منكرة، ولم يروها البخاري و مسلم ، والقصة واحدة، فدل على أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
هذا حكم من لها عادة.
فإذا علمنا أن المرأة المستحاضة تتوضأ لكل صلاة فلنذكر مسألة أخرى:
أنها إذا أرادت أن تتوضأ وتغسل مكان الدم، ثم تقطع قطنة وتتلجم بها في مكان نزول الدم، ولا يضيرها نزوله بعد ذلك، فإذا جاء وقت الصلاة الثانية فهل تؤمر بإزالة هذه القطنة وهذا اللجام أم لا؟
بعض الشافعية أمرها أن تزيل هذه القطنة، والراجح أنه لا يلزمها هذا؛ لأن الدم مستمر فيها، فعليه لا تؤمر بإزالة هذه القطنة ولو امتلأت من الدم؛ لأن الشارع لم يأمر المرأة إلا بأن تتوضأ لكل صلاة، على خلاف في صحة الحديث، ولم يأمرها أن تزيل هذا الأمر، ومما يستدل على عدم وجوب إزالتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنعت لك الكرسف، قالت: إني أثج أكثر من ذلك؟ قال: فتلجمي)، والتلجم هو أن تربط على مكان الدم ربطة، بحيث يصعب انفكاكها، فلو كان واجباً عليها أن تزيله لأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، هذا هو الراجح.
ومما يدل على ذلك أيضاً ما جاء عند البخاري من حديث عائشة : (أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت وهي مستحاضة، تقول
الصفرة والكدرة هما شيء كالصديد يعلوه صفرة، أو لون كلون التراب، وليس هو من الدماء المعتادة.
والصفرة تميل إلى الصفار مع خليط من الحمرة، والكدرة هو لون كالغبار، أو كالتراب، ويسميه بعض أهل العلم كالحنابلة: الكدرة، والحنفية جعلوا الكدرة شيئاً، والتَربة شيئاً آخر، وهو من الكدرة، وهو الذي لونه كلون التراب، ويسميه المالكية التَرية، وهي أسماء لا تخرج عن الكدرة، والله أعلم.
وعلى هذا فينبغي أن تعرف المرأة أن الصفرة تميل إلى الحمرة وإلى الصفرة، وأما الكدرة فهي تميل إلى لون الغبار، أو الكاكاو، أو إلى لون التراب وغير ذلك، ولكنه ليس بدم معتاد، والله أعلم، ولهذا قال أبو عمر بن عبد البر: أول الحيض دم، ثم صفرة، ثم ترية وهو الغبار، ثم كدرة، ثم يكون ريقاً كالفضة وهو ماء لزج يميل للبياض، ثم ينقطع، هذا هو غالب ما يأتي المرأة.
وقد اختلف أهل العلم في حكم الصفرة والكدرة، ولعلنا نقسم ذلك إلى أقسام:
القسم الأول: الصفرة والكدرة بعد الدم من غير انقطاع بينهما:
فمثلاً عادتها ثمانية أيام، جاءها الدم أربعة أيام، ثم بعد ذلك جاءتها صفرة وكدرة، ولم يحصل انقطاع ولا جفاف بينهما، فهذا تعتبره حيضاً، وهذا هو قول عامة أهل العلم خلافاً لـابن حزم ، فإنه لم ير الصفرة والكدرة حيضاً، استدلالاً بحديث البخاري : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً )، والأقرب أن المقصود شيئاً بعد الحيض؛ لحديث أبي داود : ( كنا لا نعد الصفرة ولا الكدرة بعد الطهر شيئاً )، وهنا لم نر الطهر هذا هو الراجح.
القسم الثاني: الصفرة والكدرة بعد الطهر من الدم مع انقطاع بينهما فإنها لا تعتبر حيضاً.
فلو أن عادتها ثمانية أيام فطهرت في ثمانية أيام أو أقل من ذلك، فإنها تغتسل وتصلي، فإن رأت الصفرة والكدرة بعد طهرها فإنها لا تعتبره حيضاً، ولكنها تتوضأ لكل صلاة.
القسم الثالث: أن تأتي الصفرة والكدرة قبل الحيض متصلة به:
فذهب الحنابلة والحنفية إلى أن الصفرة والكدرة في زمن الحيض يعتبر حيضاً، ولا فرق بين أن يكون أول الحيض ولا آخره، فلو أن امرأةً تأتيها الصفرة والكدرة قبل الدم ثم يأتي الدم وهو ما زال في زمن العادة فإنها تعتبره حيضاً.
وذهب المالكية والشافعية في قول عندهم إلى أن الصفرة والكدرة حيض مطلقاً، وهذا وجيه بعد الدم، وأما أن يكون بعد الطهر فلا، كما قلنا.
والذي يظهر لي -والله أعلم- في مسألة الصفرة والكدرة قبل الدم: إن كانت قد اعتادت المرأة قبل حيضها أن تأتيها صفرة وكدرة ومعها أوجاع الحيض كل شهر فإنها تعتبره حيضاً.
وأما إن كان الغالب والأصل أن الحيض هو الذي يأتي أولاً، أو الدم يأتي أولاً في زمن العادة، وفي شهر من الشهور جاءت صفرة وكدرة فإنها لا تعتبرها حيضاً؛ لأن أم عطية تقول: ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً ).
فإذاً الصفرة والكدرة قبل الدم تكون في حكم الطهارة، إلا إذا كان فيها أوجاع الحيض وآلام الطمث، واستمر معها دائماً بهذه الطريقة فإننا نقول: يكون حيضاً، وإلا فإن الأصل أنه ليس بحيض.
والخلاصة أن لها ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: الصفرة والكدرة بعد الدم من غير انقطاع، فإنه يكون حيضاً، وهذا قول الأئمة الأربعة خلافاً لـابن حزم .
الحال الثانية: يكون صفرة أو كدرة بعد الطهر وقبل الحيض، فإن الراجح أنه ليس بحيض، خلافاً لـمالك وأحد قولي الشافعي .
الحال الثالثة: أن تأتي الصفرة والكدرة قبل الدم، فنقول: الراجح ألا تعتبره حيضاً ما لم يكن غالب عادتها أن تأتي صفرة وكدرة قبل الدم مع أوجاع الطمث، فإنها حينئذ تعتبره حيضاً.
وأما إذا كان الغالب أن يأتيها دم ثم في شهر من الشهور جاءت صفرة وكدرة قبل الدم فلا تعتبر شيئاً؛ لأن الراجح أنه لا تعد الصفرة ولا الكدرة في زمن الطهر شيئاً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وبعض النساء تعتبر الطهر بنزول القصة البيضاء، وهو ماء سائل رقيق كالريق -كما يقول أبو عمر بن عبد البر - ينزل من الرحم دلالة على طهرها، وهذا أعلى الطهر، ولا طهر بعده، يعني: ولا طهر أعلى منه، فنقول: إن كانت المرأة تطهر بالجفاف ولا تأتي هذه القصة البيضاء إلا بعد يومين أو يوم فإن طهرها يكون بالجفاف، وإن كان الطهر نزول هذا السائل الأبيض بعد الجفاف بفترات -يعني ساعات- فإنها تعتبر الطهر بالقصة البيضاء، وقد جاء عن مالك رضي الله عنه، عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه مولاة لـعائشة ، قالت: ( كانت النساء يأتين بالدرجة فيها الكرسف -أي فيها القطنة- فتقول
وقال بعضهم: إن القصة البيضاء: هو الجفاف، يعني: أن المرأة إذا أدخلت هذه القطنة ثم رجعت كما هي، وهي بيضاء، فهذا نوع من الجفاف.
والذي يظهر لي أن علامة الطهر نوعان: الأصل هو الطهر اليقيني، وهو نزول الماء اللزج الذي كالريق، وهذا دلالة على النقاء التام، وهناك نقاء وإن لم يكن تاماً، ولكن الأصل هو أن تعتبره، وهو الجفاف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فالنفاس: هو دم يأتي المرأة بعد ولادتها، ودم النفاس كدم الحيض في أحكامه، وفيما يترتب عليه، كما ذكر ذلك أهل العلم رحمهم الله، كالأئمة الأربعة وغيرهم، خلافاً لـابن حزم فإن له تفصيلاً في هذا.
والراجح أنه لا فرق في قول النبي صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة حينما قالت: ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في السرير، إذ حضت فانسللت، فلبست ثياب حيضتي، فجئت إليه، فقال: ما لك، أنفست؟ فقلت: نعم )، الحديث، فهذا يدل على أن الرسول جعل الحيضة في حكم النفاس، وقال: (أنفست؟) يعني: أحضت؟، فدل على أنه لا فرق بينهما، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فالدم الذي يأتي الحامل تعتبره دم فساد، وعلى هذا فإنها تتوضأ لكل صلاة، إلا إذا جاءها الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين، أو مياه جاءتها قبل الحيض بيوم أو يومين، ومعها أوجاع الطلق، فإنها تعتبره دم نفاس، وعلى هذا فلا تصلي، ولا تصوم.
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن أكثر مدة النفاس أربعون يوماً، هذا هو مذهب الحنابلة في المشهور عندهم؛ لما روى الدارمي عن أم سلمة أنها تقول: ( كانت المرأة النفساء تجلس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً )، وهذا الحديث إسناده فيه كلام، ولكنه قابل للتحسين.
والذي يظهر كما قلنا في أقل الحيض وأكثره، فإن الراجح أن غالب النساء معتبر، فغالب النساء يكون نفاسها أربعين يوماً، فإن خرجت امرأة عن هذا، واستمر بها الدم على حال نسائها وقريباتها، فإنها تعتد بالزيادة.
فإذا كانت بعض النساء يستمر دمها إلى ستين يوماً: فإن كان قريباتها على هذا فإنها تعتبره نفاساً، وأما إذا كان عماتها وخالاتها لا يزدن على أربعين فإن الغالب والأصل أنها لا تزيد على الأربعين إلا إذا وافق وقت عادتها، فإن وافق الدم الذي زاد على الأربعين وقت عادتها المعتادة قبل النفاس فإنها تعتبره حيضاً، وإلا فإنها لا تعتبره شيئاً، ويكون دم فساد، والله أعلم.
فإن ولدت بعد ذلك واستمر بها الدم مثلما كانت في الأول علمنا أن عادتها حينئذ هو أكثر من الأربعين، ولا تسمى المرأة معتادة حتى يتكرر منها مرتين على الأقل؛ لأن الصحيح أن المعاودة والعادة لا يمكن أن تطلق إلا بمرتين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
مثال: امرأة نفساء، طهرت بعد عشرة أيام من ولادتها، فهل تعتبره طهراً أم لا؟
الغالب أن النساء في هذا الزمان لا تعتبره شيئاً، وقد تسميه النساء أحياناً: الطهر الكاذب، وبالتالي لا يأمرون النفساء أن تغتسل وتصلي!
والراجح والله أعلم أنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي إذا انقطع دمها ولو قبل الأربعين، إلا أن الحنابلة كرهوا لزوجها أن يطأها إذا طهرت قبل الأربعين، استدلالاً بحديث عثمان بن أبي العاص : أنه كان يعتزل نساءه إذا طهرن قبل الأربعين حتى يتم لهن الأربعون، ولكن ابن عباس سئل عن ذلك فقال: أليست تصلي وتصوم؟ يعني: أنه ما دام أنها تصلي فلا بأس أن يأتيها زوجها إذا كانت قد طهرت قبل الأربعين، وهذا هو الراجح والله أعلم، والكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فإن عاودها الدم بعد ذلك، يعني: بعد طهرها في أقل من الأربعين فإننا نقول: الراجح أنها تعتبره دم فساد، والله أعلم.
والنفاس كالحيض في أحكامه، فيحل ويحرم ويجب ويسقط مثل ما يجب ويحل ويحرم في الحيض.
وعلى القول الراجح أن النفاس يمكن أن يكون أكثر من ذلك، فإنها حينئذ تعتد بولادة الولد الثاني؛ لأنه معلق بحكم الدم، وقد قال تعالى: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، وهذا هو الأصل.
وعلى هذا فالمعول في أول النفاس على الولد الأول، وآخره على الولد الثاني، ما لم يعبر أكثره، وأكثره ستون يوماً، فإنه إن زاد على ذلك فإنه لا يعول عليه، والله أعلم.
ذهب عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الإمام أحمد وعليه أكثر السلف: إلى أنه يجب عليه التوبة؛ لأنه فعل محرماً، ويستغفر الله ويتوب إليه، ولا يجب عليه أن يتصدق.
وذهب الحنابلة إلى أن الرجل إذا أتى امرأته في أول الحيض فإنه يتصدق بدينار، فإن جاء آخر الحيض فإنه يتصدق بنصف دينار، ورووا في ذلك حديثاً عن ابن عباس مرفوعاً، والصواب أنه لا يصح رفعه، وإنما هو موقوف، و ابن عباس إنما قال ذلك من باب قاعدة الصحابة والسلف على أن الإنسان إذا فعل ذنباً فإنه يتصدق؛ لأن ( الصدقة تطفئ غضب الرب )، كما قال ابن عباس و أبو هريرة في الرجل الذي لم يقض ما فاته من رمضان حتى جاء رمضان الثاني من غير عذر، فإنهم يقولون: يقضي ويفدي عن كل يوم بنصف صاع. وهذا من باب أنه فعل ذنباً فيجب عليه أن يتوب، وإلا فإن ابن عباس أرفع من أن يلزم الناس بدينار أو نصف دينار إلا بشيء ثابت، ولكنه من باب الاستحسان بأن يتصدق، فـابن عباس أراد أن يجعل هذا رادعاً للناس حتى لا يتقحموا مثل هذا الفعل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: الغسل المجزئ هو ما جاء في حديث عمران بن حصين : ( خذ هذا فأفرغه عليك )، وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، أي: أن يعمم بالماء سائر بدنه، ويبلغ أصول شعره بالماء، ويتمضمض ويستنشق، هذا الغسل المجزئ.
وأما الغسل الكامل: فإنه يتوضأ أولاً؛ بأن يغسل فرجه، ثم يتوضأ ثلاثاً كوضوئه المعتاد، ثم يغسل سائر جسده ولا يضع يده على مكان فرجه؛ حتى لا يعيد الوضوء، على الخلاف في ذلك وهو الراجح، وحينئذ يكون هذا هو الغسل الكامل، والله أعلم.
الجواب: نقول: إذا كان الإنسان مجنباً وليس عنده إلا التراب، فإننا نقول: يتيمم بنية رفع الحدث الأكبر، فإن نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر فهذا أفضل، فإذا نوى رفع الحدث الأكبر فقط فإن الحدث الأصغر يدخل في الأكبر، مثلما قلنا في غسل الجنابة بالماء، فإنه إذا نوى رفع الحدث الأكبر فإنه يجزئ.
أما إذا كان عنده ماء لا يكفي إلا لأعضاء الوضوء وهو مجنب، أو يخاف على نفسه الهلكة لو اغتسل فإننا نقول: يتيمم بنية رفع الحدث الأكبر، ثم يتوضأ بنية رفع الحدث الأصغر، والله أعلم.
الجواب: اختلف العلماء في حكم قضاء الوتر، والراجح والله أعلم أن الوتر يقضى، وطريقة القضاء أنه إن كان قد قام قبل صلاة الفجر، فلو قضاه على هيئته بأن يصلي ركعتين ركعتين، ثم يصلي ركعة فلا حرج إن شاء الله، فقد ثبت عن الصحابة أنهم كانوا يصنعون ذلك، وهذا هو مذهب مالك .
وإن أخر ذلك إلى ما بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وصلى ركعتين ركعتين من غير وتر فهذا أيضاً جائز؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث سعد بن هشام ، عن عائشة أنها قالت: ( وكان إذا غلبه نوم أو نعاس عن صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة )، فهذا بإذن الله يكون قد أدرك.
وقد روي في الصحيح من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن حزبه فقرأه ما بين ارتفاع الشمس إلى الظهر فكأنما قرأه من الليل )، وهذا الأقرب، والله أعلم.
الجواب: نقول: إذا كانت متصلة بالدم فالأصل أنه حيض، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، خلافاً لـابن حزم ، أما إن جاءت الصفرة والكدرة قبل الدم؛ سواء كان في زمنه أو في غيره، فنقول: الأصل أنه إن كانت المرأة غالباً ما يأتيها الدم قبل أن تأتي صفرة وكدرة فلا تعتبر بالصفرة والكدرة، فإن جاءتها الصفرة والكدرة ومعها أوجاع الطمث، أو كان هذا هو الغالب أن الدم لا يأتي إلا ويسبقه صفرة وكدرة وهو في زمن الحيض فإنها تعتبره حيضاً، والله أعلم.
الجواب: هذا السؤال جيد، ونحن لم نذكره فجمهور أهل العلم من الشافعية والمالكية والحنابلة قالوا: إن الحائض لا تدخل المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك )، والحديث متفق عليه.
وجه الدلالة: أن النبي أمر عائشة أن تناوله الخمرة، فقالت: إني حائض، فأشار لها أن حيضتها ليست بيدها، فكانت عائشة ترى أن المرأة الحائض ممنوعة أن تدخل يدها في المسجد.
ومما يدل على ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، وقد قلنا: إن الجنب والحائض لا يدخلون المسجد، وذكرنا الخلاف في هذا، والحائض أيضاً لا تدخل المسجد إلا لحاجة، هذا مذهب جمهور أهل العلم، فإذا وجدت الحاجة، مثل أن تكون امرأة ليس لها بيت، أو امرأة مع زوجها في العمرة وخافت أن تبقى خارج المسجد الحرام فتدخل في أول الباب، فلا حرج في ذلك إذا استثفرت وتطهرت.
الجواب: الحيض كما يقول ابن قدامة أول ما يأتي يأتي دفقاً، يأتي بثج، ثم بعد ذلك يقل، بحيث لو مسحت وجدت هذا الدم، وليس دائماً ينزل، هذا هو الأصل، فعلى هذا متى ما وجدت الدم فهو حيض، ولهذا تقول عائشة : ( في فور حيضتها )، يعني: في أكثر حيضها، فتعتبره حيضاً، وكذلك في آخره فتعتبره حيضاً؛ لأن متى ما مسحت مكان الدم وكانت تجد هذا الدم، فإذا انقطع؛ بحيث لو وضعت الكرسف خرج نقياً، فهذا يدل على وجود الجفاف، ووجود الطهر، والله أعلم.
الجواب: إذا كانت عادتها قد جاءت ثم جاء دم؛ فإن كانت تعلم أن هذا نزيف فإنها لا تعتبره شيئاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إن ذلك عرق )، فإن كانت تشك فنقول: إن كان هذا الدم جاء في أقل من الطهر، وهو ثلاثة عشر يوماً، فإنها لا تعتبره شيئاً على الأقرب، وإن كان أتاها دم ثم نقاء ثم دم فهي المسألة الملفقة، وقد شرحناها، والله أعلم.
الجواب: الواجب على الإنسان أن يعمم سائر بدنه مع المضمضة والاستنشاق، وقد ذكرنا هذه المسألة في باب الوضوء، وقلنا: إن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل وفي الوضوء، وكذلك تعميم سائر البدن، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: إذا كانت الطبيبة تدرك هذا وتميز، فإنها تأخذ به ما لم يكن للسائلة أو المرأة المستفتية عادة، فإذا كان لها عادة فإنها تعتبر بعادتها، ولا تعتبر بتمييزها، والله أعلم.
الجواب: الاضطراب الهرموني أو اللولب لا تعتبره المرأة شيئاً؛ لأن هذا كما قلنا: ( إن ذلك عرق )، فالعرق يمكن أن يكون داخل الرحم، ويمكن أن يكون خارج الرحم، إلا إذا كان هو نفس لون الحيض، وتميز، وفيه أوجاع الحيض فإنها تعتبره حيضاً، ويكون مثل مسألة الملفقة؛ يوم حيض، ويوم طهر، وعلى هذا تقيس في هذه المسألة، والله أعلم.
الجواب: الراجح هو أننا نجزم أن القول الذي اخترناه هو الأقرب إلى الدليل، أما مسألة (أقرب) فمن باب أن الورع وعدم إبطال الأقوال؛ لأنه يرى أن كل قول قوي، فيرى أن أحدهما أقرب، والأقرب والراجح معناهما في الجملة واحد، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ولكن نأمل من الإخوة والأخوات الطلاب والطالبات أن يراجعوا هذه المسائل، وأن يبحثوا ويحفظوا هذه الأدلة، فإن العلم بالتعلم، فإذا علم المسألة وعرف الراجح، وحفظ الدليل، فسيحصل على كثير شيئاً فشيئاً، فإن العلم كالسيل باجتماع النقط.
ولكن لنعلم أن العلم لا يستطاع براحة الجسد، فالعلم لا يتحصل بنوم ولا براحة ولا بذهاب وإياب، وكما قيل:
إذا كان يلهيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتاء
ويلهك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي متى؟
لعل في هذا كفاية، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر