إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [2]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة والنداء إليها، وهو واجب كفائي على المجتمعين من الرجال، ومثله في الحكم الإقامة، ويجوز أخذ الأجرة عليهما، وينبغي للمؤذن أن يتصف بصفات المؤذن التي وضعها العلماء من العدالة وحسن الصوت ومعرفة الأوقات وغيرها.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات! أسعد الله ممساكم، وحيا الله إخوتي الكرام الحاضرين معنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً.

    كنا قد توقفنا في كتاب الصلاة عند باب الأذان، حيث إننا لم نشرع في بيانه، وأما اليوم فإننا بإذن الله سوف نبدأ في هذا الباب.

    ما شرع الأذان لأجله

    الشيخ: من المعلوم أن باب الأذان إنما يذكر في كتاب الصلاة؛ لأن الصلاة لا يتم الإعلام عنها عند غالب الناس إلا بالأذان، ولهذا ( كان المسلمون حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يتحينون الصلاة -أي يترقبون الصلاة- وليس ينادي بها أحد، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بوقاً مثل بوق اليهود، فقال عمر : ألا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة

    ومن هذا شرع الأذان، وسوف نتحدث إن شاء الله عن مشروعية الأذان، وكيف حصلت، وبأي طريقة حصلت، لكن المهم هو أن الأذان يذكر في أول كتاب الصلاة؛ وذلك لأن الصلاة لا تتم في الغالب إلا بالأذان، واختلف أهل العلم: هل الأذان هو إعلام بدخول وقت الصلاة، أم هو النداء والدعاء إلى الصلاة؟ قولان للعلماء، والراجح والله تبارك وتعالى أعلم أن الأذان يشمل الأمرين، فهو الدعاء والنداء إلى الصلاة، وكذلك هو إعلام بدخول وقت الصلاة.

    وإنما حدا بنا إلى هذا الأمر إرادة الجمع بين الأقوال، فإن جماهير أهل العلم لم يروا مشروعية أن يؤذن الإنسان للصلاة قبل دخول وقتها إلا في صلاة الفجر، وأن المؤذن إنما يؤذن حينما يدخل وقت الصلاة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي موسى : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! متى الصلاة؟ قال: فلم يجب، فأمر بلالاً ، فأذن الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، فقائل يقول: قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم منهم ) الحديث.

    فهذا يفيد أن الأذان يكون للإعلام بدخول وقت الصلاة.

    الثاني: أن الأذان هو الدعاء والنداء إلى الصلاة؛ وذلك لأن ما الأذان من يكون لأجل صلاة فائتة، ومن المعلوم أن الأذان لصلاة فائتة ليس هو إخباراً بدخول الوقت، وإنما هو دعاء ونداء إلى الصلاة.

    ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في إحدى غزواته، فقال: من يكلأ لنا الليل؟ فقال بلال بن رباح : أنا يا رسول الله، قال: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نام الصحابة ونام بلال ، ولم يستيقظوا إلا والشمس على ظهورهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا بلال ؟ قال بلال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن هذا مكان حضرنا فيه شيطان، ثم انتقل، ثم أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الفجر ) بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    الزمن الذي يشرع فيه الأذان وكيفية تشريعه

    الشيخ: وقد اختلف العلماء متى شرع الأذان؟

    والذي يظهر والله أعلم أنه ليس هناك شيء ثابت، وإنما الثابت أن الأذان لم يكن في مكة، وإنما كان في المدينة، هذا أمر.

    الأمر الثاني: أن الأذان شرع في أول الإسلام، ولم يكن في آخره، ولهذا اختلف العلماء في أي سنة فرض، والأشهر والأكثر أن الأذان إنما فرض في السنة الأولى، وقيل: في السنة الثانية، والذي يظهر أن الأذان إنما فرض في السنة الأولى، وكانوا قبل الأذان يتحينون للصلاة، ومعنى التحين هو أن يقولوا: بعد الصلاة بكذا وقت كذا، فيقيسون الوقت إما بقراءة، يعني بعدد الآيات، وإما بغير ذلك مما يتحينون به، ومعنى (يتحينون): يترقبون ويتربصون.

    وجاء في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: ( كان الناس يجتمعون للصلاة، ويتحينون لها، وليس ينادى لها، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، وقال بعضهم: اتخذوا بوقاً مثل بوق اليهود، فقال عمر رضي الله عنه: ألا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا بلال فناد بالصلاة )، وهذا الحديث يفيد أن الذي رأى الأذان هو عمر.

    والذي يظهر والله أعلم أن عبد الله بن عمر إنما قال ذلك على حسب علمه، وإلا فإن أبا داود وأحمد وغيرهما رويا عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه أنه رأى رؤيا، فقال: (بينما أنا نائم إذ جاءني ملك عليه ثوبان أخضران، قال: فدخل المسجد ثم صعد، قال: فأذن مثل أذان بلال )، وأذان بلال فيه خمس عشرة جملة، وهي: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فهي خمس عشرة جملة!

    قال عبد الله بن زيد : ( ثم استأخر عني ثم قعد، ثم قام فأقام فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال عبد الله بن زيد : فقلت له: ما هذا؟ قال: إن هذا أذان، قال: فقلت: ألا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قام من نومه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الرؤيا، فسر صلى الله عليه وسلم بهذه الرؤيا، وقال: إنها رؤيا حق، قم يا عبد الله فألقه على بلال ، فإنه كان أندى صوتاً منك )، وكلمة (أندى) تشتمل على معنيين: أرفع وأحسن صوتاً.

    قال: ( فلما جعل بلال يؤذن، خرج عمر رضي الله عنه يجر إزاره ويقول وهو ينادي: يا رسول الله، والله لقد رأيت الذي رأى ). وهذا يدل على أن عمر ملهم حينما سمع ذلك، علما أن هذا لا يتأتى من رؤيا.

    وقوله: (فقد رأيت الذي رأى)، يدل على أن الرؤى إذا تواطأت وفيها من الوحدانية لله، وإثبات ربوبيته وجبروته وقيومته ووحدانيته، فإن فيها من صدق الرؤيا ما لا يخفى، ولهذا فمن تأمل ألفاظ الأذان أو ألفاظ الإقامة يجد فيها من الوحدانية، وإفراد العبودية، وكمال القيومية، وكمال القوة والقهر لله سبحانه وتعالى ما لا يخفى.

    فالأذان إنما شرع برؤيا، ولكننا نقول: حينما أمر بها صلى الله عليه وسلم أصبح التشريع ليس من الرؤيا، ولكن التشريع من محمد صلى الله عليه وسلم وتقريره وموافقته عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فليس بمستساغ أن يستدل الراءون على الأحكام الشرعية بحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه بدعوى أنها رؤيا حق، فنقول: من أخبركم أنها رؤيا حق؟ أما رسول الله فإنه أعلم الناس، وإنما يصدر قوله من الوحي، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، ويقول: لا ندري، بيننا وبينكم كتاب الله، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )، والحديث رواه أبو داود والإمام أحمد بإسناد صحيح.

    إذا ثبت هذا فإننا نقول: إن الرؤيا الحق لا يلزم منها التشريع، فلربما تكون رؤيا حق يستأنس بها، ولكنها لا تكون تشريعاً إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].

    المفاضلة بين الأذان والإقامة

    الشيخ: وهنا مسألة: أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟

    جدل قائم في كتب الفقهاء والحديث، فقال بعضهم: إن الأذان أفضل، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة في المشهور عندهم.

    واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن أبي سفيان أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)، قالوا: وهذه مزية شرف وفضل لم تتأت للإمام.

    وقالوا أيضاً: ولأن المؤذن يشهد له كل من سمعه من حجر ومدر، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت في غنمك وباديتك فحضرت الصلاة فأذن، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس، ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة).

    والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الحنفية والمالكية، قالوا: إن الإمامة أفضل من الأذان، قالوا: فإن الإمام هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا الخلفاء الراشدون، كـأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ولا يختار ربنا لرسوله إلا ما هو أفضل.

    وأما ما جاء في بعض الروايات: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن) فإن الحديث ضعيف، ولو صح فإنما معناه: أن النبي أمر بالأذان، كما تقول: بنى الخليفة قصراً، فالخليفة لا يبني، إنما يبنى بأمره، والله أعلم.

    وقال بعض المحققين: إن الأفضلية في الإمامة أو الأذان على حسب حال الشخص، فلربما كان الأذان في حال بعض الناس أفضل له من الإمامة، وبعض الناس الإمامة له أفضل، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية، وهذا ليس فيه دلالة على أن الإمامة أفضل من الأذان أو أن الأذان أفضل من الإمامة من حيث هي، وإنما من حيث متعلقها، والمتعلق شيء، والذات والماهية شيء آخر.

    يعني: أنا أقول: هناك فرق بين أن نقول: أيهما أفضل الصلاة أم الصوم؟ لا تقل لي: يختلف، فبعض الناس أفضل في حقه الصلاة من حيث التطوع، وبعض الناس أفضل في حقه الصوم! فنحن نقول: هذا خارج محل النزاع، هذا من حيث المتعلق، لكن من حيث هو فإن الصلاة أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع)، والله أعلم.

    إذا ثبت هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الإمامة في الجملة أفضل، وذلك لأمور:

    الأمر الأول: أن الإمامة فيها من تحمل المصلين، وتعليمهم أمر دينهم، والاقتداء بهم، فكان لا يتقدمها إلا من هو أفضلهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، فدل ذلك على أن هذه الميزة لا تتأتى لكل أحد، يدلك على هذا ما جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً )، وهذا يدل على الأفضلية من هذا الوجه.

    وأقول: إن بعض المعاني الشرعية ربما يرد فيها فضائل، فليس معنى ذلك أن غيرها مما لم يرد فيه أقل منزلة، فإن ذلك ليس بظاهر، فإن بعض الصحابة عنده من فضائل المقامات، وإن كان ليس بأفضل من العشرة المبشرين بالجنة، وليس بأفضل من غيرهم، وهذا يدل على أن ورود فضيلة شيء لا يدل على أن غيرها مما لم يذكر أقل فضلاً، إلا باعتبار آخر، والله أعلم.

    تعريف الأذان لغة واصطلاحاً

    الشيخ: نعود فنقول الأذان هو الإعلام، كما قال الله تعالى: وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3]، أي: إعلام من الله ورسوله.

    ويطلق الأذان على الاستماع كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن )، يعني: ما استمع الله.

    وأما في الاصطلاح: فإن الذي يظهر والله أعلم أن الأذان في الجملة هو الدعاء والنداء إلى الصلاة بألفاظ مخصوصة.

    وذلك لأن الإنسان يؤذن إما بدخول الوقت، وإما بعد دخول الوقت، وأذانه إنما هو لينادي به الآخرين.

    وأما الإقامة فإنما هي من باب (أقام) إذا استنهض من قعود.

    وأما في الاصطلاح فهي: الإعلام بالقيام إلى الصلاة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088544183

    عدد مرات الحفظ

    777233325