إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للصلاة المفروضة شروط عدة لا تصح إلا بها، وقد اختلف العلماء في عددها، ولكنهم اتفقوا على عدة شروط منها كدخول الوقت وستر العورة واستقبال القبلة والنية والطهارة من الحدث وكذا الخبث في الجملة.

    1.   

    شروط الصلاة

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    الحقيقة أيها الإخوة! فرحة غمرت فؤادي منعتني من الكلام، وهي أن الإخوة أخبروني أن عدد الطلاب الذين يستمعون لمثل هذه الدروس، والذين قد قاموا بالتسجيل في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة يفوق عددهم مائة ألف طالب وطالبة.

    وحقيقة فإن من أعظم النعم على العبد أن يوفق لتعليم وتعلم العلم، فهذا من أعظم النعم، فقد كان الإمام ابن مالك صاحب الألفية يخرج على الناس ويقول: من يحمل هذا العلم الذي عندي؟ وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله )، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من هؤلاء. وبعد:

    فكنا قد وصلنا إلى باب شروط الصلاة:

    تعريف الشرط

    الشيخ: والشرط في اللغة: يطلق على العلامة، كما قال الله تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18].

    والشرط أيضاً هو الإلزام، فإذا التزم الإنسان شيئاً قال: شرطه علي أو شرطته على نفسي.

    واصطلاحاً: هو ما يتوقف وجود الشيء على وجوده، أي: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.

    فالطهارة مثلاً شرط لصحة الصلاة، فوجودها لا يلزم منه وجود الصلاة، لكن عدمها يلزم منه عدم الصلاة، ولا يلزم من وجوده وجود، أي: فقد توجد الطهارة ولا توجد الصلاة كما هو معلوم.

    اختلاف العلماء في عدد شروط الصلاة

    الشيخ: إذا ثبت هذا فقد عد أهل العلم شروط الصلاة واختلفوا فيها، وهذا مبني على خلاف أهل العلم، ولعلنا نذكر كل هذه الشروط ونرجح ما هو شرط وما ليس بشرط.

    فنقول: عدها بعضهم ستة، وبعضهم عدها خمسة، وبعضهم عدها تسعة، وأدخل فيها الإسلام والتمييز والعقل، والجواب على هذا: أن تعدادها تسع محل نظر؛ وذلك لأن الإسلام والتمييز والعقل شروط في كل عبادة، ولا تختص بالصلاة.

    الثاني: أن هذه الشروط إنما هي شروط للنية التي هي شرط من شروط الصلاة، وليست هي شرطاً ابتدائياً، وعلى هذا فالإسلام والتمييز والعقل إنما هي شرط للنية في الصلاة، وليست شرطاً للصلاة نفسها، والله أعلم.

    ونحن سوف نتحدث عن هذه الشروط الستة التي تحدث عنها أهل العلم، ونبين دليل كل قول، والخلاف في هذا الأمر على سبيل الاختصار، والله أعلم.

    وقبل ذلك نذكرها على سبيل الإجمال فنقول: الشرط الأول: دخول الوقت.

    الشرط الثاني: الطهارة من الحدث.

    الشرط الثالث: الطهارة من الخبث، وهو ما يعبر عنه بعض العلماء باجتناب النجاسة.

    الشرط الرابع: ستر العورة، وبعضهم يضيف مع ستر العورة ستر المنكبين. وسوف نتحدث عنه إن شاء الله.

    الشرط الخامس: استقبال القبلة.

    الشرط السادس: النية، والنية قد تختلف عن هذه الشروط؛ وذلك لأن الشرط الأصل فيه هو وجوده قبل ماهية العبادة، فالوضوء الذي هو الطهارة يكون قبل الصلاة، وكذلك دخول الوقت، أما النية فتوجد مع الصلاة وهو الأفضل، وتوجد أيضاً قبل الصلاة من حيث استحضارها، وهو يؤجر عليها، لكن مع ذلك إنما سماها بعض أهل العلم شرطاً؛ لأنها توجد أحياناً قبل الصلاة، ولأنها خارج الماهية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    من شروط الصلاة دخول الوقت

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن الشرط الأول وهو دخول الوقت إنما هو شرط لأداء الصلوات المكتوبات، وقد قال الله تعالى: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا تصح الصلاة قبل دخول وقتها، فلو أن سجيناً سجن ولم يعلم هل دخل الوقت أم لا، فغلب على ظنه دخوله فصلى، فتبين له بعد ذلك أن الصلاة كانت قبل الوقت، فيجب عليه أن يعيد.

    وأما غير الصلاة المكتوبة فهي على أنواع: فمن الصلوات ما تصح في كل وقت، وذلك مثل ركعتي الطواف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار )، وهذا الحديث إسناده صحيح، فقد رواه أهل السنن من حديث جبير بن مطعم .

    ومن الصلوات: ذوات الأسباب، مثل صلاة الاستسقاء، والخسوف، والكسوف، فلا يشرع فعلها إلا لسبب الاستسقاء وطلب الغوث من الله سبحانه وتعالى، أو لأجل خسوف أو كسوف الشمس، على خلاف عند أهل العلم هل تصلى صلاة الخسوف والكسوف في غير خسوف الشمس وكسوفها، كوجود آية، فذهب ابن عباس وهو قول ابن حزم واختيار ابن تيمية إلى جواز ذلك، وذهب عامة أهل العلم إلى عدم الفعل، وسوف نتحدث عنها إن شاء الله في موطنها، والله أعلم.

    ومن الصلوات أيضاً ما لا تفعل في أوقات النهي كالنوافل المطلقة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ).

    يقول عقبة بن عامر : ( ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب )، يعني بعد طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وقبل أذان الظهر بعشر دقائق، وقبل غروب الشمس بنصف ساعة وهو بعد اصفرار الشمس، فإن ذلك وقت كراهة لا يجوز التطوع فيه.

    ومن الصلوات ما لا تشرع إلا في وقتها المحدد، مثل صلاة الضحى، فإن الإنسان لا يشرع له أن يصلي الضحى في الليل، ولا يشرع له أن يوتر في الضحى أداءً، كذلك لا ينبغي له أن يوتر بعد المغرب، فإن هذا من الصلوات التي لا تشرع إلا في وقتها المعتاد.

    ومن الصلاة ما يشرع فعلها في كل وقت، وهذا -كما قلنا- مثل ركعتي الطواف والصلوات الفائتة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، وقرأ: وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] )، والحديث صحيح رواه أنس بن مالك رضي الله عنه.

    وأما دليل الوقت وأنه لا يصح أن يصلي الإنسان خارج الوقت ولا قبل الوقت: فما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى رضي الله عنه: ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الوقت، قال: فلم يجبه، ثم أمر بلالاً فأذن الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، فقائل يقول: قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم منهم، ثم أمره أن يؤذن الظهر حين زالت الشمس، ثم أمره فأذن العصر حينما كان ظل الرجل كطوله.. الحديث، ثم قال له في آخر الحديث: الوقت بين هذين ).

    فهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يصلي قبل الوقت، ولا يجوز له أن يصلي بعد الوقت إلا لعذر، كالذي يريد أن يجمع الصلاة، ولهذا قال أبو بكر لـعمر : واعلم يا عمر أن لله عبادةً في النهار لا يقبلها في الليل، وعبادة في الليل لا يقبلها في النهار. وذكر أبو العباس بن تيمية إجماع أهل العلم على أن صلاة النهار لا يجوز فعلها في الليل، وصلاة الليل لا يجوز فعلها في النهار، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    من شروط الصلاة الطهارة من الحدث

    الشيخ: الشرط الثاني: الطهارة من الحدث.

    وقد قلنا: إن الحدث هو وصف قائم بالبدن، يمنع من الصلاة ونحوها، وعلى هذا ذهب أهل العلم إلى أن الطهارة شرط، وهذا محل إجماع.

    واستدلوا بما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).

    وجاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاةً من غير طهور، ولا صدقةً من غلول ).

    من شروط الصلاة طهارة البدن والثوب والمكان

    الشيخ: الشرط الثالث: الطهارة من الخبث.

    ويقصد بها اجتناب النجاسة، والخبث والنجاسة هي عين خبيثة تمنع من الصلاة.

    واعلم أن الطهارة من الخبث تكون في ثلاثة مواطن: طهارة من الخبث في البدن، وطهارة من الخبث في الثوب، وطهارة من الخبث في البقعة التي هي الأرض التي يصلى فيها.

    أما القسم الأول وهو طهارة البدن فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس: ( أنه مر على قبرين يعذبان فقال: أما إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله ).

    وجاء في الحديث: ( استنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه )، وهذا الحديث رواه البزار واستنكره أبو حاتم ورأى أنه ضعيف، وهذا يدل على شرطية الطهارة في البدن.

    وأما القسم الثاني وهو الطهارة في الثوب فاستدل بعض أهل العلم على ذلك بما جاء في قول الله تعالى في سورة المدثر: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:1-4]، فبعض أهل العلم كـابن جرير الطبري ، وقواه الشوكاني إلى أن المقصود بالثياب هي الثياب المعروفة المعتادة، فإن الإنسان مأمور ألا يوقع النجاسة على ثيابه.

    وذهب جمهور أهل العلم إلى أن المقصود بالثياب هنا هو طهارة القلب؛ لأن الطهارة لم تشرع بعد؛ وذلك لأن هذه الآية هي من أول ما نزل من القرآن، والذي يظهر -والله أعلم- أن هذه إنما يقصد بها طهارة الثياب من باب لازم الآية، وإن كان ظاهر دلالة التضمن والمطابقة هي طهارة القلب من الشرك والغل وغير ذلك.

    ومما يدل على طهارة الثياب ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأسماء في ثوب الحيض: ( حتيه ثم اقرصيه، ثم انضحيه بالماء، ثم صلي فيه )، وهذه الزيادة رواها الترمذي .

    ومما يدل على ذلك ما جاء عند أهل السنن من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى ). وهذا ثابت، ولكن هل هذا شرط أم ليس بشرط؟

    محل خلاف عند أهل العلم: فذهب الحنابلة والشافعية إلى أنه شرط، والراجح -والله أعلم- أن كون الطهارة من الخبث شرطاً هو محل نظر؛ وذلك لأن الشرط لا يعذر صاحبه بجهل ولا نسيان، فلو صلى قبل الوقت جاهلاً لم تقبل صلاته، ولو جهل الحدث، كأن أكل لحم جزور أو تبول وهو جاهل أن الضراط يفسد الطهارة، فإن طهارته لا تصح بالإجماع؛ لأن هذا شرط لا يعذر صاحبه بجهل ولا نسيان.

    لكن لو أن الإنسان لبس ثوباً نجساً فصلى فيه وهو لا يعلم فإن صلاته صحيحة كما جاء ذلك عند أهل السنن من حديث أبي سعيد فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بنعلين فيهما قذر، وحينما تذكر أو أخبره جبريل خلع صلى الله عليه وسلم نعليه ولم يستأنف الصلاة، ولهذا ذهب مالك رحمه الله إلى أن الطهارة من الخبث واجتناب النجاسة واجبة تسقط مع النسيان، قال: لأن الشارع دل على وجوبها، ولم يدل دليل على عدم صحة الصلاة حال فقدها، بخلاف دخول الوقت، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو أن اجتناب النجاسة واجب يسقط بالنسيان، وأما لو قلنا: بأنه شرط فلا يعذر بالنسيان.

    فأما القسم الثالث وهو طهارة المكان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول ولا القذر )، وهذا ثابت في الصحيحين في قصة الرجل الذي تبول في المسجد، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المساجد لا يصلح فيها شيء من البول ولا القذر، وهذا يدل على أنه يجب على الإنسان حال الصلاة أن يتنظف في بدنه، وأن يتنظف في بقعته.

    أما التنظف في البدن فلا تخلو النجاسة على البدن من حالين:

    الأول: أن تكون النجاسة في السبيلين، فإن الراجح -والله أعلم- عدم صحة الصلاة.

    الثاني: أن تكون في غير السبيلين، فإن كان الإنسان جاهلاً فالراجح وهو مذهب مالك أن الصلاة صحيحة، وأما مع العلم والتعمد فلا تصح؛ لأنه خالف المأمور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( تحته، ثم تقرصه، ثم تنضحه بالماء، ثم تصلي فيه )، وهذا يدل على أنها لا تصلي حتى تزيل النجاسة عند العلم بها، وأما مع الجهل فقد جاءنا حديث أبي سعيد الخدري حينما أخبر صلى الله عليه وسلم أن في نعليه أذىً وقذراً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    من شروط الصلاة: ستر العورة

    الشيخ: الشرط الرابع: ستر العورة.

    والعورة هو ما حرم الله سبحانه وتعالى كشفه أمام من لا يحل النظر إليه، فمن العورة السوأتان، وتطلق العورة على كل ما يشين سماعه أو رؤيته، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( من ستر على مسلم عورته ستره الله في الدنيا والآخرة ).

    ودليل ستر العورة قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، والزينة زينتان: زينة واجبة، وزينة مستحبة، فالزينة الواجبة هي عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة في الصلاة كلها عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها كما هو مذهب أبي حنيفة ، ويخطئ كثير من الناس حينما يسمعون كلام الفقهاء: المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، فيظنون أن هذا في حال النظر، وهذا إنما هو في حال الصلاة، فحال النظر والخروج إلى الرجال شيء، وحال الصلاة شيء آخر، فالمقصود المرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها كما هو مذهب مالك و الشافعي و أحمد ، وقدميها كما هو مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية ، وهذا هو الذي يظهر، وسوف نتحدث عن ذلك إن شاء الله بالتفصيل!

    على كل حال مما يدل على ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يحج بالناس في السنة التاسعة وأن ينادي: ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان )، ونقل أبو عمر ابن عبد البر و أبو العباس بن تيمية أن الإنسان إذا صلى وقد بدت عورته فإن صلاته باطلة بالإجماع إذا كان من غير عذر، فدل ذلك على أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة، وأما إذا كان لا يجد سترة فهذا سوف نتحدث عنه إن شاء الله بالتفصيل.

    من شروط الصلاة: استقبال القبلة

    الشيخ: الشرط الخامس: استقبال القبلة.

    والله سبحانه وتعالى قد بين وجوبها بقوله: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]. وهذا أمر، ومما يدل على ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرةً في جوف الكعبة ثم خرج واستقبل الكعبة وقال: هذه القبلة )، وهذا يدل على أن استقبال القبلة واجب، فلو صلى إلى غير القبلة فهل تصح صلاته أم لا؟

    جماهير أهل العلم يفرقون بين الحضر والسفر، فقالوا: إذا اجتهد في الحضر ثم صلى فبان خلاف القبلة فإن صلاته صحيحة؛ لأنه اجتهد، وفعل ما أمر الله به، واستدلوا بما جاء عند الترمذي من حديث عامر بن ربيعة قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] ).

    وهذا الحديث في سنده ضعف، فقد قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب، و الترمذي إذا قال في حديث أنه حسن غريب، أو حديث غريب، أو حديث حسن، فإنه يشير إلى ضعفه، وليست إشارةً إلى تحسينه، إلا إذا قال: حديث صحيح، أو حسن صحيح، وهذا كلام معروف في مصطلح الحديث، فله وقته كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم كـابن رجب وغيره رحمة الله تعالى على الجميع.

    من شروط الصلاة: النية

    الشيخ: الشرط السادس: النية.

    والنية في اللغة: هي القصد.

    وأما في الاصطلاح: فهي العزم على فعل الشيء.

    وعليه فلا يصح للإنسان أن يصلي تطوعاً، ثم يتذكر أنه لم يصل الظهر، ثم يقول: هذه بدل عن الظهر، وذلك لأنه لم ينوها من أول الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند الترمذي و أحمد من حديث علي بن أبي طالب : (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير )، فالنية من التكبير، وهذا أمر أجمع عليه أهل العلم، ونقل ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع أنه لا يصح أن يقلب النية من نفل إلى فرض، فلو صلى مثلاً على أنها سنة الفجر، فأحس بأن الوقت قد اقترب وأزف، فقلبها إلى فجر فلا يصح بالإجماع، أو قلبها من فرض إلى فرض، مثل أن يكبر تكبيرة الإحرام يريد أن يصلي العصر، فتذكر أنه لم يصل الظهر، فقلبها بالنية إلى الظهر، فلا تصح ظهراً؛ لأنه لم ينوها من أول الصلاة، ولا تصح عصراً؛ لأنه غير النية.

    ودليل اشتراط النية ما في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).

    ويستحب للإنسان في النية أن يقارنها مع التكبير، ولو لم يتذكر فلا حرج في ذلك؛ لأنه من حين خروجه من منزله هو ناو أن يصلي الظهر أو العصر أو المغرب، وأما الوسوسة في ذلك أو قراءة بعض كتب المتأخرين الذين ربما استفصلوا في هذا الأمر حتى يقع الإنسان في حرج، حتى إنك ربما ترى بعض الناس يتأخر في التكبير يقول: نويت أو لم أنو، نقول: أنت من حين خروجك وأنت تريد أن تصلي الظهر، فلا ينبغي للإنسان أن يوسوس في هذا، وربما قرأ الإمام الفاتحة وهو لم يكبر، فهذا -والعياذ بالله- ينبغي أن يعيد حساباته، هذا شيء!

    الشيء الثاني: أنه لا يشرع للإنسان أن يتلفظ بالنية قبل التكبير، فلا يشرع أن يقول: اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات، أو: اللهم إني نويت أن أصلي العصر، أو غير ذلك، فهذا كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة، وإنما جاز ذلك في الحج خاصة، كما صح ذلك عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول لـعروة : (قل: اللهم الحج أردت، ولك عمدت، فإن كان الحج فاللهم، وإلا فمحلي حيث حبستني)، وأما في غير ذلك من العبادات فلا يشرع للإنسان أن يقول: اللهم إني نويت.

    وأما الجهر فلم يقل واحد من أهل العلم لا أبو حنيفة ، ولا مالك، ولا الشافعي، ولا أحمد: إنه يجهر بحيث يسمع الناس ما ينويه، فهذا كله من البدع المحدثة.

    وأما أن يقوله بينه وبين نفسه فإن الشافعي رحمه الله قد صح عنه أنه كان يقول ذلك، و ابن تيمية يقول: لم يصح هذا عن الشافعي ، والصحيح أنه صح عن الشافعي ، فقد رواه ابن الأعرابي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة ، عن الربيع بن سليمان مؤذن الشافعي ، أن الشافعي كان يقول بينه وبين نفسه: اللهم إني نويت.

    وعلى هذا فإنه لا ينبغي للإنسان ولا يشرع له أن يقول شيئاً من ذلك؛ لأننا متعبدون بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، أو فعل الصحابة بدليل الجواز، وأما إذا لم يقل أحد منهم ذلك، ولم يستحبه أحد منهم ولا فعله أحد منهم، فلا شك أن الصلاة من أعظم عماد الدين، فإذا زيد فيها شيء من أفعال الناس أو اجتهادات العلماء مما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، فإن الأفضل والأتقى والأنقى ألا يقول الإنسان شيئاً، وألا يفعل شيئاً من ذلك، والله أعلم.

    نشرع في مسألة دخول الوقت.. ذكرنا أن دخول الوقت محل إجماع عند أهل العلم، فدخول وقت الظهر متى يبدأ؟

    الجواب أن نقول: يبدأ دخول وقت الظهر من زوال الشمس، ومعنى زوال الشمس هو ميلانها إلى جهة الغروب بعد وقوعها في كبد السماء؛ وذلك لأن الشمس تخرج في صبيحة كل يوم من جهة المشرق، فلا تزال ترتفع، فكلما ارتفعت تقلص الظل، فالشمس إذا خرجت من جهة المشرق يكون ظل كل شاخص طويلاً جداً، ثم ترتفع الشمس إلى الأعلى متجهةً إلى الغرب، وأنتم تعلمون أن الشمس في المشرق، ونحن عندنا مشرق واحد، ولكن ماذا نقول في قول الله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17]؟

    الجواب على هذا: المشرق من حيث جهته هو مشرق واحد، والمغرب من حيث جهته هو مغرب واحد، لكن الشمس لها إشراق من أقصى جهة في الشمال ولها إشراق من أقصى جهة في الجنوب باختلاف الشتاء والصيف، فهذا هو قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17]، وكذلك الغروب في الصيف والشتاء.

    وأما قوله تعالى: رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ [المعارج:40]، فالشمس إذا كان لها مشرق في الشتاء، فالشتاء كلما ذهب إلى جهة الصيف تتحول الشمس شيئاً فشيئاً إلى أعلى جهة لها في الصيف، فهذا معنى قوله: رب المشارق، الله أكبر! وهذه مهمة جداً، حيث أنه يدل على أن الشمس إنما تشرق بعلم الله وإرادته وقدرته، ولهذا قال تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا [يس:38].

    على كل حال هذا يدل على أن كل شيء قد وضع في حسبة دقيقة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، إذا ثبت هذا فإن الشمس تخرج من جهة المشرق متجهةً إلى جهة المغرب، فلا يزال كل ظل يتقلص شيئاً فشيئاً حتى تكون الشمس في كبد السماء، فيكون الظل قد توقف، فلا ينقص أكثر من هذا، ومن المعلوم أن الظل إذا كان في كبد السماء فطوله في الشتاء غير طوله في الصيف، فربما يبقى قدر ما يستظل به الإنسان، وربما يكون أنقص، ولهذا يقول: ( حتى رأينا فيء التلول )، يعني: بعضها قصير، فإذا زالت الشمس من كبد السماء إلى جهة الغرب بدأ الظل يطول، فإذا بدأ الظل يطول بدأ وقت أذان الظهر، فيبدأ وقت الظهر حين تزول الشمس إلى جهة المغرب، غير الفيء الذي قبل الزوال، فلا يحسب هذا من ظل الظهر.

    1.   

    الأسئلة

    وقت العصر وحكم إطالة السجود

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل للعصر وقتان: وقت اختياري ووقت ضروري؟ وهل يجوز إطالة السجود في الصلاة؟

    الجواب: الراجح -والله أعلم- أن للعصر وقتين: وقتاً اختيارياً، وهو إلى اصفرار الشمس، ووقت ضرورة، وهو من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس.

    وأما الإطالة في السجود فإنه إذا كان في تطوع فإنه يستحب للإنسان أن يطيل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة )، وقال: ( أعني على نفسك بكثرة السجود ).

    كل ذلك يدل على أن الإنسان يستحب له أن يطيل في السجود، لكنه إذا أطال في السجود فإنه يطيل في الأركان الأخر، حتى تكون صلاته قريباً من السواء، كما ثبت ذلك في حديث البراء.

    1.   

    الكلام على فيء الزوال ومدى دخوله في حساب طول الظل

    الشيخ: يبدأ وقت أذان الظهر إذا شرعت الشمس في الزوال إلى جهة الغروب، ثم يبدأ الظل بالزيادة، حتى إذا صار ظل الرجل كطوله غير فيء الزوال فإنه يخرج وقت الظهر.

    إذاً: لا بد أن نعلم أن قول العلماء وكما جاء في الحديث: ( وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ) هو من غير فيء الزوال.

    فإذا صار ظل الرجل كطوله دخل وقت العصر؛ لكن ليس المقصود أن ينظر الإنسان الظل، فيقول: هذا شخصي وهذا ظلي، أنا طولي مائة وسبعون وظلي قد صار مائة وسبعين.

    ليس كذلك، بل نقول: كم طول الظل حينما كانت الشمس في كبد السماء؟ فإذا كان طوله مثلاً خمسة عشر سنتيمتراً، وكان طول الإنسان مائة وسبعين، فإذا صار طول الظل مائة وسبعين فهل خرج وقت الظهر؟

    الجواب: نقول: لا، بقي خمسة عشر سنتيمتراً حتى يخرج الظهر، وهذا محل إجماع عند أهل العلم، وهو ألا يحسب فيء الزوال، وقد جاء في ذلك حديث: ( حتى رأينا فيء التلول )، وجاء في الحديث الآخر: ( وليس للحيطان ظل يستظل به ).

    وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على أن الظل الذي من قبل الزوال لا يحسب من وقت الظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    لعل في هذا كفاية، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    خاتمة البرنامج

    المقدم: لعل في هذا كفاية، والوقت قد أزف، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يجعلنا من عباده المتقين، وحزبه المفلحين، وإلى يوم الأحد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على طاعته واستكمال هذا الأسبوع النهائي.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718756

    عدد مرات الحفظ

    768426444