إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [5]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء الشرع بتحديد أول أوقات الصلوات الخمس المفروضة وكذا آخرها، وقد اختلف العلماء في تحديد بعض الأوقات، كما أن الأصل هو الصلاة في أول وقتها، إلا صلاة الظهر في حال الحر، وكذلك صلاة العشاء مع مراعاة أحوال الناس في ذلك.

    1.   

    تحديد أوقات الصلوات وما يتعلق بها

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

    وحيا الله الإخوة الحاضرين معنا!

    أول وقت الظهر

    الشيخ: كنا قد توقفنا عند شرحنا لأوقات الصلوات، وقد ذكرنا وقت صلاة الظهر في آخر حديثنا، ولعلنا نشرع في بيان وقت الظهر ثم ندلف إلى شرح أوقات الصلوات الأخر.

    ذكرنا أن وقت الظهر يبدأ من زوال الشمس، وقلنا: إن هذا هو قول عامة أهل العلم، بل حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، نعم يوجد خلاف يسير في هذا.

    والدليل قول الله تعالى: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، ودلوك الشمس هو زوالها، ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل، ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ).

    آخر وقت الظهر

    الشيخ: أما خروج وقت الظهر فذهب جماهير أهل العلم وهم المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن خروج وقت الظهر هو إذا كان ظل الرجل كطوله غير فيء الزوال، لما روى البخاري من حديث أبي ذر ، قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد أحد أن يؤذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبرد أبرد، إن شدة الحر من فيح جهنم، قال أبو ذر: حتى ساوى الظل التلول، ثم أذن )، ومعنى (حتى ساوى الظل التلول) يعني: صار ظل كل شيء مثله، ومع ذلك أمره أن يؤذن لصلاة الظهر، فهذا دليل على أنه بقي شيء يسير وهو فيء الزوال، وهذا ما استدل به أهل العلم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وذهب الحنفية إلى أن وقت الظهر ينتهي إذا كان ظل الرجل مثليه غير فيء الزوال.

    والراجح هو مذهب عامة أهل العلم، لما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت صلاة الظهر إذا كان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر )، وهذا دليل على أنه ليس ثمة وقت فاصل بين الظهر وبين العصر، فبمجرد انتهاء وقت الظهر يبدأ وقت العصر، وهذا قول عامة أهل العلم، إلا أن الحنفية قالوا: ينتهي إذا كان ظل الرجل مثليه.

    أول وقت العصر

    الشيخ: وأما وقت العصر فإن الراجح وهو مذهب الجمهور أنه يبدأ إذا كان ظل الرجل كطوله غير فيء الزوال بعد انتهاء وقت الظهر.

    والدليل على ذلك حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر )، فهذا يدل على أن وقت العصر يدخل إذا كان ظل الرجل كطوله.

    وأما الحنفية فإنهم ذهبوا إلى أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الرجل مثليه، وإنما استدلوا على ذلك بالمفهوم، ولم يستدلوا بدلالة صريحة، قالوا: كما جاء في البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن بقاءكم في الأمم كبقاء من سبقكم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطاً، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به، حتى إذا كان العصر عجزوا، فأعطوا قيراطاً، فأوتينا القرآن فعملنا به حتى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين، فقال أهل الكتاب: يا رب، أعطيت أمة محمد قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً ونحن أكثر عملاً، فقال الله: هل ظلمتكم من أجركم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ).

    وجه الدلالة: قالوا: إن هذا الحديث يدل على أن وقت الظهر أطول من وقت العصر؛ لأنه جعل وقت اليهود والنصارى واحداً، فمن الفجر إلى منتصف النهار، ومن منتصف النهار إلى العصر فهو دليل على أنه سواء، وأما من العصر إلى غروب الشمس فإنه يدل على وقت يسير، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

    هذا استدلال بالمفهوم، والقاعدة الأصولية عندنا: أنه لا يعول على المفهوم مع وجود منطوق صريح، والمنطوق الصريح هو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ).

    الأفضل في الظهر تعجيلها أم تأخيرها

    الشيخ: وأما المسألة الأخرى فهي مسألة أيهما أفضل تعجيل صلاة الظهر أم تأخيرها؟

    الراجح -والله أعلم- أنه يستحب تعجيل صلاة الظهر ما لم يكن هناك شدة حر.

    والدليل على استحباب التعجيل ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ).

    وقد روى هذا الحديث الحاكم من طريق شعبة ، عن الوليد بن العيزار ، عن عبد الله بن مسعود بلفظ: ( أنه قال عندما سئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها )، وهذا صريح في المراد، إلا أن هذه الرواية شاذة؛ وذلك لأن أكثر الحفاظ رووه عن شعبة، عن الوليد بن العيزار، عن عبد الله بن مسعود ، بلفظ ما رواه البخاري ومسلم : ( الصلاة على وقتها )، وقد تفرد رجل يقال له: علي بن حجر المدائني بهذه الرواية، وذكروا أنه يخطئ في حفظه، وهذا منه، والله أعلم.

    وعلى هذا فالصحيح أن رواية ابن مسعود : ( الصلاة على وقتها )، قال أهل العلم: هي تفيد أنها أول الوقت.

    وأما إذا اشتد الحر فإن السنة هو الإبراد، ومعنى الإبراد: هو التأخير حتى تنكسر شدة الحر، وذهب إلى هذا جمهور أهل العلم كما ذكر ذلك ابن رجب ، سواء كان ذلك في المناطق الباردة، أو المناطق الحارة، وسواء كان المصلي منفرداً أو كان في جماعة.

    وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر ، و أبي هريرة ، وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم )، والحديث له ألفاظ متنوعة، وهذا لفظ أبي سعيد .

    قال أهل العلم: فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل التأخير بأن شدة الحر من فيح جهنم، ولا فرق في ذلك بين أن تكون المناطق حارة أو غير حارة، إلا أنه إذا كان هناك مساجد منتظمة، ويتوافد إليها أناس يختلفون، كما هو الآن في البلاد الإسلامية، حيث تجد المساجد منتظمة، ولها إدارة مستقلة، وهي وزارة الأوقاف ووزارة الشئون الإسلامية، فإن الأولى أن تنضبط على ما كانت عليه تلك الوزارات؛ لأنه لا يضبط الناس إلا هذا، ومما يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد راعى الصحابة، فبكر بالصلاة مع شدة الحر، كما جاء ذلك في صحيح البخاري من حديث أنس أنه قال: ( كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فيضع أحدنا كمه فيسجد عليه )، وكانت أكمامهم طويلة، وهذا يدل على وجود شدة الحر، ومع ذلك كان يعجل لأجل حاجة الناس، وإلا فإذا كان هناك مجموعة من الناس، أو كان شخص وحده وهو معذور، أو امرأة في بيتها؛ فإن الأفضل في حقها في شدة الحر أن تؤخر الظهر إلى ما قبل أذان العصر بساعة أو بنصف ساعة على حسب الأوقات.

    ومما يدل على هذا ما جاء في صحيح مسلم من حديث خباب بن الأرت أنه قال: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الحر فلم يشكنا )، يعني: فلم يزل شكوانا؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام راعى أكثر الناس، فأبرد حينما كان مسافراً، وكذلك يجوز ويستحب إذا كان غير مسافر؛ لأن العلة ظاهرة وواضحة.

    آخر وقت العصر

    الشيخ: الوقت الآخر: هو وقت صلاة العصر.

    والعصر له وقتان: وقت اختيار، ووقت ضرورة، هذا هو مذهب جماهير أهل العلم.

    وأعني بوقت العصر وقت الخروج، وإلا فإن أول وقته -كما قلنا- إذا كان ظل الرجل كطوله غير فيء الزوال، كما هو مذهب جماهير أهل العلم خلافاً للحنفية.

    فأما خروج وقته فإن له وقتين: وقت اختيار، ووقت ضرورة.

    فوقت الاختيار الراجح -والله أعلم- أنه ما لم تصفر الشمس، أو ما لم ترتفع الشمس، وهذا يتأتى في الغالب قبل غروب الشمس بنصف ساعة، أو ساعة إلا ربعاً على حسب اختلاف الشتاء والصيف، فإذا اصفرت الشمس فإنه لا ينبغي ولا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة بعد ذلك، وأما قبل ذلك فلا حرج، بل هو السنة كما سوف يأتي إن شاء الله في أول وقت العصر.

    ومما يدل عليه ما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ).

    وفي حديث أبي موسى (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن المواقيت، فقال له: فصل معنا -وفي رواية: فلم يجبه- فأمر بلالاً فأذن في أول الأوقات، ثم أذن في آخر الأوقات، قال: ثم أمره فأذن العصر فصلى والشمس مرتفعة )، وهذا هو مراد حديث أبي موسى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (والشمس مرتفعة)، وهو يوافق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، (ما لم تصفر الشمس)، هذا هو وقت اختيار.

    ووقت الضرورة من اصفرارها إلى غروب الشمس، وإن كان كله وقت أداء، ومما يدل على أنه وقت أداء ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعةً من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر ).

    ومما يدل على أن المقصود أنه إدراك أداء؛ لأنه لو أراد أن يصليها من الليل بعد غروب الشمس فقد أدرك قضاءً، وأما إدراك الأداء فلم يدرك إلا قبل غروب الشمس.

    إذا ثبت هذا فإن تأخيرها من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس لا يجوز إلا لعذر، والعذر مثل الحائض إذا طهرت، أو مريض يشق عليه القيام، أو نائم استيقظ، وأما القائم النشيط فلا يسوغ له أن يؤخرها، ومما يدل على ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلاً ).

    ومما يدل على ذلك أيضاً ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كيف أنتم إذا كان عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى )، يعني: يؤخرون صلاة العصر إلى آخر الوقت، وهذا يدل على أنهم فعلوا محرماً، ولو كانوا فعلوا حلالاً لم يؤمروا أن يتركوا الصلاة معهم، ( قالوا: يا رسول الله! فكيف تأمرنا؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل تكن لك نافلة )، فهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر صلاة العصر من اصفرار الشمس إلى غروبها.

    وأما بعض أهل العلم وهم الحنابلة فرأوا أن وقت العصر الاختياري يكون إذا كان ظل الرجل مثليه، وهذا هو مذهب الحنابلة، والراجح -والله أعلم- أن وقت الاختيار ينتهي إلى الاصفرار.

    فإن قيل: ما دليل الحنابلة في هذا؟

    قلنا: دليل الحنابلة ما رواه الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبد الله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمه جبريل -في أول الإسلام- فصلى الصلوات في أول الوقت، وصلى الصلوات في آخر الوقت )، وفي الحديث: ( ثم أمره فأذن فصلى العصر حينما كان ظل الرجل مثليه ).

    والجمع بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمرو كالتالي:

    أولاً: حديث جابر حديث صحيح، قال البخاري: أصح حديث من أحاديث المواقيت حديث جابر ولا عبرة بمن ضعفه كـابن القطان بحجة أن جابراً لم يشاهد هذا الحدث؛ لأنه أنصاري، وهذا وقع في مكة، فالجواب على هذا أن مراسيل الصحابة مقبولة، لكن أهل العلم قالوا: إنه يدل على أن حديث جابر كان في أول الإسلام، وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( ما لم تصفر الشمس )، وحديث أبي موسى : ( والشمس مرتفعة )، وحديث بريدة : ( والشمس بيضاء نقية )، كلها تدل على أن وقت الاختيار ينتهي إلى هذا الوقت، هذا جواب.

    الجواب الثاني قالوا: إن هذا يدل على أن وقت الاختيار قريب، وهذا مثل حديث: ( أنه صلى الله عليه وسلم صلى العشاء وقد ذهب ثلث الليل )، وفي الحديث الآخر: ( إلى منتصف الليل )، فدل ذلك على أن وقت الاختيار يقارب بعضه بعضاً، وهذا ربما يكون أيضاً قريباً، وهذا الحديث يدل على ضعف قول أبي حنيفة : أنه يبدأ وقت العصر إذا كان ظل الرجل مثليه.

    والحديث إنما ذكره في آخر الوقت، أي آخر وقت العصر، فكيف يكون آخر وقت العصر هو أوله؟ فلا يمكن، وهذا قول قوي، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    استحباب تعجيل صلاة العصر

    الشيخ: ومن المسائل أيضاً: أنه يستحب تعجيل صلاة العصر في أول الوقت.

    ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث رافع بن خديج قال: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فننحر الجزور، فنقسمها عشراً، فنأكل لحماً نضيجاً، والشمس لم تغب )، فهذا يدل على أنهم كانوا يبكرون بالصلاة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    استحباب تعجيل الجمعة مطلقاً

    الشيخ: مسألة: قلنا: إنه يستحب تعجيل الظهر إلا إذا اشتد الحر، وقلنا: يستحب تعجيل العصر، لكن يوم الجمعة هل يستحب تعجيلها أم يستحب تأخيرها؟ وهل تؤخر لشدة الحر أم لا؟

    الراجح -والله أعلم- هو مذهب جماهير أهل العلم خلافاً للشافعية، وهو أن صلاة الجمعة يستحب فيها التعجيل ولو اشتد الحر؛ لما جاء في الصحيح: ( كنا لا نقيل إلا بعد الجمعة )، فهذا دليل على أن الجمعة يبكر بها، وفي حديث آخر: ( كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نخرج وليس للحيطان ظل يستظل به )، وهو دليل على أنه قريب من الزوال، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    تعيين المراد بالصلاة الوسطى

    الشيخ: وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى، وهذا أرجح الأقوال؛ لما جاء في الصحيح من حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً، ثم أنزل الله حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] ).

    وقد ذكر الحافظ ابن حجر عشرين قولاً في الصلاة الوسطى.

    قد يقول قائل: إذا كنتم تقولون إن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، فلماذا ابتدأتم المواقيت بصلاة الظهر؟ لماذا لم تبدءوها بصلاة الفجر حتى تكون العصر هي الصلاة الوسطى؟ وإذا كنتم قد بدأتم بصلاة الظهر، فإنكم خالفتم أمرين: خالفتم أن تكون صلاة العصر هي الصلاة الوسطى، وخالفتم أن تكون صلاة المغرب هي وتر النهار، ولا تكون وتر النهار إلا إذا ابتدأ بالفجر!

    فالجواب: هذا الإيراد إيراد قوي، إلا أننا لم نبتدئ بصلاة الفجر لأمور:

    الأمر الأول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ بصلاة الظهر، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .

    الأمر الثاني: ولأن أكثر الفقهاء رحمهم الله من الحنابلة والشافعية والمالكية يبتدئون بصلاة الظهر، إلا أن الأظهر أن يبتدأ بصلاة الفجر؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى : ( قال: يا رسول الله! أخبرني عن الوقت؟ قال: فلم يجبه، ثم أمر بلالاً فأذن الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، فقائل يقول: قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلم منهم )، وهذا الحديث حديث عظيم فيه مسائل كثيرة جداً.

    وقت صلاة المغرب

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن وقت صلاة المغرب يبدأ من غروب الشمس، وهذا أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم.

    وقد نقل الإجماع ابن حزم في مراتب الإجماع، و ابن المنذر في كتاب الإجماع على أن وقت المغرب يبدأ من غروب الشمس.

    ولهذا جاء في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ).

    وأما آخر وقت المغرب فقد أجمع أهل العلم على أن وقت المغرب ينتهي حين مغيب الشفق؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق )، هذا أمر أجمعوا عليه، إلا أنهم اختلفوا: ما معنى الشفق؟ فذهب جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الشفق هو الحمرة، لما روى الدارقطني و البيهقي من حديث ابن عمر أنه قال: (الشفق الحمرة)، وروي مرفوعاً ولا يصح، والصواب وقفه على ابن عمر كما ذكر ذلك الحافظ الدارقطني .

    وقد جاءت أحاديث تبين أن الشفق هو الحمرة كما رواه ابن خزيمة : ( ما لم تغب حمرة الشفق )، وإن كان ابن خزيمة قد صححه إلا أن في أسانيده بعض الكلام، وأصح شيء في الباب هو حديث ابن عمر ، و ابن عمر هو مفسر لما حضره من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عاين التنزيل، وأدرك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

    وأما أبو حنيفة فيرى أن الشفق هو البياض المعترض، والصحيح أن الشفق يطلق على هذا وذاك، وهو من الألفاظ المشتركة، إلا أن إطلاق الشرع لها في المواقيت إنما هو على الحمرة، وأما في اللغة فيطلق على هذا وذاك، ومن المعلوم أنه إذا اختلفت الحقيقة اللغوية، والحقيقة الشرعية، فيعول على الحقيقة الشرعية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    واعلموا أنه يستحب تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها، ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيح من حديث أنس أنه قال: ( كانوا إذا أذن المغرب ابتدروا السواري قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وهذا يدل على أنهم كانوا يتعجلون في التطوع قبل صلاة المغرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب لمن شاء )، فكانوا يبتدرون السواري، أي: الأعمدة، فهذا يدل على أنهم كانوا يتعجلون قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذهب جماهير أهل العلم إلى أنه لا يستحب تأخير صلاة المغرب إلى أن تشتبك النجوم.

    وقت صلاة العشاء

    الشيخ: وأما وقت صلاة العشاء، فإن وقت صلاة العشاء يبدأ من مغيب الشفق، وهذا محل إجماع، إلا أنهم اختلفوا ما هو الشفق؟

    فـأبو حنيفة يرى أن الشفق هو البياض المعترض، فيرى أن وقت العشاء يبدأ من البياض المعترض وهو الشفق عنده، وأما جمهور أهل العلم فيرون أن الشفق هو الحمرة.

    إذاً: أجمع أهل العلم على أن وقت العشاء يبدأ من مغيب الشفق، واختلفوا ما هو الشفق كما مر معنا، والصحيح كما قلنا: أن الشفق هو الحمرة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وهناك مسألة وهي: هل لوقت العشاء اختيار وضرورة، أم هو وقت واحد كالمغرب والظهر؟

    ذهب عامة السلف والخلف إلى أن العشاء له وقتان: وقت اختيار، ووقت ضرورة.

    فأما وقت الاختيار فإنهم قالوا: إلى منتصف الليل؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل ).

    وذهب بعض أهل العلم إلى أن وقت الاختيار ينتهي إلى ثلث الليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالصلاة عند ثلث الليل ).

    وكما جاء في حديث جابر : ( أن جبريل أمره في آخر وقت الظهر حينما صار ثلث الليل ).

    والذي يظهر -والله أعلم- أن وقت الاختيار ينتهي إلى منتصف الليل؛ وذلك لأن حديث جابر -كما مر معنا- كان في أول الإسلام، وأما الحديث الذي في الصحيحين: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالصلاة عند ثلث الليل )، فهذا يدل على أفضلية تأخير العشاء، لا على أنه هو آخر وقته، وهذا هو الراجح.

    أما وقت الضرورة، فإنه يبقى إلى طلوع الفجر الصادق، يعني إلى طلوع الفجر الثاني، هذا هو قول جماهير أهل العلم.

    وخالف في ذلك ابن حزم ، ورواية عن الإمام أحمد، فقالا: أن وقت العشاء ينتهي إلى منتصف الليل.

    وأدلتهم على ذلك: الدليل الأول: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العشاء إلى منتصف الليل )، قالوا: وهنا (إلى) غائية، ولا يدخل ما بعدها فيما قبلها.

    الدليل الثاني: قول الله تعالى: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، وغسق الليل هو منتصفه.

    قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78]، ولم يقل: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى قرآن الفجر، بل فصل بين العشاء وصلاة الفجر.

    والجواب على هذا أن يقال: إن قوله تعالى: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] هو وقت الاختيار، ولا يجوز لمسلم أن يؤخر صلاة العشاء إلى ما بعد ذلك، وأما إذا كان ثمة ضرورة مثل الحائض إذا طهرت، ومثل شخص عريان يغلب على ظنه أو يجزم أنه سوف يجد السترة بعد منتصف الليل، أو شخص مسافر على باص -مثل سفر الحج- فتأخر، فهو يزيد قليلاً، فهذه ضرورة، ومما يدل على جواز ذلك أدلة، منها:

    الدليل الأول: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل )، وفي رواية: ( حتى ذهب شطر الليل، فقام عمر فقال: يا رسول الله نام الناس، فخرج وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ).

    وجه الدلالة: قال ابن المنذر : فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بعد شطر الليل، حينما قال: (حتى ذهب عامة الليل)، قال: فدل ذلك على أنه صلاها بعد منتصف الليل، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد ذهاب عامة الليل وبعد منتصف الليل فهذا دليل على أن ما بعده هو وقت للعشاء، فيمتد إلى الفجر بالإجماع، وهذا القول قوي.

    الدليل الثاني: ومما يدل على ذلك فهم الصحابة لذلك، فقد صح عن عمر رضي الله عنه كما روى ابن المنذر أن أسلم مولى عمر قال: كتب عمر إلى الأمصار: (إن وقت العشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل الآخر، ولا تصلوها بعد ذلك إلا من شغل.

    وجه الدلالة أنه قال: ولا تصلوها بعد ذلك إلا من شغل، فدل ذلك على أن وقت العشاء يمتد إلى الفجر حينما يكون هناك شغل وضرورة.

    الدليل الثالث: ومما يدل على ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى )، فهذا يدل على أنه ليس بينهما فاصل، وأما ما بين الفجر إلى الظهر فهذا بالإجماع، فيبقى ما لم يكن إجماعاً مستصحباً به العموم، والقاعدة عند الأصوليين: أنه يجب إعمال العموم على عمومه ما لم يرد صارف، ولا صارف هنا، وهذا أقوى، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية كما في القواعد النورانية، والله أعلم، وروي ذلك عن ابن عباس ، و عبد الرحمن بن عوف ، و أبي هريرة ، وإن كانت الأسانيد إليهم فيها بعض الضعف.

    الوقت المستحب لصلاة العشاء

    الشيخ: وقت العشاء هل يستحب تقديمها أو يستحب تأخيرها؟

    الجواب: إن ذلك على حسب الجماعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الأفضل التأخير لولا أن يشق على أمته، فقال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالعشاء عند ثلث الليل )، وفي رواية: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ).

    وأما إذا كان ذلك يشق فإنه يقدم الصلاة.

    ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى أحوال الناس في ذلك، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، قال جابر : ( وأما العشاء فكان أحياناً يؤخرها، وأحياناً يعجل، كان إذا رآهم أبطئوا أخر، وإذا رآهم عجلوا صلى )، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يراعي حال الناس، وعلى هذا فإذا رأت الجهات المنظمة لمساجد الناس أن الصلاة تكون في هذا الوقت مراعاةً لحال الأعم فلا حرج في ذلك.

    ومما يدل على أن مراعاة حال الناس -ولو خالف السنة- مقصود، أمور كثيرة:

    الأمر الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صلاة العشاء متأخراً رفقاً بالناس، وقال: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ).

    الأمر الثاني: ما جاء في حديث خباب بن الأرت على أحد المعنيين، أنه قال: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا )، يعني: صلى في أول الوقت مع أنه أمر صلى الله عليه وسلم بالإبراد، وبعضهم وهم الشافعية رأوا أن تأجيل الصلاة أفضل حتى وقت الإبراد، والصحيح خلاف ذلك، إلا في المناطق الحارة.

    الأمر الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف الصلاة، مراعاةً لأحوال الناس، قال أنس : قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي، فأخفف مخافة أن أشق على أمه )، كل هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي أحوال الناس، ومن المعلوم أن الناس خاصةً في ظل كثرة التنازع لا بد لهم من ضابط يضبطهم، وهذا لا يتأتى إلا مع هذه الجهات التي تضبط الناس، ولو جعل الأمر لكل أحد لوقع الناس في نزاعات في المسجد، فربما عجل المؤذن بالإقامة، وغضب الإمام، وربما أقام الإمام في حالة تأخر المؤذن فيغضب المؤذن، والناس فيهم قصص في هذا معروفة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وقت صلاة الفجر

    الشيخ: أما الوقت الأخير فهو وقت الفجر.

    وهو يبدأ من طلوع الفجر الصادق، وهو البياض المعترض من الشمال إلى الجنوب، وأما البياض المعترض من الشرق إلى الغرب فهذا يسمى ذنب السرحان، ولا عبرة به؛ لأنه يعقبه ظلمة.

    واعلم رعاك ربي أن وقت صلاة الفجر لم يبينه الشارع بياناً قاطعاً مثل الأوقات الأخر، فالأوقات الأخر يدركها الإنسان، مثل قوله تعالى: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78] وقوله عليه الصلاة وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما لم يحضر العصر)، (ما لم يغب الشفق)، (ما لم تغب الشمس)، كل ذلك أمره مضبوط يدركه الناس ولا يقع فيه إشكال، أما وقت الفجر فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187] لم يقل: يبين؛ لأن كلمة (يبين) يعني أن هذا أمر قاطع، قال: (حتى يتبين لكم)، فجعل الشارع دخول وقت الفجر إنما هو على حسب الناس، وهذا يدل على أن الناس يختلفون فيه، فليس البياض الذي يأتي من الشمال إلى الجنوب أمر قاطع، فبعضهم يقول: قد طلع الفجر، وبعضهم يقول: لم يطلع الفجر.

    ومما يدل على أن هذا أمر يختلف فيه الناس ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذن الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، فقائل يقول: قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلم منهم ).

    وهنا سؤال: إذا كان الصحابة الذين عايشوا حالة الطبيعة، وهم أصحاب الأسفار، اختلفوا في طلوع الفجر، مع علمهم بأنه يبدأ من البياض، فما بالك بلجنة تخرج ربما لم يدركوا كامل الإدراك في مثل هذا الأمر؟ فهذا مما تختلف فيه الأنظار، وليس أمراً قاطعاً في دخوله.

    وعلى هذا فأتمنى من المشايخ والإخوة الفضلاء ألا يزيدوا في المبالغة في الإنكار على الناس، خاصة قولهم: إن صلاتنا الموجودة في توقيت أم القرى خطأ ولا يصح، لهم أن يجتهدوا فيما بينهم، أما أن يشككوا الناس في صلواتهم فهذا أمر ليس بمحمود، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر بغلس، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ ما بين الستين إلى المائة كما في حديث أبي برزة الأسلمي .

    وأنا أطالب الإخوة الذين يقولون: إن الوقت الذي بين فجر توقيت أم القرى والصحيح هو ثلث ساعة، أو ربع ساعة كما يقولون، نحن نطالبهم إذا أذن بعد وقت أذان أم القرى أن ينتظروا ثلث ساعة، ثم يؤذن المؤذن، ثم يتطوع ويضطجع كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع بعد الفجر، كما قالتعائشة : ( فإن كنت مستيقظةً حدثني، وإلا اضطجع، وكان إذا اضطجع نفخ )، ويجلس تقريباً ربع ساعة أو عشر دقائق على أقل تقدير؛ لأن هذا هو الأمر العام، ما عدا العشر الأواخر؛ لأن هذا له حديث آخر.

    ثم نقول لهم: اقرءوا ما بين الستين إلى المائة، فهل يخرجون بغلس؟ لا يخرجون بغلس، يقول أبو برزة : ( وإن أحدنا ليعرف جليسه )، وتقول عائشة : ( كان نساء المؤمنات يشهدن صلاة الفجر وهن متلفعات بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس )، وقد قال جابر كما في الصحيحين: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر بغلس )، فهذا يدل على أن الوقت فيه متسع، وفيه سماحة.

    ومما يدل على ذلك أن عبد الله بن أم مكتوم كان ينادي في وقت الفجر الثاني، ويقول عبد الله بن عمر : ( وكان لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت )، يعني عبد الله بن أم مكتوم كان يؤذن في آخر وقت الفجر، وبعض الصحابة يقولون: أذن الفجر، وهو يقول: اصبر، مع أن منهم من كان يأكل قبل أذان ابن أم مكتوم ، فدل ذلك على أن هذا الوقت اليسير الخمس الدقائق والثلاث والدقيقتين أمر معفو عنه، وإن كان توقيت أم القرى أرى أنه لا حرج في العمل به، فلو صلى الإنسان بعد الفجر مباشرة فإن صلاته صحيحة، نعم له أن يؤخر من باب الخروج من الخلاف، أما أن نقول: صلاته باطلة، أو أن صلاة الحرم المكي أو الحرم النبوي في رمضان باطلة؛ لأن الوقت بينهما عشر دقائق فمن قالوا ذلك ينبغي أن يتئدوا، ولا يبطلوا صلاة الناس، فالأصل إذا أذن المؤذن أن يصلي، وقد صلى صلى الله عليه وسلم الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً.

    الوقت المستحب لصلاة الفجر

    الشيخ: واستحب أهل العلم أن يصلي الفجر مبكراً، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، خلافاً لـأبي حنيفة رضي الله عنه، حيث قال: يستحب التأخير؛ استدلالاً بما رواه رافع بن خديجأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر).

    وهذا الحديث اختلف العلماء فيه، والأقرب أن إسناده جيد، ولكن معنى (أسفروا بالفجر) أي: لا تصلوا حتى تتأكدوا من دخول الوقت، هذا معنى، والمعنى الثاني: لا تصلوا حتى تسفروا في الوقت؛ لما جاء في حديث أبي برزة : ( وإن أحدنا لا يعرف جليسه )، وإلا فإن المعول على ما جاء في الصحيحين من حديث جابر وأبي موسى، وغير ذلك مما ذكرناه في أول الدرس.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الصواب في القول والعمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765796951