إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [11]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أعظم ما يسعى إليه المصلي أن تكون صلاته كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان من المهم بيان صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، وذلك منذ التهيؤ للصلاة في البيت، والخروج من البيت متطهراً مع الإتيان بالأدعية، ودخول المسجد باليمين وأداء تحية المسجد، حتى القيام للصلاة عند الإقامة وتسوية الصفوف والوقوف في الصف قرب الإمام عن يمينه ونحو ذلك.

    1.   

    آداب الذهاب إلى المسجد ودخوله

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أيها الإخوة والأخوات! أسعد الله مساءكم بكل خير ويمن وبركاته.

    كنا قد توقفنا في شرحنا لمسائل الفقه على مذاهب الأئمة وبيان الراجح منها على باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

    وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم فيها أهل العلم، وألفوا فيها تآليف، منهم من شرح ذلك عن طريق بعض المتون، ومنهم من أفرد لها كتاباً، ومنهم من بوب عليها أبواباً في كتبهم، مثلما في صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داود ، و الترمذي ، و النسائي ، و ابن ماجه ، وغير ذلك ممن صنفوا في هذا الأمر، فذكروا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن حينما نتحدث عن هذا فإنما نتحدث عن الطريقة الفقهية التي ذكر أهل العلم، فلن نقتصر على بعض الآداب أو الواجبات، بل نذكر كل الواجبات والآداب والمستحبات.

    الخروج إلى المسجد بسكينة ووقار

    الشيخ: فنقول: أولاً: من أراد أن يصلي فلا بد أن يخرج ليصلي في المسجد، وسوف نتحدث -إن شاء الله- عن حكم الصلاة في المساجد، ونبين أن ذلك أقرب إلى القول بالوجوب، كما هو رأي أحمد في رواية، واختيار أبي العباس بن تيمية ، و ابن القيم رحمة الله تعالى على الجميع.

    مع العلم أن ثمة فرقاً بين وجوب صلاة الجماعة، ووجوب إقامتها في المسجد، فإن الصلاة في المسجد شيء، وصلاة الجماعة شيء آخر، كما فرق في ذلك الحنابلة، وهو معلوم عند الأئمة الأربعة وغيرهم.

    أيها الإخوة والأخوات! فإذا خرج الإنسان من بيته إلى المسجد فإنه يستحب له أن يخرج بسكينة ووقار.

    ومعنى السكينة: التأني في الحركات واجتناب العبث.

    وأما الوقار فذكر بعض أهل العلم أن الوقار هو السكينة، وإنما جيء بها في بعض الروايات من باب التأكيد، كما ذهب إلى ذلك القاضي عياض.

    وذهب بعض أهل العلم إلى أن ثمة فرقاً بين السكينة والوقار، فقالوا: إن السكينة هي التأني في الحركات واجتناب العبث، في حين أن الوقار هو غض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات، كما ذكر ذلك الإمام النووي رحمه الله، ولعل قول الإمام النووي هو الأرجح، خاصةً أن الحديث جاء بالوقار والسكينة، والأصل أن العطف يقتضي المغايرة.

    إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين فضل الخروج إلى المسجد بسكينة ووقار، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ).

    وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نصلي، فسمع جلبةً، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا بالصلاة -يعني: أسرعنا لأجل إدراك الصلاة جماعة- قال صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا، إذا أتيتم فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، وأنت ترى أن هذا الحديث ليس فيه ذكر الوقار، فهذا الذي جعل القاضي عياضاً يرى أن الوقار هو السكينة، ولعل التفريق أظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    فإذا خرج الإنسان في سكينة ووقار فإنه يستحب له ألا يسرع في خطاه؛ لأن الإسراع مخالف للخشوع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فلا تفعلوا).

    والسؤال الذي يطرح نفسه: هل النهي عن الإسراع لأجل إدراك تكبيرة الإحرام، أو لأجل إدراك بعض الركعات، أم لأجل الإدراك في الجميع؛ حتى خوف فوات الجماعة أو الجمعة؟ فهذه ثلاث حالات.

    فذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يسرع سواء كان لأجل إدراك تكبيرة الإحرام، أو لأجل إدراك ركعة ولو لم تفت الجماعة، أو لأجل إدراك الجماعة خوفاً من فواتها، وهذا قول بعض أهل الظاهر.

    وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الإسراع اليسير لأجل إدراك تكبيرة الإحرام لا بأس به، كما نقله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقال بعضهم وهو أبو العباس بن تيمية : إن الإسراع اليسير لأجل إدراك الجماعة لا حرج فيه، يقول: ولا ينبغي أن يدخل في النهي الوارد في الحديث؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالسكينة بقوله: ( فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ).

    يقول أبو العباس بن تيمية : فمن لا يرجو إدراك شيء من الركعات لم يكن داخلاً في هذا الحديث.

    ولعل قول أبي العباس بن تيمية أظهر، وهو: أن الإنسان لا ينبغي له أن يسرع ولو كانت سرعته يسيرة لأجل تكبيرة الإحرام؛ لأن الصحابة الذين فعلوا ذلك قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن ذلك، ولهذا قال: (فسمع جلبةً، فقال: ما شأنكم؟)، فدل ذلك على أن فعل الصحابة داخل في النهي عن هذا الأمر، إلا أن الإنسان إذا علم أن الإمام في الركعة الرابعة، فأحب أن يدرك الجماعة فأسرع يسيراً فالذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا حرج فيه، وأنه غير داخل في الحديث.

    ولقائل أن يقول: إن هذا التخريج إنما كان لأجل اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: أن إدراك الجماعة إنما هو بإدراك ركعة، في حين أن الحنابلة والشافعية يرون أن إدراك الجماعة يحصل بإدراك ركعة، وعلى هذا فالذي يظهر أن كون الإنسان يسرع سرعةً لا تذهب بخشوعه جائز، إلا أن الأفضل ألا يسرع.

    ولو قيل: إن الإسراع لأجل إدراك بعض الركعات مكروه، والإسراع لأجل إدراك الجماعة جائز لكن الترك أفضل لم يكن ببعيد؛ لأجل معنى هذا الحديث الذي ذكره أبو العباس بن تيمية ، وإن كان الأفضل للكل ألا يتعجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ).

    الخروج إلى المسجد على طهارة

    الشيخ: إذا ثبت هذا: فإن السنة أيضاً أن يخرج الإنسان من بيته إلى المسجد وهو متطهر، فإن خروجه من بيته إلى المسجد وهو متطهر أفضل من أن يتطهر قريباً من المسجد، فإن بعض الناس يذهب إلى المسجد وهو لم يتطهر، فيذهب إلى دورات مياه المساجد فيتوضأ فيها، فهذا جائز، لكن الأفضل أن يتوضأ في بيته.

    والدليل على هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاته في بيته أو سوقه بخمس وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يخط خطوةً إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث )، والحديث متفق عليه، واللفظ لـمسلم .

    وهذا يدل على أن الإنسان إذا تطهر في بيته ثم خرج ولم يخرجه إلا الصلاة في المسجد، فإنه له في كل خطوة يخطوها درجة، وهذا يدل على أفضلية التطهر للصلاة من البيت.

    ومما يدل على هذا ما جاء عند أبي داود بسند جيد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج فوجد الناس قد صلوا، كتب الله له أجر تلك الجماعة، وأجر من حضرها لا ينقص من أجورهم شيء )، وهذا الحديث إسناده جيد، وهذا يدل على أفضلية أن يتطهر الإنسان في بيته.

    الإتيان بأدعية الخروج من البيت

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإنه يستحب له أيضاً إذا تطهر في بيته أن يدعو بما ورد من أدعية الخروج من البيت، وللفائدة الحديثية: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناد صحيح في ذكر الدعاء عند الخروج من المنزل، إلا أن مجموع طرقها يدل على أن لها أصلاً، وأنه لا حرج للإنسان أن يقولها.

    ومن الأدلة الدالة على الذكر عند الخروج من المنزل: ما جاء عند أبي داود و الترمذي و النسائي من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء ثم قال: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي )، وهذا الحديث يرويه منصور بن المعتمر ، عن عامر الشعبي ، عن أم سلمة ، وقد ذكر علي بن المديني رحمه الله أنه لم يصح سماع عامر الشعبي من أم سلمة ، فدل على أن الحديث فيه انقطاع.

    ولكننا نقول: إنه جاء من طريق آخر رواه أهل السنن من حديث ابن جريج ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له حينئذ: هديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى عنه الشياطين، فيقول شيطان لآخر: كيف بك برجل هدي وكفي ووقي )، وهذا الحديث صححه بعض المتأخرين، إلا أن الإمام البخاري والإمام الدارقطني رحمهما الله جميعاً قالا: إن ابن جريج لم يصح سماعه من إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، فيكون الحديث منقطعاً، ولكن مجموع طرق حديث أنس وحديث أم سلمة يدل على أن له أصلاً، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في الأحاديث الضعيفة: هذا يشد بعضه بعضاً، فهذا يدل على أن الإنسان لا حرج أن يذكر هذا الدعاء، وهذا يدلنا على أن الإنسان له أن يدعو ولا حرج في ذلك إن شاء الله.

    التشبيك بين الأصابع حال المشي إلى المسجد

    الشيخ: بعض الناس إذا مشى إلى المسجد تجده يشبك بين أصابعه، فما حكم التشبيك بين الأصابع؟

    بعض أهل العلم ذكر أن ذلك مكروه؛ لحديث كعب بن عجرة و أبي هريرة ، و أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا خرج أحدكم إلى المسجد فإنه في صلاة، فلا يشبكن بين أصابعه )، وهذا الحديث جاء من ثلاث طرق، وكلها أحاديثها ضعاف، ولهذا ضعف الإمام البخاري و ابن رجب رحمة الله تعالى عليهم كل هذه الأحاديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( شبك بين أصابعه وهو في المسجد، وهو منتظر الصلاة )، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن أحدكم لم يزل في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه )، وهذا يدل على أن التشبيك لا حرج فيه، إلا أن التشبيك الذي يكون عن اضطراب نفسي داخل في النهي، وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون الإنسان في سكينة ووقار، وعلى هذا كل أحاديث النهي عن التشبيك ضعيفة، كما أشار إلى ذلك الإمام البخاري و ابن رجب ، وعلى هذا فالإنسان لا ينبغي له أن يشبك بين أصابعه؛ لأن الغالب أن الإنسان يشبك أصابعه لأجل الاضطراب، وعدم الارتياح، وكأنه لا يريد أن يقبل على طاعة، لكن الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي.

    تقديم الرجل اليمنى عند الدخول إلى المسجد

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه إذا أتى المسجد فإن المشروع في حقه أن يقدم رجله اليمنى، وقولنا: يقدم رجله اليمنى هذا قول عامة أهل العلم، وأن ذلك على سبيل الاستحباب، ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في ترجله إذا ترجل، وتنعله إذا انتعل، وفي شأنه كله )، وفي رواية: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله )، وهذا يدل على أن كل ما كان من باب الإكرام والاحترام والتقدير فإنه يقدم اليمنى، وكان صلى الله عليه وسلم يترك ذلك فيما سوى ذلك، يعني: فيما سوى التكريم.

    وقد جاء في حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم رجله اليمنى إذا دخل المسجد)، إلا أنه لا يفرح به؛ لأنه حديث ضعيف، كما أشار إلى ذلك الإمام البيهقي ، فقد روى أن أنساً رضي الله عنه قال: ( من السنة إذا دخل أحدكم المسجد فليبدأ برجله اليمنى، وإذا خرج بدأ برجله اليسرى )، وقول أنس : (من السنة)، يدل على أنه له حكم الرفع، لكن هذا الحديث في سنده كلام؛ وذلك لأن الحديث يرويه رجل يقال له: راشد بن سعيد ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، و راشد بن سعيد ليس بالقوي كما أشار إلى ذلك الإمام البيهقي ، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أتى بشيء يتفرد به عن غيره من الناس فإنه لا يقبل، فيكون حديثه منكراً، خاصةً إذا كان ضعيفاً، فإن المتأخرين يسمون الرجل الضعيف إذا أتى بما يخالف الثقات منكراً، أما المتقدمون من أهل الحديث فإنهم يطلقون المنكر على المخالفة سواء خالف الثقة من هو أوثق منه، أو خالف الضعيف من هو أوثق منه، كما هي طريقة الإمام أحمد و البخاري و الدارقطني و أبي داود و النسائي وغيرهم من أئمة السلف رحمهم الله تعالى.

    الإتيان بدعاء الدخول والخروج من المسجد

    الشيخ: إذا ثبت أن السنة أن يقدم رجله اليمنى لحديث عائشة ، فإنه يدعو بما ورد، وهو دعاء الدخول في المسجد، وأصح شيء في الباب في دعاء الدخول في المسجد هو ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم افتح لي أبواب فضلك ).

    وجاء عند الترمذي من حديث ليث بن أبي سليم ، عند عبد الله بن الحسن ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة الكبرى التي تسمى: فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها وأرضاها، وهي التي أنجبت هؤلاء الأبطال الحسن و الحسين رضي الله عنهم أجمعين، فهذا الحديث تقول فاطمة : ( كان رسول الله يقول: إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، وليسلم عليه، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك ).

    وفيه فائدة وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الحديث لا يفرح به؛ وذلك لأن الحديث فيه علتان: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وكذلك فاطمة بنت الحسين لم تسمع من جدتها فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الإنسان يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك.

    فإن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فلا حرج إن شاء الله، فإن حديث ليث بن أبي سليم قد جاء ما يقويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه كما روى ذلك أهل السنن، والحديث عند أبي داود وفي سنده ضعف، فإنه يرويه الضحاك بن عثمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، و الضحاك بن عثمان ليس بالقوي، ولكن هذا الحديث مع حديث ليث بن أبي سليم يدلان على أن الحديث له أصل.

    فلا حرج للإنسان أن يقول: اللهم صل وسلم على رسول الله.

    أما قوله: (بسم الله)، فإن الأحاديث الواردة فيها ضعيفة، أي: لا تصح التسمية عند الدخول في المسجد.

    إذاً: السنة أن يقول: اللهم صل وسلم على رسول الله لأجل حديث فاطمة الكبرى مع حديث أبي هريرة ، فيشد بعضهما بعضاً.

    ثانياً: أن يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك.

    وإذا خرج قدم رجله اليسرى، وقال: اللهم صل وسلم على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب فضلك.

    وأما الحديث الذي فيه البسملة فإنه حديث ضعيف، لا يصح، فقد تفرد به محمد بن إسحاق ، ولا يصح تفرده مع أنه لم يصرح بالسماع، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ومن الأذكار الواردة في هذا: ما جاء عند أبي داود بسند جيد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم )، وهذا الدعاء يغفل عنه كثير من الناس، والحديث إسناده لا بأس به.

    والإنسان ينبغي له أن يذكر هذا ويذكر هذا، وأما الخروج فإن الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ( اللهم افتح لي أبواب فضلك ).

    وقد جاء في حديث آخر عن أبي هريرة أنه يقول غير هذا، ولكن حديث أبي هريرة في سنده ضعف، وذلك كما قلنا: إن الضحاك بن عثمان ليس بالقوي.

    صلاة ركعتين عند دخول المسجد

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن الإنسان إذا دخل المسجد فإنه يستحب له أن يصلي ركعتين.

    وقد ذكر بعض أهل العلم أن تحية المسجد بإجماع من أهل العلم، والواقع أنها ليست محل إجماع، وإن كان هذا هو مذهب الأئمة الأربعة في المشهور عندهم، إلا أن بعض أهل الظاهر قال: بوجوب تحية المسجد، والراجح والله أعلم عدم وجوبها.

    ومما يدل على عدم الوجوب ما جاء في الصحيحين من حديث أبي واقد قال: ( بينما كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهما فجلس، وأما الآخر فقام، وأما الثالث فخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم عن هؤلاء الثلاثة: أما أحدهما فأوى فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ).

    وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الرجل الذي دخل وجلس ولم يصل، فلم ينكر عليه.

    ولا يقال: إنه قد صلى؛ لأن هؤلاء الثلاثة كلهم على حالة واحدة، فدل ذلك على أن حديث أبي قتادة : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ) على سبيل الاستحباب.

    وأما قول بعضهم: كيف يكون على سبيل الاستحباب مع العلم أن تحية المسجد تؤدى مع خطبة الجمعة وهي واجبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا دخل أحدكم المسجد ونحن نخطب فليصل ركعتين، وليخفف فيهما ) كما في حديث جابر عند مسلم في قصة سليك الغطفاني فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمره أن يصلي ركعتين، مع أن استماع الخطبة واجب، فذلك يدل على أن الركعتين واجبتان؟

    والجواب على هذا أن يقال: الشارع الحكيم حينما أمر بركعتين، ليس معناه أن الاستماع ليس بواجب، أو أن الركعتين أوجب من الاستماع، ولكن لأجل أن الركعتين لا تؤثران في أصل الخطبة، فالخطبة واجبة، وسماعها واجب، ولم نقل: (استماعها)؛ لأن الإنسان لو تغافل ونام لا يأثم؛ فإن السماع هو الواجب وليس الاستماع، وإن كان الاستماع فضيلة يؤجر عليها الإنسان، وما شرعت إلا لأجل سماعها واستماعها، إلا أن سماعها شيء واستماعها شيء آخر، فالإنسان لا يجوز له أن يعبث؛ لأن عبثه سوف يؤذي من بجانبه.

    ولهذا ثمة فرق بين سماعها واستماعها، فنحن نأمره أن يسمع، ولكن لا نوجب عليه ولا يأثم إذا لم يستمع، ولو قيل بذلك لأثم الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، وهذا من تكليف ما لا يطاق، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    مسائل مهمة قبل الدخول في الصلاة ينبغي مراعاتها

    قيام المأمومين للصلاة عند الإقامة

    الشيخ: إذا ثبت هذا فهنا مسألة: متى يشرع للمأموم أن يقوم إلى الصلاة؟

    فالآن دخل المسجد، وجلس ينتظر الصلاة، فمتى يشرع للمأموم أن يقوم للصلاة؟ هل يقوم عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، أم من حين شروع المؤذن في الإقامة، أو أن الأمر في هذا واسع، أو أنه إذا قال المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح كما هو مذهب أبي حنيفة ؟

    المسألة فيها أربعة أقوال، والذي يظهر أن أرجحها هو مذهب مالك ، أو إن شئتم فصلنا المسألة أكثر، فنقول:

    لا يخلو المأموم حينما تقام الصلاة من حالين:

    الحال الأولى: أن يكون الإمام خارج المسجد، فإذا كان الإمام خارج المسجد، فالسنة ألا يقوم المأموم إلا إذا رأى الإمام؛ لما جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني )، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خارج المسجد.

    ولم نقل بوجوب ذلك؛ لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن الصحابة كانوا يقومون وهو غير موجود، كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( أقيمت الصلاة، فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم )، فهذا يدل على أن الأمر على سبيل الاستحباب، والله أعلم.

    ومما يدل على أن هذا لا يدل على الوجوب؛ لأنهم سوف يقومون لإدراك الجماعة، والقصد من هذا إنما هو إدراك الجماعة وليس إدراك الإقامة حال القيام، فدل ذلك على أن الأصل أن ذلك على سبيل الاستحباب.

    الحال الثانية: أن يكون الإمام داخل المسجد، مثل ما يفعله بعض الأئمة، حيث يجلس في المسجد فيراه المأمومون، فهذا اختلف العلماء فيه:

    فذهب الحنابلة إلى أن السنة أن يقوم عند قول المؤذن: (قد قامت الصلاة)، وهو قول الحسن البصري و ابن سيرين ، فإنهما كرها أن يقوم الإنسان إلا عند قول المؤذن: (قد قامت الصلاة)، كما روى ذلك ابن أبي شيبة ، وقد جاء في ذلك حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قام إلى الصلاة )، والواقع أن الحديث ضعيف، ولا يفرح به، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديث مرفوع، وعلى هذا فإن الحديث فيه ضعف.

    القول الثاني: إن السنة إذا شرع المؤذن بالإقامة أن يقوم، وهذا قول سعيد بن المسيب ، فإنه قال: (ما زال الناس يقومون إذا قال الإمام: الله أكبر)، وهذا يدل على أن هذا أمر تداوله أهل المدينة، وهذا قول الزهري .

    والقول الثالث: قال أبو حنيفة : يقوم عند قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، قال: لأن هذا مناداة للمأمومين، وأما الأول فهو ذكر، فكأنه يناديهم بأن يقوموا.

    والقول الرابع: هو مذهب مالك رحمه الله: أنه لا توقيت في هذا؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه إلا حديث: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ).

    وأما الصحابة رضي الله عنهم فثبت عنهم أنهم قاموا من حين شروع المؤذن بالإقامة، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( أقيمت الصلاة، فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج، ثم أراد أن يكبر، ثم أشار بيده، ثم خرج، ثم دخل وإذا رأسه ينطف ماءً، ثم صلى )، وهذا يدل على أنه لا بأس بالتأخير بين التكبير وبين الإقامة.

    وهذا يدل على أن الأمر في المسألة واسع، إلا أنه ينبغي إذا كان الناس قد اصطفوا فلا ينبغي للإنسان أن يتأخر؛ لأنه مدعاة إلى أن يؤخرهم عن تسوية الصفوف والتكبير، وإن كان الناس يغفلون عن هذا الأمر كما سوف يأتي بيانه. وهو أنه بمجرد إقامة المؤذن يكبر الإمام قبل تسوية الصفوف التسوية الصحيحة، وقد جاء عند أبي داود : ( كنا نقف طويلاً لتسوية الصفوف بعد الإقامة )، أو كما قال الراوي، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وهذا يدل على أنهم كانوا يتأخرون قليلاً، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف بيده كأنه يسوي القداح كما سوف يأتي بيانه، وعلى هذا فالذي يظهر لي أن ذلك على سبيل التوسع والسعة.

    تسوية الصفوف إذا كان لأجل الانحناء والتقطع

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإذا قام الناس فإنهم لا بد من تسوية صفوفهم، فما حكم تسوية الصفوف؟

    تسوية الصفوف ونقسمها إلى حالتين:

    الحالة الأولى: تسويتها من الانحناء والانقطاع، مثل أن يكون الصف مائلاً، وليس ميله لأجل استقبال القبلة كما في المسجد الحرم، بل سبب ميلانه قلة مبالاة، فهذا يتقدم، وهذا يتأخر، فما حكمه؟

    فالجواب: أن ذلك واجب، وهذا رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية ، والدليل ما جاء في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير قال: ( كان صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا كما يسوي القداح، حتى إذا عقلنا عنه -يعني: إذا بدأنا نحن نصف- التفت فإذا رجل قد بدا صدره، فقال: عباد الله! لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم )، وهذا الوعيد لا يتأتى إلا لترك واجب، وفعل محرم، وهذا كان لأجل الانحناء والانقطاع والتقدم والتأخر.

    تسوية الصفوف إذا كان لأجل المبالغة في التراص

    الشيخ: الحالة الثانية: إذا كان ذلك لأجل المبالغة في التراص والتسوية، فما حكم ذلك؟

    الجواب: اختلف العلماء في هذا الأمر، مع أن الحنابلة لم يفرقوا بين الصورة الأولى والصورة الثانية، ولكن التفريق أدق:

    فذهب بعض أهل العلم إلى أن تسوية الصفوف واجبة، ولو كان ذلك على سبيل المبالغة، وهذا مذهب أهل الظاهر، وهو رواية عند الإمام أحمد ، وقول لبعض فقهاء الشافعية، واستدلوا على ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه صلى الله عليه وسلم على التسوية، حتى كأنما يسوي القداح.

    قالوا: ومما يدل على ذلك مبالغة الصحابة، قال النعمان : ( وكان أحدنا يلزق -أو قال: يلصق- منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدم صاحبه )، وفي حديث أنس عند أهل السنن: ( وإن كان أحدنا ليلزق ركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه، ومنكبه بمنكب صاحبه )، قالوا: فهذا يدل على الوجوب.

    والقول الثاني في المسألة هو قول جماهير أهل العلم: أن التسوية التي هي المبالغة في التراص على سبيل الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصنع ذلك، والفعل لا يدل على الوجوب، إلا إذا خرج بياناً لمجمل واجب كما هو معلوم عند علماء الأصول، وأما أصل الفعل فإنه لا يدل على الوجوب، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يمسح المناكب في الصلاة كما يقول أبو مسعود البدري عند مسلم ، وكما يقول النعمان بن بشير في الصحيحين.

    وقد بين صلى الله عليه وسلم أن تسوية الصفوف إنما قصد بها إتمام الصلاة، فثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سووا صفوفكم -أو قال: أقيموا صفوفكم- فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة )، وهذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : ( من تمام الصلاة ).

    وقوله: (من تمام الصلاة)، هو التمام المستحب وليس التمام الواجب؛ لأن إقامة الصلاة منها إقامة المستحبات والواجبات والأركان، فدل ذلك على أن الأصل أن ذلك على سبيل الاستحباب، والله أعلم، وهذا القول أظهر.

    المبالغة في الاحتكاك والالتصاق بجاره في الصف

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن المشاهد أن بعض الفضلاء إذا أراد أن يصلي مع الناس يبالغ في الاحتكاك مع الآخرين، استدلالاً بقول أنس : ( وإن كان أحدنا ليلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه )، وحديث النعمان بن بشير : ( وكان أحدنا ليلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدم صاحبه ).

    والجواب على هذا:

    أنه من باب المبالغة المستحبة قبل بداية الصلاة، وأما أن يكون ذلك هو ديدن الإنسان من حيث الإلصاق فذلك أذية للمسلم، وانشغال عما هو أعظم وهو الخشوع، وكم رأينا ممن يبالغ في هذا الأمر فيذهب خشوعه، ولو سألته: ما قرأ الإمام لما علم، وليس هذا من عندي، فإن الحافظ ابن حجر رحمه الله أشار في فتح الباري إلى ذلك قال: والمقصود من هذا هو المبالغة في التراص والإلصاق، وإلا فإنه لا يمكن أن يلصق الإنسان ركبته بركبة صاحبه، إلا أن يكون أحنف، والأحنف هو الذي أرجله معوجة، أما غيره فلا يتأتى، فدل ذلك على أن المقصود إنما هو قبل البدء بالصلاة، ولا ينبغي أن نكون ظاهريين أكثر من اللازم، ولهذا فإن انشغال المصلي بإلصاقه واهتمامه حتى بعد الصلاة فهذا مما لا إلا ينبغي إذا كان هناك فرجة فيسدها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( سووا صفوفكم، فإن الشيطان يدخل من خلل الصف )، فالشيطان لا ينبغي أن يدخل إلا إذا كان هناك فرجة كبيرة، أما إذا كانت الفرجة يسيرة فهذا ليس به بأس، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الصلاة في الصفوف المتقدمة

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإننا نقول: إذا صلى المصلي فإنه يستحب له أن يتقدم إلى الصف؛

    لماء جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تقدموا، وائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله )، وهذا يعطينا دلالة على أنه ينبغي للإنسان إذا جاء مبكراً أن يتقدم إلى الصف الأول؛ لأن اهتمامه في الصف الأول دلالة على تقدمه بإذن الله بين يدي رب العزة والجلال، وأما أن يذهب ذات اليمين أو ذات الشمال، ويبتعد عن الأماكن الفاضلة فلا ينبغي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( ولا زال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ).

    ومما يدل على أفضلية التقدم ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى )، وهذا أمر أن يكون أصحاب العلم والوجهاء، وأصحاب الرأي والمشورة متقدمين خلف الإمام، إما لأجل أن المقام مقام فضل، وهم أولى الناس بذلك، وإما أنه لربما قد أخطأ الإمام فيحتاج لأن يفتح عليه، فيتقدم هؤلاء.

    وهذا على سبيل الاستحباب خلافاً للحنابلة الذين قالوا: هذا دلالة على عدم تقدم الصبي، والمسألة تحتاج إلى بحث في موضعها مما سوف نذكره إن شاء الله تبارك وتعالى.

    وعلى هذا فالسنة أن يتقدم الإنسان إلى الصف الأول.

    وعلى هذا فإن أكثر أهل العلم قالوا: إن الصف الأول ولو كان بعيداً عن الإمام أفضل من الصف الثاني ولو كان قريباً من الإمام؛ لقول صلى الله عليه وسلم: ( تقدموا، وائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ).

    الأفضلية بين القرب من الإمام والوقوف في جهة اليمين

    الشيخ: وهنا مسألة: إذا قلنا: إنه يتقدم في الصف الأول، فأيهما أفضل: أن يتقدم ويكون عن يمين الإمام أم عن يساره؟

    الجواب على هذا: أولاً: إن حديث ( وسطوا الإمام، وسدوا الخلل ) حديث ضعيف لا يصح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ثانياً: أننا نقول: الراجح أن المسألة تحتاج إلى تفصيل؛ وذلك لأن الأفضل هو القرب من الإمام، فلو كان عن يمين الإمام مصلون كثر، وعن يساره قلة، وهم أقرب إلى الإمام كان مكانهم أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم )، وائتمام من كان بجهة اليسار وهو قريب من الإمام يراه أفضل ممن في اليمين لكنه بعيد.

    ومما يقوي هذا قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود البدري : ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى )، فهذا يدل على أن القرب من الإمام أفضل.

    فإذا تساوى قرب اليمين من قرب الشمال فإن الأفضل أن يكون الإنسان عن يمين الإمام، والدليل هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث البراء رضي الله عنه قال: ( كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، وكان إذا سلم استقبلنا بوجهه، وكنت أسمعه يقول: رب قني عذابك، يوم تبعث وتجمع عبادك )، وهذا يدل على أنهم يكونون عن يمين الإمام لأجل أن النبي عليه الصلاة والسلام يستقبلهم، والرسول عليه الصلا والسلام قد أقرهم على اهتمامهم باليمين، ومما يدل على هذا أنه كان يحب التيمن في شأنه كله.

    وأما الحديث الذي رواه أبو داود : ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )، فهذا حديث منكر؛ لأن الراوي أخطأ فيه، والمشهور كما رواه مالك و أبو داود في طريق، وكذلك أهل السنن: ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف )، وليس (على ميامن الصفوف)، فدل ذلك على أن هذا خطأ من بعض الرواة.

    والمعروف ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف )، وهذا يدل على أن الاستحباب إنما هو في سد الفرج، والتقدم لأجل سد الفرج.

    وأما اليمين فإن الحديث المذكور حديث منكر، وهذا الذي أشار إليه الإمام البيهقي و الحافظ ابن رجب ، وإن كان النووي حسنه، وكذلك ابن القطان الفاسي ، والذي يظهر أن الحديث خطأ، وأن المعروف في هذا الحديث: ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    الأسئلة

    الأفضلية في القرب من الإمام في صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات

    السؤال: هل الأفضلية في القرب من الإمام كما في صلاة الجمعة أم هناك فرق؟

    الجواب: لا شك أن صلاة الجمعة والحضور إلى المسجد أفضل، ولهذا قال عبد الله رضي الله عنه: ( رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد! إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن مقامكم بين يدي الله هو كما مقامكم يوم الجمعة )، فهذا يدل على أن القرب من الإمام وحضور الصلاة هو الأفضل.

    لكن في الصلوات الأخرى فإن القرب من الإمام على الراجح -كما قلنا- هو أفضل، لكن إذا تساويا فإن اليمين أفضل في هذا، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    مداخلة: أقصد لو كان بين خيارين: إما أن يكون في طرف الصف الأول أو قريباً من الإمام في الصف الثاني، فأيهما أفضل؟

    الشيخ: الراجح أن العبرة بالصف الأول؛ حتى ولو في صلاة الجمعة، هذا الذي يظهر والله أعلم، على خلاف عندهم: هل يستقبل المنبر والإمام يوم الجمعة أم يستقبل القبلة؟ في هذا أحاديث لكنها لا تصح، لكن قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قال عبد الله بن مسعود : ( كنا إذا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب استقبلناه بوجوهنا )، والحديث رواه الترمذي ، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وعلى هذا فالذي يظهر أن الطرف الأخير إن نظر إلى الإمام فلا حرج، وإن استقبل القبلة فهذا الذي يظهر لنا، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    لعل في هذا كفاية إن شاء الله، ولعلنا نكمل مسائل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في حلقة أخرى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953590