الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي المشاهدين والمشاهدات!
وأسعد الله مساءكم أيها الإخوة الذين معنا في الأستديو، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وألا يجعل فينا ولا منا ولا من يستمع ولا من يشاهد شقياً ولا مطروداً يا رب العالمين، أما بعد:
فإننا كنا قد تحدثنا عن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من حيث المسائل والأحكام الشرعية التي تحدثنا عنها، وحيث قد وصلنا إلى تكبيرة الإحرام فإننا نشرع فيما بعد ذلك.
وقد ذهب جماهير أهل العلم كـأبي حنيفة و أحمد و الشافعي إلى استحباب أن يتعوذ الإنسان بالله سبحانه وتعالى.
أما مالك رحمه الله فإنه قال: لا يشرع التعوذ في الفريضة، ويباح في النافلة.
وأما ابن حزم فإنه قال بوجوب التعوذ، بدليل: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98].
والصحيح أن ذلك سنة كما هو مذهب جماهير أهل العلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا إلا بقراءة أم الكتاب على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بقوله: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وكما في حديث المسيء في صلاته عندما قال: ( يا رسول الله! إني لا أحسن غير هذا فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً.. ) الحديث، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يستعيذ.
وقد ذكر الإمام ابن دقيق العيد في كتابه العظيم إحكام الأحكام أن النبي صلى الله عليه وسلم بين للمسيء في صلاته الواجب والركن الذي يجب أن يفعله، فلو كانت الاستعاذة واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم له، والقاعدة الفقهية تقول: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالراجح هو مذهب جماهير أهل العلم
الصفة الأولى: أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا استحبه الحنفية والشافعية.
الصفة الثانية: أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وهذا اللفظ استحبه الإمام أحمد رحمه الله.
وكلاهما قد جاء فيه القرآن، فقد قال الله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، فهذا يدل على أن التعوذ أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأما قول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فإنه جاء في كتاب ربنا: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36].
وأما حديث: ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، فهذا حديث رواه أبو داود و الترمذي وغيرهما، والحديث في سنده ضعف، فإنه يرويه علي بن علي الرفاعي ، عن الحسن ، وأكثر الرواة رووه مرسلاً، فلا يصح رفعه، والعلة الثانية هو في علي بن علي الرفاعي ، فإن الإمام أحمد رحمه الله لا يرتضيه، وهذا يدل على ضعفه، ومن المعلوم أن الراوي الضعيف إذا أتى بما ينكر فإنه يسمى منكر الحديث؛ لأنه تفرد بالرواية عن سائر الثقات، وقد جاء الحديث بطرق لكن لا تتقوى إلى الحسن، وإن قالها الإنسان فلا حرج، إلا أن السنة أن يتعوذ على ظاهر القرآن، بأن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
وخلافاً لـمالك ، فإن مالكاً رحمه الله كره قراءة البسملة في الفريضة، وأباحها أو استحبها في النافلة.
والراجح هو مذهب الحنفية والحنابلة الذين قالوا باستحباب قراءة البسملة، سواء قرأها في بداية الفاتحة، أو قرأها في بداية أي سورة من القرآن.
ومن المعلوم أن البسملة اختلف العلماء فيها من حيث وجوبها، أو استحبابها، والذي يظهر والله أعلم أنها على أقسام:
فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن البسملة آية من الفاتحة، وقال بوجوب قراءة البسملة؛ لأنه يرى وجوب قراءة الفاتحة، وهذا قد أخذ به بعض العلماء القراء، وهم الكسائي و عاصم بن أبي النجود و ابن كثير و أبو جعفر و قالون عن نافع .
وذهب بعض القراء إلى أن البسملة ليست من الفاتحة، ولهذا فإن ما نجده من البسملة في القرآن إنما هو موافقة لقراءة الكسائي و عاصم بن أبي النجود وغيرهما، فأما من لا يرى ذلك فهم أبو عمرو و حمزة و ابن عامر و ورش عن نافع و خلف البزار رحمهم الله؛ فهم لا يرونها من الفاتحة.
فالذين يرون أنها من الفاتحة أربعة: عاصم بن أبي النجود ، و حمزة ، و الكسائي ، و ابن كثير ، وسائر القراء فلم يروها من الفاتحة، وهذا هو الراجح، والله أعلم.
ومما يدل على أنها ليست من الفاتحة أمور:
أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة : ( قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: أثنى علي عبدي.. ) الحديث، فإن الحديث ظاهر أن فيه ثناء على الله في ثلاث آيات، وسؤالاً للعبد في ثلاث آيات، وآية واحدة وهي ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل )، وجه الدلالة: قالوا: إن هذا يدل على أن البسملة لو كانت من الفاتحة لقال الله: فإذا قال عبدي: بسم الله الرحمن الرحيم، فلما ابتدأ سبحانه في الحديث القدسي بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، دل على أنها ليست من الفاتحة.
ومما يدل على أن البسملة ليست آية من بداية كل سورة، ما جاء في الحديث الصحيح، الذي رواه أهل السنن: ( سورة فيها ثلاثون آية تشفع لصاحبها يوم القيامة، سورة تبارك )، وهي سورة الملك، فمن عد سورة الملك وجد أنها ثلاثون آية، ولو كانت فيها البسملة لصارت إحدى وثلاثين، وهذا يدل على أن البسملة ليست آية من بداية كل سورة، وليست آية من الفاتحة، وكما قلت: هذا هو مذهب جماهير أهل العلم.
ومما يدل على أنها ليست من الفاتحة: ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم و
وفي رواية لـمسلم : ( فلم يكونوا يقرءون بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) )، وفي رواية ابن خزيمة : ( فلم يكونوا يجهرون بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) )، فدل ذلك على أن البسملة ليست من الفاتحة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأما مالك رحمه الله فإنه لا يرى أنها من الفاتحة، ويكره قراءتها في الفريضة، ويجوزها في النافلة، وهذا قول لـمالك خالف فيه عامة أهل العلم؛ لأنه يستدل ( بأنهم لم يكونوا يقرءون بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)) في رواية مسلم ، والصحيح أنهم لم يكونوا يقرءونها جهاراً، ولهذا فسرها ابن خزيمة بقوله: ( فلم يكونوا يجهرون بـ(بسم الله الرحمن الرحم)).
ومما يدل على أنها تقرأ ما ثبت في حديث نعيم المجمر أنه قال: ( صليت خلف
ومما يدل على ذلك أنه لم يصح حديث في الجهر بالبسملة، وقد ذكر أنه لا يصح في الجهر حديث مرفوع أبو عمر بن عبد البر ، و أبو العباس بن تيمية ، و الزيلعي ، وأشار إلى ذلك الدارقطني رحمة الله تعالى على الجميع.
وأما عن الصحابة فقد ثبت عند ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن أبزى : (أنه صلى خلف عمر بن الخطاب ، فجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا إسناد جيد. وأما جهر عمر رضي الله عنه فإنما أراد أن يعلم الناس أنها تقرأ، لا أنها يجهر بها.
ومما يدل على ذلك أن الأمر الأكثر عن عمر هو ما جاء في الصحيحين من حديث أنس : ( فكانوا يفتتحون الصلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] )، فيدل على أن عمر جهر أحياناً لتعليم الناس أنها تقرأ.
ومما يدل على ذلك ما ثبت عند ابن أبي شيبة ، عن عروة بن الزبير : ( أنهم لم يكونوا يجهرون بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) )، وجاء في رواية عن ابن الزبير : ( أنه كان يجهر بها )، فدل ذلك على أن الجهر إنما جيء به للتعلم والتعليم، كما هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، أنه فيرى لا بأس بالجهر بالبسملة لبيان أنها سنة تقرأ، لا لبيان أنه يجهر بها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فالبسملة يستحب قراءتها وليست بواجبة، سواء كانت في الفاتحة أو غيرها، والله أعلم.
وأما أبو حنيفة رحمه الله فإنه لا يرى قراءتها في كل ركعة، بل يرى قراءتها في ركعتين، والراجح والله أعلم أنها تقرأ في كل ركعة.
ومما يدل على أنها تقرأ في كل ركعة أولاً: أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت أنه قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وقوله: (لا صلاة) فالركعة تسمى صلاة، ومن المعلوم أن صلاة الوتر تسمى صلاة، مع أنها ركعة، فدل ذلك على أن كل ركعة بركوعها وسجودها يخاطب العبد أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وقد جاء في رواية رواها الشالنجي من أصحاب الإمام أحمد : ( لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب )، وهذه إن صحت فهي نص في وجوب قراءتها في كل ركعة، إلا أنه قد أنكرها كثير من أهل الحديث، فقد قال ابن الجوزي : هذا لا يعرف، ومما يدل على نكارتها أنها ليست من ألفاظ البخاري و مسلم ، ولم يتركها البخاري و مسلم إلا لبيان ضعفها، ولكن جاء في طريق من حديث أبي سعيد عند ابن ماجه أنه قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة )، ولكن هذا الحديث ضعيف، في سنده رجل يقال له: أبو سفيان السعدي ، والراجح والله أعلم أن هذه الرواية ضعيفة، ولكن فعله صلى الله عليه وسلم قد فسره لنا ما جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب )، وهذا يدل على أن فاتحة الكتاب تقرأ في كل ركعة، وهذا هو الصحيح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأما وجوبها فهل تجب في حق الإمام والمنفرد فقط، أو في حق المأموم أيضاً؟ نقول: إن قراءتها في حق الإمام والمنفرد ركن، وأما قراءتها في حق المأموم فقد اختلف العلماء فيها، وسوف نذكره إن شاء الله في آخر صفة الصلاة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومن المسائل أيضاً: أنه يجب قراءة الفاتحة بتشديداتها، وسكتاتها، ولا يجوز الفصل الطويل بين آياتها، ولا قراءة بعض آياتها دون بعض، أو قلب بعض آياتها، وهو ما يسمى: بالتكبيس، وعدم ترتيبها مثل أن يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، فلا يجوز، فمن فعل ذلك فإنه لم يقرأ بأم الكتاب.
وإذا أسقط الإنسان حرفاً منها فكأنه لم يقرأها، فيجب عليه أن يأتي بها.
وإذا لم يأت بها حتى طال الفصل فإنها لا تصح صلاته، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم خلافاً لـأبي حنيفة في قوله: إذا قرأها مرتين فإنه يجزئ، والراجح خلاف ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فإذا انتهى من قراءة الفاتحة فإنه يستحب للجميع -أي: للإمام والمأموم والمنفرد- أن يقولوا: آمِين، ولا يقولوا: آمِّين؛ لأن آمِّين معناه: (قاصدين)، كما قال الله تعالى: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2] يعني: قاصدين.
وأما (آمين) فمعناها: اللهم استجب، وعلى هذا فيشرع للمأموم والمنفرد والإمام أن يقولوا: (آمِين).
أما الإمام والمأموم في الصلاة الجهرية فيشرع لهما أن يجهرا بها.
وأما المنفرد فإنه لا يجهر بها؛ لأنه يقرؤها مثل ما يقرأ بفاتحة الكتاب.
وأما استحباب ذلك فإن هذا هو المعهود، كما جاء في حديث وائل بن حجر قال: ( كان يقول: آمِين، يجهر بها )، وهذه رواية سفيان .
وأما رواية شعبة ، عن حجر بن العنبس ، عن وائل ففيها: ( يمد بآمين ).
وإذا ثبت هذا فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجهرون بها، ولهذا روى عبد الرزاق و ابن خزيمة ، عن عطاء أنه سئل: أكان ابن الزبير يؤمَّن إذا قرأ بأم القرآن؟ قال: نعم، وكان يجهر بها ويجهر بها من خلفه، حتى إن للمسجد للجة. و عطاء قد أدرك ابن الزبير ، و ابن الزبير قد صلى خلفه الصحابة، وهذا يدل على أنهم يجهرون بها.
والمقصود بالجهر هو أن يسمع نفسه ويسمع من بجانبه، وليس المبالغة في ذلك الذي يؤدي إلى إزعاج المصلين، ولكن إذا جهر بها فأسمع نفسه وأسمع من بجانبه فإنه يكون للمسجد لجة أو ضجة كما جاء في بعض الروايات، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فيستجب للإمام أن يقول: (آمِين) ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه ).
وجاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة : ( وإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ذنبه )، والحديث أصله عند مسلم .
فهذا يدل على أن المأموم يؤمِّن، وكذلك الإمام، وهذا هو الصحيح.
الراجح والله أعلم أن معنى (إذا أمن الإمام فأمنوا): إذا بدأ الإمام في (آمين) شرع للمأموم أن يقول: (آمين).
ومعنى (شرع) أي: إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فإذاً هو بدأ في التأمين، وليس معنى ذلك أن يوافقه، هذا هو الظاهر، ومما يدل على ذلك رواية مسلم : ( وإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين ).
فدل على أن معنى حديث: ( إذا أمن الإمام فأمنوا )، يعني: إذا شرع الإمام في قول: آمين، وهذا لا يتأتى إلا بعد قول وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].
إذا ثبت هذا فإن جماهير أهل العلم قالوا باستحباب التأمين، ونقله أبو عمر بن عبد البر إجماعاً خلافاً لـابن حزم ، فإنه قال: بوجوب ذلك، والصحيح عدم الوجوب؛ لأن (آمين) ليست من القرآن، وليست من الفاتحة، والوجوب إنما هو في قراءة الفاتحة، ولما جاء في الصحيحين من حديث المسيء في صلاته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته أن يؤمن، فدل ذلك على أن التأمين ليس بواجب، وهذا قول عامة أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم.
مثاله: لو أن ابنته أو ولده أو قريباً له خارج الصلاة وهو يصلي، أو امرأة عجوز تصلي، فيقول القارئ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فيقول المصلي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] يلقنه؛ فإنه لا حرج في ذلك، كما أشار إلى ذلك الحنابلة وغيرهم.
فإذا علم هذا فإن الإنسان إذا كان ليس عنده من الفاتحة شيء، أو عنده بعض الفاتحة فماذا يصنع؟
الجواب: لا يخلو العاجز عن الفاتحة من أربعة أحوال:
الحال الأولى: يستطيع أن يقرأ بعض آيات الفاتحة، ويعجز عن البعض الآخر، والوقت وقت صلاة ولا يستطيع أن يتعلم، فمثلاً يقرأ أربع آيات، والآيات الأخر لا يستطيعها، فما الواجب؟
الراجح أن الواجب هو أن يقرأ هذه الأربع، ولا يلزم أن يكررها حتى تكون سبع آيات؛ لأن الحديث: ( هي السبع المثاني، والقرآن العظيم )، فإذا كان يحفظ أربعاً فلا يلزم أن يكرر الأربع حتى تكون سبعاً، خلافاً للشافعية والحنابلة، وهي رواية عند الإمام أحمد ذهب إليها ابن حزم أنه يلزمه أن يقرأ بأربع آيات من غير تكرار ولا إعادة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
ولما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).
الحال الثانية: أن يحفظ بعض آيات الفاتحة وبعض السور، فيحفظ مثلاً أربع آيات من الفاتحة، ويحفظ أربع آيات من سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].
فهذه لو قرأها مع الفاتحة فسوف تكون ثمان آيات، فهل يجب أن يقرأها مع الفاتحة، أم الواجب إنما هو قراءة ما يحفظ من الفاتحة؟
اختلف العلماء في ذلك، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يقرأ أربع آيات من الفاتحة، وبعض السور التي تكمل بها آياتها سبعاً، فإذا كان يحفظ أربع آيات قرأها وقرأ ثلاث آيات من غير الفاتحة حتى تكون سبع آيات.
وذهب الحنابلة إلى أنه يقرأ آيات الفاتحة مرتين، حتى تكون سبع آيات.
وذهب ابن حزم وهو رواية عند الإمام أحمد : أن الواجب أن يقرأ أربع آيات من غير تكرار، ولا تجب قراءة بعض السور، ولعل هذا القول أظهر؛ لأن الواجب إنما هو القراءة بأم الكتاب، ولما عند الإمام أحمد من حديث رفاعة بن رافع : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله )، فقوله: (إن كان معك قرآن فاقرأ) فأربع آيات قرآن.
الحال الثالثة: إذا كان لا يحفظ شيئاً من الفاتحة، ولكنه يحفظ بعض الآيات، فما الواجب في حقه؟
الذي يظهر أن الواجب في حقه أن يقرأ بعض هذه الآيات؛ لقوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ [المزمل:20]؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رفاعة بن رافع : ( فإن كان معك قرآن فاقرأ )، فهذا أمر بأن يقرأ مقدار سبع آيات.
الحال الرابعة: ألا يكون معه شيء من القرآن، لا من الفاتحة، ولا من غيرها من القرآن، فما الذي يجب عليه أن يصنع؟
الجواب: الذي يجب عليه أن يصنع أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومما يدل على ذلك أن عبد الله بن أبي أوفى روى: ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنه ليس عندي من الفاتحة شيء، فعلمني ما يجزئني في صلاتي، فقال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله )، وهذا الحديث في سنده ضعف، فإنه يرويه رجل يقال له: إبراهيم السكسكي ، وهو ضعيف، كما أشار إلى ذلك الإمام النسائي وغيره.
لكن أحسن شيء في الباب حديث رفاعة بن رافع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وهلله وكبره )، والحديث رواه أبو داود ، وصححه ابن خزيمة .
ومما يدل على ذلك ما جاء في حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أحب الكلام إلى الله بعد القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت )، والحديث أصله في الصحيحين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فالأخرس إذا كان لا يستطيع شيئاً فإن الواجب في حقه أن يقوم مقدار الواجب، فيسكت، ثم بعد ذلك يركع، هذا هو الراجح، والله أعلم.
فإن كان لا يحسن الحمد ولا غيرها، فإن الشافعية وبعض الحنابلة يقولون: إنه يسكت، ولكن بمقدار الفاتحة، ثم يركع؛ لأن أصل القيام الركوع والسجود بحد ذاته عبادة.
نقول: جماهير أهل العلم استحبوا بعد الفاتحة وبعد التأمين أن يقرأ الإمام سورة؛ لقوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ [المزمل:20].
ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة : ( أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية )، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة بعد الفاتحة.
ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي برزة الأسلمي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر، أو في صلاة الصبح بما بين الستين إلى المائة، قال: وكان يخرج من الصلاة، وإن أحدنا لا يعرف جليسه )، وفي بعض الروايات: ( وإن أحدنا ليبصر مواقع النبل )، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ طوال المفصل في الفجر.
وثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة في قصتها: ( أنها شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها وجعة، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة )، والحديث في الصحيحين من حديث جبير ، وفيه: ( فقرأ صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بسورة الطور ).
وقد جاء في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر بـ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، ثم خفف بعد ) فهذه هي السنة في قراءة الفجر.
فإن كان به عذر كمرض أو سفر فقرأ ببعض السور القصيرة فلا حرج في ذلك، فقد جاء عند أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] مرتين في الركعة الأولى والثانية )، وهذا يدل على الجواز لا على الاستحباب؛ لأن الفعل في الأصل يدل على الجواز، فإذا لم يتكرر دل على أنه جائز.
( وقرأ المعوذات في السفر ) كما عند الترمذي من حديث عقبة بن عامر ، وغير ذلك.
ومما يدل على ذلك ما جاء في حديث جابر بن سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ (الليل إذا يغشى) ونحوها من السور ).
وجاء عند أهل السنن من حديث جابر بن سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ (والسماء والطارق)، (والسماء ذات البروج) ونحوها من السور )، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ من أوساط المفصل.
وجاء في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر بأصحابه، فلما سلم قال: أيكم الذي قرأ بسورة سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]؟ فأرم القوم، فقال: أيكم الذي قرأ بها؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، ولم أرد بها إلا الخير، قال: قد علمت أن بعضكم خالجنيها )، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الظهر بمقدار (سبح اسم ربك الأعلى)، وهذا يدل على أن أوساط المفصل تقرأ في الظهر والعصر.
ومما يدل على ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية ).
وقوله: (قدر ثلاثين آية)، إذا حسبت وقدرت الفاتحة بسبع آيات فما بعد ذلك يكون بقدر ثلاث وعشرين آية كان يقرأها صلى الله عليه وسلم في الظهر، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ من أوساط المفصل.
ولا مانع أن يطيل أحياناً في صلاة الظهر، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أنه قال: ( كانت صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته ويتوضأ، ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى )، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يطيل صلاة الظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأما العصر فإنها في الغالب تكون أخف من الظهر، ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من العصر قدر نصف ذلك )، يعني: قدر نصف صلاة الظهر، وتقدم أنه كان يقرأ في صلاة الظهر قدر ثلاثين آية، ونصفها خمس عشرة آية، للفاتحة منها سبع آيات، وللسورة بعدها قدر ثمان آيات، وهذا يدل على أن العصر كان يقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بمقدار ذلك.
ولهذا جاء عند أبي داود عن جابر بن سمرة : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ(والسماء والطارق)، (والسماء ذات البروج)، ونحوهما من السور ).
وفي صحيح مسلم : ( أنه كان يقرأ بـ (الشمس وضحاها) )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا فإن العصر والظهر والعشاء يقرأ فيها بأوساط المفصل.
ومما يدل على ذلك ما جاء عند أهل السنن من حديث سليمان بن يسار :أن إمام مكة كان يقرأ في الفجر بطوال المفصل، وفي الظهر والعصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل، فقال أبو هريرة : ما صليت خلف إمام أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا، وهذا يدل على أن هذا هو الأصل.
ولا مانع أن يقرأ ببعض السور الطويلة في المغرب، فقد ثبت في صحيح البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة الأعراف في المغرب )، و( بطولى الطولين ) كما ثبت في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت .
وفي صحيح مسلم من حديث أم الفضل : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: (والمرسلات) )، وقرأ كما عند أهل السنن بسورة الأنفال، وهذا يدل على أنه أحياناً كان يقرأ ببعض السور الطويلة، وهذا لا مانع منه.
ولكن المساجد التي ينتابها أصحاب الحاجات مثل مساجد الأسواق، فإنه لا ينبغي الإطالة في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أنس : ( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأخفف من أجل وجد أمه عليه ).
وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود البدري : ( أيها الناس! أيكم أم الناس فليخفف؛ فإن من ورائه الضعيف، والصغير، وذا الحاجة ).
ومن المعلوم أن مساجد الأسواق ينتابها الناس من ذوي الحاجات، وكذلك مساجد الطرقات، فلا ينبغي للأئمة -هداهم الله- إذا صلوا في مساجد الطرقات أن يطيلوا في الصلاة؛ لأن ذلك مدعاة إلى أن الناس لا يخشعون في صلاتهم، فإذا كان قد فُرِض عليه أن يصلي في مثل هذه المساجد فلا ينبغي الإطالة.
وأما المساجد الداخلة في الأحياء فإن الأصل أن الإنسان لا يأتيها إلا للتربص والبقاء في الغالب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأما سكوت الإمام لأجل قراءة المأموم الفاتحة فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالغ أبو العباس بن تيمية ، فقال في بعض كتبه: إن ذلك بدعة، والجمهور على استحبابها.
والراجح والله أعلم أنها ليست بسنة، وتركها أفضل؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها حديث يعتمد عليه، وأما حديث سمرة فالصحيح أنه ليس فيها، وكذلك حديث عمران بن حصين ، فإن في سنده انقطاعاً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأما أبو حنيفة فإنه قال: يرفع يديه في تكبيرة الإحرام دون غيرها.
والراجح والله أعلم أنه يرفع عند التكبير للركوع أيضاً كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة فإنه قال: ( كبر فرفع يديه حذو منكبيه حين كبر، ثم رفع يديه حذو منكبيه حين كبر للركوع )، وهذا يدل على أنه كان يرفع يديه.
وأما ما جاء من حديث ابن مسعود أنه قال: لأصلين بكم صلاة أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الراوي: فرفع ابن مسعود يديه مرة ولم يعد، وفي رواية: ولا يعود، فهذا الحديث لا يصح مرفوعاً، والذي يظهر والله أعلم أنه حديث ضعيف، فلا يصح حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع مرة واحدة.
وأما عن الصحابة فنعم، فقد جاء عن عمر رضي الله عنه بسند جيد أنه كان يرفع يديه مرة ولا يعود، وكذلك ثبت عن مجاهد عن ابن عمر : أنه كان يرفع مرةً واحدة ولا يعود، فهذا يدل على الجواز، ولا يدل على الأفضلية؛ لأن السنة هو فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وقد بالغ الإمام البخاري -غفر الله لنا وله- في رده على أبي حنيفة في كتابه رفع اليدين في الصلاة، وبالغ في إنكاره على أبي حنيفة مبالغةً شديدة، والراجح والله أعلم أن كل فعل يفعله الصحابة، فمن قلدهم في ذلك فلا عتب عليه ولا إنكار، وإن كان الأفضل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فالسنة إذا أراد أن يركع أن يرفع يديه حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، لما ثبت في صحيح البخاري و مسلم من حديث ابن عمر ، ولما جاء عند أهل السنن من حديث وائل بن حجر .
فإذا كبر للركوع فإن السنة أن يرفع مع التكبير، أو يكبر فيرفع، وأما أن يرفع فيكبر فقد قلنا: إنها رواية مختصرة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
لحديث أبي حميد الساعدي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع هصر ظهره )، والحديث عند البخاري .
وعند مسلم من حديث عائشة : ( لم يشخص رأسه، ولم يصوبه )، أي: لم يطأطئ رأسه طأطأة شديدة، ولم يرفعه.
وبعض المصلين -هداهم الله- إذا أراد أن يركع يرفع رأسه، وهذا ليس من السنة، أو ينزل رأسه إنزالاً شديداً، وهذا ليس من السنة، والسنة أن يجعل رأسه موازياً لظهره: ( لم يشخص رأسه ولم يصوبه )، في حديث عائشة ، وفي حديث أبي حميد : ( هصر ظهره )، يعني: وازاه.
وعلى هذا فإن السنة أن يقبض يديه على ركبتيه وأن يفرجهما عن جنبيه، ويمدهما مثل الوتر، كما جاء ذلك في حديث أبي حميد .
وبعض الناس يخطئ فيجعل يديه منحنيتين حال الركوع، وهذا ليس من السنة، ولهذا قال: ( وتر يديه )، قال ابن الأثير : أي جعل يديه كالوتر، فالسنة أن يمدهما، فإذا مدهما وصار ظهره مائلاً فلا حرج عليه؛ لأن هذه خلقة خلقها الله عليه، أما أن يحاول أن يجعل ظهره متوازياً في حين أنه يظل يخطئ في هذه السنة فهذا ليس من السنة، بل السنة أن يمد يديه، ويفرجهما عن جنبيه، كما جاء في حديث أبي حميد : ( أنه جافى عضديه عن جنبيه ).
وأما ما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : (أنه كان يطبق)، فهذا يدل على أن ابن مسعود قد خفيت عليه هذه السنة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وإلى ذلكم الملتقى كونوا معنا، ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وحسن مرضاته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر