اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن ينفعنا بما نسمع ونقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الإخوة والأخوات! كنا قد تحدثنا في درس سابق عن بعض مسائل الصلاة التي ذكر أهل العلم بأنها مكروهة، وذكرنا الخلاف: هل هي مكروهة أم لا؟ على تفاصيل وتفريعات لعلها تكون كافيةً بما يتناسب مع الوقت الذي قد خصص لهذا البرنامج.
ولعلنا نكمل بعض المسائل التي ذكر أهل العلم أنه يجوز للإنسان أن يفعلها حال الصلاة.
جاء في ذلك حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعد الآي في الصلاة)، ولكن هذا الحديث ضعيف، ولا يصح في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث.
وأحسن شيء في الباب ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده)، وفي رواية: (بيمينه)، وهذا الحديث ضعيف؛ تفرد به محمد بن قدامة ، و محمد بن قدامة لا يصح تفرده، ولهذا فالذي يظهر أن أصح الروايات في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده)، وهذا سواء كان في صلاة أو خارج الصلاة فكل ذلك يدل على الجواز.
وقد كان بعض السلف كـأبي عبد الرحمن السلمي و الحسن البصري وغيرهما يرون أنه لا بأس بعد الآي في الصلاة، وهذا يدل على جوازه.
ومما يدل على جوازه أيضاً ما رواه أهل السنن من حديث سليمان بن يسار : ( كان أمير مكة يصلي بنا، يقول: فحزرنا قيامه فركوعه قدر عشر تسبيحات، ثم قال في آخر الحديث: قال
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية)، وهذا لا يتأتى في الغالب إلا مع نوع حزر وعد، ولهذا لا حرج إن شاء الله أن يعد الإنسان بأصابعه أو بقلبه، فكل ذلك جائز، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
النوع الأول: أن يفتح على إمامه في ركن، سواء كان ركناً قولياً أو فعلياً، والركن القولي مثل الفاتحة، فإذا أخطأ الإمام ولحن لحناً يحيل المعنى في قراءة الفاتحة، فإن الراجح أنه يجب عليه أن يفتح عليه، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، ومنهم مالك و الشافعي و أحمد ؛ خلافاً لـأبي حنيفة لأنه لا يرى وجوب الفاتحة إلا في ركعتين، فإذا كان قد قرأ في بعض ذلك فإنه يرى أن ذلك مباح، والراجح أنه إذا كان في الفاتحة فإنه يجب عليه أن يفتح على إمامه.
النوع الثاني: أن يفتح على إمامه إذا أخطأ الإمام في ركن، مثل أن يقوم في موضع الجلوس، أو جلس والواجب أن يقوم؛ على المؤتم فيجب أن يبين لإمامه لأجل ألا يختلف عليه الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا تختلفوا علي)، وهذا من الاختلاف، فحينما يعلمون أنه أخطأ ويطلب منهم المساعدة فلابد من الفتح عليه، ويخطئ في ذلك بعض الناس حينما لم يفتح على إمامه.
النوع الثالث: الفتح على الإمام في قراءة ليست واجبة، مثل أن يقرأ بعد الفاتحة سورة، فإن الحنابلة والمالكية قالوا: إن الفتح على الإمام في غير الفاتحة من القراءة جائز.
وذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه مستحب، وهو أيضاً مذهب أبي حنيفة ؛ لأن أبا حنيفة لا فرق عنده بين الفاتحة وغيرها.
ولعل ما ذهب إليه الشافعي أقرب، فقد روى أهل السنن: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، فلما سلم قال لـ
وهذا يدل على أنه ينبغي أن يفتح على الإمام، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)، وهذا يدل على الأمر، ولا فرق بين أن يكون الفتح بالقراءة أو غيرها، والخلاف إنما هو في الاستحباب أو الوجوب، وعلى هذا فالراجح هو مذهب الشافعي رحمه الله أن الفتح على الإمام في قراءة ليست واجبة مستحب لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني).
وهذا الحديث إسناده جيد، فإنه يرويه ضمضم بن جوس ، عن أبي هريرة ، وإسناده لا بأس به، وقد صححه غير واحد من أهل العلم.
وقد قسم الفقهاء رحمهم الله الحركة في الصلاة إلى أحوال:
الحال الأولى: إذا كانت الحركة كثيرة من غير ضرورة ولا تفريق بينهما -يعني ما بين ركعة وركعة ثانية- فإنها مبطلة للصلاة ولو سهواً، فإن أطال الفعل عرفاً من غير ضرورة ولا تفريق تبطل الصلاة ولو كان عن سهو؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الصلاة لشغلاً)، كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، وقال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، والحركة الخارجة عن الصلاة هي من أفعال الناس وليست من العبادة، فقالوا: إنها مبطلة.
والراجح والله أعلم أن ذلك إن كان عن عمد فإن الصلاة تبطل، وهذا مذهب الحنابلة وإن كان يريد أن يقتل الحية والعقرب وكان التحرك طويلاً كأن بدأ يلاحقها بحيث يظن من رآه أنه خارج الصلاة فإن صلاته باطلة؛ لأنه فعل ذلك متعمداً.
الحال الثانية: إن كانت الحركة يسيرة بحيث انحرف عن القبلة فإن الصلاة باطلة؛ لأنه فعل ذلك متعمداً، وهو يعلم أنه في الصلاة.
الحال الثالثة: أن يفعل ذلك ساهياً، وصورتها فيما لو سلم الإمام ولم يكمل الصلاة، فتحرك المأموم، فهذه الحركة ولو طالت من غير ضرورة ولا تفريق فإن الصلاة صحيحة خلافاً للحنابلة.
ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عمران بن حصين في قصة ذي الخويصرة حينما قال: (صلينا صلاة الظهر ثلاث ركعات، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته، ثم أخبر فخرج يجر إزاره، ثم أكمل بهم ركعة).
وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم تحرك فخرج من المسجد، ثم ذهب إلى بيته، وقد حل بعض ثيابه، ثم خرج، فهذه كلها حركات، ويدل ذلك على أن هذه الحركة وإن كثرت لا تبطل لأن هذه الإطالة لمصلحة الصلاة، ولهذا كان الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة، كما في قصة ذي اليدين ، فإنه قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم أنس ولم تقصر، قال: بلى قد نسيت)، وهذا كلام لمصلحة الصلاة، فلا حرج إن شاء الله، ولكن إذا طال الفصل جداً بطلت الصلاة، فالبطلان هنا لأجل إطالة الفصل لا لأجل الحركة، خلافاً للحنابلة فإنهم يقولون: لأجل الحركة، وأما الإطالة فهي شيء آخر، فهم يرون البطلان من وجهين: إن طال الفصل، أو طالت الحركة.
والراجح أنه إن طالت الحركة ولم يطل الفصل فلا حرج في ذلك إذا كان ذلك لمصلحة الصلاة، كما في قصة ذي اليدين، وكما في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وصفة التصفيق كما ذكر بعض الفقهاء كالحنابلة فقالوا: تصفق بظهر كفها مع باطن الأخرى؛ لأجل ألا يكون فيه نوع من الطرب وغير ذلك؛ لأن بعض الفقهاء منع أن تصفق المرأة براحتيها؛ لأن هذا الصوت له أثر من حيث الطرف.
والراجح والله أعلم أنه يجوز أن تصفق المرأة سواء بظهر كف مع باطنه الآخر كما قال بعض الفقهاء، أو بباطن راحتيها بالراحة الأخرى فكل ذلك جائز؛ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
وهذا يدل على أن الفقهاء رحمهم الله كانوا يتورعون من إقدام النساء على مخالطة الرجال، أو على الدخول في أتون مجالس الرجال، حتى لا يقع في ذلك إغراء وغير ذلك، ولكن نقول: إن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم مطلقة، وإن كان بعض الفقهاء قد نظر إلى المعنى، وهذا يعطينا دلالة على أن ما يريده بعض المغرضين من استلال بعض الكلمات التي تأتي من هنا أو هناك من كلام بعض الفقهاء لا يسعفهم؛ لأنهم كانوا رضي الله عنهم وأرضاهم سداً منيعاً ضد أي انفتاح أو غير ذلك مما يريده المغرضون، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27]، وعلى هذا فإن المرأة تصفق.
قال بعض الفقهاء: فإن كان زوجها أو بعض محارمها يصلي بها وليس ثمة أجانب فلو سبحت فجائز، خاصةً إذا لم يستطع المصلي أن يفقه شيئاً من صلاته، بحيث لو صفقت وهو لا يدري فربما قام وربما جلس، فلو قالت بعض الآيات التي تبين له الفعل مثل أن تقول: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، فلا حرج، والرجل مثلها. وسوف يأتي إن شاء الله تفصيل هذه المسائل في مسألة الكلام في الصلاة.
القسم الأول: أن يبصق تلقاء وجهه وهو يصلي أو يبصق عن يمينه وهذا القسم محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه ما دام هو يصلي، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، ولكن عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها)، والحديث رواه البخاري من حديث أبي هريرة .
وعلى هذا فلا يجوز أن يبصق الإنسان تلقاء وجهه، ولهذا عندما ( رأى صلى الله عليه وسلم نخاعةً في قبلة المسجد جعل يحكها ويقول: أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإن الله قبل وجه أحدكم إذا كان يصلي).
وفي حديث الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن الله قبل وجه أحدكم، فإذا التفت فإن الله يلتفت عنه)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا هذا الحديث وقلنا: إسناده جيد، وهذا يدل على أن العبد إذا صلى فإن الله يكون قبل وجهه، وهذا إقبال من الله يليق بجلاله وعظمته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، كما قال أهل السنة والجماعة، وقرره أبو العباس بن تيمية في كتابه العظيم العقيدة الواسطية، وذكر هذا الحديث في صفة القرب، وبين أن هذا القرب قرب يليق بجلاله وعظمته، وهو عال على خلقه، مستو على عرشه جل جلاله، وتقدست أسماؤه.
فهذا القسم الأول، وهو أن يتنخع المصلي قبل وجهه أو عن يمينه.
القسم الثاني: أن يتنخع عن يساره أو تحت قدمه، فهذا إن كان يستطيع أن يتنخع بمنديل أو بثوب فإنه ينبغي له أن يصنع ذلك؛ لما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أو يصنع هكذا وبصق بثوبه ثم جعل يحكه بثوبه )، وهذا يدل على أنه ينبغي أن يصنع ذلك، فإن كان لا يستطيع فينظر، فإن كان في المسجد فإنه لا يجوز أن يبصق في المسجد؛ لما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)، وهذا يدل على أن البصاق في المسجد محرم، حتى لو دفنها بعد ذلك فإن ذلك محرم.
وأما ما ذكره بعض الفقهاء كـالقاضي عياض: أن البصاق لا بأس به إذا كان يدفنها؛ لأن البصاق خطيئة ودفنها حسنة، ولكن الراجح هو مذهب عامة أهل العلم أن البصاق في المسجد محرم، سواء كان في قبلة المسجد أو في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من الكلام، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن).
وفي حديث أنس عندما بال الرجل في المسجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن المساجد لم تبن لهذا، إنما بنيت لذكر الله، والصلاة وقراءة القرآن ).
وهذا يدل على وجوب تطهير المساجد، وقد قالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب)، والحديث عند أبي داود، وبعض الفقهاء قد ضعفه، فهذا يدل على أن البصاق في المسجد لا يجوز، وأما إذا كان ليس في المسجد، مثل أن يكون خارج المسجد فإنه يبصق تحت قدمه أو عن يساره فيدفنها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : (ولكن عن يساره تحت قدمه فيدفنها)، والله أعلم.
وأما إن ابتدرته بحيث لا يستطيع أن يجد منها مناصاً، فإن بعض أهل العلم قال: إذا كان في المسجد تراب فدفنها فلا حرج لتعارض أمرين؛ لأنه لو ابتلعها بعدما خرجت عالماً ذاكراً مختاراً بطلت صلاته؛ لأن لها جرماً، فأصبحت مثل الأكل والشرب، ولو بصق فدفن فإن هذه خطيئة ولكن كفارتها دفنها، ولعل هذا القول قوي، وهو إذا كان في المساجد مثل الرمال، وأما المساجد التي تكون فيها الفرش فإنه يبصق بثوبه، فإذا شق ذلك عليه فلا حرج أن يقطع صلاته إذا كانت لها جرم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
نحن ذكرنا هذا وقلنا: يستحب للإنسان أن يصلي إلى سترة، وقلنا: إن هذا مذهب جماهير أهل العلم، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وقد نقل بعضهم الإجماع على استحبابها، والواقع أنه ليس في المسألة إجماع، فقد خالف في ذلك أحمد في رواية، وكذلك ابن خزيمة، وكذلك ابن حبيب من المالكية، وكذلك الشوكاني ، وقالوا: إن ذلك واجب.
والراجح والله تبارك وتعالى أعلم عدم الوجوب.
وقلنا: إن أقرب دليل على عدم الوجوب ما رواه مسلم في صحيحه من حديث طلحة بن عبيد الله أنه قال: ( كنا نصلي والدواب تمر بين أيدينا، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم، ثم لا يضره ما مر بين يديه).
وجه الدلالة: أن ترك السترة كان معروفاً عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان كل أمر يفعله الصحابة من غير نكير من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز، وهذا يسميه العلماء السنة التقريرية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومن الأدلة على عدم الوجوب أيضاً ما جاء في حديث البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (أقبلت على حمار أتان بين يدي الناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إلى غير جدار بمنى)، وهذا الحديث قلنا: إنه ليس فيه دلالة ظاهرة على ترك السترة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع في منى أو غيرها الحربة؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة فتوضع بين يديه، فيصلي والناس وراءه، ومن ثم اتخذها الأمراء)، وهذا يدل على أنهم كانوا يصنعون ذلك.
أما الحديث الذي رواه الفضل بن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير شيء يستره)، فهذا الحديث ضعيف لا يفرح به، وإن حاول الشيخ أحمد شاكر أن يحسنه في المسند، ولكن الحديث ضعيف؛ لأن في سنده الحجاج بن أرطاة ، وهو مع ضعفه مدلس.
وقد جاء أيضاً من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير شيء يستره)، وهذا أيضاً حديث ضعيف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وعلى هذا فالراجح أن السترة مستحبة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم إلى شيء فليصل إلى سترة، وليدن منها).
وأما مقدار ما يجعل من موضع قدميه إلى السترة، فإن الأفضل أن يجعل ثلاثة أذرع، لما جاء عند أهل السنن من حديث بلال : ( أن
والحنابلة رحمهم الله يقولون: إن الإنسان إذا مر بين يديه فإنه يمنع، سواء وضع الإنسان سترة أو لم يضع سترة، وهذا أقرب خلافاً لبعض أهل العلم.
فإن بعض أهل العلم قالوا: إذا لم يضع سترة فلا يمنع أحداً أن يمر بين يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم لشيء، فأراد أحد أن يمر بين يديه)، ولكن الذي يظهر والله أعلم أن هذا من باب بيان الحقوق، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره وأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفعه )، قال أهل العلم: هذا لبيان حقه، وإلا فإن لم يضع فإن له أن يمنعه مقدار حريم القبلة.
وأقول: حريم القبلة هو مقدار ثلاثة أذرع، وهذا أظهر خلافاً لـابن القيم رحمه الله؛ ولأن المنع لأجل ألا تبطل صلاته، خاصةً إذا كانت امرأة حائضاً -أي: بالغة- أو كلباً كما سوف يأتي إن شاء الله تفصيل هذا في آخر الدرس.
واستدل العلماء على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث طلحة بن عبيد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم، ثم لا يضره ما مر بين يديه)، وهذا يدل على أن الأفضل أن تكون مثل مؤخرة الرحل، فإن كانت طويلة فلا حرج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالحربة فتوضع بين يديه.
ويدل على ضعفه أحاديث كثيرة، منها: حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم، فليجعل تلقاء وجهه شيئاً )، والحديث كما سوف يأتي بيانه في سنده كلام طويل، وهي مسألة الخط.
ومما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى أحدكم إلى شيء فليصل إلى سترة، وليدن منها)، وهذا يدل على أن الإنسان إذا نصبها أو استقبلها فلا حرج في ذلك.
ومما يدل على ذلك قصة عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وجعل قبلته السرير، قالت: فاستقبل السرير وأنا معترضة بين يديه)، وهذا يدل على أنه لا بأس أن يستقبل الشيء، والحديث الوارد في النهي عن هذا حديث ضعيف كما ضعفه ابن القيم وغيره، وعلى هذا فلا حرج أن يستقبل السترة وألا يجعلها عن يمينه ولا عن يساره، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
والذي يظهر والله أعلم أن الحديث ضعيف.
وبعضهم يقول: يجعل الخط على هيئة هلال؛ لأنه جاء في بعض الروايات أن الراوي الذي ذكر هذا جعله على هيئة هلال، والذي يظهر أنه لا يلزم أن يجعله على هيئة هلال، فلو جعل كومةً مرتفعةً أو قلماً فإن ذلك ينفعه إن شاء الله، أما الخط أو خط الفراش فإن هذا لا ينفع، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
هذه المسألة من أشكل المسائل في الصلاة، فأقول والله المستعان إن المسألة فيها أقوال:
القول الأول: مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي وهو أنه لا يقطع الصلاة شيء، فإذا صلى الإنسان ومر بين يديه رجل، أو امرأة صغيرة أو كبيرة، أو كلب أسود، أو حمار أو غيره، فإن ذلك لا يقطع صلاته.
والعجيب في هذه المسألة أن الخطابي رحمه الله قال عنها: وعليه أكثر أهل العلم، يعني أنه لا يقطع الصلاة شيء.
وفي المقابل فإن الترمذي حينما ذكر حديث أبي ذر : ( إذا صلى أحدكم إلى سترة؛ فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب
فهذه من المسائل التي نقل بعضهم أن أكثر أهل العلم على القطع، ونقل بعضهم أن أكثر أهل العلم على عدم القطع.
وقد استدل أصحاب هذا القول بما جاء عند الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري ، ومن حديث علي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم )، أو ( لا يقطع الصلاة شيء )، والحديث الوارد في هذا لا يصح مرفوعاً، والصواب وقفه على أبي سعيد الخدري ، وقد حاول الشيخ أحمد شاكر في تحقيق جامع الترمذي أن يحسنه لرواية الباغندي ، ولكن الباغندي ليس من المعروفين في الأحاديث التي عليها المدار، وقد ذكر الإمام ابن رجب في كتابه العظيم شرح العلل: أن الاعتماد في الأحاديث إنما هو على الكتب المسندة المشهورة، كـالبخاري ، و مسلم ، و أحمد ، و مالك ، و الدارمي ، و أبي داود ، و الترمذي ، و النسائي ، و ابن ماجه ، فهذه هي الكتب المعتمدة، كذلك أيضاً السنن الكبرى للبيهقي ، ولا يكون الاعتماد على فوائد تمام، أو الديلمي، أو الطبراني، فإن الطبراني إنما وضع كتابه هذا لبيان الوهم، ولهذا ينبغي أن نستفيد من كتاب الطبراني لبيان التفرد، أو للمتابعات إذا كان أصله في السنن أو في الصحيحين أو في مسند الإمام أحمد، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وعلى هذا فالذي يظهر أن أحاديث (لا يقطع الصلاة شيء) كلها ضعيفة، ولكن هو قول أبي سعيد الخدري، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
القول الثاني: هو مذهب الحنابلة وهو أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، واستدلوا بحديث أبي ذر : ( فإنه يقطع صلاته المرأة، والحمار، والكلب الأسود. قال الراوي
وهنا سؤال وهو بما أن الحنابلة يستدلون بهذا الحديث على أن الكلب الأسود يقطع الصلاة، فلماذا لم يقولوا بأن المرأة والحمار يقطعان الصلاة؟
قالوا: لأن قطع المرأة والحمار منسوخ؛ فأما المرأة فلما جاء في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: (شبهتمونا بالحمير والكلاب، والله لقد كنت مضطجعةً على السرير ورسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل السرير يصلي إليه، فتبدو لي الحاجة فأنسل من عند رجليه)، يعني: من عند رجلي السرير، فمن هذا قال الحنابلة: إن المرأة لا تقطع الصلاة.
وأما الحمار فلما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه قال: (أقبلت على حمار أتان، فمررت بين يدي الصف)، ولهذا الحديث قال الحنابلة: إن الحمار لا يقطع الصلاة.
القول الثالث: وهو رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية، وهو مذهب ابن حزم أن المرأة البالغة والحمار والكلب الأسود كل هذه تقطع الصلاة، وردوا على أدلة القول بعدم قطع المرأة والحمار للصلاة فقالوا: أما بالنسبة لاستدلالهم لعدم قطع المرأة بحديث عائشة رضي الله عنها فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل سترته السرير، وليست سترته عائشة رضي الله عنها؛ فإن الإنسان إذا صلى وشخص أمامه فوق السرير فإنه إن مر يمر بعد السترة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ثم لا يضره ما مر بين يديه)، فـعائشة مرت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بينه وبينها السرير، فبالتالي لم تكن عائشة مارة.
أما قولهم بأن الحمار لا يقطع الصلاة واستدلال بحديث ابن عباس ، فإن ابن عباس إنما مر بين يدي الصف، كما في الرواية، ولو مر ابن عباس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين السترة لقلنا هذا يقطع الصلاة؛ لقول ابن عمر كما عند عبد الرزاق بسند حسن: ( سترة الإمام سترة من خلفه )، وقد جاء مرفوعاً ولا يصح، والصواب وقفه على ابن عمر.
ولهذا فإن ابن عباس مر بين يدي الصف وهذا لا يقطع الصلاة؛ لأن مرور الإنسان أو المرأة أو الكلب أو الحمار بين يدي الصف لا يقطع الصلاة؛ لأنه لم يمر بين يدي الإمام -بينه وبين القبلة- ولذلك تكون صلاته صحيحة.
وعلى هذا فأقول: إن مذهب ابن حزم و ابن تيمية أنه يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود، هو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز ، وشيخنا محمد بن عثيمين.
وقد كنت في السابق أرجح حديث أبي ذر، لكن يشكل على هذا مسألة هل هو قطع تبطل به الصلاة أم لا؟ فكونه قطع يبطل الصلاة مشكل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثم لا يضره ما مر بين يديه)، وقال: (إذا صلى أحدكم إلى شيء، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله )، فلم يفرق صلى الله عليه وسلم بين امرأة ورجل، فدل ذلك على أن المقصود قطع الكمال لا قطع الصحة، والمسألة بحاجة إلى تأن، والحقيقة أنني لم يتبين لي ذلك بعد.
والإنسان أحياناً ربما يرجح قولاً وبعد زمن من كثرة البحوث والتأني والتروي قد يتشكك في هذا الأمر، وينبغي لطالب العلم أن يراجع المسائل مرةً بعد مرة، عله يجد شيئاً يخالف ما اختاره، ولهذا ليس من علامة قلة الفقه أن ينتقل من قول إلى قول، بل هذا دليل على النضج العقلي؛ لأن الإنسان يعتريه ما يعتري الآخرين حال الاجتهاد من ضعف أو قوة ونحو ذلك، فلهذا أقول: أنا متوقف في هذه المسألة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فنقول: الأصل لجواز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فما ثبت عنه أنه فعله في النفل فإننا نفعل كما فعل، ولا فرق في ذلك بين النافلة والفريضة، هذا الذي يظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ولم نقل: باستحباب ذلك؛ لأن كونه لم يفعل ذلك دليل على أن الأفضل ألا يفعل في الفريضة، فإن فعل في النافلة دل على جواز ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الركن الأول: القيام، ومعنى القيام: أن يقوم الإنسان فلا يكبر تكبيرة الإحرام إلا حال قيامه، فإن لم يقم حال تكبيرة الإحرام فإن صلاته لا تصح.
ومن الأخطاء التي يفعلها كثير من المصلين أنه إذا جاء والإمام راكع تجده ينحني ثم يكبر وهذا خطأ، ولا تصح صلاته؛ لأن القيام واجب مع القدرة، فإذا كان قادراً فيجب عليه أن يقوم فيكبر ثم يركع، فإن كبر مرة ثانية لتكبيرة الركوع فلا حرج، بل هو أفضل، فتكون تكبيرة الإحرام لا بد منها، وإن ركع بعد ذلك من غير تكبير فلا حرج؛ لدخول الواجب -وهو تكبيرة الركوع- مع الركن، وهي تكبيرة الإحرام؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن؛ لما جاء عند الترمذي و أحمد من حديث علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير ).
وقولنا بأن القيام ركن؛ لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة المسيء في صلاته أنه قال: (والله لا أحسن غير هذا فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر)، فهذا يدل على وجوب القيام، وكذلك قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومن الأدلة أيضاً ما جاء في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له وهو مريض: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب )، وهذا يدل على أن الإنسان يفعل ما أوجب الله عليه على حسب القدرة؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. فالقيام في الصلاة ركن واجب في الفريضة ولا يجوز للإنسان إذا كان قادراً على القيام أن يقعد، وسوف نذكر إن شاء الله في صلاة أهل الأعذار كيف يصلي المريض، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأما في النافلة فإنه يجوز القعود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً، ولهذا تقول عائشة عندما سئلت: ( أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً؟ قالت: نعم بعدما حطمه الناس ).
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يقرؤها مرتين، وفي رواية عنه مرة، والراجح والله أعلم أنه يقرؤها في كل ركعة، وقد مرت معنا في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقلنا: لأن الركعة تسمى صلاة؛ بدليل أن صلاة الوتر تسمى صلاة، فقوله: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، يدل على أنها تقرأ في كل ركعة، وهذا في حق الإمام والمنفرد.
أما قراءة الفاتحة في حق المأموم فقد اختلف العلماء في ذلك اختلافاً طويلاً، وألفوا في ذلك كتباً تقول بعدم الوجوب، وكتباً تقول بالوجوب، والذي يظهر والله أعلم أن الأقرب هو مذهب أحمد في رواية، وهو مذهب الشافعي واختيار البخاري رحمه الله: أن قراءة الفاتحة في حق المأموم واجبة تسقط مع العجز وعدم الإمكان.
وقولنا: واجبة؛ لما روى زيد بن واقد ، عن مكحول ، عن محمود بن لبيد ، عن عبادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ).
ولم نقل بالبطلان لمن لم يقرأ الفاتحة لما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راكعاً فصلى، فجاء
ووجه الدلالة: أن أبا بكرة لم يقرأ الفاتحة، وعدها النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، فدل ذلك على أنها لو كانت ركناً لما عدت ركعة، ولهذا نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن من أدرك الإمام راكعاً فقد أدرك تلك الركعة، وهذا يدل على أن الفاتحة في حق المأموم واجبة تسقط مع العجز وعدم الإمكان.
ومعنى عدم الإمكان مثل هذا المثال الذي ذكرناه.
ومعنى العجز مثل من لا يستطيع أن يقرأ إلا بأن يرفع صوته ويؤذي من بجانبه، فمن كان كذلك نقول له: لا ترفع صوتك ولو لم تقرأ؛ لأن رفع الصوت الذي يؤذي المصلين منهي عنه؛ لما جاء عند الإمام أحمد و ابن ماجه من حديث أبي سعيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! كلكم يناجي ربه، فلا يؤذ بعضكم بعضاً بالقراءة)، فدل ذلك على أن المأموم لا ينبغي له أن يرفع صوته بحيث يؤذي المصلين، مع أننا نجد كثيراً من المصلين إذا أراد أن يقرأ الفاتحة فإنه يرفع صوته، ويؤذي من بجانبه.
ولهذا إذا قرأ الإمام فإنه إن استطاع المأموم أن يقرأ بينه وبين نفسه وإلا فإن قراءة الفاتحة تسقط في حقه؛ لأن غاية ما يقال في ذلك: إنها واجبة، والواجب يسقط مع العجز وعدم الإمكان.
وأنا قلت أيها الإخوة: إن الإنسان إذا جاء والإمام راكع فقد أدرك الركعة، وهذا إجماع من أهل العلم، وقد نقل الإجماع غير واحد كما ذكر ذلك ابن رجب في فتح الباري، وخالف في ذلك البخاري و ابن خزيمة فرأيا أن ذلك لا يعد إدراكاً للركعة؛ لأنه لم يقرأ الفاتحة، وقد رد ابن رجب في هذا رداً قوياً، وقال: إن هذا مخالف للإجماع كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر ، وكذلك ابن رجب.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.
فالركوع ركن من أركان الصلاة لقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً).
ومن الأركان: الطمأنينة، فإن الإنسان يجب عليه أن يطمئن في صلاته.
ومقدار الطمأنينة أن يعود كل فقار إلى مكانه، وأن يبقى مقدار ما يقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود، و(سبحان ربي العظيم) في الركوع، ومقدار (ربنا ولك الحمد) في القيام بعد الرفع من الركوع، هذا هو الواجب.
هذا هو الراجح وهو أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة؛ خلافاً لبعض الحنفية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ولا يجوز للإنسان أن يخل بهذا الركن، ومع الأسف الشديد فإن بعض المصلين -هداهم الله- إذا كان راكعاً فأراد أن يرفع فإنه يرفع انحناءً يسيراً ثم يهوي ساجداً، وهذا تبطل صلاته، ويصدق عليه قول حذيفة رضي الله عنه كما عند البخاري : (منذ كم وأنت تصلي على هذا؟ قال: منذ كذا وكذا، قال: إنك لم تصل، ولو مت مت على غير سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ).
فلهذا ينبغي للإنسان أن يسأل أهل العلم ويسأل أهل الخبرة، ولا يعتمد على صلاة اعتاد عليها أخذاً عن آبائه وأجداده، وربما تكون باطلة!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر