الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسعد الله مساكم أيها الإخوة الطلاب الذين معنا في الأستديو، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الإخوة والأخوات! كنا قد توقفنا عند بعض المسائل التي ذكر العلماء أنها من أركان الصلاة.
أجمع العلماء على أن السجود ركن من أركان الصلاة، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كـابن حزم ، و النووي ، و ابن هبيرة ، وغيرهم.
ويدل عليه قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، فدل ذلك على أن السجود واجب، ولا يكون هذا الوجوب إلا فيما أوجب الله فيه وهو الصلاة.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السجود لا يكفي إلا أن يسجد ويطمئن في سجوده؛ لما جاء عند الخمسة بسند صحيح عن أبي مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجزئ صلاة الرجل لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجود )، وهذا يدل دلالةً واضحة على أن مجرد وضع الجبهة على الأرض لا يكفي إلا أن يستقر استقراراً فيه سكون، وهذا معنى الطمأنينة في الأركان.
فإذا جاءك سؤال فقال: ما معنى الطمأنينة في الأركان؟ فالجواب: أن الطمأنينة هي السكون في أقل ما يكون.
وقال بعضهم: إن الطمأنينة أن يبقى في الركن بمقدار الذكر الواجب، فإذا كان راكعاً فلا بد أن يبقى مقدار ما يقول: سبحان ربي العظيم، وإذا كان ساجداً فإنه يجلس مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى، وإذا رفع رأسه من الركوع فيبقى مقدار ما يقول: ربنا ولك الحمد.
وأنت ترى أن بعضهم يقول: هي السكون في أقل ما يكون، وبعضهم يقول: هي أن يبقى مقدار ما يقول الذكر الواجب، فهل بينهما خلاف؟ ذكر المرداوي صاحب الإنصاف أن بينهما خلافاً، فلو أنه ركع ولم يذكر سبحان ربي العظيم فإنها لا تجزئ صلاته على القول الثاني، وعلى القول الأول تصح، والذي يظهر والله أعلم أن المقصود بهما واحد، لكن القضية هي في الإطالة في الطمأنينة، فإذا قلنا: هي السكون في أقل ما يكون، فقد يكون السكون بقدر أقل ما يذكر فيه الذكر الواجب أو المشروع؛ لكننا إذا قلنا: هي السكون بقدر الذكر الواجب، فإنه ربما يكون فيه إطالة أكثر من الأول، وعلى هذا فإنه لو لم يذكر هذا على سبيل الجهل والنسيان، فإن الراجح والله أعلم أن صلاته صحيحة؛ لما سوف نذكره من أن من ترك واجباً جاهلاً أو ناسياً فإن صلاته صحيحة، لكن يجبرها بسجود سهو إذا كان إماماً أو منفرداً، أو مسبوقاً، فأما إذا كان مأموماً ولم يفته من الصلاة شيء، فإن الإمام يتحمل صلاته كما سوف يأتي بيانه.
إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإن السجود لا بد فيه من أن يستقر ويطمئن المصلي؛ لما جاء في حديث أبي مسعود ؛ ولما روى الإمام أحمد و البيهقي بسند لا بأس به، من حديث أبي قتادة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسوأ الناس سرقةً، -وفي رواية: أشر الناس سرقة- الذي يسرق من صلاته. قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها، ولا سجودها)، وفي رواية: (لا يتم ركوعه ولا سجوده)، وأنت تجد أن الناس تتقزز نفوسهم إذا رأوا الذي يأخذ أموال الناس أو سمعوا أخباره، وتعلم أن فعله فعل شنيع، وهذا بلا شك أكل لأموال الناس بالباطل، ولكن هناك شيء أسوأ سرقة، وهو الذي لا يتم سجوده ولا ركوعه، ولهذا روى البخاري والإمام أحمد بسند صحيح: ( أن
فدل ذلك على أن أعظم الواجبات بعد الشهادتين هو الصلاة، فإذا لم يتم ركوعها ولا سجودها فيكون أعظم من الذي يأكل أموال الناس وهو يصلي؛ لأنه فعل ظلماً، وقد أدى ما أوجب الله عليه، ويدخل الجنة في المآل، لكن الذي لا يصلي أبداً فإنه على غير الفطرة، وهذا من أدلة من قال من أهل العلم بأن تارك الصلاة الترك المطلق يكفر بذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومن المعلوم أن السجود لا يكفي فيه وضع الجبهة، فلا بد فيه من أن يسجد على سبعة أعظم.
لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)، وهذا يدل على أن هذا من الأركان.
أما الأنف فإن الراجح والله أعلم أنه ليس من الركن، ولكنه من الواجب، وفرق بين الركن والواجب، فلو قلنا إنه ركن فلم يسجد على أنفه جهلاً أو نسياناً فإن صلاته لا تصح، وإذا قلنا: إن وضع الأنف على الأرض واجب فإنه إذا تركه جاهلاً أو ناسياً فإن صلاته صحيحة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة، أعني أنه لا بد أن يسجد على سبعة أعظم، وهي: الجبهة، واليدان، والركبتان، والرجلان، ومن هنا نعلم أن الذين يسجدون ويرفعون أرجلهم رجلاً على رجل، أو يأتي ويحك رجله حتى لا يبقى مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى، أو السكون بقدر ما يكون، وهم ساجدون على هذه الأعضاء السبعة فإن سجودهم لا يصح، لأنه لا بد أن يسجد المصلي على سبعة أعظم مقدار ما يكون فيه السكون، أو مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى، كما ذكرنا في خلاف الطمأنينة.
أما لو جلس مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى وهو ساجد على سبعة أعظم، ثم رفع رجلاً على رجل وما زال ساجداً، فإن ذلك يحرم وقد ترك واجباً.
إذاً السجود على الأعضاء السبعة فيه حكمان: واجب وركن، فالركن أن يبقى مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى، أو أقل ما يكون فيه السكون، والواجب أن يبقى حال سجوده قدراً زائداً على الركن، وعلى هذا فلو أنه سجد على الأعضاء السبعة، ثم سكن مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رجلاً أو بدأ يضع يداً على يد؛ فإن صلاته ناقصة، فإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة، ولكن يجبرها بسجود السهو إن كان إماماً أو منفرداً أو مسبوقاً، والله أعلم.
ومن هنا أيها الإخوة! نعلم خطأ بعض الإخوة الذين لا يسجدون على الكفين، إنما يسجدون أحياناً على الأكواع، أو يسجدون على المرافق، ولا يضعون أيديهم، فإن وضع اليدين ركن من أركان الصلاة.
أما ما يفعله كثير من المصلين من أنه يضع ظهور أصابعه على الأرض، فهذا اختلف العلماء في صحة سجوده، والذي يظهر -والله أعلم- أن صلاته صحيحة، لكنه لا ينبغي له أن يصنع ذلك؛ لأن هذا منهي عنه؛ لأن اليد تشمل الراحة والأصابع، وهو قد فعل أقل ما يطلق عليه لفظ اليد، لكن لا ينبغي له أن يصنع ذلك.
وهل إذا فعلها متعمداً تصح صلاته أم لا؟ المسألة فيها خلاف، وهذا يدل على خطورة هذا الأمر، ومن هنا نعلم خطأ ما يفعله الإخوة حينما يسجدون بهذه الطريقة.
وهنا لابد أن نعلم أن الاعتدال من السجود شيء، والجلسة بين السجدتين شيء آخر.
إذاً: الاعتدال من السجود والجلسة بين السجدتين ركن عند جماهير أهل العلم كما هو مذهب الشافعية والحنابلة.
واعلم رعاك ربي أن مالكاً ليس له قول محفوظ في الاعتدال من الركوع ولا في الاعتدال من السجود، وأما أبو حنيفة فإنه يرى أن ذلك سنة، ومن هنا نعرف خطأ ما يفعله بعض إخواننا الذين هم من بلاد السند، حيث إن الواحد منهم يهوي إلى السجود قبل أن يستتم قائماً، صحيح أن هذا قول أبي حنيفة ، ولكن الراجح -والله أعلم- أن الصلاة لا تصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه في الركوع ولا في السجود)، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث المسيء في صلاته: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً )، وهذا يدل على أن الجلوس بين السجدتين ركن من أركان الصلاة.
وقد استدل أبو حنيفة بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، حيث قال: فليس فيها الاعتدال من الركوع، وليس فيها الاعتدال من السجود، وكل حديث خالف ظاهر القرآن فهو نسخ ولا يقبل إلا أن يكون متواتراً، والأحاديث الواردة إنما هي على سبيل الاستحباب، وهذا منهج ارتآه أبو حنيفة ، وقد أنكر عليه الأئمة رحمهم الله، حيث إن أبا حنيفة يرى أن حديث الآحاد إذا خالف ظاهر القرآن ولو لم يكن فيه مخالفة ظاهرة، فإنه لا يعتد به على سبيل الوجوب، ولكنه على سبيل الاستحباب، ويرى في المقابل جواز نسخ القرآن بالسنة إذا كانت متواترة، وهذا كما قلنا منهج ارتآه أبو حنيفة ، وقد أنكر عليه الأئمة رحمهم الله تبارك وتعالى.
وقد قال أبو عمر بن عبد البر : واعلم أن الأئمة حينما أنكروا على أبي حنيفة لم ينكروا عليه لأجل مسألة الإيمان، وهي مسألة مرجئة الفقهاء؛ لأنه قد سبقه غيره، وإنما أنكروا عليه وغلظوا عليه الإنكار حينما ترك العمل بحديث الآحاد بحجة مخالفته لظاهر القرآن.
والراجح والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا وبين لنا سنتنا في سنته، وكذلك القرآن، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد و أبي داود : (ألا لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بين أمراً من الأمور فإنه يجب العمل به.
ولهذا قال الإمام الشافعي في كتاب الرسالة: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان!
فهذا يدل على أننا متعبدون بأمره صلى الله عليه وسلم، نعم لو كان هذا فعلاً ولم يكن أمراً لقلنا: إنه على الاستحباب؛ لأن القاعدة: أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم الأصل فيها أن تدل على الاستحباب لا على الوجوب، إلا إذا خرج فعله بياناً لمجمل قول كما هو مذهب كثير من الأصوليين، وكما أشار إلى ذلك الشاطبي في الموافقات، و أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وصاحب العدة، وغيرهم.
إذا ثبت هذا فإن الراجح أن الاعتدال والجلسة بين السجدتين؟ ركن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: (ثم ارفع حتى تعتدل جالساً)، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومن الواجبات: التشهد الأول والجلوس له والراجح أنه واجب، خلافاً لجمهور الفقهاء، فإن أبا حنيفة و مالكاً و الشافعي يرون أن التشهد الأول سنة، والراجح والله أعلم أنه واجب، وهو مذهب الحنابلة؛ وذلك لأمور:
أولاً: لأنه صلى الله عليه وسلم سجد للسهو حينما قام من الثانية إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد، كما في حديث المغيرة بن شعبة ، ولا يسجد للسهو إلا لترك واجب.
وهذا الحديث يرويه الطحاوي بسند جيد، وأما رواية أبي داود فهي رواية ضعيفة في سندها رجل يقال له: جابر الجعفي ، وهو متهم بالكذب، ورواية المغيرة بن شعبة هي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعدما قام، وقال: إذا صلى أحدكم فقام من اثنتين ولم يجلس، فإن استتم قائماً مضى وسجد للسهو، وإن لم يستتم قائماً جلس وليس عليه سهو)، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومما يدل على وجوب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في حديث المسيء في صلاته.
ومما يدل على ذلك أيضاً أن حديث ابن مسعود بيَّن وجوب ذلك، كما روى البخاري و مسلم عن ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس أحدكم للتشهد فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين... ) الحديث، فقوله: (فليقل) يدل على أن التشهد واجب، وإذا كان واجباً فما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، وهو الجلوس.
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)، فأمره صلى الله عليه وسلم بالتشهد، وهذا يدل على وجوبه خلافاً لجمهور الفقهاء.
علماً أنني خلطت بين الواجب والركن، فكان الأصل أن أتكلم عن التشهد الأخير، أما التشهد الأول فسوف نذكره، صحيح أن كلامنا ليس فيه غبار فيما بعد، ولكن نحن نتحدث عن الأركان وليس عن الواجبات.
وإذا قالوا: التشهد الأخير فيقصدون به التحيات، والثاني: الجلسة للتشهد الأخير، والثالث. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه ثلاثة أركان عند الحنابلة، وخالف في ذلك أبو حنيفة و مالك و الشافعي في بعض الصور، فقالوا: إن الجلوس للتشهد الأخير ركن، وهذا نستطيع أن نقول: هو قول الأئمة الأربعة، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك، ولا إشكال فيه، لا إشكال، والله أعلم.
فالتشهد الأخير (التحيات) واجب، وكذلك التشهد الأول واجب على الراجح كما سوف يأتي.
فعلى هذا فالتشهد الأخير هو قول التحيات، والراجح أنه واجب، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود : (إذا قعد أحدكم في التشهد -وفي رواية: إذا جلس أحدكم للتشهد- فليقل: التحيات لله).
وذهب الشافعي إلى أن ذلك واجب وليس بركن، وهذا القول قوي، لأن الركن هو الذي لا يسقط بجهل ولا نسيان، ولا يثبت إلا بدليل، مثل أن يقول: لا تجزئ صلاة، أو لا تصح صلاة، وأما إذا قال: أمر بذلك، فهذا غايته أنه مأمور به وهو واجب، أما أن يكون ركناً فهذا لا بد فيه من دليل زائد على الوجوب، فقول الشافعي بأن التشهد الأخير واجب قول قوي، وعلى هذا فلو أنه جلس للتشهد الأخير وغفل، ثم سلم الإمام فسلم معه، فعلى مذهب الحنابلة لا تصح صلاته حتى يقول التحيات، وعلى مذهب الشافعي تصح صلاته إذا طال الفصل، فإن لم يطل الفصل وجب عليه أن يقولها، ثم بعد ذلك إن كان مسبوقاً سجد للسهو، وإن لم يكن مسبوقاً فإنه يسلم ولا حرج عليه، فإن كان مسبوقاً ثم قام فلا يلزمه أن يرجع؛ لأنه دخل في ركن.
وذهب أبو حنيفة و مالك إلى استحباب ذلك.
والراجح أن التشهد الأخير -وهو قول: التحيات- واجب، وليس بركن.
إذاً: التشهد الأخير والتشهد الأول واجبان، هذا هو الظاهر، والله تبارك وتعالى وأعلم.
ومن الأركان عند الحنابلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، وهذا من مفاريد الحنابلة حيث جعلوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركناً.
وذهب جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية في المشهور عندهم إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير سنة، وهذا القول أظهر.
والدليل على أنها سنة، ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قعد أحدكم في التشهد فليقل: التحيات لله، الصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ... إلى أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: ثم ليتخير من الدعاء ما شاء، ثم ليسلم ).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والموطن موطن بيان، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلما بين النبي صلى الله عليه وسلم جواز التسليم بعد ذكر التحيات دون ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، دل على أن الصلاة مجزئة، والله أعلم.
فالحنابلة قالوا بركنية الصلاة على النبي، وفي رواية لهم: أنها واجبة، وفي رواية لهم: أنها مستحبة، والوجوب قول عند الشافعي أيضاً، والقول الآخر عند الشافعي : أنها سنة، والراجح أنها سنة.
أما من قال: بأنها واجب أو ركن فإنه استدل بما جاء في الصحيح من حديث أبي مسعود البدري قال: (قالوا: يا رسول الله! أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد... ) الحديث، وجه الدلالة: (أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟)، فدل ذلك على أنها واجب.
والجواب على هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم عندما سألوه قالوا: (فكيف نصلي عليك)، والمقصود أنهم إنما سألوا عن الكيفية، ولم يسألوا عن الأمر، (إن الله أمرنا أن نصلي عليك)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، ولا يلزم أن يكون هذا في الصلاة، إنما في الصلاة عليه في أي وقت، ومن المعلوم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة ليست بواجبة، وإن كان بعضهم يقول: تجب مرة في العمر لأجل تحقيق الأمر؛ لكن في الجملة أنه إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة ولو خارج الصلاة فقد أدى ما عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، ولكن الصحابة سألوا عن الكيفية ولم يسألوا عن الأمر؛ لأن الأمر ثابت في القرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ [الأحزاب:56]، ومن المعلوم أن هذه الآية ليست مختصةً بموضع الصلاة.
وأما القائلين: بوجوب التشهد وهم الحنابلة، فقد قالوا: لو قال: (اللهم صل على محمد) ثم سلم أجزأه ذلك.
فيقال لهم: إنكم خالفتم دليلكم؛ لأنه لو كان واجباً بهذا الحديث لوجب عليه أن يقرأ كامل الصلاة الإبراهيمية، فلما لم يقل أحد من الأئمة الأربعة في المشهور عندهم أن الصلاة الإبراهيمية بصفتها واجبة، دل على أن هذا الحديث لا يفيد الوجوب.
واستدلوا على وجوب ذلك أيضاً بما أنه جاء في رواية الدارقطني و البيهقي و ابن خزيمة : (إن الله أمرنا أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك في صلاتنا؟)، قالوا: فهذا يدل على أنه مقصود في صلاتنا.
فالجواب على هذا من وجوه:
أولاً: أن الصحابة عندما سألوه: (فكيف نصلي عليك في صلاتنا؟)، إنما سألوا عن الكيفية في الصلاة، ولذلك لم يسألوا عن الأمر، ولم ما جاء في فإن الله يقل صلى الله عليه وسلم: إن الصلاة علي في الصلاة واجبة، وأما ما جاء في فإن الله: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، وليس هذا خاص بالصلاة، بل يحصل ذلك بالصلاة عليه خارج الصلاة.
وأيضاً: هذه الرواية وإن صححها بعض أهل العلم، فإن البخاري و مسلماً لم يذكراها، فدل ذلك على أنها لفظة منكرة، وهي شاذة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأيضاً: عندما قال الصحابة: (فكيف نصلي عليك في صلاتنا؟)، فإن كلمة الصلاة يقصد بها الدعاء، يعني فكيف نصلي عليك إذا أردنا أن ندعو ربنا لك، ومما يدل على ذلك حديث أبي بن كعب قال: (يا رسول الله! كم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك ربعها؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: ثلثها؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: نصفها؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تكفى همك، ويغفر لك ذنبك، أو يكفيك الله ما أهمك، ويغفر لك ذنبك)، وهذا يدل على أن الصلاة ليست هي الصلاة المعروفة، إنما هي الدعاء، كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على أئمة الإسلام، وهذا واضح ولا إشكال بإذن الله: أن الراجح أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة مستحبة، وليست بواجبة.
واعلم أن كل حديث بيّن أنه لا تصح صلاة إلا أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث ضعيف، جاء من حديث سهل رضي الله عنه، وفي سنده عبد المهيمن بن عباس وهو ضعيف، وجاء من حديث عائشة ، وفيه جابر الجعفي ، وجاء من حديث عند ابن ماجه ، وفيه رجل متهم بالكذب، وعلى هذا فلا يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا صلاة لمن لم يصل علي)، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
فالترتيب بين الأركان ركن من أركان الصلاة؛ لأنه إذا أخل فأتى بركن في غير موضعه فقد خالف نظم الصلاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع، ثم اسجد، ثم ارفع)، و(ثم) تفيد الترتيب مع التراخي.
وهذا يدل على وجوب الترتيب، ولو أخل بذلك لم ير الناس أن ذلك مصلٍّ، وهذا يدل على أن ذلك ركن، وهو قول الأئمة الأربعة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ذهب أحمد و الشافعي و مالك إلى أن مطلق التسليم ركن.
الآن سوف نقسم المسألة: هل أصل التسليم ركن أم لا؟ فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن أصل التسليم ركن. وذهب أبو حنيفة إلى أن أصل التسليم سنة.
والراجح والله أعلم هو قول جماهير الفقهاء من السلف والخلف، ودليل ذلك ما ثبت عند الإمام أحمد و الترمذي من حديث علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).
وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة : (عندما كان الصحابة إذا سلموا عن يمينهم يقولون بأيديهم هكذا، وإذا سلموا عن يسارهم يقولون بأيديهم هكذا، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، إذا صلى أحدكم فإنه يكفيه أن يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره).
وجه الدلالة: قوله: (فإنه يكفيه) هذا يدل على أنه لا بد من التسليم.
وأما حديث ابن مسعود الذي رواه الدارقطني و البيهقي ، أن ابن مسعود قال عندما أمره بالتشهد في زيادة عند الدارقطني : (فإذا قضيت ذلك، فإن شئت فقم، وإن شئت فاقعد) فهذه الزيادة منكرة ولا تصح.
والحديث الآخر حديث ابن عمر : (إذا جلس أحدكم للصلاة فقد تمت صلاته، فإن شاء سلم، وإن شاء انفتل)، وهذا حديث منكر.
إذاً: لا يصح حديث في عدم وجوب التسليم، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب التسليم.
إذا ثبت هذا وقلنا إن التسليم ركن، فكم عدد التسليمات؟
الجواب: ذهب مالك رحمه الله إلى أن التسليم مرة واحدة واجب في حق الإمام والمنفرد، فيقول: السلام عليكم فقط، يقول مالك : ولا يستحب أن يقول ثانية: السلام عليكم، وهذا عجيب! ولهذا لو ذهب أحدكم إلى إخوانه في بلاد المغرب وتونس والجزائر تجد أن بعض الأئمة يعملون بقول مالك وهو أن الإمام يقول: السلام عليكم فقط، يقول مالك : ولا يشرع أن يسلم ثانية.
أما المأموم عند مالك : فيشرع له ثلاث تسليمات: تسليمة تلقاء وجهه، وتسليمة عن يمينه، وتسليمة عن شماله.
ولا يصح حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم ثلاث تسليمات.
وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن الواجب هو تسليمة واحدة، في حق الإمام والمنفرد والمأموم، وأما التسليمة الثانية فهي عنده سنة.
واستدل الشافعي على ذلك بما رواه الإمام أحمد من حديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بتسع ركعات، فجلس في الثامنة، ثم قام، ثم جلس في التاسعة، فسلم تسليمةً واحدة)، وهذه الرواية أشار الحافظ ابن حجر في التلخيص إلى أن إسنادها على شرط مسلم ، إلا أن الذي يظهر والله أعلم أن الرواية ضعيفة، ولهذا رواها مسلم في صحيحه من حديث سعد بن هشام ، عن عائشة ، قالت: (ثم سلم تسليماً يسمعنا)، إذاً (تسليماً) لم يقصد به تسليمة واحدة، بل هذا مصدر لا يفيد العدد.
ولهذا فالراجح والله أعلم أن هذا الحديث ليس فيه تسليمة واحدة، وإنما فيه (تسليماً يسمعنا)، كما رواه الإمام أحمد ، ورواه مسلم من غير لفظة (تسليماً) أصلاً، بل فيه (ثم سلم) فقط، وهذا يدل على أن الحديث محل نظر.
وذهب الحنابلة إلى أن التسليمتين ركنان، وأنه يجب على المصلي أن يسلم سلاماً عن يمينه، وسلاماً عن شماله، يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أننا إذا جمعنا نصوص السنة، فإننا نقول: الأحاديث الصحيحة الواردة في الأمر بالتسليم حديثان، ولا نقصد الفعل، وأما فعله، فكل من روى صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه سلم، وهذا ليس مقصودنا، إنما مقصودنا هو الأمر بالتسليم، أو الخبر الذي يدل على الأمر بالتسليم في هذا حديثان:
الحديث الأول: حديث علي رضي الله عنه عند الترمذي وهو حديث صحيح: (مفتاح الصلاة: الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم)، يعني: أنكم لا تحلون من الصلاة إلا بالسلام، وهذا مطلق لم يشر فيه إلى عدد، وإنما ذكر المصدر، فدل ذلك على أن مطلق التسليم يصح ولو بواحدة، وهذا هو الركن، فلا ينفتل الإنسان من صلاته إلا أن يسلم، ويحصل بذلك تحليلها.
الحديث الثاني: وهو يدل على أن التسليمة الثانية واجبة ولكنها ليست بركن، ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يكفي أحدكم إذا جلس أن يسلم عن يمينه وعن شماله)، وجه الدلالة: أن الكفاية بالسلامين دليل على أنه لا يجزئ أقل من ذلك.
فدل على أن الكفاية لا يصح إلا بتسليمين، لكنه إن تركها جاهلاً أو ناسياً فغاية ما في ذلك أن الواجبات تسقط مع العجز وعدم المقدرة والنسيان، فيجبرها بسجود السهو إن لم يطل الفصل، فإن طال الفصل فهذا سوف نذكره إن شاء الله في سجود السهو، وأن الإنسان إذا ترك واجباً ساهياً وطال الفصل فلا يلزمه كما هو مذهب عامة أهل العلم على الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله في هذه المسألة.
إذاً الذي يظهر والله أعلم أن التسليم الركن هو واحدة، والثانية واجبة.
ويأتي بعد هذا أن التسليمة الثانية سنة، وأما القول: بأن التسليمة الثانية غير مشروعة في حق الإمام والمنفرد كما يقول مالك ، أو بأنها ليست واجبة كما يقول أبو حنيفة ، فهذا لم يدل عليه دليل واضح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
واعلم أن ابن المنذر رحمه الله أشار إلى أن التسليمة الثانية ليست بواجبة عند عوام أهل العلم، ويقصد عامتهم، وليس العوام كما يظنه بعض من يقرأ، فإذا قرأ أحدهم كلام ابن المنذر فقال: أجمع عوام أهل العلم، قال: يعني هم عوام وهم أهل علم، نقول: لا، المقصود بالعوام عامتهم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وقد جاء في حديث أبي موسى ، قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا وبين سنتنا، فقال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر)، ووجه الدلالة: (فكبروا)، وهذا يدل على أن المأموم يكبر، وهذا يدل على أن المأموم لما كان يكبر فإن الإمام هو الذي يكبر، ولا يستطيع المأموم أن يكبر إلا بتكبير الإمام، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي إلا بتكبير، ولهذا جاء في الرواية: (التكبير في كل خفض ورفع).
الجواب: ذهب الشافعي و مالك إلى أن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده، واستدلوا بحديث مالك بن الحويرث : (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فدل على أن المأموم يفعل مثلما يفعل إمامه، واعلم أن هذا الاستدلال ليس ظاهراً.
ولهذا فالراجح والله أعلم هو مذهب الحنابلة والحنفية أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، وهذا حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ، ورواه أيضاً مسلم من حديث أنس ، وهذا يدل على أن المأموم لا يسمع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد).
من الواجبات: التحميد، فالراجح والله أعلم أن التحميد واجب في حق الإمام والمنفرد والمأموم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، وهذا هو مذهب مالك و أبي حنيفة ، و الشافعي ، و أحمد ، إذاً مذهب الأئمة الأربعة أن التحميد يقوله المأموم.
وهل الإمام يقول: ربنا ولك الحمد؟ الجواب: ذهب الحنابلة والشافعية والمالكية إلى أن الإمام يقول: ربنا ولك الحمد، خلافاً لـأبي حنيفة ؛ لأن أبا حنيفة يقول: إن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد؛ لحديث: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، قال: فليس فيه دلالة على أن الإمام يقول ذلك.
والجواب: على هذا أن نقول: نعم، ظاهر هذا الحديث أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد، ولكن جاءت أحاديث أخرى تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ربنا ولك الحمد، ولهذا حفظ الصحابة رضي الله عنهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت... )، الحديث، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربنا ولك الحمد، وهذا هو الراجح، والله أعلم.
ذهب الحنابلة رحمهم الله إلى أن قول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، واجبان في حق الإمام والمنفرد والمأموم، وهذا من مفردات الحنابلة.
واستدلوا بما رواه أبو داود وغيره من حديث عقبة بن عامر : (أنه لما نزل قول الله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل قول الله: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم)، وهذا أمر، وغاية الأمر أنه يدل على الوجوب، وهذا الحديث إسناده جيد صححه الزيلعي في نصب الراية، و أبو العباس بن تيمية رحمه الله، والحديث لا بأس به، والله أعلم.
وأما جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية فإنهم قالوا: لا يجب الذكر حال الركوع، ولا حال السجود، وإنما هو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك.
والراجح أنه أمر به في حديث عقبة ، وإن كان لم يأمر به في أحاديث أخر، وإنما نجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها مع بعض.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر