إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [25]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله سبحانه وتعالى الصلاة هي الرابط والصلة بينه وبين عباده، فيجب الوقوف فيها بتذلل وخضوع، ولا ينشغل المصلي فيها بغير أفعالها وأقوالها، فلا يقرأ إلا بالفاتحة فقط في الجهرية على الراجح، وأما في السرية فإنه يقرأ ما يشاء، ويجب متابعة الإمام وعدم التأخر عنه أو مسابقته أو موافقته، وكل ذلك مما يحرم في الصلاة وقد يبطلها إذا كان الفعل عمداً.

    1.   

    قراءة المأموم خلف إمامه

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

    وأسعد الله مساءكم أيها الإخوة الذين معنا في الأستوديو، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع ونقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أيها الإخوة! كنا قد توقفنا في بعض مسائل تتعلق بصلاة الجماعة، واليوم سوف نتحدث عن بعض المسائل ثم ندلف إن شاء الله إلى مسائل الإمامة.

    أما المسألة التي سوف نتطرق إليها فهي مسألة حكم قراءة المأموم الفاتحة خلف إمامه، أو إن شئت فقل: حكم قراءة المأموم خلف إمامه، والمسألة فيها تفصيل.

    قراءة المأموم خلف الإمام في الصلاة السرية

    الشيخ: المسألة الأولى: أجمع أهل العلم على أن للمأموم أن يقرأ ما تيسر من القرآن حال إسرار إمامه، لأنه لم يختلط مع إمامه ولم يشوش عليه إذا كان الإمام في صلاة سرية، فهذا محل إجماع عند أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رفاعة بن رافع : ( فإن كان معك قرآن فاقرأ )، والحديث رواه الإمام أحمد و ابن خزيمة وسنده صحيح، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين : ( أنه صلى بأصحابه صلى الله عليه وسلم الظهر، فلما سلم قال: أيكم الذي قرأ خلفي بسبح اسم ربك الأعلى؟ فأرم القوم، فقال: أيكم الذي قرأ بها؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله! فقال: قد علمت أن بعضكم خالجنيها )، وهذا يدل على أن المأموم يقرأ خلف إمامه، وهي مشروعة من حيث أصل القراءة.

    قراءة المأموم الفاتحة خلف إمامة

    الشيخ: أما قراءة المأموم الفاتحة خلف إمامه فقد اختلف أهل العلم: هل يجب عليه أن يقرأ أم لا؟

    القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن المأموم لا يجب عليه قراءة الفاتحة خلف الإمام، سواء كان ذلك في السرية أو الجهرية.

    القول الثاني: قراءة المأموم في السرية للفاتحة واجبة، وأما في الجهرية فلا تجب ولا تشرع، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمهما الله جميعاً.

    القول الثالث: هو مذهب الشافعي ورواية عن الإمام أحمد ، وهو مذهب ابن حزم و ابن خزيمة : أن قراءة الفاتحة في حق المأموم واجبة، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية، بل هي ركن عند الشافعي.

    أدلة القائلين بوجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام

    الشيخ: استدل أصحاب القول الأول -وهم الجمهور- على أن قراءة المأموم للفاتحة لا تجب بأدلة، والظاهر أن هذه الأدلة ليست ظاهرة في قراءة الفاتحة، وإنما هي عامة في الفاتحة وغيرها.

    وأدلة القائلين بوجوب القراءة أدلة خاصة، والقاعدة في هذا: أن الأدلة العامة إذا تعارضت مع أدلة خاصة فإننا لا نأخذ ببعض الأحاديث ونرد بعضاً، بل نجمع بينها ما أمكن، ولهذا فإن القائلين بعدم مشروعية قراءة المأموم للفاتحة استدلوا: بما رواه مسلم والإمام أحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قرأ فأنصتوا )، وهذه الزيادة تكلم فيها الحفاظ.

    والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن زيادة: (وإذا قرأ فأنصتوا)، مدرجة من بعض الرواة، ولم يقلها صلى الله عليه وسلم كما أشار إلى ذلك غير واحد من أئمة الجرح والتعديل كـالدارقطني وغيره.

    وعلى هذا فالحديث ليس فيه ما يدل على الوجوب.

    الدليل الثاني: استدلوا بما رواه الإمام أحمد و الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الفجر فكأنه ثقل عليه القراءة، فقال: لعلكم قرأتم خلفي؟ قالوا: نعم، قال: إني أقول: مالي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر الإمام )، فاستدلوا بهذه الزيادة، ولكن هذه الزيادة ليست مرفوعة، ولم يقلها أبو هريرة رضي الله عنه.

    والصواب كما أشار إلى ذلك الدارقطني و البخاري وغير واحد من أهل العلم أن هذه الزيادة: (فانتهى الناس عن القراءة خلف الإمام فيما يجهر به)، إنما هي من قول الإمام الزهري ، والإمام الزهري ليس حجة على غيره من الأئمة، ومن المعلوم أن الزهري يرسل في بعض أحاديثه.

    وعلى هذا فالحديث ليس فيه ما يدل على ترك الوجوب.

    الدليل الثالث: استدلوا بما جاء عند الدارقطني وغيره من حديث جابر و عبد الله بن شداد وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة )، وهذا الحديث لو صح لكان حجة لأصحاب القول الأول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإمام يتحمل عن المأموم في القراءة، وعلى هذا فالمأموم لا يقرأ الفاتحة؛ لأن الإمام تكون قراءته قراءة للمأموم، ولكن هذا الحديث لا يفرح به، فإنه قد ضعفه كثير من أهل العلم، فضعفه أبو موسى الرازي و ابن حزم و ابن الجوزي والإمام الذهبي ، وعلى هذا فالحديث ضعيف، والصواب في هذا الحديث أنه مرسل، ولم يروه أحد من الصحابة، والمرسل ليس بحجة تعارض الأحاديث الصحيحة التي استدل بها أصحاب القول الثالث، القائلين بوجوب قراءة المأموم للفاتحة.

    أدلة القائلين بعدم قراءة الفاتحة في الجهرية دون السرية

    الشيخ: أما أصحاب القول الثاني، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية فقالوا: إن المقصود من قراءة الإمام هو أن يستمع المأموم قراءة إمامه، فإذا كان المأموم يقرأ والإمام يقرأ، فإنه ليس ثمة فائدة من ذلك، والأصل في قراءة المأموم ليس المقصود بها التعبد حينما يجهر الإمام؛ لأنه إنما يجهر لأجل أن يستمع المأمومون، وإلا لما كان لجهر الإمام فائدة.

    وهذا القول فيه قوة كما ترى، ولكنهم قالوا: أما في السرية فلما لم يقرأ الإمام ويجهر بقراءته فإنه ليس في الصلاة سكوت مطلق، وعلى هذا فالمأموم مخاطب بأن يقرأ.

    والجواب على هذا أن يقال: ما الذي جعلكم توجبون قراءة المأموم في السرية؟ فإن قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وهذا الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة .

    أعيد: نحن نتكلم على القول الثاني، أنهم قالوا: يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في السرية ولا يشرع أن يقرأها في الجهرية إلا إذا كان لا يسمع قراءة الإمام، أو كان بعيداً عن الإمام، أو أن الإمام يسكت سكوتاً يمكن المأموم من القراءة، فحينئذ يأمرونه أن يقرأ، وأما إذا كان الإمام يقرأ فلا يشرع للمأموم أن يقرأ.

    قلنا لهم: ما دليل الوجوب؟ قالوا: دليل الوجوب هو قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، والجواب على هذا أن نقول لهم: أنتم أدخلتم قراءة المأموم في السرية في عموم هذا الحديث، فيلزمكم أن توجدوا دليلاً صريحاً يخصص الجهرية، وليس ثمة دليل صريح يأمر الصحابة ألا يقرءوا الفاتحة، وإنما الأدلة العامة هي أن الصحابة لا ينبغي لهم أن يقرءوا مطلقاً، فيكون هذا عاماً مخصوصاً، وليس خاصاً، فالصحابة نهوا أن يقرءوا خلف الإمام؛ لقوله صلى الله عليه سلم: ( إني أقول: مالي أنازع القرآن؟! )، قلنا: إن كلمة: (مالي أنازع القرآن؟)، تشمل قراءة المأموم للفاتحة ويشمل قراءة المأموم لغير الفاتحة.

    أدلة القائلين بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في كل صلاة

    الشيخ: لكن أدلة القول الثالث -وهم القائلون بوجوب قراءة المأموم- هي أدلة أخص من أدلة المنع من القراءة، قوله: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، على أن المأموم مخاطب بقراءة الفاتحة كما أن الإمام مخاطب بها، وعلى هذا فأدلة المنع إنما هي في غير الفاتحة، هذا إذا لم يكن هناك دليل صريح في أن المأموم يقرأ الفاتحة، فكيف وقد وجد الدليل.

    ولهذا فالقول الثالث في المسألة وهو مذهب الشافعي ورواية عن الإمام أحمد ، وهو مذهب ابن حزم ، و البخاري و ابن خزيمة وغيرهم قالوا: دليل الوجوب هو ما رواه الإمام أحمد و البخاري في جزء القراءة خلف الإمام والدارقطني و ابن خزيمة وغيرهم عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا مكحول عن محمود بن لبيد عن عبادة بن الصامت أنه قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فثقلت عليه القراءة، فلما سلم قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وهذا الحديث تكلم فيه أهل العلم، فنقل ابن تيمية رحمه الله أن أحمد يضعفه، وصححه بعض الأئمة الكبار، فصححه البخاري و البيهقي و الدارقطني و الخطابي وأشار إليه ابن رجب .

    فدل ذلك على أن الأقرب والله أعلم أن الحديث حسن، ومما يدل على ذلك أن محمد بن إسحاق لم يتفرد بهذا الحديث، فقد تابعه زيد بن واقد عن مكحول عن محمود بن لبيد عن عبادة بن الصامت ، وهذا الحديث خاص في أن المأموم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة، وعلى هذا تجتمع الأحاديث.

    وأما القول: بأنه ما فائدة أن يقرأ المأموم والإمام يقرأ؟ فالجواب عليه: لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، فالانشغال بها لا يمنع من أن يستمع المأموم بعد انتهائه من قراءتها.

    سقوط الفاتحة عن المأموم بالعجز وعدم الإدراك

    الشيخ: ظاهر الحديث أن قراءة الفاتحة ركن في حق المأموم، وهذا قول قال به الشافعي وبعض أهل العلم، والصواب أنها ليست ركناً.

    ومما يدل على أنها ليست ركناً ولكنها واجبة هو ما رواه البخاري من حديث الحسن عن أبي بكرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له بعدما كبر دون الصف ثم دخل في الصف: ( زادك الله حرصاً ولا تعد ).

    وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا بكرة في ركوعه هذا ولم يقرأ الفاتحة.

    وقد نقل الإمام أحمد و ابن رجب و أبو عمر بن عبد البر الإجماع على أن المأموم إن أدرك إمامه وهو راكع فركع معه ولم يقرأ الفاتحة فإن صلاته صحيحة.

    وخالف في ذلك الإمام البخاري و ابن حزم ، ويقول أبو عمر : وهم محجوجون بالإجماع قبل ذلك، وقد بالغ الإمام ابن رجب في رده على القائلين بأن الصلاة لا تجزئ بدعوى أنه لم يقرأ الفاتحة، والصواب أن هذا الحديث يدل دلالة صريحة على أن الفاتحة ليست بركن، وأن غاية ما يقال فيها: إنها واجبة، والواجب يسقط مع العجز وعدم الإمكان.

    وعلى هذا فيجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة، سواء كان في الصلاة السرية أو الجهرية، وتسقط الفاتحة في حقه إذا عجز عنها بحيث لا يستطيع أن يقرأ إلا بأن يرفع صوته بحيث يؤذي المصلين، فنقول له بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما لي أنازع القرآن؟ )، فلا ترفع صوتك: ( قد علمت أن بعضكم خالجنيها )، كما قال صلى الله عليه وسلم.

    ولا ينبغي للإنسان أن يؤذي الذين معه في القراءة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم -كما روى الإمام أحمد و ابن ماجه - حينما خرج على أصحابه فقال: ( أيها الناس! كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة )، فإذا كان المأموم سوف يرفع صوته بالفاتحة ليؤذي من بجانبه فنقول: لا تقرأ؛ لأنك سوف تؤذي، وعلى هذا تسقط قراءة الفاتحة مع العجز أو عدم الإمكان والإدراك، مثل أن يأتي الإنسان والإمام راكع أو قريباً من الركوع، فإنه والحالة هذه تسقط في حقه قراءة الفاتحة، وبهذا تجتمع الأحاديث.

    اختلاف الصحابة في قراءة المأموم للفاتحة

    الشيخ: إذا عرفت هذا فإن هذا القول اختلف الصحابة فيه، فنقل عن عمر بسند صحيح كما رواه عبد الرزاق أنه أمر المأموم أن يقرأ الفاتحة، وهو قول زيد بن ثابت .

    ومن الصحابة من قال بعدم القراءة، وهو أيضاً قول زيد بن ثابت و أبي هريرة .

    إذاً: من الصحابة من يقول بقراءة الفاتحة كما صح عن عمر و زيد بن ثابت و أبي هريرة رضي الله عنهم، قال أبو هريرة كما في صحيح مسلم : (اقرأ بها في نفسك)، وروي عن جابر أنه قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بالفاتحة إلا أن يكون خلف الإمام، وهذا صحيح عن جابر رضي الله عنه.

    وأما ابن عمر و ابن عباس فقد اختلفت الروايات عنهما، وما جاء من رواية صحيحة عنهما فإنها لا تفيد فائدة صريحة على وجوب الإنصات وترك الفاتحة، ولكننا نقول: صح عن عمر أنه أمر بقراءة الفاتحة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن يطيعوا أبا بكر و عمر يرشدوا ).

    ومن المعلوم أن هذه المسألة قد صنفت فيها التصانيف، فمن العلماء من ألف كتاباً كبيراً في أن القراءة خلف الإمام لا تجب، ومن العلماء من أوجب قراءة الفاتحة خلف الإمام وألف في ذلك كتباً، والحمد لله الذي يسر وهدى، وكل على خير، قال الله تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، والمسألة مما يسع فيها الخلاف، فإن قرأ المأموم خلف الإمام في نفسه بحيث لا يؤذي فالحمد لله، فإن شق ذلك عليه بحيث يرفع صوته ويؤذي فنقول: لا تقرأ؛ لأن قراءتك تؤذي المصلين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( مالي أنازع القرآن؟ )، فانتهى الناس عن القراءة، يعني عن القراءة في غير الفاتحة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    سبق المأموم إمامه في قراءة الفاتحة

    الشيخ: يقرأ المأموم في إسرار إمامه، ويقرأ إذا لم يسمع إمامه، ولا فرق بين أن يسبق المأموم إمامه بالفاتحة أو لا، وعلى هذا فإذا كبر الإمام ثم كبر المأموم ثم قرأ المأموم الفاتحة قبل إمامه فلا حرج في ذلك، وهو قول أكثر أهل العلم، فإن شرع الإمام بالفاتحة فإنه يسكت، وإن أكمل الإمام الفاتحة فإنه يكمل من حيث الآيات التي توقف غيرها.

    الاستفتاح والتعوذ للمأموم إذا دخل والإمام يقرأ

    الشيخ: وهنا مسألة وهي: هل إذا غلب على ظن المأموم أنه لا يستطيع أن يقرأ، كأن جاء والإمام يجهر بالقراءة، فهل نقول: يستفتح ويتعوذ ويبسمل ثم يقرأ الفاتحة أو لا؟

    نقول: الأقرب إذا ضاق الوقت ألا يقرأ إلا الواجب، فنقول: لا يستفتح ولكنه يبسمل ويقرأ الفاتحة، هذا الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    والغريب أيها الإخوة أن الحنابلة رحمهم الله قالوا: إن المأموم لا يقرأ خلف الإمام، لكنهم قالوا: يستفتح ويستعيذ فإن المفترض أن الفاتحة أولى من دعاء الاستفتاح، وأولى من التعوذ، ولهذا فالراجح والله أعلم أنه لا يستفتح إذا ضاق عليه الوقت، ولكنه يشرع بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم يقرأ الفاتحة.

    1.   

    متابعة المأموم لإمامه

    الشيخ: إن الواجب على المأموم أن يتابع إمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى : ( إذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع )، وهذا يدل على أن المشروع في حق المأموم هو متابعة إمامه.

    والمتابعة معناها ألا يسابق إمامه، ولا يتأخر عنه ولا يوافقه.

    فهذه أربعة أقسام:

    القسم الأول: المتابعة، وهذا هو المشروع، ( فإذا كبر فكبروا )، دل على الترتيب مع المتابعة والتعقيب، لأن الفاء تفيد الترتيب مع التعقيب، دون تأخر، وهذا الذي أمر به صلى الله عليه وسلم، وهو الواجب.

    1.   

    مسابقة المأموم لإمامه

    مسابقة الإمام إلى الركن

    الشيخ: القسم الثاني: المسابقة، بأن يسابق المأموم إمامه.

    فالمسابقة تختلف فيما لو سابقه إلى الركن أو سابقه بالركن، وكذلك إذا سبقه بتكبيرة الإحرام أو السلام.

    والفرق بينهما أن مسابقة المأموم إمامه إلى الركن مثل أن يركع قبل إمامه، لكنه يوافق إمامه وهو راكع، فيركع المأموم ثم يركع إمامه، وأما المسابقة بالركن فيركع المأموم ثم يرفع والإمام لم يركع بعد.

    فالمسابقة إلى الركن قال الحنابلة فيها: إن من ركع أو سجد أو رفع قبل إمامه فقد سبقه إلى الركن، فعليه أن يرجع فيركع بعد إمامه، سواء فعل ذلك عمداً أو جهلاً، فإن ركع قبل إمامه عالماً متعمداً فهو آثم باتفاق الفقهاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فلا تختلفوا عليه )، ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل إمامه أن يحول الله صورته صورة حمار )، فهذا يدل على عظم إثم المخالفة، وأن المأموم يجب أن يتابع إمامه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف )، كما في حديث أنس ، وروي نحوه من حديث أبي الدرداء .

    إذا ثبت هذا فهل إذا سابق إمامه إلى ركن متعمداً تبطل صلاته أم لا؟

    الراجح أن المتعمد لذلك لا تبطل صلاته عند الأئمة الأربعة في الجملة، خلافاً لـابن حزم فإنه أبطل الصلاة، ولكن الحنابلة يقولون: إن ركع أو رفع قبل إمامه متعمداً فهو آثم، ولكن يجب عليه أن يعود فيركع بعد إمامه، فإن لم يفعل بطلت صلاته؛ لأنه لم يدرك الركوع مع الإمام. وإن كان جاهلاً أو ناسياً، بأن ركع قبل إمامه ثم رفع ولم يعلم بأن الإمام ركع، فالصحيح وهو قول أكثر أهل العلم -خلافاً للرواية الأخرى عند الحنابلة- أن صلاته صحيحة، ولا يلزمه أن يصحح، لكن التصحيح سنة، يعني مثل أن يركع ثم يظن أن الإمام لم يركع، فيرفع ليركع، فهذا الرفع وقع عن جهل فلو استمر فصلاته صحيحة، لكن الأفضل إذا علم أن يصحح.

    إذاً الآن فرقنا بين مسابقة المأموم إمامه إلى الركن بين الجاهل والمتعمد، فإن كان متعمداً فهو آثم، مع وجوب أن يعود ليركع بعد إمامه فيوافقه في الركوع ويوافقه في الرفع بعد ذلك، فإن لم يفعل بطلت صلاة المتعمد، وأما الجاهل فيستحب له أن يعود.

    مسابقة الإمام بالركن

    الشيخ: ومن القسم الثاني: المسابقة بالركن:

    فإن ركع ورفع قبل إمامه عالماً متعمداً بطلت صلاته عند الحنابلة، والجمهور يقولون: لا تبطل ولكنه يأثم.

    والذي يظهر والله أعلم أن مسابقة المأموم إمامه بالركن إذا لم يصحح تبطل صلاته؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( فلا تسبقوني بالركوع )، وقال: ( فلا تختلفوا عليه )، وقال: ( أما يأمن الذي يرفع رأسه قبل إمامه أن يحول الله صورته صورة حمار؟ )، هذا فيما إذا سبقه بالركن، يعني ركع ورفع والإمام لم يركع بعد، فإن صلاته تبطل.

    أما إن كان جاهلاً بحيث ركع ثم رفع ولم يعلم حال إمامه، فمثال ذلك: إمام يقرأ سورة فقرأ آية سجدة، فكبر وهوى ساجداً، والمأموم من الخلف يظن أنه كبر للركوع فركع، فهذا الركوع مسابقة للإمام عن جهل، ثم لما قام الإمام من السجود كبر فظن المأموم أنه رفع من الركوع وأنه قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قال الإمام: الله أكبر ليركع، فسجد المأموم، فالآن المأموم سبق إمامه بركنين، فالحنابلة يقولون: إن فعل هذا متعمداً بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً أو ناسياً وجب عليه أن يعود ليركع ويرفع بعد إمامه، ويكون الفعل الأول لاغياً، فإن لم يفعل بطلت الركعة، وليست الصلاة.

    يعني أن الحنابلة يقولون: لو أن مأموماً صلى مع إمامه فقال الإمام: الله وأكبر فسجد الإمام سجود التلاوة فركع المأموم، ثم قال الإمام: الله أكبر، فقال المأموم: سمع الله لمن حمده، ثم ركع الإمام فسجد المأموم، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع المأموم من السجود، وعلم أنه قد سبق إمامه بركن أو ركنين فيقول الحنابلة: إن كان فعل ذلك متعمداً بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً أو ناسياً بطلت الركعة إن لم يأت بها، أي أن عليه أن يرجع فيركع مع الإمام ويرفع من الركوع ثم يسجد، وتكون الأولى لاغية، هذا مذهب الحنابلة.

    والراجح أنه إن كان متعمداً بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً أو ناسياً فلا أثر لهذا الاختلاف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، وفي رواية: ( عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، فهذا هو الراجح، وهو مذهب جماهير أهل العلم.

    الآن ذكرنا المسابقة بالركن، وذكرنا المسابقة إلى الركن.

    مسابقة الإمام بتكبيرة الإحرام أو السلام

    الشيخ: ومن القسم الثاني: المسابقة بتكبيرة الإحرام:

    اعلم أن المأموم لو سابق إمامه بتكبيرة الإحرام فإن صلاته لا تنعقد، وهذا مذهب عامة أهل العلم، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك، ولا إشكال فيه؛ لأنه لم يدخل مع إمامه أصلاً.

    ومن القسم الثاني: ما إذا سابقه بالتسليم:

    قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف )، والمقصود الأعظم بالانصراف هو السلام.

    فالمأموم لو تعمد مسابقة إمامه بالتسليم، فإن الحنابلة يقولون: لا تصح صلاته، والجمهور يقولون: تصح صلاته لكنه آثم، والذي يظهر والله أعلم أن المتعمد لا تصح صلاته؛ لأنه خالف المأمور متعمداً.

    أما الجاهل والناسي فالراجح والله أعلم صحة صلاته، ولكن يشرع له أن يعود فيسلم بعد سلام إمامه، فإن كان مسبوقاً بحيث لم يكن يعلم أنه سلم قبل إمامه، ولم يعلم أنه فاتته ركعة فإنه يسجد للسهو، وإن كان غير مسبوق فإن الإمام يتحمل سجود سهوه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    موافقة المأموم لإمامه في الصلاة

    الشيخ: القسم الثالث: الموافقة.

    ومعنى الموافقة: أن يركع مع إمامه، ويسجد مع إمامه، ويرفع مع إمامه، وهذا مع الأسف الشديد يحصل كثيراً عند بعض المسنين، بحيث إذا شرع الإمام في السلام تجد بعض المأمومين يسلمون معه، فهذا مكروه كراهة شديدة، وهذا هو مذهب عامة أهل العلم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( فلا تسبقوني )، ومن المعلوم أن كلمة: (فلا تسبقوني) بدلالة اللزوم تفيد أيضاً: ولا توافقوني.

    وذهب بعض أهل العلم إلى أن موافقة المأموم الإمام تبطل بها الصلاة، وقد قال بهذا بعض فقهاء الحنابلة وبعض فقهاء الشافعية.

    والراجح والله أعلم هو قول عامة أهل العلم أن الصلاة صحيحة؛ لأنه لم يحصل مخالفة، وإن كانت المخالفة من باب اللازم فإنه خالف وفعل فعلاً مكروهاً أو محرماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر )، وهذا دليل على النهي عن المسابقة والنهي عن الموافقة.

    1.   

    مخالفة المأموم لإمامه بالتأخر عنه

    الشيخ: القسم الرابع: المخالفة، والمخالفة معناها: ألا يتابع إمامه، فيركع الإمام ثم يرفع والمأموم باق.

    فإن خالف متعمداً بطلت صلاته، وهذا مذهب الحنابلة وهو الراجح.

    وإن خالف جاهلاً فالذي يظهر أنه إن كبر فركع ثم رفع، فإن صلاته صحيحة، وهذا مذهب الجمهور، والله أعلم.

    الحنابلة يقولون: إن كبر الإمام ثم رفع والمأموم لم يفعل جاهلاً أو ناسياً بطلت الركعة وإذا كان متعمداً بطلت صلاته.

    والصواب: أنه إن ركع المأموم ثم رفع، فإن صلاته صحيحة ولا تبطل الركعة؛ لأنه جاهل أو ناس، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    ما يستحب للإمام مراعاته في الصلاة

    مراعاة حال المأمومين وعدم الإشقاق عليهم وضابط هذه المراعاة

    الشيخ: يسن للإمام ألا يشق على المأموم في صلاته، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود البدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: ( يا رسول الله! إني لأتأخر عن صلاة الفجر؛ من أجل فلان مما يطيل بنا، قال أبو مسعود البدري : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، ثم قال: أيها الناس! إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليخفف، فإن من ورائه الضعيف والكبير وذا الحاجة ).

    وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أنس : ( إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيل بها، فأسمع بكاء الصبي فأخفف؛ من وجد أمه عليه )، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحيماً حتى في عبادته لأجل ألا يشق على المأمومين.

    وحينما رأى معاذاً يطيل الصلاة قال لـمعاذ : ( أفتان أنت يا معاذ؟ اقرأ -يعني في العشاء- بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، والشمس وضحاها ونحوها )، وهذا يدل على أن الأصل أن الإمام لا يطيل حتى يشق على المأمومين، خاصة إذا كان المسجد مسجد سوق، أو مسجد طرقات، فإنه لا ينبغي للإمام أن يشق على الناس، فإن الغالب في مساجد الأسواق والطرقات أن الذي يصلي معه هو ذو الحاجة، فعلى هذا لا ينبغي له أن يطيل.

    وبعض الأئمة هداهم الله يقول: اجعل هذا المصلي يبقى في المسجد ليحصل على الأجر؛ لأنه إذا صلى سوف يذهب إلى عمله ويفتح الدكان ويشتغل بالصفق بالأسواق، فنقول: إن هذا هو صاحب الحاجة؛ ولهذا جاء في قصة الأعرابي الذي ( صلى خلف معاذ رضي الله عنه، فلما رأى معاذاً استفتح بسورة البقرة في صلاة العشاء انصرف فصلى وحده، فقال معاذ : هذا منافق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ؟ ثم جاء الأعرابي فقال: يا رسول الله، إننا أصحاب نواضح -يعني: أصحاب إبل تخرج الماء من الأرض- و معاذ يطيل بنا، فلربما فاض الماء، وأثر ذلك على مزارعنا..) فينبغي للإمام ألا يشق على المأمومين.

    إن مطالبة الشرع الإمام ألا يشق على المأموم ليس معناه ألا يؤدي الأركان والمستحبات في صلاته، فإن الملاحظ عند بعض المصلين -هداهم الله- أنه يبالغ في السرعة، بحيث لا يستطيع المأموم أن يؤدي أدنى الكمال، فلا يستطيع أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً، فما بالك إذا كان لا يستطيع أن يؤدي واحدة؟ ولهذا قال العلماء: إذا لم يستطع المأموم أن يؤدي الأركان أو الواجبات مع إمامه جاز له أن ينفصل عنه.

    وإنك لتعجب حينما تجد صلاة بعض الأئمة خفيفة جداً، حتى إن صلاة العشاء الرباعية لا تتجاوز خمس دقائق، فأي صلاة هذه؟ يعني: كل ركعة في دقيقة والتشهد في دقيقة، فهذه ليست صلاة! فتراه يقرأ هذاً ويركع نقراً وهذا منهي عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السرعة وقال للمسيء في صلاته: ( ارجع فصل فإنك لم تصل )، ولهذا ينبغي أن تنهانا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر، ولا يتأتى هذا إلا إذا فعلناها بالصفة التي فعلها عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا يقول أنس : ( إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ).

    انظر ماذا يصنع الذي أمر بالتخفيف؟ قال ثابت البناني : ولقد كان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود انتصب جالساً حتى يقول القائل: قد نسي، وهذا يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف ليس معناه أن يسارع الإمام في القراءة، ويسارع في الركوع بحيث لا يخشع المأموم ولا يناجي ربه في الدعاء، فإن المأموم بحاجة إلى أن يسجد بين يدي الله، يدعو ربه ويتضرع إليه سبحانه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    مشروعية إطالة الركعة الأولى على الثانية

    الشيخ: يستحب أن تكون الركعة الأولى أطول من الركعة الثانية؛ لما جاء في حديث أبي قتادة : ( ويطيل في الأولى أكثر من الثانية )، وفي حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم : ( إن كانت صلاة الظهر لتقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي فيتوضأ، ورسول الله صلى الله وسلم في الركعة الأولى )، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل في الركعة الأولى.

    ولو عود الإنسان نفسه بأن يتنوع في قراءته لكانت صلاته فيها نوع من الخشوع، لكن المشكلة أن بعض الناس مجرد أنه يكبر تجده يقرأ الفاتحة وهو لا يشعر، ثم بعد ذلك يقرأ بعض قصار السور، يعرف سورة وسورتين أو ثلاثاً أو أربعاً دائماً يرددها، مثل: (إذا جاء نصر الله والفتح)، (قل هو الله أحد)، (قل أعوذ برب الفلق)، (قل أعوذ برب الناس)، وغير ذلك من السور، بحيث لو قلت له: ماذا قرأت بعدما سلمت؟ ربما لا يستشعر ذلك والعياذ بالله؛ ولهذا فالخشوع يجب أن يحافظ عليه الإنسان؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( أول ما يرفع من دينكم الخشوع )، والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم.

    إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإنه يستحب للإمام أن يطيل الركعة الأولى على الركعة الثانية.

    انتظار المأموم في الركوع ليدرك الركعة

    الشيخ: إذا ركع الإمام فهل يستحب أن ينتظر حتى يدرك المأموم أم لا يستحب؟

    مثال ذلك: إمام ركع فدخل رجل، فهل يشرع للإمام أن ينتظره أم لا؟

    الجواب على هذا: بعض الشافعية كـالغزالي وغيره بالغ في الإنكار على الانتظار، وقال: إن الإمام إذا انتظر المأموم وهو راكع فيخشى أن يكون قد أدخل حظه بينه وبين الله، وحظ المأموم والمخلوق، وقال: إن هذا محرم؛ لأن الإمام إذا انتظر فقد أدخل في الصلاة حق المأموم، فهذا لا يجوز، وهذا بلا شك ليس بجيد.

    والراجح هو مذهب الجمهور أن ذلك لا بأس به؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يطيل الركعة الأولى في حديث أبي سعيد عند مسلم؛ لأجل أن يدرك الصحابة، و عمر رضي الله عنه حينما كان يقرأ في الفجر بسورة يوسف؛ لأجل أن يتتابع الناس ويدركوا قراءة عمر ، وقد جاء عند ابن أبي شيبة من حديث محمد بن جحالة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع انتظر حتى لا يسمع وقع قدم )، وهذا الحديث حسنه بعض المتأخرين، والراجح أن الحديث ضعيف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    حضور المرأة الصلاة في المسجد

    الشيخ: من المسائل أيضاً أيها الإخوة أنه إذا استأذنت المرأة زوجها في حضور المسجد فلا يمنعها إذا خرجت محتشمة يؤمن خطؤها، وليست من ذوات الخدور، يعني: ليست صغيرة؛ فلا ينبغي أن يمنعها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن )، ولهذا لما قيل لامرأة عمر : مالك لا تصلين في بيتك وأنت تعلمين أن عمر يحب ذلك؟ قالت: لو كان يحبه لمنعني، قال: إنك تعلمين أن عمر لا يمنعك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ).

    فكان عمر من غيرته لا يحب لامرأته أن تخرج إلى الصلاة، ولكنه لا يريد أن يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن المشروع في حقها أن تصلي في بيتها؛ ولهذا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي في حجرتها قال: ( وصلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في حجرتك )، والمقصود بالبيت هو الذي تبيت فيه، وليس البيت الذي في عرفنا، وهو البيت الكبير، فدل ذلك على أن صلاة المرأة في غرفتها التي تنام فيها أفضل من صلاتها في غيرها، مثل ما نسميه نحن الصالة والبدروم وغير ذلك؛ لأن ذلك أكثر خشوعاً وأخلص وأدعى له.

    أما إذا كانت متبرجة فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً ) وهذا محرم عليها، أو كان ذلك في زحام للرجال؛ ولهذا قالت عائشة : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعد لمنعهن المساجد، فإذا كان هناك اختلاط بحيث ربما يشق ذلك على المصلين في الزحام فالأولى بالمرأة ألا تذهب.

    1.   

    خاتمة البرنامج

    الشيخ: لعل في هذا الكفاية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يمن علينا بالهداية والتوفيق والسداد في القول والعمل، إنه على ذلك قدير.

    أيها الإخوة! إلى هنا نكون قد انتهينا من هذه الحصة التي لا يسع فيها الوقت، ولعلنا إن شاء الله نكمل في درس لاحق بإذن الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952445