إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [27]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن صلاة المأموم مع الإمام ليست صلاة الفرع مع الأصل، بل إنما جعلت الإمامة من أجل استكمال الجماعة، فالإمام لا علاقة له بالمأموم من حال العذر، وعليه فلا أثر لاختلاف نية المأموم عن الإمام، كصلاة المتنفل خلف المفترض والعكس، وكذلك لا أثر لبطلان صلاة الإمام على صلاة المأموم.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي المشاهدين والمشاهدات! وحيا الله الإخوة الذين معنا في الأستوديو, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وأن يمنحنا وإياكم رضاه، والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى, إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    كنا أيها الإخوة والأخوات قد توقفنا عند بعض المسائل المتعلقة بالإمامة، وهذه المسألة سوف نتحدث عنها، وكنا قد ذكرناها في درس سابق، ولم يسعفنا الوقت لأجل أن نفصل فيها, وهي الصلاة خلف المحدث وخلف المتنجس, وهو الذي قد لبس ثياباً متنجسة.

    اختلف أهل العلم في حكم الصلاة خلف المحدث وخلف المتنجس الذي لبس ثياباً متنجسة، فنقول:

    الصلاة خلف الإمام المحدث

    الشيخ: القسم الأول: الصلاة خلف المحدث: لا يخلو المصلي خلف المحدث؛ إما أن يعلم بحدثه بعد انتهاء الصلاة أو أثناءها.

    الحال الأول: إن علم بعد انتهاء الصلاة؛ فذهب جماهير الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أن صلاة المأموم خلف المحدث صحيحة, وأما صلاة الإمام فإنها تعاد.

    هذا القول الأول في مسألة المحدث.

    أعيد! الإمام المحدث إن علم بحدثه بعد انتهاء الصلاة صحت صلاة المأموم ولم تصح صلاة الإمام, وهذا قول جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم، استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي هريرة : ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فلكم وعليهم ).

    وقد روى ابن المنذر في الأوسط بسند صحيح عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بأصحابه الفجر، فلما خرج إلى الجرف وجد في ثيابه بللاً من احتلام, فاغتسل وأعاد الصلاة، ولم يأمر أصحابه بذلك, وقد أخرجه أيضاً البيهقي وأشار إلى أن عثمان حصل له ذلك أيضاً, فهذان خليفتان من خلفاء المسلمين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما, فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ).

    الحال الثاني: إذا علم الإمام أو المأموم أو طرف آخر بحدث الإمام في أثناء الصلاة, فإن جماهير الفقهاء يقولون: لا تصح صلاة من خلفه, ولا تصح صلاة الإمام, فإذا علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن يقطعها، يجب على المأموم أيضاً أن يقطعها، ولا يصح الاستخلاف؛ يقولون: لأنه علم بطلان صلاة الإمام، والمأموم فرع عن إمامه, فمتى بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم, وإنما منعنا من ذلك بعد انتهاء الصلاة لوجود الأثر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم.

    والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد، اختارها أبو العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على أئمة الإسلام، فقالوا: إن علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ), أما المأموم فإن صلاته صحيحة؛ وذلك لأن المأموم صلاته مع إمامه ليست صلاة الفرع مع الأصل, وإنما جعلت هذه الإمامة من باب استكمال الجماعة, وإلا فإن الإمام لا علاقة له بالمأموم في حال العذر, وأما مع عدم العذر فإن المأموم تبع لإمامه, وهذا ذكره أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ورجحه ونسبه لـمالك و أحمد , وإن كان المعروف عن مالك في كتبه مثل قول أبي حنيفة ، وأنه متى صحت صلاة الإمام صحت صلاة المأموم, وإذا بطلت صلاة الإمام فقد بطلت صلاة المأموم كما هو مذهب الجمهور, وذكره ابن هبيرة في كتاب الإفصاح.

    لكن المقصود من هذا أن الراجح هو القول الثاني، وهو أن الإمام إذا علم حدث نفسه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً, أما المأموم فالصحيح أن صلاته صحيحة؛ لأنه لم يحصل منه مبطل.

    وبالتالي فيجوز للمأموم أو أحدهم أن يخلف إمامه في الصلاة, ولا أثر في ذلك للنية؛ لأن الراجح كما مر معنا أن نية الإمامة لا يشترط فيها أن تكون في ابتداء الصلاة خلافاً لجمهور الفقهاء, وقد رجحنا أنه تجوز نية الإمامة في أثناء الصلاة, وقلنا: إن هذا هو مذهب الشافعي واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

    ولا أثر لأن يعلم الإمام بحدثه أو يعلم بعض المأمومين, فإن علم بعض المأمومين ولم يخبر الآخرين فإن الراجح في الذي لم يعلم أن صلاته صحيحة خلافاً للجمهور.

    الصلاة خلف الإمام المتلبس بنجاسة

    الشيخ: القسم الثاني: صلاة المتنجس, وهو إمام صلى بثياب نجسة، لكنه طاهر من حيث رفع الحدث:

    فذهب جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أنه إذا علم المأموم بأن الإمام ثيابه متنجسة بعد انتهاء الصلاة، -وهو مذهب عامة الفقهاء- أن صلاة المأموم صحيحة.

    وأما الإمام فقد وقع خلاف مبني على الخلاف في الشرطية, والراجح أيضاً أن صلاة الإمام صحيحة؛ وذلك لأن هذا من باب اجتناب المحظور وليس من باب فعل المأمور, فأما فعل المأمور فلا يعذر صاحبه بجهل ولا نسيان, إلا من جهة رفع الإثم، وأما من حيث الإعادة فإنه يجب على من لم يفعل المأمور أن يعيد.

    وأما اجتناب المحظور فإن الراجح، وهو مذهب أحمد في رواية وقول عند الشافعية, واختيار أبي العباس بن تيمية و ابن القيم : أن اجتناب المحظور إذا فعله الإمام سواء في أثناء الصلاة أو في انتهاء الصلاة أن صلاته صحيحة؛ لأنه لا علاقة لها برفع الحدث.

    واستدلوا على ذلك بما رواه أهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه, فخلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم, فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا, فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى, فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد بهما أذى فليدلكهما بالتراب, فإن التراب لهما طهور ).

    وقد اختلف أهل العلم في رفع هذا الحديث ووصله, والصواب إن شاء الله تبارك وتعالى أن الحديث مرفوع، وأن الوصل صحيح كما رجح ذلك أبو حاتم الإمام الثقة المشهور في علم الرجال.

    إذا ثبت فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبره جبريل أن في نعليه أذى -وهو النجس- لم يبطل صلى الله عليه وسلم صلاته، بل أزال هذا المتنجس.

    وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أكمل صلاته بعد علمه بالنجاسة في أثناء الصلاة، ولم يبطلها؛ فدل ذلك على أن اجتناب المحظور شيء، وفعل المأمور شيء آخر.

    إذا ثبت هذا فإن الإمام إذا علم بنجاسة ثيابه بعد انتهاء الصلاة فالراجح هو صحة صلاة الإمام والمأموم, وأما إذا علم في أثناء الصلاة فيجب على الإمام أن ينزعها إذا كان ذلك يمكنه, فإن لم يمكن قطع صلاته، وأما المأموم فإن صلاته صحيحة.

    فإن صلى مع علمه بنجاسته فإنه قد مر معنا حكم الصلاة بالثوب المتنجس؛ هل هو من شرط الصلاة أم هو من واجباتها, أم أن ذلك على سبيل الاستحباب؟ خلاف بين أهل العلم، وقلنا: إن الراجح أن ذلك من باب الواجب، وليس من باب الشرط ولا من باب الاستحباب, والواجب إذا تركه الإنسان متعمداً من غير عذر فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه ترك الواجب مع علمه بذلك والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088557124

    عدد مرات الحفظ

    777308034