إسلام ويب

معاوية بين المتعسفين والمنصفينللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل قد اصطفى خير خلقه ليكون خاتم الرسل إلى خير أمة، واصطفى من خير هذه الأمة صحابة له لمؤازرته ونصرته ونشر دين الله في الأرض، فأبلوا بلاءً حسناً، وبذلوا النفوس والأموال، وجاهدوا وصبروا، حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة، وظهر الحق واندحر الباطل، ومن هؤلاء الصحابة معاوية رضي الله عنه. ففضلهم على من بعدهم عظيم، وقدرهم عند الله كبير، فقد بشرهم بالجنة والرضوان وبالمغفرة، وهم ليسوا معصومين، ولا عن الخطأ منزهين، لكن خطأهم مغفور، وسيئاتهم غارقة في بحور حسناتهم، لما لهم من سابقة حسنة وقدم صدق، وما علينا إلا الترضي عليهم، وإحسان الظن بهم، والدعاء لهم، ومعرفة حقهم وفضلهم، حتى يجمعنا الله بهم إن شاء الله في الجنة، إنه جواد كريم.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7] آمين.

    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

    اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

    اللهم وارض عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض عنا معهم بمنّك وكرمك يا أرحم الراحمين.

    رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.

    سيكون الحديث بعنوان: (معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما بين المنصفين والمتعسفين) ولن يكون الحديث عن نسبه وحياته وحديثه وما إلى ذلك مما يتعلق به، وإنما سيكون مقصوراً على ناحية معينة، وهي كلام أهل الإنصاف فيه، الذين وفقهم الله سبحانه وتعالى لأن يسلكوا المسلك القويم، وأن يتكلموا فيه بما يليق به دون أن يقعوا فيما وقع فيه أناس لم يحالفهم التوفيق، ولم يحصل لهم ما يكون فيه سلامتهم ونجاتهم وسعادتهم.

    معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه هو أحد الصحابة الذين أكرمهم الله بصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكل كلام يقال في الصحابة -فيما يتعلق بفضلهم وما يجب لهم عموماً- فإن معاوية رضي الله تعالى عنه يدخل في ذلك، ولهم فيه كلام يخصه ويتعلق به مما ينبغي أن يوصف به وأن يتكلم فيه بالنسبة له رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    والكلام الآتي ليس لي منه إلا مجرد النقل من كتب بذل أصحابها جهوداً مشكورة في خدمة السنة النبوية، وفي بيان ما يجب للصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فأنا سآتي بكلام عام في الصحابة جميعاً -ويدخل فيهم معاوية بن أبي سفيان - ثم بالكلام الخاص الذي يتعلق بـمعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه.

    وقد يقول قائل: لماذا اخترت معاوية بن أبي سفيان فخصّصته بالحديث دون غيره؟

    والجواب على ذلك: أن أحد التابعين قال قولة مشهورة، وهي: إن معاوية بن أبي سفيان ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كشف الستر اجترأ على ما وراءه.

    فالذي يجرؤ على أن يتكلم في معاوية رضي الله عنه بكلام لا يليق فإنه من السهل عليه أن يتكلم في غيره، ولن يكون الأمر مقتصراً عليه بل سيتجاوزه إلى من هو خير منه ومن هو أفضل منه، بل إلى من هو أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب ، وغيرهم من الصحابة.

    وفي الحقيقة أن ما حصل لهم من كلام يليق بهم فهم أهله، وهو اللائق بهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهو محمدة لمن تكلم به ولمن حصل منه؛ ولهذا كان ذكر الأسلاف الذين أثنوا على الصحابة الأخيار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم متردداً دائماً وأبداً على الألسنة، فيأتي كل جيل يذكر كلامهم الجميل، ويترحم عليهم، ويثنى عليهم؛ لكونهم قاموا بما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

    أما من تكلم فيهم بكلام لا ينبغي فهو في الحقيقة لم يضرهم وإنما ضر نفسه، وذلك أنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم قَدِموا على ما قَدَّموا، وقد قدموا الخير الكثير، وقدموا الأعمال الجليلة التي قاموا بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يتكلم فيهم بما لا ينبغي لا يضرهم وإنما يضر نفسه، بل يكون ذلك زيادة في حسناتهم، ورفعة في درجاتهم؛ لأنه إذا تكلم فيهم بغير حق فإنهم يأخذون من حسناته إذا كان له حسنات، فيكون ذلك رفعة في درجاتهم، وإن لم يكن له حسنات فإنه (لا يضر السحاب نبح الكلاب) كما يقولون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532294

    عدد مرات الحفظ

    777168785