إسلام ويب

تفسير سورة البقرة - الآيات [31-33]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد أن خلق الله عز وجل آدم، وتحاور مع الملائكة في خلقه، أراد سبحانه أن يظهر علمه الذي لا يحيط به أحد من مخلوقاته، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فعلم آدم الأسماء كلها ثم سأل ملائكته هل يعرفون ما يعرفه آدم؟ فنفوا ذلك تسليماً منهم بأنه لا علم لهم إلا ما علمهم الله سبحانه.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    يقول الله جل وعلا: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:31-32].

    قال الله جل وعلا في كتابه: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31], أي: بعد أن خلق الله جل وعلا آدم علمه الأسماء كلها.

    وقد اختلف العلماء في الأسماء التي علمها الله آدم؛ لأن هذا لم يرد به نص مبين, إنما هو من المجمل في القرآن. فالله يقول: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:31-32].

    وهذا إظهار من الله جل وعلا لوجه من فضل آدم على الملائكة, فإنه في هذه الحالة المعينة صار آدم يعرف ما لم تعرفه الملائكة, فصار على علم من علم الله ليس عليه الملائكة, فهذا من بداية التفضيل في المعرفة لبني آدم, وليس على الملائكة مطلقاً, وإنما من وجه دون وجه.

    ولهذا ما جعل الله سبحانه وتعالى البشر يحيطون بسائر العلم, بل لا يحاط به سبحانه وتعالى ولا بأمره لا بشر ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل, بل كما قال تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255], وقال: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27].

    ولهذا اختلف في التفضيل بين الملائكة وصالح البشر, وهذه المسألة هل هي من المسائل الطارئة, أو من المسائل التي قال فيها السلف الأول ما قالوا؟

    هي طريقتان, وكان ابن تيمية رحمه الله يقول: كنت أظنها مسألة متأخرة, ثم بان أن للسلف فيها كلاماً.

    الله جل وعلا أظهر في أمره وفي خلقه ما كان من أمر آدم على الملائكة في هذه الحال, وهذا لا يلزم منه التفضيل المطلق لآدم على الملائكة, إنما بيان أن الله سبحانه وتعالى بيده الأمر, كما كان من أمر موسى عليه الصلاة والسلام: ( لما قام في بني إسرائيل، فقيل له: من أعلم؟ فقال: أنا, قال: فعتب الله عليه ) , كما في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في الصحيح: ( أن موسى لم يرد العلم إلى الله, فأوحى الله إليه: إن عبداً من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال: يا رب! أنى لي به؟ قال: احمل حوتاً في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثم, فخرج مع فتاه يوشع بن نون, ثم ذكر ما كان من أمره الذي قصه الله في سورة الكهف: ثم قال له الخضر : يا موسى! إني على علم من علم الله علمني إياه لا تعلمه, وأنت على علم من علم الله علمك إياه لا أعلمه ).

    وقد لبس بهذا غلاة أهل الطريقة والتصوف، فقالوا: إن الأئمة والأولياء يحيطون بما لا يحيط به الأنبياء. فيقال: لم يكن الخضر أعلم من موسى في أمر الشرع والشريعة, فإن موسى عليه الصلاة والسلام رسول مصطفى من عند الله, و الخضر كان من العباد والصالحين والأولياء لكنه لم يكن نبياً, إنما آتاه الله علماً من لدنه, كما قال تعالى: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65] .

    وهذا العلم الذي علمه الله إياه ذكر مجملاً في القرآن ولم يذكر صفة أخذه, إنما ذكر أنه من لدن الله: وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65] , فلم يكن أعلم من موسى على الإطلاق, بل كان أعلم من وجه دون وجه, ولكن بمجموع الحال موسى أعلم من الخضر .

    فصار في أمر آدم من هذا الوجه ما صار, وهو أن الله سبحانه: عَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [البقرة:31-32] .

    وهذا من أدب العارفين وهكذا في خطاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع ربهم, وهكذا كل من كان بالله أعرف كان له أكثر إجلالاً وتعظيماً وتوقيراً, ورد الأمر إليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088615984

    عدد مرات الحفظ

    777643493