إسلام ويب

التعليق على مقدمات الشاطبي في الموافقات [2]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله كلام المازري والجويني في ظنية بعض قواعد الأصول، ورد عليهما بأن الظني يتطرق إليه الاحتمال، وأصول الشريعة محفوظة ثابتة، كما ذكر في المقدمة الثانية قطعية الأدلة والمقدمات الأصولية، وذكر أنواعها: العقلي والعادي والشرعي والسمعي، وأن الأدلة العقلية تستخدم مركبة مع الدليل الشرعي، وأن الآحاد بمفردها تفيد الظن وبتواترها تفيد اليقين والقطع، وأن إفادة المتواتر القطع متوقفة على مقدمات من حيث الدلالة.

    رأي المازري والجويني في ظنية بعض قواعد أصول الفقه

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فهذا هو المجلس الثاني في التعليق على مقدمات العلامة أبي إسحاق الشاطبي في كتابه الموافقات، وسبق معنا في أوائل هذه المقدمة: أن الشاطبي رحمه الله عزم في أول كلامه على أن أصول الفقه قطعية، وسبق أن هذا مقام يحتاج إلى شيء من التفصيل؛ لأن هذا اصطلاح من جهة العلم نفسه، فإن أصول الفقه إنما تكون بهذا التركيب كعلم اصطلاحي، جمع تحته جملة من القواعد والأدلة والتراتيب، فهذا يرجع إلى التفسير.

    قال المصنف رحمه الله: [ قال المازري : وعندي أنه لا وجه للتحاشي عن عد هذا الفن من الأصول، وإن كان ظنياً على طريقة القاضي في أن الأصول هي أصول العلم؛ لأن تلك الظنيات قوانين كليات وضعت لا لأنفسها، لكن ليعرض عليها أمر غير معين مما لا ينحصر، قال: فهي في هذا كالعموم والخصوص، قال: ويحسن من أبي المعالي ألا يعدها من الأصول؛ لأن الأصول عنده هي الأدلة، والأدلة عنده: ما يفضي إلى القطع، وأما القاضي فلا يحسن به إخراجها من الأصول على أصله الذي حكيناه عنه، هذا ما قال ].

    هذا الذي ذكره الشاطبي يدل على أن النظار من أهل الأصول لا يسلمون بهذا المبدأ الذي ابتدأ به، من جهة أن أصول الفقه قطعية، وهذا مستفاد من هذا النقل الذي نقله؛ لأنه ليس المقصود هنا الوقوف عند تصحيح الطريقة التي اختارها القاضي أو التي اختارها الجويني أو التي اختارها الشاطبي ؛ لأنه أشار إلى ثلاث طرق في ترتيب هذا العلم، أو في تحديد ماهيته.

    وهذه الطرق الثلاث هي طرق ممكنة من حيث الاصطلاح، بمعنى: أنه لا مشاحة أن يصطلح عالم أو ناظر من المرتبين لهذا العلم المصنفين له على أحد هذه الأوجه، ويكون اصطلاحه مختصاً به؛ فإنه لو افتتح كتابه على أن هذا هو الاصطلاح الذي ينتهي إليه ترتيبه لهذا العلم في هذا الكتاب أو في سائر كتبه، لكان هذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال في طريقة أبي إسحاق رحمه الله أنه يعزم بهذا، يعني: يجزم به، ويرى أن ما خالفه يكون متعذراً من جهة الترتيب، والأمر ليس كذلك.

    لكن يستفاد مما ذكره الشاطبي عن القاضي وعن الجويني : أن تفسير النظار في علم الأصول لماهية هذا العلم من جهة قدره الكلي مختلفة، ومن هنا اختلف ترتيبهم بعد ذلك. فإذاً: ما ذكره هنا يدل على أن الأصوليين والنظار في هذا العلم لا يلتزمون فيه الالتزام الذي التزمه أبو إسحاق في أن أصول الفقه قطعية، وعليه فقوله: إن الجويني لما جعل أصول الفقه هي الأدلة، فإنه لا يناسبه أن يدخل فيها ما ليس قطعياً؛ لأن الدليل عنده قطعي، وهذا على قدر من النظر والتأمل والمراجعة، وليس على إطلاقه.

    وعلى طريقة القاضي يمكن أن يكون الظني مفضياً إلى ذلك بحسب ما ذكره المازري ، وإن كان أراد أن يجيب عنه بعد ذلك، ,النتيجة من هذا: أن هذا النقل الذي ذكره المازري وأجاب عنه، والنقل كما هو من كلام المازري ، ولكن أبا إسحاق أقره من جهة المنقول، وإن كان أراد أن يجيب عنه بعد ذلك.

    فما ذكره المازري أو نقله أبو إسحاق عن المازري ، يدل على أن ثمة أكثر من منهج في رسم القطعي من الظني في هذا العلم، وهذا هو الذي يكفي، فرجع الأمر إلى أن التنوع هنا اصطلاح وليس لزوماً علمياً.

    جواب الشاطبي على المازري في دعوى ظنية بعض أصول الفقه

    قال المصنف رحمه الله: [ والجواب: أن الأصل على كل تقدير لا بد أن يكون مقطوعاً به ] هذا ليس على إطلاقه، فكلمة: الأصل من حيث اللغة ومن حيث جمهور الاصطلاح، تعني: أن الأصل يصل إلى قدر من هذا المعنى وهو القطع، ولكن أن يقول: إن الأصل على كل تقدير لا بد أن يكون مقطوعاً به، فيقال: الأمر ليس كذلك، فإن الأصل إذا أريد به المقدمة كما هي طريقة القاضي لم يلزم أن المقدمات تكون قطعيةً على كل تقدير، فهذا اللزوم ليس ضرورياً لا من جهة اللغة، ولا من حيث الاصطلاح، ولا من حيث الحقائق العلمية.

    نعم، إذا قيل عن معنىً من المعاني أو عن قدر من المعاني: إنها أصل، فيفترض أن الأصل يكون له قدر من العلم. ولو قال رحمه الله: إن الأصل على كل تقدير لا بد أن يكون معلوماً، لكان هذا فيما أرى مناسباً، فإن ثمة فرقاً بين القطعي وبين العلمي، فإن العلم هو المقدمة الأولى، وأما أنه قطعي أو ليس قطعياً، فهذا من النتائج والأحكام، وكثير من النظار جعلوا كل علمي قطعياً على أساس المقابلة بين العلم وبين الظن، فهذا بحسب ما يفسر به؛ لأن في كتاب الله سبحانه وتعالى يذكر العلم، ويقابله الظن، ولهذا وصفت طريقة الأنبياء بالعلم، بخلاف طريقة من خالفهم بأنهم يتبعون الظن، كما في قوله جل وعلا: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ [النجم:23] ، فمقام الظن المذكور هنا ليس هو مقام الظن الذي يقع في الاصطلاح، ولهذا المعلوم قد يكون العلم به قطعياً وقد يكون العلم به ظنياً، مع أنه يسمى: علماً، بهذا الاعتبار.

    فإذاً قوله: (إن الأصل على كل تقدير لا بد أن يكون مقطوعاً به): هذا يحتاج إلى قدر من التحصيل أكثر مما ذكر.

    تطرق الاحتمال إلى الظني

    قال المصنف رحمه الله: [ لأنه إن كان مظنوناً تطرق إليه احتمال الإخلاف، ومثل هذا لا يجعل أصلاً في الدين عملاً بالاستقراء، والقوانين الكلية لا فرق بينها وبين الأصول الكلية التي نص عليها ].

    قوله: (لأنه إن كان مظنوناً)، يعني: الأصل (تطرق إليه احتمال الإخلاف) أي: التأخر عن الصحة.

    لهذا قال: (ومثل هذا لا يجعل أصلاً في الدين عملاً بالاستقراء) وأصول الدين ليس فيها ظني.

    ثم يقول: (والقوانين الكلية) يعني: في أصول الفقه، (لا فرق بينها وبين الأصول الكلية التي نص عليها)، يقصد به أصول الدين، وقصد بالقطعي القوانين الكلية في أصول الفقه، فهذا يمكن أن يقال: إنه قطعي، وهذا أمر يتأتى، بمعنى: أن القوانين الكلية في هذا العلم يجب أن تكون قطعيةً، وهذا بحسب ما ينتظم عند الناظر والمصطلح، فإنه إن أراد ألا يدخل في هذا العلم إلا القطعي وما عداه لا يجعله من هذا العلم، فهذا اختيار ليس من جهة لزوم الحقائق، وإنما من جهة الاصطلاح.

    ثم استدل رحمه الله بما جاء في كتاب الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ، وقال: إن المحفوظ هي الأصول الكلية، وهذا لا ينتهي إلى نتيجة؛ لأن أصول الفقه كاصطلاح يجب أن تكون قطعيةً، إنما هذه الآية تدل على أن القرآن محفوظ كما هو الغالب في تفسيرها، وحتى على تحصيل معنى مجمل منها، فإنها تدل على أن أصول التشريع وأصول الدين محفوظة، وأصول العلم وأصول العمل كلها محفوظة، وهذا لا إشكال فيه، لكنها لا تدخل إلى مسألة الاصطلاح.

    بعد ذلك يأتي جوابه رحمه الله عن كلام القاضي وكلام ابن الجويني ، فالأمر يدور على ذلك الترتيب.

    استدلال الشاطبي على قطعية الأصول بحفظ الشريعة وبيان وجاهته

    قال المصنف رحمه الله: [ ولأن الحفظ المضمون في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ، إنما المراد به حفظ أصوله الكلية المنصوصة، وهو المراد بقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] أيضاً، لا أن المراد المسائل الجزئية ].

    وهذا كلام حسن ليس من جهة تفسير الآية، فالمعنى فيها أعم مما ذكره رحمه الله. لكن من جهة أنه يفرق بين الكلي والجزئي، فهنا يعود السؤال: هل أصول الفقه من جهة الاصطلاح هي الكليات من المقدمات، أم يدخل فيها الجزئيات من المقدمات؟ هذا نتيجة البحث، فمن قال: إنها المقدمات الكلية فحسب، قال: إن هذا العلم قطعي، ومن قال: إنه يدخل فيها المقدمات الكلية والجزئية، قال: إن هذا العلم يدخل فيه ما هو ظني.

    قال المصنف رحمه الله: [ إذ لو كان كذلك لم يتخلف عن الحفظ جزئي من جزئيات الشريعة وليس كذلك لأنا نقطع بالجواز، ويؤيده الوقوع لتفاوت الظنون ]. وهذا فيه تجوز وليس على إطلاقه، بل الصواب أن الشريعة محفوظة من سائر مواردها، لكن تفسير الحفظ هو الذي يقع التردد فيه، وإلا فإنك تعلم أنه حتى في الجزئيات والفروع، لا بد أن يكون حكم الشارع قائماً في كل العصور، ولا يمكن أن يكون سائر ما يقوله الناظرون والمجتهدون حتى ولو في جزئي اختلفوا فيه مخالفاً لحكم الشارع في نفس الأمر.

    إحداث قول ثالث في المسألة

    وجرى في الأصول بحث في إحداث قول ثالث في المسألة، والمتحقق عند المتقدمين أنه إذا انضبطت المسألة ودارت بين أئمة الاجتهاد في القرون المتقدمة على قولين، فلا يجوز إحداث قول ثالث في المسألة يختص عنهما بالاختلاف؛ لأنه يعلم أن هذا المختص عنهما بالاختلاف لا يكون صواباً؛ لأنه لو جاز أن يكون صواباً لزم أن إطباق المجتهدين على خلافه أو على تركه نوع من تأخر بلوغ حكم الشارع لأهل ذلك القرن، وهذا من حيث القواعد الشرعية متعذر.

    وبمناسبة الكلام على إحداث القول الثالث، إلا أنه يقع في كلام بعض المتأخرين من الفقهاء والمعتنين، أنهم يقيدون بعض المسائل الفقهية ببعض العوارض، فربما تحصل في سياق البحث أن المسألة صار فيها القولان باعتبار الأصل فتصير المسألة بعد هذا التقييد على ثلاثة أقوال، فالمناسب من الباحث إذا أراد نسبة القول الثالث، يضيف القول الأول مثلاً إلى جملة من التابعين أو جملة من الصحابة، أو إلى أحد الأئمة الأربعة، ويضيف القول الثاني كذلك، باعتبارها مذاهب متحررة ومستقرة من سابق، فإذا جاء إلى إضافة القول الثالث فإنه لا يستطيع أن يضيفه كقول ثالث إلا لمن حرره من المتأخرين، فيقول: والقول الثالث هو قول فلان من العلماء المتأخرين من حيث التاريخ، وإن كان محققاً من جهة العلم.

    هذا التقييد بالعوارض هو نوع من الترتيب العلمي، لكن فيما أرى لا ينبغي أن يعد هذا من الأقوال الأصلية في المسألة، ومثال ذلك: أنهم إذا ذكروا مسألة الغسل في يوم الجمعة، فإن المشهور فيها إما القول بالوجوب وإما القول بالاستحباب وهو الذي عليه الأئمة الأربعة وهو الصحيح.

    لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أراد التقييد بمعنىً مناسب من جهة الشريعة، لكنه لم يرد أن يختص بقول ثالث، فربما جاء بعض الباحثين وظنه قولاً ثالثاً في المسألة، وقال: هذا القول هو الوسط، وهو الذي تجتمع به الأدلة وهو كذا إلى آخره من المقدمات التي قد لا تقدم ولا تؤخر في دعواها، وإنما الاعتبار بحقيقتها.

    فكما يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله بأن من كانت به رائحة شديدة يتأذى منها الناس، فإنه يجب عليه أن يغتسل، وهذا يعتبر من العوارض في القول، يعني: الأصل عند الجمهور الذين قالوا بالاستحباب لا يريدون صاحب هذه الحال؛ لأن له حكماً خاصاً، فمن حيث الدليل الشرعي: من كانت به رائحة شديدة يتأذى منه الناس إلخ، فيقال في حقه: يجب عليه إزالة الرائحة الكريهة، ولا يقال: يجب عليه الغسل، وهذا اطراد فقهي، أما لو قيل بوجوب الغسل على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فهذا له معنى آخر، لكن ليس قولاً مستقلاً من حيث الابتداء عن قول الجمهور.

    وجود الاحتمالات وتفاوت الظنون في النصوص الجزئية

    قال المصنف رحمه الله: [ وتطرق الاحتمالات في النصوص الجزئية، ووقوع الخطأ فيها قطعاً، فقد وجد الخطأ في أخبار الآحاد وفي معاني الآيات، فدل على أن المراد بالذكر المحفوظ ما كان منه كلياً ].

    ومعنى قوله: (وجد الخطأ في أخبار الآحاد، وفي معاني الآيات): فالخطأ الذي يقع هنا ليس خطأً في الخبر نفسه، وليس خطأً في المعنى في نفس الأمر، وإنما هو في الفهم، وهذا لا تناهي له، لأنه يفرض على كل علم، حتى في مسائل أصول الدين، أخطأ بعضهم في فهم بعض المعاني العقدية، وهذا أمر شائع ومعروف.

    قال المصنف رحمه الله: [ وإذ ذاك يلزم أن يكون كل أصل قطعياً، هذا على مذهب أبي المعالي ، وأما على مذهب القاضي, فإن إعمال الأدلة القطعية أو الظنية إذا كان متوقفاً على تلك القوانين التي هي أصول الفقه، فلا يمكن الاستدلال بها إلا بعد عرضها عليها, واختبارها بها، ولزم أن تكون مثلها بل أقوى منها؛ لأنك أقمتها مقام الحاكم على الأدلة، بحيث تطرح الأدلة إذا لم تجر على مقتضى تلك القوانين، فكيف يصح أن تجعل الظنيات قوانين لغيرها؟! ].

    فيقال: القوانين التي أرادها القاضي ليست هي في سائر مواردها ظنية، بل منها ما هو ظني ومنها ما هو قطعي، وعند القاضي وغيره أن المرتب على المقدمات الظنية يكون ظنياً، لكن منهجه لا يمنع من دخول الظني في هذا العلم.

    والقاضي لم يرد أن الظني يكون مقدمةً بالضرورة للقطعي، لكنه يرى أن هذا العلم كما أن الظني يجيء في مقدماته، فيجيء في نتائج هذه المقدمات.

    قال المصنف رحمه الله: [ ولا حجة في كونها غير مرادة لأنفسها حتى يستهان بطلب القطع فيها، فإنها حاكمة على غيرها، فلا بد من الثقة بها في رتبتها، وحينئذ يصلح أن تجعل قوانين، وأيضاً لو صح كونها ظنيةً، لزم منه جميع ما تقدم في أول المسألة وذلك غير صحيح، ولو سلم ذلك كله، فالاصطلاح اطرد على أن المظنونات لا تجعل أصولاً ] .

    وأقوى ما يمكن أن يقف معه أبو إسحاق رحمه الله: مسألة الاصطلاح، فإن كلمة: أصل، من حيث الاصطلاح ومن حيث اللغة فيها قوة، فكيف يكون الظني أصلاً؟! هذا هو محل الترتيب الأساس عنده.

    لهذا قال رحمه الله: [ وهذا كاف في اطراح الظنيات من الأصول بإطلاق، فما جرى فيها مما ليس بقطعي، فمبني على القطعي تفريعاً عليه بالتبع لا بالقصد الأول ].

    وما دام أنه يصح أنه يكون بالتبع، فهذا هو محل الخلاف الاصطلاحي بين النظار، لكن تقدير درجة التبعية هذا ما لم يتفقوا عليه، فما الفرق بين ما هو أصل وما هو تبع؟ هذا المناهج فيه مختلفة.

    قطعية المقدمات والأدلة المستعملة في أصول الفقه

    قال المصنف رحمه الله: [ إن المقدمات المستعملة في هذا العلم والأدلة المعتمدة فيه لا تكون إلا قطعيةً؛ لأنها لو كانت ظنية لم تفد القطع في المطالب المختصة به، وهذا بين ].

    هذا تفصيل في المقدمة الثانية لما أجمله في المقدمة الأولى، فهو يرى أن المقدمات والأدلة المستعملة في هذا العلم لا بد أن تكون قطعيةً، وهذا في الجملة يصدق عليه ما سبق في المقدمة الأولى من أن المقدمات الكلية والأدلة الكلية في هذا العلم، المرتبة لحقائقه والمحصلة لنتائجه قطعيةً؛ حتى ينتظم هذا العلم كعلم في فقه التشريع أو تحصيل فقه التشريع ومعرفة المشتبه بتحصيل الفروع من جهة هذا العلم، فإن هذا لا بد أن يكون كذلك.

    وأما إن أريد أن كل المقدمات والأدلة المستعملة في هذا العلم قطعية، فهذا ليس بلازم، فإن قيل: إن هذا ليس مراداً له، قيل: هو ليس مراداً له ولا مراداً لغيره، بمعنى: أنه ما كان من اللزوم أن ينص على مثل هذا المعنى للتحصيل والتحقيق، ويذكر فيه الخلاف مع الجويني أو مع القاضي أو ما إلى ذلك، إذا فسر على هذا المعنى الصحيح المناسب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531886

    عدد مرات الحفظ

    777167309