إسلام ويب

قراءة موضوعية في كتاب الاعتصام [1]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عُرف الإمام الشاطبي بسعة علمه ودقة فهمه، وبراعته في تأليف الكتب، ومن ذلك كتابه الاعتصام، وسبب تأليفه كثرة انتشار البدع والمبتدعين، وقد وضع فيه قواعد وضوابط تعرف بها السنة من البدعة. وقد كان رحمه الله شديداً أحياناً في ردوده على أهل البدع.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

    فسنبدأ في هذا المجلس وما يليه القراءة في كتاب الاعتصام للعلامة أبي إسحاق الشاطبي رحمه الله.

    وأحب ابتداء من هذا المجلس أن ينتظم الكلام على وجه من ترتيب المسائل؛ حتى يكون ذلك مهيئاً لضبط ما يقال والنظر فيه, فيكون هذا المجلس مبنياً على جملة من المسائل والوقفات على هذا الكتاب.

    التعريف بالإمام الشاطبي

    أول مسألة ما يتعلق بمؤلف هذا الكتاب, فإنه كما ترجم له أهل التراجم, هو: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي , ولم تنضبط سنة ولادته, ولكنه توفي رحمه الله سنة تسعين وسبعمائة للهجرة النبوية.

    و الشاطبي من أهل العلم الذين اشتهروا, ولا سيما بما أصَّله وكتبه, فهو من كبار المتأخرين من أهل العلم, ويطلق عليه وصف: علامة محقق, وفقيه أصولي, وهو من أهل التتبع للعلم وما إلى ذلك.

    أهم كتب الشاطبي

    هذا الإمام العلامة الفقيه له عناية بالتحقيق وبتتبع كلام أهل العلم وضبطه, وحسن الاختيار في الأمور العلمية, فإنه من أحسن أهل العلم المتأخرين ضبطاً واختياراً وعناية.

    ومن هنا اشتهر له كتابان: أحدهما: كتاب الموافقات. والثاني: كتاب الاعتصام.

    فالأول: هو مختار من تحقيق الشاطبي وتتبعه لكلام أهل العلم في أصول فقه الشريعة.

    والثاني: هو ما تحصل لهذا العلامة المحقق في أصول الاعتصام بالسنة.

    إذاً: هذان الكتابان هما من أخص ما كتب الشاطبي , وإن كان له جملة من الرسائل والكتب, ولكن إنما كثرت العناية بكتبه عند من جاء بعده, ولا سيما في هذا العصر, فإنك تجد أن هذا العلامة المحقق يرد على كثير من الألسنة؛ لما عني به في مسائل من أصول الفقه، فإنه أتى بها على غير القدر المعتاد في الرتابة التي نظمها الأصوليون؛ فعلماء الأصول كتبوا في أصول الفقه معتبرين المذاهب الفقهية التي هم عليها, فجاءت كتب في أصول فقه الشافعية والحنفية والحنابلة والمالكية, وجاء ما يسمى بطريقة الفقهاء وطريقة المتكلمين في كتابة الأصول, فـالشاطبي في كتاب الموافقات لم ينتظم على هذه الطريقة تماماً, وإنما حصل له كثير من النظر المختص به, وحصل عنده كثير من الاختيار, وكثير من التنبيه, وكثير من الإشارات؛ ولهذا صار له هذا الامتياز.

    موقف الشاطبي من إثبات الصفات

    أما ما يتعلق بكتابه الاعتصام بالسنة, فإنه كتب هذا الكتاب في بيان قدر السنة والاعتصام بها, والتحذير من البدع وأصنافها وبيان مضمونها ومعانيها, فمن هنا اشتهر هذا المؤلف الذي يطلق عليه أنه علامة محقق, وإن كان هذا لا يستدعي بطبيعة الحال أن يُسَلم بجميع ما ورد من كلامه, أو بجميع ما أخذه من النظر والتأصيل لهذه المسائل في هذا الباب: باب أصول الفقه, أو في باب الاعتصام بالسنة, فإنه كغيره من أهل العلم يقع من كلامه ما يكون صواباً، ويقع من كلامه ما يتردد في قبوله, ويقع من كلامه ما يعلم بوزنه بكلام الأئمة الذين سبقوه, وبوزنه قبل ذلك بنصوص الشريعة وأصولها أنه من الخطأ الذي عَرض له, وقد يكون هذا الخطأ إنما عَرض له من باب التقليد الذي اتخذه أو لسبب آخر؛ ولهذا أخذ على الشاطبي بعض المآخذ العلمية المحققة؛ ككلامه في مسائل الصفات, فإنه اعتبر الطريقة المعروفة عند أهل التفويض, وهي طريقة معروفة عند خلق من متكلمة الصفاتية المتأخرين, فإن متكلمة الصفاتية الذين لا يقررون مسائل الصفات، ولا سيما ما يتعلق بمسائل الصفات والأفعال على ما هو معروف عند متقدمي هذه الأمة وأئمة السلف, فإنهم إما أن يعتبروا طريقة التأويل أو يعتبروا طريقة التفويض, فـالشاطبي مال إلى طريقة التفويض واعتبرها, فله كلام في باب الصفات لا يُسلم له, وليس مما هو معروف عند أئمة السنة والجماعة.

    كذلك إذا نظرت في كلام له في مسائل القدر, فإنه في بعض مسائل القدَر كمسألة التحسين والتقبيح ونحو ذلك مال إلى غير المعروف عن سلف هذه الأمة؛ كالأئمة الأربعة, وأئمة السنة والجماعة من قبلهم, وأولهم أئمة الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

    أساليب الشاطبي في بعض المسائل

    وله كلام يشتد فيه في تقريره لكثير من مسائل البدع إلى درجة من الازدياد في القطع، والازدياد في الحكم, فربما كانت المسألة على قدر من الظن أو على قدر من الاحتمال, أعني: في بعض الفروع التي جزم بها أو قطع بها أو غلظ شأنها, فربما كانت المسألة لا تستدعي هذا القطع أو الجزم أو هذا الإصرار وهذا العزم, فتجد عند الشاطبي في كلماته وفي حروفه خاصة في الاعتصام, أو في الموافقات أحياناً ما هو من التأنيب لغيره، والتعريض بمخالفه تعريضاً يباعده عن فهم السنة أو فهم مقاصدها أو ما إلى ذلك, ففي كلامه وحروفه أحياناً بعض العزم والقوة التي ينبغي للناظر في كلامه في كتبه أن ينتبه لها, وربما أخذ على بعض الفقهاء أخذاً ليس هادئاً؛ كأخذه على الظاهرية، فإنه اشتد عليهم في بعض الأحوال اشتداداً ليس بضروري على هذه الدرجة, فعنده نفس من العزم وإن كان هذا ليس غالباً عليه رحمه الله, ولكن إنما أذكره وأشير إليه؛ لأن هذا هو المقصود في فقه تراجم الأعيان, فإنك إذا عرفت أحد العلماء باسمه واسم أبيه واسم جده؛ فإن كثرة الكلام في اسمه وقبيلته ولقبه وكُناه وأين ذهب، وبمن التقى وما إلى ذلك ليس نافعاً كثيراً؛ لأن هذه أمور موجودة في كتب التراجم, لكن الأهم في معرفة الأعيان من أهل العلم هو أن تُعرف طبيعته العلمية, أو ما هو عليه من الحالة العلمية الممثلة لكلامه ولكتاباته التي كتبها في مؤلفاته.

    استثمار الشاطبي لكتابات السابقين

    والشاطبي من أجود المتأخرين تتبعاً لكلام أهل العلم, وأوتي ذكاء وحسن انتقاء, فإنه أخذ أطرافاً من الكلمات المحققة التي نطق بها السالفون من قبله فاستثمرها ونظمها؛ ولهذا تجد في كتبه كالموافقات والاعتصام خاصة فرائد من العلم كثير منها قد سبق إليه, ولكنه أحسن نظمه وضبطه، ورتبه على الأصول, فإنه جمع أطرافاً من كلمات الشافعي وفقهه رحمه الله, وتتبع ما كتب من كتب الأصول وبخاصة كتب الغزالي , فإنه متأثر بكتب أبي حامد الغزالي في هذا الباب, ويظهر أيضاً أنه قد اطلع على شيء من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, فإنه توافق في كلام له على نحو يدل على أن ثمة اطلاعاً أو نقلاً, وإن كان قد لا يصرح بحروف النقل فضلاً عن أن يصرح باسم ابن تيمية رحمه الله, فإنه لم يقع في كتبه أنه ذكر النقل عنه على سبيل التصريح, فهو حسن الاختيار, هذا هو المقصود, وليس بالضرورة أن نقول: إنه تأثر بفلان وفلان, إنما المقصود أنه قادر على الاختيار من كلام أهل العلم.

    الوصية لطلاب العلم باقتفاء طريقة الشاطبي في تحصيله

    وهذه الميزة التي تحصلت للشاطبي أوصي طلبة العلم أن يعنوا بها, ولا سيما في هذه العصور؛ لأن علم الشريعة يحسن أن يحصر على وجه عام, وكذلك ما كتب في العقائد أو في الفقه أو في أصوله أو في التفسير أو في غير ذلك, والمعلوم أنه قد كتب في ذلك جملة من الكتب بالمئات بل بالآلاف, وإذا نظرت كتب الفقهاء وجدتها عدداً طويلاً, وكذلك إذا نظرت كتب التفسير وكتب السلوك والعقائد .. إلخ, لكن لنا أن نقول: إنه في كل فن من هذه الفنون التي سميت بهذا الاصطلاح هناك كتب محققة, بمعنى أنه كتبها علماء محققون اعتنوا بكتابتهم لها؛ فلهذا لو أن طالب العلم اختار سلسلة من الكتب العلمية التي تعتبر أصولاً محققة في هذه العلوم، وأكثر النظر فيها والتأمل لتحصل له كثير من التحقيق والعلم والانضباط؛ فإنك إذا جئت إلى كتب المفسرين مثلاً فستقبل ابتداء على كتاب أبي جعفر الطبري , فإن كتاب الطبري في التفسير -وهو الإمام المفسر الأول- يعتبر جامعاً لأصول هذا النوع من العلم وكذلك إذا جئت إلى كتب الفقه المقارن مثلاً، وأقبلت على ما كتبه الموفق ابن قدامة في كتابه المغني، وهو شرح لمختصر أبي القاسم الخِرَقي وهلم جرا, وكذلك إذا جئت إلى كتب أصول الفقه وجدت كتاب المستصفى لـأبي حامد الغزالي على ما فيه من المآخذ، ولكنه يعتبر من أجود الكتب الأصولية المتأخرة سبكاً ونظماً وما إلى ذلك.

    فينصح طالب العلم بتتبع كلام المحققين.

    ومن المحققين الأعيان: الإمام ابن تيمية رحمه الله, وكذلك الحافظ ابن رجب , وكثير من كلام أبي محمد بن حزم ، فضلاً عن كلام أئمة السلف الأوائل؛ لأن هذا شأن هو أظهر من أن ينبه إليه، أي الاهتمام بكتب الأئمة, أو المسائل التي رويت عنهم؛ كالمسائل المنقولة عن أحمد و مالك و الشافعي و أبي حنيفة وهلم جرا.

    فإذاً: ما يتعلق بهذا الرجل الإمام العلامة المحقق الشاطبي رحمه الله مما سبق ذكره من أهم ما ينبه إليه في شخصيته أو في شأنه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530121

    عدد مرات الحفظ

    777154055