إسلام ويب

كتاب الطهارة [10]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء الإسلام بطهارة الإنسان من النجاسة معنوية كانت أم حسية، وقد بين الإسلام كيفية إزالة تلك النجاسة، سواء كانت في البدن أم في اللباس، وأن ما كان يتعذر أو يشق الابتعاد عنه فإنه يعفى عنه كيسير الدم والقيح ونحو ذلك.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء وجب غسله، وعنه: يجزئ دلكه بالأرض، وعنه: يغسل من البول والغائط، ويدلك من غيرهما ].

    اختلفت الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله في أسفل الخف أو الحذاء إذا تنجس، فهل يجب غسله على الأصل، أو يكفي في ذلك أن يدلك بالأرض؟ وهل وجوب غسله هو الأصل في الشريعة، كما علل به بعض فقهاء المذهب وغيرهم؟

    هذه المسألة فيها أقوال للفقهاء، وفيها عن الإمام أحمد ثلاث روايات:

    الرواية الأولى: أنه يجب غسله، وهذا هو المذهب عند الإمام أحمد ، وهو مذهب الإمام الشافعي ، وبعض الكبار من أصحاب أبي حنيفة قالوا: لأن هذا هو الأصل.

    والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنه يجزئ دلكه بالأرض؛ لما جاء في حديث أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا وطئ أحدكم الأذى بنعليه فإن التراب لهما طهور ) أي: يكون مطهراً.

    والرواية الثالثة عن أحمد، وهي قول لطائفة من الفقهاء: أن الدلك بالأرض يجزئ إلا أن تكون النجاسة ببول أو غائط فيجب الغسل، وهذه المسألة من حيث النظر الفقهي ومن حيث الأدلة الشرعية يقع فيها القول على اعتبار ما ورد من النصوص في هذا الباب، فإنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنما يكون من التراب فإنه يكون طهوراً، وهذا جاء في حديث أبي سعيد وغيره، وهذا نص في المسألة، ولكن هذا النص أيضاً يحمل على تراتيب الشريعة وأحكام الشريعة، فإن النجاسة إذا كانت مما لا يزول عادة بدلكه بالأرض لم يقع بذلك زوال النجاسة؛ ولهذا لا يتجه أن يقول: الأصل هو: وجوب الغسل، وقد سبق معنا أن المقصود في الشريعة هو: زوال النجاسة، سواء كان ذلك بالغسل أو حتى بغير فعل الآدمي، وإن كان هذا قول كثير من الفقهاء، إلا أنه سبق أن عامة الفقهاء يصححون ما هو المقصود من ذلك، وهو أن النجاسة تزول بغير فعل الآدمي، كما قالوه في الخمر إذا تخللت بنفسها، فإنها تكون طاهرة عند عامة أهل العلم، فإذا كان كذلك قلنا: الأصل هو: وجوب إزالة النجاسة، ولا يتجه أن نقول: الأصل هو: وجوب الغسل بالماء، وعليه فيكون حديث أبي سعيد ليس خروجاً عن الأصل، بل هو مصحح للأصل في أن مقصود الشريعة هو: زوال النجاسة، سواء كان بالماء أو بغيره، هذا الذي يظهر في المسألة.

    وأن حديث أبي سعيد لم يخرج مخرج التخفيف؛ وإنما لأن النجاسة عادة تزول بذلك إذا كان هذا في النجاسة التي تجري العادة باعتراضها على النعل وطرف الثوب ونحوه، والذي يعرض للثوب وللنعل من ذلك هو ما كان من النجاسة اليابسة، أما ما كان عادة يبين ويتقى فلا يتجه أن يقال: إنه يجزئ فيه الدلك مطلقاً، وعليه فالدلك إنما وضعه الشارع مصححاً وطهوراً؛ لأن النجاسة التي تعرض لطرف الثوب والنعل تزول عادة بمثل ذلك، فحيث كان الأمر كذلك، فإذا رأى شيئاً من النجاسة اليابسة في نعله أو طرف ثوبه فإن ما بعده يكون مطهراً له، ثم إن اسم الأذى في الشريعة عند التحقيق أوسع من اسم النجاسة، ولكن إذا اعتبرنا الأصل السابق، وهو أن المقصود: زوالها، فحيث كان الدلك والمرور بالطريق يطهره ما بعده، كما في حديث أم سلمة، وأن النساء يرخين ثيابهن؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يطهره ما بعده )، وهو الثوب الذي تحتجب به المرأة بعدما تلبس الثوب الذي تلبسه على قدر جسدها، حيث تلبس المرأة ثوباً آخر فضفاضاً يسمى ثوباً ويسمى بغير ذلك، ويكون ساتراً لها ولصفة جسدها، ويكون له ذيل تجره، وهذا معروف عند العرب من جاهليتهم، وبعد الإسلام، وما زال معروفاً إلى عهد قريب عند العرب.

    والمقصود: أن ما جاء في قوله: ( يطهره ما بعده )، إنما هو في الأذى الذي يزول عادة بمثل ذلك، سواء حمل الأذى على النجاسة وهو الواجب تركها، أو ما كان مكروهاً، وكذلك الدلك بالنعل، أما لو أتى نجاسة رطبة وبقي أثرها في الثوب أو في النعل وما أزاله ما بعده ولا أزاله الدلك بل بقي مشاهداً، فإن هذا لا يتجه القول بأن الدلك يعلق به الحكم مطلقاً، فهذا ليس في الأدلة ما يقتضيه، وإنما يحمل حديث: ( فإن التراب له طهور )، على أن النجاسة لا يلزم فيها الماء، فهو دال على هذا الأصل، لكنه ليس دالاً على أن التراب يكون كافياً على كل تقدير، فهذا ما يتجه في هذه المسألة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087502046

    عدد مرات الحفظ

    772705577