إسلام ويب

كتاب الطهارة [11]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حرص العلماء رحمهم الله على بيان أحكام الحيض لما يتعلق به من أمور شرعية مهمة كالصلاة والصيام وغيرهما، وأهم ما في هذا الموضوع هو الاستحاضة حيث قد تلتبس بالحيض أو النفاس، ومن هنا قسم العلماء المستحاضة إلى أقسام، وبينوا حكم كل قسم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    قال المصنف رحمه الله: [ فصل: والمبتدأة تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتصلي، فإن انقطع دمها لأكثره فما دون. اغتسلت عند انقطاعه، وتفعل ذلك ثلاثاً, فإن كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وانتقلت إليه، وأعادت ما صامته من الفرض فيه، وعنه: يصير عادة بمرتين ].

    (المبتدأة) المقصود بها: المرأة أول ما ترى دم الحيض، فإذا جاءها الدم في سن يصح أن يكون حيضاً وهو بلوغ تسع سنين على المشهور فإنها تعتبر به مبتدأة، ويعتبر هذا الدم دم مبتدأة.

    وهذه المبتدأة بين الفقهاء -رحمهم الله- خلاف في صفة أخذها لهذا الحكم:

    والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن المبتدأة تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتصلي ولو استمر الدم، فإن انقطع الدم لأكثره، أي: لأكثر الحيض فما دونه. وسبق معنا الخلاف بين الفقهاء في أكثر الحيض، وأن المذهب وكثيراً من الفقهاء يجعلون أكثره: خمسة عشر يوماً، ويجعلون أقله: يوماً وليلة.

    قوله: (فإن انقطع دمها لأكثره)، أي: لأكثر الحيض، وهو: خمسة عشر يوماً (فما دون) أي: دون الخمسة عشرة، (اغتسلت عند انقطاعه) وهذا هو الغسل الثاني في حقها، أي: على هذا الترتيب تكون اغتسلت الغسل الثاني، ويعتبرون أن الغسل الثاني إنما وجب عليها لأنه يحتمل أن يكون حيضاً بعد الاستقرار.

    قوله: (وتفعل ذلك ثلاثاً)، أي: في الشهر القابل إذا جاءها الدم، تمكث يوماً وليلة لا تصلي ولا تصوم, فإذا مضى اليوم والليلة اغتسلت ولا تنظر إلى الدم: هل انقطع، أو لم ينقطع؟ وغالباً أنه لا ينقطع، وهم لا يتكلمون على أنها تغتسل لتأثر حالة الدم، وهم هنا لم يلتفتوا إلى تأثر دمها، والأصل أن دمها على ما هو عليه، أي: على سيلانه منها.

    وإنما يقولون: تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل؛ لأن أقل الحيض عندهم يوم وليلة، ثم تغتسل بعد ذلك وتصلي وتصوم، فإذا انقطع الدم في الشهر الثاني لأكثر الحيض فما دونه فعلت ذلك في الشهر الثالث، وإذا تطابق ذلك منها ثلاثة أشهر سموها معتادة وخرجت عن كونها مبتدأة.

    هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد.

    ولماذا أمروها بالغسل الثاني؟ قالوا: لأنه تبين بعد الاستقرار -أي: بعدما استقر الحيض- أن غسلها عن دم حيض، قالوا: إذا ثبتت عادتها بثلاث مرات -وهذا هو المشهور من المذهب أن العادة لا تثبت إلا بثلاث- قالوا: فيكون غسلها الثاني وقع غسلاً عن الحيض، ويكون غسلها الأول وقع احتياطاً قبل التبين؛ احتياطاً للعبادة؛ لأنه يحتمل ألا يكون استقرارها على ما ذكر, فتكون اغتسلت وفعلت الصلاة، بمعنى أنهم يقولون: ما زاد عن يوم وليلة وهي مبتدأة فإنه يحتمل أن تكون مخاطبة بالصلاة والصيام.

    فقالوا: وهذا لا يتبين إلا بالاستقرار، فما بين الاستقرار -وهي الأشهر الثلاثة الأولى- والاستقرار قالوا: يكون حالها بعد اليوم والليلة مشكوكاً فيه؛ فلهذا الشك أمروها في مذهب الإمام أحمد

    بأن تغتسل وتصلي، فإما أن يكون غسلها هذا غسلاً عن دم حيض، وإما أن تستقر وتتطابق في الثلاثة الأشهر فيكون غسلها وقع لغواً، يعني: من حيث ترتب الآثار عليه بعد ذلك. بمعنى: أنه يتبين أن ما صلته وصامته بعد غسلها الأول الذي بعد اليوم والليلة إنما وقع حال حيض.

    فنرجع إلى قاعدة الشريعة وحكم الشريعة، وأن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فيكون صيامها فيما صامته بعد اليوم والليلة مخاطبة بإعادته، وصلاتها ليست مخاطبة بإعادتها؛ لأنها أولاً: لو قدر وجوب الصلاة عليها فهي قد صلت، ثم تبين أن الصلاة لا تجب عليها لكونها حائضاً, والحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن الحائض المبتدأة تجلس هكذا.

    (وعنه) أي: عن الإمام أحمد في ذلك روايات:

    عنه: أنها تجلس ستاً أو سبعاً.

    وعنه: أنها تجلس عادة نسائها، أي: نساء أهلها كأمها وخالتها وأخواتها اللاتي سبقنها ونحو ذلك.

    وعنه: أنها تجلس ما تراه من الدم وتعتبره حيضاً من أول مرة ما لم يعبر -أي: يجاوز- أكثر الحيض، وهذا القول الرابع هو رواية عن الإمام أحمد ، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وهو مذهب الثلاثة: مذهب أبي حنيفة ، و مالك ، و الشافعي.

    بمعنى: أن الجمهور من الفقهاء يقولون: إنها تجلس ما دام أن الدم دم حيض في صفته، ولا يأمرونها بعد مضي يوم وليلة أو نحو ذلك بأن تصلي وتصوم، أو أن تغتسل وتصلي وتصوم، بل يقولون: تبقى على كونها لا تصلي وتصوم ما لم يعبر أكثر الحيض، أي: يجاوز أكثر الحيض.

    فهذه أربعة أقوال للفقهاء وهي أربع روايات عن الإمام أحمد .

    وعليه: فيكون المذهب أن العادة لا تستقر بمرة ولا بمرتين, بل لا بد من ثلاث حتى تسمى معتادة.

    ما ثبت به العادة

    والرواية الثانية عن الإمام أحمد وهي غير مسألتنا التي ذكرنا فيها الأقوال الأربعة الآنفة، وهي مسألة: هل العادة تثبت بمرة أو لا تثبت بمرة؟ فيها ثلاثة أقوال للفقهاء: منهم من يقول: إن العادة تثبت بمرة، وإذا قيل: إن العادة تثبت بمرة فإنه يترتب على ذلك أنها تجلس في المرة الأولى يوماً وليلة، ثم تغتسل وتصلي وتصوم، فإذا انقطع الدم عن أكثر الحيض فما دونه اعتبرت أن ما سبق من صلاتها وصيامها وقع في حيض، فإذا كان الشهر الثاني، ومضى يوم وليلة فلا تفعل شيئاً، لا تغتسل ولا تصلي ولا تصوم؛ لأنهم وبناءً على هذه الرواية اعتبروا العادة ثبتت بمرة واحدة، وهذه أقل الروايات في المذهب.

    والرواية الثالثة -وهي أقوى من الثانية من جهة صفة المذهب ولا أقصد من حيث الدليل-: أن العادة تثبت بمرتين، ففي مذهب الإمام أحمد ثلاثة أقوال، بعضهم يطلقها روايات عنه، وبعضهم يجعل الأولى والثالثة هي الروايات، ويجعل الثانية قولاً.

    لكن المقصود: أنها ثلاثة أقوال في المذهب، وهل جميعها روايات، أو أحدها من قول الأصحاب أو تخريجهم؟

    على وجهين في ذلك للأصحاب، لكن المشهور من المذهب والمستقر عند عامة الأصحاب: أن العادة لا تثبت بمرة، هذا على الترتيب الذي ذكر.

    وإذا أخذنا بقول الجمهور قيل: بأنها تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض، فما دام أنه على صفة دم الحيض فإنها تجلسه ولا تصلي ولا تصوم، فإذا انقطع وصفته صفة دم الحيض عن أكثر الحيض عند من يحدده بقدر -وهم الجماهير من الفقهاء- ويعتبرون هذا هو حيضها، فإذا كان الشهر الثاني نظرت فيما كان من أمرها من الشهر الثاني.

    قوله: (وعنه: يصير عادة بمرتين)، هنا المصنف لم يذكر القول الثالث في المذهب أنه: يصير عادة بمرة؛ لأن كثيراً من الأصحاب يجزم بأن هذا ليس من روايات الإمام أحمد.

    ومسائل الحيض كما يقول الإمام أحمد : ما زال في نفسي من مسائل الحيض شيء، باعتبار أن مدار الأحاديث في ذلك يعتمد على جملة من الروايات، وفي بعض أحرفها اختلاف، كحديث حمنة ، وحديث فاطمة بنت أبي حبيش ، فصاروا يأخذون من بعض الحروف ما قد يختلف النقل فيه عند أهل الحديث، وعلى هذا تفرعت هذه الأقوال.

    وإذا نظرت إلى الاستصحاب أو القياس في هذا من جهة ترتيب المسائل انبنى ذلك أيضاً على وجه آخر, أحياناً يخالف بعض هذه الدلالات التي يفهمونها -يعني: الفقهاء- من بعض حروف الحديث، فإنهم أخذوا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تدع الصلاة أيام أقرائها )، أخذوا من الأقراء هنا أن القرء هو الحيض، وأن الحيض لا يثبت، أي: لما ذكرها الشارع جمعاً (أيام أقرائها)، دل على أن العادة لا تثبت بمرة، بل لا بد أن يكون ثلاثاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087501953

    عدد مرات الحفظ

    772704917