إسلام ويب

كتاب الصلاة [2]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من شعائر الإسلام الظاهرة وما تتميز به دار الإسلام عن دار الحرب شعيرة الأذان، ويعتبر من خصائص الرجال دون النساء. وله أحكام خاصة به تتعلق بصفات المؤذن، وصيغ الأذان والإقامة، وغيرها من الأحكام.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأذان والإقامة: وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء ].

    قال الإمام ابن قدامة رحمه الله (باب الأذان والإقامة) وذكر هذا بين يدي أحكام الصلاة لأن الأذان والإقامة متصل بها، فهو دعوة إليها، وقيام إليها.

    تعريف الأذان

    سمي الأذان أذاناً؛ لأن الأذان إعلام بوقت الصلاة، ودعوة إليها.

    والأذان في اللغة: الإعلام، ومنه قول الحارث بن حلزة وهو من شعراء المعلقات:

    آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء

    أي: أعلمتنا. وفي قول الله جل ذكره: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:3]، أي: إعلام بالبراءة من المشركين.

    وهو نداء مخصوص في الشريعة يدعى به إلى الصلاة، وبهذا يعلم أن الدعوة إلى الصلاة لا تجوز ولا تصح أن تكون إلا بهذه الصيغة التي جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأذان تنوع في بعض جمله، أو تطبيقها، كما سيأتي عند أذان بلال وأذان أبي محذورة .

    اختصاص الأمة بالأذان دون غيرها من الأمم

    لكل أمة من الأمم -ولا سيما الأمم الكتابية- طرق في الدعوة إلى صلواتهم واجتماعهم؛ ولهذا لما كثر الناس: ( نظروا فيما يدعون به إلى الصلاة, فقال بعضهم: أن توروا ناراً، وذكر بعضهم الناقوس، وقال: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: قرناً مثل قرن اليهود ).

    فعلم بهذا أن الأمم الكتابية المنحرفة عن كتابها كانت تتخذ مثل هذه الطرق، فشرع الله سبحانه وتعالى بما أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم هذا الأذان المبارك الذي فيه تعظيم الله، وتوحيده، وتحقيق مقام النبوة والشهادة بأن محمداً رسول الله، وفيه دعوة إلى الصلاة؛ وهو المقصود الأعظم منه، وفيه بيان أن الصلاة هي الفلاح، وأنها هي النجاة، وهذا من تعظيم مقامها.

    ثم يختم بعد هذا بتعظيم الله وتكبيره، ثم كلمة التوحيد والإخلاص، فلابد أن يكون بعد هذا العمل الصالح تمامه الإخلاص لله وحده لا شريك له.

    فإذا تأملت في الأذان وجدت فيه من تحقيق التعظيم لله ورسوله ولدينه، بخلاف ما عليه منحرفة أهل الكتاب من الناقوس، وقرن اليهود الذين يصيحون فيه ويدعون به إلى صلواتهم, فليس فيها ما تألفه النفوس أو تألفه العقول، ولا يتضمن تعظيماً لله ولرسله، ولما شرع لعباده من العبادة الصحيحة.

    وإذا تحقق هذا علم أن الأذان المخالف في الدعوة إليه بأي صفة من الصفات يكون بدعة، ولذلك لا تجوز الزيادة فيه ولا أن تغير صيغه، ولا أن يزاد فيها ولا ينقص، ولا يستعمل في الدعوة إلى الصلاة إلا هو، فهو الأذان الذي شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكل طريقة تتضمن غير ذلك تكون مجانبة لهذا الأصل.

    والأذان والإقامة من الأعمال الصالحة؛ لأنها من عبادة الله سبحانه وتعالى.

    المفاضلة بين الإمامة والأذان

    اختلف الفقهاء رحمهم الله أي العملين أفضل: الإمامة في الصلاة أم الأذان؟ فبعد اتفاقهم على أن الإمامة في الصلاة والأذان والإقامة من الأعمال الصالحة، اختلفوا أيهما أفضل: الإمامة في الصلاة أو الأذان؟ وفي المسألة قولان للفقهاء، وهما روايتان عن الإمام أحمد.

    فالمشهور عند أكثر الأصحاب أن الأذان وما يتبعه من الإقامة أفضل من الإمامة؛ لأن ما جاء في النصوص من ذكر فضل الأذان لم يرد مثله أو ما هو أعلى منه في الإمامة.

    ومما يدل على فضل الأذان، ما جاء في حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، والذي رواه مسلم وغيره: ( المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة )، وهذا من أقوى الأدلة في فضل الأذان.

    والرواية الثانية: عن الإمام أحمد رحمه الله وهو القول الثاني للفقهاء: أن الإمامة أفضل؛ لما يكون عليه الإمام من الصفة، فقد جاء في حديث أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة )، إلى آخره, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم من صفات الإمام الشرعية من العلم والدين ما لم يذكر مثله في المؤذن، وأما من حيث العلم فقوله: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة )، فهذه صفة العلم.

    فإن قال قائل: فأين ذكر الدين في حديث أبي مسعود؟ فيجاب عليه بأوجه:

    الوجه الأول: كل وصف في العلم فهو وصف في الدين، فإن العلم هنا هو علم الشريعة، وهو عبادة، فكونه أقرأ لكتاب الله فهذا وصف علمي ووصف ديني، وكونه أعلم بالسنة فهذا وصف علمي ووصف ديني، ففي الصحيح وغيره عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، فالعلم بالقرآن وقراءته، والعلم بالسنة من الدين، كما أنه مقام من العلم.

    الوجه الثاني: أن في حديث أبي مسعود من تفصيل الصفات ما يكون مطابقاً لذكر المسألة الدينية؛ وهو قوله: ( فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة )، والهجرة عمل ودين، ويتضمن هذا العمل والدين في الجملة مقاماً من العلم، وفي الصفة الأخرى كما في حديث أبي مسعود : ( فأقدمهم سلماً )، على رواية. أي: إسلاماً.

    وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الإمامة من الصفات ما لم يذكر مثله في الأذان.

    وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم الناس، وكذلك من بعده الخلفاء الراشدون، فدل على أن مقام الإمامة أفضل من مقام الأذان.

    وهذا الخلاف مشهور عند أكثر الأصحاب عن الإمام أحمد رحمه الله.

    التوفيق بين القولين في المفاضلة بين الأذان والإمامة

    وفيما يظهر أن الجزم بأحد الوجهين يقع النظر فيه من حيث النظر باعتبار العمل مجرداً، وباعتبار العمل قائماً بفاعله، وهذا يتجه فيه ما سماه بعض أهل العلم وجهاً ثالثاً في الخلاف، فقالوا: إن الإمامة أفضل لمن كانت له مناسبة، والأذان أفضل لمن كان له مناسباً، فلم يطلقوا على أحدهما أنه أفضل الآخر.

    وأما إذا اعتبرت من حيث التجريد، فعناية الشريعة بمقام الإمامة أظهر من العناية بصفة المؤذن، ومما يدل عليه ما جاء في حديث مالك بن الحويرث الذي رواه البخاري وغيره أنه لما أراد مالك وأصحابه أن ينصرفوا إلى أهلهم أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلوا جماعة، فقال لهم: ( وليؤمكم أقرؤكم، وليؤذن لكم أحدكم )، فلما ذكر الإمامة اختار لها بالصفة وهو أن يؤم الأقرأ، ولما ذكر الأذان قال: ( وليؤذن لكم أحدكم ) مما يدل على أن أمره أوسع من حال الإمام، وهذا مستقر عند عامة أهل العلم.

    إذاً: فالمسألة من حيث الأدلة لا يظهر أن فضل المؤذن أعظم حتى ما جاء في حديث معاوية الذي ذكر فيه فضل الأذان، فليس فيه ما يدل على أن الأئمة لا يصلون إلى قدر من هذا الفضل، والخلاف في المسألة معروف، والراجح في مذهب الإمام أحمد عند أصحابه أن الأذان أفضل.

    وهذه مسألة ليس من الضرورة الجزم فيها؛ لأنه إذا خوطب الإنسان من جهة اختياره فالأمر يعتبر بالصفة؛ فمن كانت صفة الإمامة له أفضل اعتنى بمقامها، ومن كان عنده القدرة على التفرغ لشأن الأذان فهو أفضل؛ لأن الأذان يرتبط به وقت دخول الصلاة، ويرتبط به الصيام، فالناس يعرفون به مواقيت الصلاة، ويبنون عليه أمر الصيام.

    تقديم الأذان أو تأخيره احتياطاً

    ولذلك فالمؤذن لا ينبغي له التساهل في الأذان، ولا سيما في المواسم التي يتحرى فيها الناس الصلاة أو الصيام كرمضان مثلاً.

    لأن بعض المؤذنين يتأخر في الأذان في رمضان بعض الشيء، وهذا خطأ؛ لأن كثيراً من الناس لا يعتبرون بالأجهزة التي قد يعرفون بها المواقيت، وهذا هو الأصل الشرعي في أنهم يعتبرون بالأذان، فإذا تأخر دقائق أحياناً, وسمع أنه يؤذن بعد ذلك، ظنوا أن وقت الفجر دخل الآن، في حين أنه قد يكون دخل الوقت قبل ذلك، فيكون هذا سبباً في أن أصحاب البيوت المجاورة لا يمسكون إلا عند سماع الأذان، والمؤذن قد تأخر أربع دقائق أو خمس دقائق.

    والعكس كذلك، مما يقع من بعض المؤذنين فإنهم يؤذنون قبل دخول الوقت بدقيقتين مثلاً، وهذا خطأ؛ لأن بعض الناس ينتظر سماع المؤذن، وخاصة ممن يسهرون، فبعضهم -هداه الله- لا يدقق على مسألة السنة، وإنما يريد سماع الأذان فإذا سمعه صلى الفجر.

    وهذا قد يقع أحياناً بغض النظر عن كونه خلاف الفاضل، وقد يكثر أحياناً، فإذا أذن قبل دخول الوقت قال: دقيقتان نجعلهما احتياطاً لصيام الناس، فيقال: أولاً: الاحتياط لصيام الناس خطأ؛ لأنه موقت، والله يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ [البقرة:187]، وهذا حق لمن يأكل ويشرب.

    ثانياً: أن هذا الفعل يوقع البعض في لبس في مسألة تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت. وقد يقول قائل: هل الدقيقة والدقيقتان تؤثر؟

    فنقول: يجب على الناس أن يعتبروا بهذه المعايير في الأصل، فإذا وقعت حالات، كأن يكبر إنسان قبل دخول الوقت بدقيقة، فيقال: هذه وقائع أعيان لها فتواها.

    فلا يصح أن يوسع هذا المعيار عند الناس، فيقولون: الدقيقة والدقيقتان والثلاث والأربع ليس فيها شيء, فهذا منهج لا يصح تأسيسه ابتداءً، ولكن إذا وقعت بعض قضايا الأعيان فإنها تقدر بقدرها، كأن يتقدم بدقيقة فهل تؤثر أو لا تؤثر؟ فهذا يقدر بفتوى، ولكن على الناس أن يعتبروا بالمعايير المنضبطة، وكلما كانت هذه المعايير أكثر اطراداً وجب التزامها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087502045

    عدد مرات الحفظ

    772705566