إسلام ويب

كتاب الصلاة [3]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر الأذان مما جاءت به الشريعة لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وله أحكام منها: أن يكون مرتباً متوالياً، ولا يصح إلا بعد دخول الوقت إلا ما خص به الفجر. وقد اختلفوا فيه في مسائل، منها: إجزاء أذان المميز، ويشرع لمن سمع المؤذن أن يقول مثلما يقول، وأن يدعو أيضاً عقب انتهائه بالدعاء المشهور.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ترتيب الأذان وتنكيسه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يصح الأذان إلا مرتباً متوالياً، فإن نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به ].

    قوله: (ولا يصح الأذان إلا مرتباً متوالياً)، أي: في صفته؛ لأنه لا يعتد به إلا إذا كان على صفة الشريعة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد من أصحابه، وهو عبادة من العبادات، ولما كان الأذان عبادة فإن العبادة موقوفة على الشريعة، فلا يصح التغيير في صفتها، ولو كان ذلك بترك الترتيب أو ترك الموالاة، فإنه إذا ترك الترتيب أو ترك الموالاة لم تكن الصفة على صفة الشريعة، وهذا معنى قول المصنف: (ولا يصح الأذان إلا مرتباً)، أي: في جمله، (متوالياً)، فلا يفصلها بفاصل طويل أو كلام.

    قال: (فإن نكسه)، أي: لم يكن مرتباً، فقدم أشهد أن لا إله إلا الله مثلاً على التكبير في أوله، أو فرق بين جمله بسكوت طويل، أما السكوت اليسير فهذا مشروع بقدر ما يعتاده الإنسان في ترسله في الأذان؛ لأن الأذان شرع ترسلاً، فيكون بين جمله بقدر ما هو من عادة الإنسان إذا ترسل، فلا يزيد في السكوت، ولكنه لو زاد عن ذلك إلى قدر لا يكون فاحشاً لم يكن مشروعاً ولكنه لا يبطل الأذان.

    أما إذا كان السكوت فاحشاً وهو ما أراده المصنف بقوله: (بسكوت طويل)، أي: فحش سكوته من حيث القدر والزمن، (أو كلاماً)، أي: إذا تكلم كذلك أو بفعل محرم، أو قول محرم، قال: (لم يعتد به).

    الأذان قبل دخول الوقت

    قوله: [ ولا يجوز إلا بعد دخول الوقت إلا الفجر، فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل ].

    قال: (ولا يجوز إلا بعد دخول الوقت)، وكذلك لا يشرع إلا بعد دخول الوقت؛ لأن الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة، وهذا الذي مضت به السنة، فإنه لم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أو غيره أن يؤذن قبل دخول وقت الصلاة إلا ما كان في الفجر خاصة, أما ما عدا الفجر فحكى غير واحد الاتفاق عليه أنه لا يشرع الأذان قبل ذلك، وإنما كان ذلك في أذان الفجر، فهذا الذي جاءت به السنة.

    ولهذا قال المصنف: (إلا الفجر فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل)، وهو الأذان الأول، وهذا تذكير, وليس الأذان الذي يكون بين يدي الصلاة.

    والجمهور من الفقهاء على استحباب الأذان الأول في صلاة الفجر، ويكون بعد نصف الليل كما قال المصنف وقبل الفجر يكون ليلاً، فالأذان الأول يكون قبل دخول الفجر، وهذا استحبه الجمهور، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومذهب مالك ، وجمهور الفقهاء على هذا.

    وذهبت طائفة وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وكثير من الكوفيين إلى أنه لا يشرع للفجر إلا الأذان الذي يكون إعلاماً بدخول وقت الصلاة كغيرها من الصلوات، فلا يشرع أن يتقدمها أذان.

    والراجح هو الأول؛ لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )، فهذا صريح، وهذا لم يقع عارضاً فيما يظهر، بل كان حال النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا استحبه الجمهور من أهل العلم, وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله كما هو ظاهر.

    والقول الثاني: هو مذهب أبي حنيفة و الثوري وطائفة من الكوفيين وغيرهم أنهم لا يستحبونه, واستدلوا على هذا منه بما جاء في قوله: ( إن بلالاً أذن قبل الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي: ألا إن العبد قد نام ) لكن هذا حديث لا يقوم بمثله حجة، فقد ضعفه الإمام أحمد وطائفة من المتقدمين، وكثير من الحفاظ المتأخرين.

    وما جاء في الصحيحين على خلافه، وقد دل عليه غير هذا الحديث, فأذان قبل الفجر سنة مضت في فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

    استحباب انتظار مقدار ركعتين بين الأذان والإقامة في المغرب

    قال المصنف رحمه الله: [ ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم ].

    أي: أدنى الفرائض الخمس يكون ما بين الأذان والإقامة يسيراً هي المغرب، والمستحب ألا يطيل ما بين الأذان والإقامة.

    ونص الإمام أحمد رحمه الله على أن ذلك بقدر ركعتين, فإن عجل عن ذلك فهذا في ظاهر المذهب خلاف السنة, كما لو أذن وأقام ولم يدع قدر ركعتين، فهذا خلاف السنة، واستدل الإمام أحمد على استحباب أن يبقى يسيراً بقدر ما يصلي الناس ركعتين بما جاء في حديث أنس، ولهذا لما دخل الإمام أحمد رحمه الله أحد المساجد، فقال للمؤذن: دع الناس يصلون ركعتين، فقيل: من أين؟ فاستدل بحديث أنس أن الصحابة كانوا يبتدرون السواري إذا أذن المؤذن.

    ويستدل له بما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! قالها ثلاثاً، ثم قال في الثالثة: لمن شاء ).

    ومعلوم أن ما قبل الأذان حتى لمن تقدم إلى المسجد قبل غروب الشمس هو من أوقات النهي التي لا يشرع فيها الصلاة حتى تحية المسجد على الصحيح، وسيأتينا -إن شاء الله- عن الجمهور خلافاً للشافعي أنه لا يشرع حتى تحية المسجد فضلاً عن ما زاد عليها.

    فالمقصود: أن ما قبل الأذان هو وقت نهي.

    إذاً قوله: ( صلوا قبل المغرب )، المقصود به ما بعد الأذان، وهو بين الأذان والإقامة، فهذا صريح في أن المغرب يصلى فيها بين الأذان والإقامة، وأنه لا يشرع تعجيلها كأن يقيم بعد الأذان مباشرة، أو لا يدع الناس يصلون، أو يقطع على من يصلي صلاته، أو يقطع بما يشوش فيضطره للعجلة، وسيأتينا في هذه المسألة أن المشروع في حق من ابتدأ في صلاة قبل إقامة الصلاة ألا يقطعها وإنما يتمها خفيفة.

    وهذه المسألة فيها أقوال، وقد أوصلها بعضهم إلى ثمانية أقوال، فبعضهم يرى قطعها مطلقاً، وبعضهم يرى قطعها إن كان قبل ركوعه .. إلى آخره.

    والأظهر فيها أنه يتمها خفيفة في سائر أمره؛ لأنه لم يثبت ما يدل من السنة، ولا هو من ترتيب الشريعة في مشروعية قطع العبادة، ولم يأت في السنة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بهذا، أو أن الصحابة فعلوه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    والأصل أنه إذا أحرم بعبادة فهو يتمها على الصفة الشرعية حتى لو أقيمت الفريضة.

    فإن قيل: أليست الفريضة أقوى؟ قيل: بلى، ولكنه هو في عبادة لها صفة في الشريعة تم عليها، ولهذا لا يتمها ركعة، ولا يشرع له أن يسلم بعد ركوعه؛ لأن هذه ليست صفة شرعية للصلاة.

    ولا يصليها واحدة! مع أن الواحدة صفة شرعية في الوتر؛ لأن الصلاة مثنى مثنى إلا الوتر.

    فإذاً دخل فيها على الصفة الشريعة فلا ينزع عنها بقطع إلا لضرورة، كما لو كان يريد أن ينقذ غريقاً أو نحو ذلك، أما أن يقطعها من غير سبب فهذا لا يشرع.

    وليس البحث في الإثم من عدمه، إنما يقولون: يفعل ذلك، وهذا فيما يظهر هو الأرجح، وسيأتينا -إن شاء الله- في مذهب الإمام أحمد.

    وعلى كل حال هذا قول المصنف رحمه الله.

    ولو قيل: وحديث: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ).

    يقال: هذا ثابت في الصحيح، ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )، ومعناه: أنها إذا أقيمت الصلاة فلا يبتدئ بالصلاة، لكن لا يدل على أنه يقطع الصلاة؛ لأنه إذا كان المراد إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ترتب على ذلك القطع مطلقاً حتى في آخرها.

    الأذان والإقامة للفوائت

    قال المصنف رحمه الله: [ ومن جمع بين صلاتين أو قضى فوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها ].

    ودليل ذلك: أنه إذا كان بين يديه صلوات كما لو جمع صلاتين أو قضى فوائت، فإنه يؤذن أذاناً واحداً ثم يقيم لكل صلاة، والسنة في هذا ما جاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجته، من حديث جابر بن عبد الله , و عبد الله بن عمر وغيرهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين )، وكذلك في عرفة: صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، فهذا ثابت في النسك وهو السنة، وهو مذهب الجمهور من أهل العلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087502046

    عدد مرات الحفظ

    772705585