الآية التاسعة والتسعون من سورة البقرة: قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ[البقرة:99].
سبب نزولها ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: (قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد! ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة، فأنزل الله في ذلك: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ))[البقرة:99]).
والآيات: جمع آية، وهي العلامة، ومنه قول الله عز وجل: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ[البقرة:248]، فقوله تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ )) بمعنى: علامة ملكه.
وآيات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم هي المعجزات التي أيدهم الله عز وجل بها، كما قال ربنا سبحانه عن موسى عليه السلام: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ[الإسراء:101] وهي الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، والسنين، ونقص من الثمرات، وعيسى عليه السلام آتاه الله عز وجل آيات، منها أنه تكلم في المهد صبياً، وأنه كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وكان يحيي الموتى بإذن الله، وكان ينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آتاه الله عز وجل من الآيات مثلما آتى الأنبياء قبله، فكان عليه الصلاة والسلام يبرئ المريض، وكان مجاب الدعوة، وكان يخبر عن المغيبات مما علمه الله عز وجل، وكان عليه الصلاة والسلام يخاطب الحيوانات، بل كان صلى الله عليه وسلم يخاطب الشجر، وكان الحجر يسلم عليه، كما في الحديث: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي) ولما جاءه الأعرابي فقال: من أنت؟ قال: أنا رسول الله، فقال: أرني آية. فقال له: اذهب إلى تلك الشجرة وقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، فذهب الأعرابي وهو يرى أنه قد استهزأ به، فذهب إلى الشجرة فقال لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك. فأقبلت تخد الأرض خداً -أي: عملت في الأرض أخدوداً- حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الأعرابي: مرها فلترجع، فأمرها صلى الله عليه وسلم، فرجعت من حيث جاءت.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم فاق سائر الأنبياء بهذا القرآن؛ وذلك لأن معجزات الأنبياء عليهم السلام كانت معجزات وقتية محدودة بوقتها، لا يعلمها إلا من رآها، أما القرآن فهو معجزة خالدة إلى أن تقوم الساعة وشاهد ناطق على أن محمداً رسول الله.
وقد مر معنا في قول الله عز وجل: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ[البقرة:76] أنها نزلت لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود: (يا إخوان القردة، يا إخوان الخنازير، يا عبدة الطاغوت)، فاليهود كانوا يخفون هذه المعلومات، فمن أين عرفها محمد صلى الله عليه وسلم؟! فلما قال هذا الحبر الكذاب ابن صوريا : يا محمد! ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بينة، قال الله عز وجل جواباً عليه: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ[البقرة:99].
الآية الثانية بعد المائة: قول الله عز وجل: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا[البقرة:102].
أخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: قالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل! يذكر سليمان مع الأنبياء، وما كان إلا ساحراً يركب الريح.
فاليهود يقولون: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يخلط الحق بالباطل؛ لأنه يذكر سليمان مع الأنبياء، وما كان سليمان إلا ساحراً يركب الريح. والله عز وجل ذكر سليمان في الأنبياء في عدة مواضع، فقد قال سبحانه: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ[ص:30]، وقال: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا[النساء:163]، وقال سبحانه: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ[الأنعام:83-84].. إلى غير ذلك من الآيات، فهو نبي قطعاً، لكن اليهود الذين اتهموا المسيح ابن مريم بأنه ابن زنا، واتهموا موسى بأنه آدر، واتهموا نوحاً بأنه شرب الخمر، ولوطاً بأنه زنى بابنتيه، اتهموا سليمان بأنه كان ساحراً، قال الله عز وجل: وَاتَّبَعُوا )) أي: اليهود، مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ))، وسليمان عليه السلام سخر الله له الجن والإنس والطير، ولم يسخر الجن لأحد من بعده؛ لأنه عليه السلام دعا الله فقال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي[ص:35].
أقول هذا الكلام لأن بعض الدجالين يموهون على الناس، بحيث يقول قائلهم: أنا عندي خدام، وقد سخر لي من الجن كذا. ويحصي عدداً، فنقول: إن الجن لا يسخرون لأحد بعد سليمان، فهذا الدجال ليس الجن خداماً له، وإنما الخِدْمات بينهم متبادلة، فالجن يسرقون له بعض الأشياء، ويخبرونه ببعض الأشياء في مقابل كفره بالله عز وجل.
فالمرأة تذهب إلى الدجال فتنتظر في مكان الاستقبال، وأول ما تدخل على الدجال يقول لها: أنت فاطمة بنت زينب، وتسكنين في مكان كذا، وعندك وجع في الكلى، وعندئذ تستسلم المرأة وتظن أن هذا رجل صالح عنده كشف، والواقع أن الذي أخبره شيطانه، وشيطانه لا يعرف الغيب، فمن أين عرف؟ يعرف ذلك عن طريق القرين الشيطاني الآخر.
فالمقصود أن سليمان سخر الله له الجن، كما قال تعالى: وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ[ص:37]، فكان إذا أراد أن يبني مسجداً لا يحتاج إلى مقاولين ولا إلى عمال، بل هؤلاء الجن يعطيهم المواصفات وخلال أيام يكون المسجد قد اكتمل، كما قال تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ[سبأ:13] يعني: مساجد وَتَمَاثِيلَ[سبأ:13]، وكان ذلك في شريعتهم جائزاً، وهناك من الشياطين من يغوصون في البحر ويأتونه بالأصداف، والذي يتمرد منهم فإنه يحكم عليه بما ذكره الله تعالى في قوله: وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ[ص:38].
فالشياطين كانوا يعملون مع سليمان وهم كارهون وخائفون، فلما مات عليه السلام كان متكئاً على عصاه، فبدأت دابة الأرض تأكل منسأته، والجن يعملون، قال تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[سبأ:14].
ثم جاءت الشياطين بالسحر فدفنته تحت كرسي سليمان بعدما مات، فجاء اليهود وحفروا واستخرجوا تلك الأسحار، وقالوا: بهذا كان يملككم ابن داود، أي: كان مسخركم عن طريق السحر. فالله عز وجل ينفي هذه التهمة عن سليمان بقوله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ))، ولو كان ساحراً لكان كافراً وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ[البقرة:102] فأي ساحر أستاذه الشيطان، فلا يتعلم السحر إلا من طريق الشيطان، فهذا الذي ينبغي أن يعلم.
الآية الرابعة بعد المائة قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا[البقرة:104]، وسبب نزولها أن الأنصار عليهم من الله الرضوان كانوا يقولون للنبي عليه الصلاة والسلام: راعنا. من المراعاة، أي: اصبر علينا وعلمنا وفهمنا وأعد الكلام علينا. وكانت كلمة (راعنا) يقصد بها اليهود السب من باب الرعونة، كما يقال: فلان أرعن، أي: طائش أحمق.
فبدأ اليهود يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: يا محمد! راعناً -بالتنوين- يقصدون الشتم والسب، مثلما كانوا يقولون له: السام عليك يا محمد، يوهمونه بأنهم يقولون: السلام، وهم يقولون: السام عليك يا محمد، فكان يقول لهم: (وعليكم) دون أن يزيد، فهنا قالوا: راعناً. وقال لهم سعد بن معاذ : يا أعداء الله! عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لو سمعت أحدكم يقولها لأضربن عنقه. فقالوا له: أولستم تقولونها؟! فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا[البقرة:104].
الآية السادسة بعد المائة: قول الله عز وجل: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا[البقرة:106].
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان ربما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار.
وهذا -ولله المثل الأعلى- مثل الطبيب يراجعه المريض فيغير له الدواء حيناً بعد حين، إلى أن يحصل الشفاء، ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل يغير في التشريع في الأحكام مراعاة لحال المكلفين، والنسخ لا يدخل في العقائد ولا يدخل في الأخبار، وإنما هو فقط في الأحكام.
مثاله: كانت عدة المرأة أول الإسلام إذا مات زوجها حولاً كاملاً، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ[البقرة:240] فنسخ هذا بقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ[البقرة:234].
والله سبحانه وتعالى أنزل القرآن على العرب، وكان عندهم عادات مضطربة، ومن بين عاداتهم أن المرأة إذا توفي زوجها كانت تدخل حفشاً -والحفش أردأ بيت وأظلمه- فتقعد فيه، ولا تمس ماء سنة كاملة، ولا تغير لباساً، ولا تخرج من هذا المكان، بل يأتونها بالطعام في مكانها، فإذا انتهت السنة خرجت وأخذت بعرة ورمت بها، قالوا: هذا كناية وكأنها تقول: إن الذي عانيته في سبيل زوجي الذي مات لا يساوي عندي إلا كما تساوي هذه البعرة. أي: أنا لست مهتمة بالسنة التي قضيتها في الضنك والعذاب. وقيل: ترمي بالبعرة كناية عن انقطاع ذكرى زوجها، وبعد سنة كاملة يكون عليها الوسخ، فتحتك بشاة أو ببعير؛ لأن الماء لا يستطيع أن ينظفها، تقول أم سلمة : فقلما احتكت بشيء إلا مات.
فالقرآن نزل على هؤلاء الناس، وأبطل هذه العادات الباطلة كلها، وأثبت العدة سنة، وبعد مدة لما استقر الأمر جعل الله عز وجل العدة أربعة أشهر وعشراً، لمعرفة براءة الرحم؛ لأن الجنين يتم تكوينه في أربعة أشهر، والعشرة أيام احتياط من أجل أن تشعر بالحركة.
وكذلك الخمر، فالعرب كانوا يشربون الخمر، ولا يظنون أن يأتي عليهم يوم يفارقونها، فالله عز وجل حرم الخمر أولاً قرب أوقات الصلاة، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى[النساء:43]، فكان الخمر محرماً قرب أوقات الصلاة، أما بعد العشاء فإن من أراد أن يشرب يشرب، حتى نزل قول الله عز وجل: فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[المائدة:90] فصارت الخمر حراماً بالليل والنهار.
الآية الثامنة بعد المائة: قول الله عز وجل: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ[البقرة:108].
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال: رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا محمد ائتنا بكتاب ينزل عليك من السماء نقرؤه، أو فجر لنا أنهاراً؛ نتبعك ونصدقك، فأنزل الله عز وجل هذه الآية).
فالكفار كانوا يقترحون الآيات، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا[الإسراء:89-92]، أي: قطعاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا[الإسراء:92] أي: أمامنا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ[الإسراء:93] أي: من ذهب أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه[الإسراء:93] هذه كانت اقتراحات المشركين، فأجابهم الله عز وجل بقوله: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا[الإسراء:93].
فهذان الرجلان يطلبان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بكتاب من السماء ليقرءوه، أو يفجر لهم أنهاراً، فالله عز وجل عاب عليهم ذلك فقال: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ[البقرة:108].
الآية الثالثة عشرة بعد المائة: قول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ[البقرة:113].
قال ابن عباس : (لما قدم أهل نجران -أي: النصارى- على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا، فقال رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإنجيل، فقال رجل من أهل نجران لليهود: ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى عليه السلام).
ونصارى نجران بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم رسالة دعاهم فيها إلى الإسلام، فجاء منهم وفد بقياد ثلاثة: السيد و العاقب و عبد المسيح ، وبدءوا يناظرون الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أثناء جلوسهم في المسجد جاء اليهود وبدءوا يجادلون أولئك النصارى، ولما احتد الجدال أنكر اليهود نبوة المسيح وأنكروا الإنجيل، وقام النصارى كذلك وقالوا: أنكرتم نبينا والكتاب ونحن كذلك لا نؤمن بموسى ولا بالتوراة! وهكذا كفر متبادل والعياذ بالله، أما نحن -المسلمين، والحمد لله- فنؤمن بموسى ونؤمن بعيسى وبسائر الأنبياء وبما أنزل الله عليهم مثلما نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ولذلك ذكروا أن الخديوي الذي كان يحكم أيام الإنجليز مصر والسودان جاءه حاخام اليهود وراهب النصارى وكان شيخ الأزهر الشيخ محمد عبده ، فـالخديوي يبدو أنه كان رجلاً خفيف العقل، فقال لهم: أنا أريد أن يثبت كل واحد منكم بأنه سيدخل الجنة وأن الاثنين الآخرين لن يدخلاها، فاليهودي قال: ليتكلم حبر النصارى أولاً، وذلك لكي يفكر، فقام حبر النصارى فقال: ليتكلم شيخ المسلمين أولاً، فالشيخ محمد عبده رحمه الله قال: إذا كان اليهود سيدخلون الجنة لأنهم آمنوا بموسى وبالتوراة فإنا داخلوها؛ لأنا آمنا بموسى وبالتوراة، وإذا كان النصارى سيدخلون الجنة لأنهم آمنوا بعيسى والإنجيل فإنا داخلوها؛ لأنا آمنا بعيسى والإنجيل، وإذا كنا داخليها فليسوا هم بداخليها؛ لأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. وهذا نوع من الاستدلال الجيد.
فهؤلاء اليهود قالوا: لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ..[البقرة:113].
الآية الرابعة عشرة بعد المائة: قول الله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[البقرة:114].
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله هذه الآية).
وقيل: بل نزلت لما صد المشركون المسلمين عن البيت الحرام عام الحديبية.
لكن الآية تشمل كل ظالم إلى يوم القيامة، والآن في كثير من بلاد المسلمين -والحمد لله الذي عافانا- تفتح المساجد قبل الأذان بخمس دقائق وتغلق بعد الصلاة بخمس دقائق، فإذا انتهت الصلاة لا يوجد شيء اسمه قراءة قرآن بعد ذلك، وليس هناك شيء اسمه اعتكاف، بل في بعض بلاد الله يطارد الشباب الذين يترددون على المساجد، فإذا كان هناك شيخ طاعن في السن فإنه يصلي، أما إذا كان شاباً فإنه يكتب عنه تقرير ويحاصر؛ لأن هذا خطير ومتطرف، فهؤلاء جميعاً يشملهم قول الله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا[البقرة:114].
الآية الخامسة عشرة بعد المائة: قول الله عز وجل: (( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ )).
أخرج الإمام مسلم و الترمذي و النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعاً أينما توجهت به، وهو آت من مكة إلى المدينة).
وهذا شرح للآية وليس سبباً للنزول، وهو يفيد أن الإنسان في السفر لو أراد أن يتنفل فليس بالضرورة أن يستقبل القبلة، فإذا كنت راكباً سيارتك وأنت جالس وأردت أن تصلي نافلة فإنك تكبر وتومئ بالركوع والسجود.
أما سبب نزول الآية فهو ما رواه الترمذي و ابن ماجة و الدارقطني عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله -يعني: على ما أداه إليه اجتهاده- فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ[البقرة:115]).
فالإنسان لو أشكلت عليه القبلة وما عرف إلى أين يصلي فصلى ثم استبان له أنه صلى إلى غير القبلة فصلاته صحيحة، وليس عليه إعادة.
السؤال: مريض يعاني من حالة اكتئاب، فنرجو إن كانت هناك آيات قرآنية معينة يجب عليه تلاوتها أن تدلونا عليها؟
الجواب: هناك كتاب اسمه العلاج بالرقى فيه ذكر العلاج، وأنصحك بالاستغفار يا صاحب الاكتئاب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وأنصحك بالإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه بذلك يقضى دينك ويفرج الله همك.
السؤال: أرجو التكرم بالحديث عن هذه الآية: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ[الأحزاب:52]؟
الجواب: هذه الآية من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ونزلت بعد أن اجتمع عليه زوجاته يطالبنه بالنفقة، وذلك أن الحياة كانت صعبة، حيث كان يمر الهلال والهلال والهلال وما يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار، وما لهم من طعام إلا الأسودان، فاجتمعن عليه يطالبنه بالنفقة، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا[الأحزاب:28] فالمرأة التي تحب الذهب والفضة والبحبوحة وتكتفي بذلك مستغنية به عما عند الله تعالى لا تصلح زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تريد أن تصبر على شظف العيش أعد الله عز وجل لها أجراً كريماً في الآخرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بـعائشة فقال لها: (يا عائشة ! إني سأعرض عليك أمراً، ولا تعجلي حتى تستأمري أبويك)، وذلك أنه رأى أن عائشة صغيرة يمكن أن تستعجل، فقال لها: استشيري أبويك، وتلا عليها الآيات، فكانت رضي الله عنها كبيرة، فقالت: يا رسول الله! فيك أستأمر أبوي؟! -أي: أذهب إليهما أشاورهما بأن أبقى معك أو أطلق؟!- بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة! أي: أصبر على شظف العيش. ثم قالت له: يا رسول الله! هل تخير الأخريات؟ فقال: (
السؤال: أنا زوجة ومعي أولادي، وقد ورثنا من زوجي بعض المال، فاشترينا ببعضه أرضاً وأردنا أن نبني بالباقي، ولكن قبل ذلك قمنا بالعمل بهذا المال فربحنا فيه (30%)، فهل عليه زكاة، وإذا كان عليه زكاة فهل على الربح ورأس المال؟
الجواب: الزكاة تجب في أصل المال وربحه، فلو كان عندك غنم حال عليها الحول فإن الزكاة في أصلها ونتاجها، فلو كان عندك في رمضان أربعون شاة، وفي أثناء العام كل واحدة من الغنم أنتجت ثلاثاً، فلا تقل عند مجيء الحول: لن أزكي إلا الأربعين؛ لأن الأربعين كانت في رمضان، أما الباقيات فقد جئن في أثناء السنة، فأصل المال يزكى مع ربحه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر