الشيخ عبد الحي يوسف: وبعد أن نهى الله عز وجل عن قتل الأولاد وهو نهي خاص عمم فقال:
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ
[الأنعام:151]، وهذا من عطف العام على الخاص.
الشيخ محمد الخضيري:
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ
[الأنعام:151]، وهي كل نفس معصومة، والأنفس المعصومة هي تلك الأنفس التي حرم الله عز وجل أن يعتدى عليها بالقتل.
المستحق للقتل
الشيخ محمد الخضيري: قوله:
إِلاَّ بِالْحَقِّ
[الأنعام:151]، أي: إلا بالشرع، قتلاً بحق، وهو أن يرتد الإنسان ويكفر بعد إيمان، أو يقتل نفساً محرمةً عمداً عدواناً فيستحق بذلك القتل، أو يزني بعد إحصان، ومثلها أيضاً الجرائم التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم كقتل الساحر، وكذلك من وقع على ذات محرم، ومن عمل عمل قوم لوط، وقطع الطريق، وعند بعض أهل العلم السارق في الخامسة يقتل، والشارب في الرابعة يقتل، وما أشبه ذلك.
التحذير من الاستهانة بالدماء
الشيخ عبد الحي يوسف: وبعد أن حذرنا ربنا جل جلاله من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أتى بالوصية الخامسة فقال:
وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
[الأنعام:151].
والفواحش جمع فاحشة، والعرف قيدها بالفواحش المتصلة بالأعراض، لكنها في شرع الله عز وجل أعم من ذلك، فهي تشمل كل ما حرمه الله عز وجل، فالزنا واللواط والسحاق -عياذاً بالله- فواحش، وكذلك السرقة فاحشة، وقتل النفس المعصومة فاحشة، وأكل الربا فاحشة.
الشيخ محمد الخضيري: فكل ما يستبشع ويفحش أو يشتد قبحه فهو فاحشة.
الشيخ عبد الحي يوسف: بل أكثر من ذلك، فإن العرب قد تطلق الفحش على البخل.
الشيخ محمد الخضيري: بل جاء ذكر هذا في القرآن:
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ
[البقرة:268]، قال العلماء: المراد بالفحشاء هنا البخل.
الشيخ عبد الحي يوسف: نعم.
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
الفاحش: البخيل المسيك.
الحكمة من التعبير بالقرب في قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش)
المراد بظاهر الفواحش وباطنها
الشيخ عبد الحي يوسف:
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
[الأنعام:151]، هذه الآية ختمت بقوله: (لعلكم تعقلون)، وثانية: بـ(لعلكم تذكرون)، والثالثة: بـ(لعلكم تتقون).
الشيخ محمد الخضيري: نأتي للأولى وهي قوله: (لعلكم تعقلون)، وهي التي ختمت بها الوصايا الخمس الأولى من هذه الآيات الثلاث، لعل الحكمة فيها -والله أعلم- أن هذه الوصايا لو تأملها العاقل لاهتدى إليها بمجرد التأمل العقلي، فإن العقل يدل على هذه المنهيات وما فيها مفسدة، وأنها مما ينبغي للعاقل أن يقوده قلبه إلى تركها، فلا يشرك مع الله غيره، ولا يعق والديه بل يحسن إليهما، ولا يقتل ولده خشية الفقر أو من الفقر، ولا يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يقرب الفواحش، وهي الأمور المكروهة القبيحة المستبشعة من المنكرات، والتي يعرف قبحها بالعقل قبل أن يعرف قبحها بالشرع كالعقوق، وكالزنا، وكاللواط.
الشيخ عبد الحي يوسف: وقد فاتنا أن نذكر بأن البر سلف، فإذا أردت أن يبرك أولادك فبر والديك.
الشيخ محمد الخضيري: وفي الحديث: ( بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ).
الشيخ عبد الحي يوسف: بر الوالدين يؤدي إلى بر الأولاد، فمن بر والديه بره أولاده، ومن عق والديه عقه أولاده، وهاهنا حديث صحيح: ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله العقوبة لصاحبه في الدنيا مع ما ادخر له في الآخرة من الخيانة، والكذب، والعقوق ).
فالعقوق مؤد إلى تعجيل العقوبة في الدنيا، مع ما ادخر الله عز وجل لصاحبه في الآخرة، والواقع يصدق هذا، قل أن تجد إنساناً عاقاً إلا وقد عجل الله له العقوبة في الدنيا، فرأى من أولاده ما كان يمارسه مع والديه، وربما يرى من زوجته ما كان يمارسه مع أمه، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً.