بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة، أسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة، وقد مضى معنا الكلام عن نواقض الوضوء، أو موجباته، أو مبطلاته، وعلمنا بأنها على أنواع ثلاثة: الأحداث والأسباب، وما ليس بحدث ولا سبب، أما الأحداث فتتمثل في الريح والغائط، وكذلك البول والمذي والودي والهادي والمني، أما المذي فهو الماء الأبيض اللزج الذي يخرج عند التذكار، أو عند الملاعبة، وأما الودي فهو ماء يخرج بإثر البول يجب منه ما يجب من البول، وأما المني فنعني به إذا كان خارجاً عن غير لذة، أي: إذا خرج بسبب برد شديد، أو خوف شديد، أو مرض ونحو ذلك مما لم تصحبه لذة، فإنه لا يوجب الغسل، بل يوجب الوضوء، وقد قال رجل لـابن عباس رضي الله عنهما: إنني كلما تبولت خرج مني الماء الدافق، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: أتجد بعده خدراً في جسدك؟ قال: لا، قال: أتجد معه شهوة في قبلك؟ قال: لا، قال: فليس عليك إلا الوضوء، وأما الهادي فنعني به الماء الذي يخرج من المرأة قبيل الولادة.
ثم أخيراً دم الاستحاضة، وهو دم علة وفساد يجب منه الوضوء، ولا يجب منه الغسل، وهو ما يسميه الناس في لسانهم الآن بالنزف، أو النزيف، فهذه ثمانية أشياء تنقض الوضوء: ريح وغائط وبول ومذي وودي ودم استحاضة والهادي والمني الذي يخرج من غير لذة.
وأما الأسباب فنعني بها أولاً: ذهاب العقل، إما بنوم مستثقل أو إغماء، أو سكر، أو تخدير، أو جنون، فإذا ذهب العقل بأي سبب من هذه الأسباب، فهذا مظنة للنقض، ونعني بالنوم المستثقل: هو النوم الذي لا يشعر معه الإنسان بما يسقط منه، ولا يشعر بالصوت الذي يصدر من حوله، أما إذا كان نوماً خفيفاً فإنه لا يعد ناقضاً؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتحينون الصلاة فتخفق رءوسهم فيصلون ولا يتوضئون.
والسبب الثاني: لمس من يلتذ به عادة إذا وجد اللذة أو قصدها.
والسبب الثالث: لمس الذكر إذا أفضى إلى ذكره من غير حائل، فقد انتقض وضوءه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس ذكره فليتوضأ ).
والسبب الرابع: الردة والشك، فالردة هي الرجوع عن دين الإسلام بقول أو فعل مكفر، أو اعتقاد. والشك: هو عند المالكية ناقض، لكنه عند جمهور العلماء الأئمة الثلاثة أبي حنيفة و الشافعي و أحمد ، وكذلك من المالكية ابن مانع ، و اللخمي ، ونصر هذا القول ابن عرفة ، أي: ليس الشك عندهم بناقض، وكما قال ابن عرفة رحمه الله: من تأمل وأنصف علم أن الشك شك في المانع لا في الشرط، وأمضوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حين شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ).
وهناك أمور يظنها الناس ناقضة وليست بناقضة.
أول هذه الأمور: لمس الصغيرة التي لا تشتهى، فهذا لا يعد ناقضاً.
ثانياً: وجود اللذة من غير لمس، وربما وجد الإنسان لذة بسبب طول نظر أو استدامة فكر، فمثل هذه اللذة لا توجب وضوءاً، ولا تبطل وضوءاً.
ثالثاً: لمس الدبر والأنثيين والعانة، وأصول الفخذين، وكذلك لمس عورة الطفل ذكراً كان أو أنثى، هذه كلها لا تعد ناقضة؛ لأن الناقض ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتعدى الحكم إلى غيره، فلو أن الإنسان مس دبره أو عانته، أو أنثييه، أو مس أصول فخذيه، أو مس عورة طفل ذكراً كان أو أنثى، وهذا مما يسأل عنه النساء كثيراً، لربما تتوضأ إحداهن، ثم تعمد إلى تغسيل طفلها، فتقول: أنا مسست عورته، فهل انتقض الوضوء نقول: اللهم لا، إلا بنص أو ما يجري مجرى النص.
وأيضاً مما لا ينقض الوضوء: خروج الدم والحصى إذا لم يكن بصحبة غائط، فإذا لم يصحبه غائط فلا يعد هذا ناقضاً؛ لأنه ليس خارجاً معتاداً، فمن خرج من بطنه دم أو خرج من بطنه حصىً فمثل هذا لا يعد ناقضاً؛ لأنه ليس خارجاً معتاداً.
وأيضاً القيء والقلس هذان ليسا بناقضين، يعني إذا توضأ الإنسان ثم تقيأ لعلة أو مرض، فهذا لا يعد ناقضاً، ومثله أيضاً القلس، والقلس هي: الحموضة التي يشعر بها الإنسان من أثر طعام في حلقه، وهذه أيضاً لا تعد من نواقض الوضوء.
وأيضاً ليس من نواقض الوضوء خروج الدم من الجسم؛ لأن كثيراً من الناس يظن أنه لو جرح وخرج منه الدم فقد انتقض وضوءه، نقول: لا، وقد روى الدارقطني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم فصلى ولم يتوضأ، ما زاد على أن غسل محاجمه )، يعني: غسل الموضع الذي حصلت فيه الحجامة وخرج منه الدم، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يتوضأ.
وأيضاً مما لا يعد ناقضاً: أكل لحم الجزور وما مست النار، يعني: لو أن الإنسان أكل من لحم جملٍ أو أنه أكل طعاماً مسته النار، لحماً كان أو غيره، فلا يعد ذلك ناقضاً؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ).
أيضاً مما لا يعد ناقضاً: السلس، ونعني به انتقاض الوضوء من غير إرادة، يعني: بعض الناس خاصة إذا كبرت سنه، لربما خرج منه البول بغير إرادة منه، أو ينفلت منه الريح لا إرادياً لاضطراب في الجهاز الهضمي يكون مصاباً بانفلات الريح، أو يخرج منه الريح بغير إرادة، فهذا الإنسان ينبغي أن يجدد الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها إذا لم يشق ذلك عليه.
أما إذا كان خروج هذا الريح أو السلس يستغرق نصف وقت الصلاة، فلا يجب عليه الوضوء من خروج شيء من هذه، بل يستحب له، ومثله أيضاً قد يكون الإنسان مصاباً في المذي، يعني: يخرج منه المذي طوال الوقت، ولا يستطيع مهما فعل أن يتحكم فيه، فمثله مثل من أصيب بسلس البول أو انفلات الريح.
أيضاً مما لا يعد ناقضاً: القهقهة، يعني: بعض الناس إذا صلى فبطلت صلاته بالقهقهة يظن بأن وضوءه أيضاً قد انتقض، والذي ينبغي أن يعلم بأن الحديث الوارد ( بأن قوماً كانوا يصلون فقهقهوا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا الوضوء أو الصلاة )، فهذا الحديث لا يصح، وقد اعترض عليه أهل العلم بأنه مناقض للأصول، إذ كيف يكون الشيء ناقضاً داخل الصلاة، ولا يكون ناقضاً خارجها، يعني: مثلاً لو أن الإنسان توضأ وهو في الطريق إلى المسجد أضحكه أحد الناس فضحك، فلا يقول أحد بأن وضوءه قد انتقض، فلماذا ينتقض لو أنه ضحك في الصلاة، فلذلك نقول بأن هذا مما انفرد به أبو حنيفة رحمه الله، وكل واحد من الأئمة الأربعة قد انفرد بناقض عن الآخرين، فـأبو حنيفة انفرد بالقهقهة في الصلاة، و مالك انفرد بالشك، و الشافعي انفرد بنقض الوضوء باللمس مطلقاً، و ابن حنبل انفرد بنقض الوضوء بأكل لحم الجزور.
إذاً: هذه الأمور لا تعد ناقضة: لمس الصغيرة التي لا تشتهى، لمس الدبر، والعانة، والأنثيين، وأصول الفخذين، ولمس عورة الطفل ذكراً كان أو أنثى، وخروج الدم والحصى غير مصحوب بغائط، وكذلك السلس سواء كان سلس بول أو انفلات ريح، وكذلك القيء والقلس، وكذلك القهقهة سواء كانت داخل الصلاة أو خارجها، وكذلك أكل لحم الجزور، وما مست النار.
وكذلك وجود اللذة من غير لمس، فلو أن إنساناً شعر بلذة دون أن يلمس، فلا يعد هذا ناقضاً للوضوء، وأيضاً: خروج الدم من الجرح لا يعد ناقضاً، قلنا: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( احتجم فصلى ولم يتوضأ، وما زاد على غسل محاجمه ) صلوات ربي وسلامه عليه.
بقي الكلام عن مسألتين: وهي المسح على الخفين، والجوربين، وكثير من الناس في زماننا هذا يسأل عن حكم المسح على الجوربين، أو ما يسميه الناس بالشراب، وهو ما يلبس في القدم وقاية لها، أو زينة، هل يصح المسح عليه أو لا يصح، هذه يأتي معنا الكلام فيها في الحلقة القادمة إن شاء الله، أقف عند هذا الحد، وأدع ما بقي من الوقت للإجابة على أسئلتكم، واتصالاتكم، فكونوا معنا إن شاء الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله سبحانه أن يوفقكم لحسن السؤال، وأن يسددني في الجواب، ونعوذ بالله من أن نقول على الله ما لا نعلم، أو نتكلف ما لا نحسن، ومرحباً بأولى اتصالات هذه الليلة.
المتصل: عندنا بنت فيها خلل في عقلها خرجت وضاعت قبل فترة، وكل الأجهزة المعنية بحثت عنها فلم تجدها، وهناك واحد دلونا عليه قالوا لنا: هذا الرجل سوف يدلكم عليها إن شاء الله وبمكانها بالضبط، ونحن مترددون هل نذهب إليه أم لا؟
الشيخ: نسأل الله أن يجمعكم بها على خير، السلام عليكم.
المتصل: السؤال الأول: يا شيخنا! هل يجوز دفن أهل الكتاب في مقابر المسلمين؟
السؤال الثاني: مات إنسان وأراد ذووه وأصحابه أن يصنعوا له طعاماً ويدعى لها الناس ثم يقرءون له قرآناً يقرءون له جزءاً مثلاً، وبعد ذلك يدعون له، وفي السور الأخيرة مثلاً في جزء عم يكبرون ثلاث مرات، ويقولون: لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، هكذا يقرءون حتى يتعبوا ثم يختمون بالدعاء، فهل هذا جائز؟
الشيخ: شكراً.
المتصل: الآية في سورة مريم: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71] هل معنى الورود أي المرور على الصراط الذي بين الجنة والنار، وهل كل الأمة يوردون على النار؟
الشيخ: طيب شكراً.
المتصل: السؤال الأول يا مولانا: عندنا صبيان صغار يملكون عربات تسوقها الحمير، يأتون بالمياه بواسطتها، وتجدهم يضربون الحمير ضرباً مبرحاً حتى تستوي، ما حكم هذا؟
السؤال الثاني: هل يجوز الكحل للرجل؟
السؤال الثالث: إنسان ما عنده مقدرة، لكن يريد أن يتزوج امرأة ثانية، هل يجوز له أن يتزوج وإلا لا؟
المتصل: معكم أم محمد من كسلا.
أنا أسأل يا شيخنا عن مجموعة يفطرون الناس في رمضان في الشارع، والمسجد قريب من الحي، لا يصلون في المسجد، فهل تصح هذه الصلاة؟
المتصل: مأموم أدرك الإمام وصلى معه ثلاث ركعات، ولما سلم الإمام قام المسبوق وصلى ركعتين، فما حكم هذا؟ وهل سجود السهو قبل السلام وإلا بعد السلام؟
الشيخ: شكراً بارك الله فيك.
المتصل: السؤال الأول: يا شيخ متى يكون دعاء الاستخارة هل يكون في السجود، وإلا بعد السجود، وإلا بعد السلام؟
الشيخ: طيب أبشري.
المتصل: السؤال الثاني: رجل متزوج ولا يستطيع العمل ولا القدرة على زواج بالثانية، ويهدد امرأته بالزواج فأريد أن توجه له رسالة، جزاك الله خيراً.
الشيخ: آمين.
المتصل: السؤال الأول: شيخنا كثيراً أثناء وجودي مع زوجي يحدث بيننا مداعبة ويخرج منه مذي، فهل عليه غسل؟
السؤال الثاني: طفلي يلعب قدامي كثيراً أثناء الصلاة، يعني كثيراً يضربني في وجهي، فتكون حركتي كثيرة أثناء الصلاة، فأرجو أن تفتيني في صلاتي بالذات، الفتوى الكاملة، جزاك الله خير الجزاء.
الشيخ: وإياك.
السؤال: أخونا إبراهيم من السعودية ذكر بأن بنتاً في عقلها شيء خرجت من بيت أهلها، وقدر الله بأنها ما رجعت، والأجهزة المعنية اجتهدت في البحث عنها ولم تصل إلى نتيجة، وقد أخبروا بأن شخصاً يمكن أن يدلهم على مكانها، فما حكم الذهاب إليه؟
الجواب: أولاً عليكم بالدعاء، ومن الأدعية أن تقول: اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين ضالتي، وأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، وأكثر أيضاً من دعاء ربنا جل جلاله باسميه الحسنين العظيمين: الحكيم العليم؛ لأن يعقوب عليه السلام لما غاب عنه يوسف بسبب تآمر إخوته كان دائماً يردد هذين الاسمين العظيمين الحسنين، فلما جاء إخوة يوسف وأخبروه بأن ولده الثاني قد سرق قال: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ [يوسف:81] ثم قالوا له: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف:82-83]، فأكثر من الدعاء بالعليم الحكيم، وأكثر من الدعاء: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، وأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، وأكثر من الاستغفار، يفرج الله عز وجل همك، وأكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: نعلم يقيناً بأنه لا يعلم الغيب إلا الله، فهذا الذي يخبر باختفاء الطفلة هو متعامل مع الجن، فإذا كان إنساناً يبدو عليه التزام الشريعة واتباع السنة، فلا حرج من سؤاله إن شاء الله؛ لأنه ربما يكون هناك جني مسلم يخبره بشيء من ذلك، والاستعانة بالجن في الأمر المباح مباح، فأما إذا كان يظهر من حاله الخرافة، والدجل، والإعراض عن الشرع، وعدم الالتزام بالسنة، فلا خير لكم في التردد عليه، ولا سؤاله؛ لأنه كاهن أو عراف، قال صلى الله عليه وسلم: ( من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ).
لذلك الخلاصة أقول لك: هذا الشخص قبل أن تسألوه لا بد أن تسألوا عنه، فإذا شهدوا له بالخير، وعرف منه تعظيم الشرع واتباع أحكامه فلا حرج عليكم في سؤاله، ولكن أهم من سؤاله الإكثار من الدعاء.
السؤال: فتحية من المبدى سألت عن دفن أهل الكتاب في مقابر المسلمين؟
الجواب: نقول: ما ينبغي دفن غير المسلم أياً كان، كتابياً كان أو وثنياً، أو ملحداً لا يجوز دفنه في مقابر المسلمين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمسلمين مقابر مميزة عن مقابر غيرهم؛ قالوا: لأن المسلمين يتأذون بعذاب الكافر، وعذاب الكافر دائم لا ينقطع إلى يوم القيامة، كما قال ربنا جل جلاله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، ولذلك لو أن طفلاً مسلماً مات في بطن أمه وهي على غير الإسلام، كما لو تزوج مسلم كتابية، فماتت وهي حامل منه، فبعض أهل العلم قال: تدفن في مقابر المسلمين، وهي له بمنزلة الصندوق، وبعضهم قالوا: بل تدفن في مقابر أهلها، ولا اعتبار للطفل، وتوسط فريق ثالث، فقالوا: تدفن في فلاة من الأرض، لا في مقابر المسلمين، ولا في مقابر الكافرين.
السؤال: إذا مات إنسان ففي اليوم السابع يصنعون طعاماً بليلة ولقيمات وأرزاً بلبن وما أشبه ذلك، ثم بعد ذلك يقرءون القرآن، ثم يكبرون في السور الأخيرة، ثم بعد ذلك يدعون له، فما حكم صنع الطعام وأيضاً قراءة القرآن والتكبير بين السور القصار؟
الجواب: صناعة الطعام صدقة عن الميت يلحقه ثوابها إن شاء الله، لكن حبذا لو ذهب بهذا الطعام إلى المحتاجين إليه؛ لأن الصنيعة لا تعد صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع، فما يمكن نأتي بناس أغنياء شباع فنطعمهم لقيمات وبليلة وما أشبه ذلك، وهناك جوعى لا يجدون ما يسد الرمق، ولا ما يذهب عنهم لوعة الجوع، فهذه واحدة.
ثانياً: قراءة القرآن على قول كثير من أهل العلم يصل ثوابها إلى الميت إن شاء الله، وينتفع بها، خاصة إذا ختمت القراءة بالدعاء: اللهم أوصل ثواب ما قرأت لروح فلان، فإنه يصل بإذن الله؛ لأنه محض دعاء، وأما التكبير من الضحى إلى آخر القرآن، فهذا مروي بسند عبد الله بن كثير المكي عن مجاهد بن جبر عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكم بعض أهل العلم كـالشافعي محمد بن إدريس بأنه سنة.
الشيخ: قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71]، فللمفسرين فيها أقوال ثلاثة:
القول الأول: بأن الورود بمعنى الدخول؛ لأن القرآن الكريم أطلق الورود على الدخول، كما في قوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ[هود:98] أي: أدخلهم، وقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98]، وقوله: لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا [الأنبياء:99]، أي: ما دخلوها، وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء:99]، لكنها تكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم عليه السلام برداً وسلاماً.
القول الثاني: بأن الورود ههنا المرور، أي: الجواز على الصراط، فيمر الناس على قدر أعمالهم، منهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من تخدشه كلاليب جهنم، فناجٍ مسلم، ومخدوش ومكردس في النار، نسأل الله السلامة والعافية.
والقول الثالث: بأن الورود هي الحمى التي تصيب المؤمن في الدنيا، يعني: نصيب المؤمن من جهنم الحمى التي تصيبه في الدنيا.
السؤال: أخونا حسن من الجزيرة، ذكر بأن صبية صغاراً يملكون العربات التي تجرها الدواب، وهي ما يسميه الناس بالكارو، فبعض هؤلاء يعمدون إلى ضرب الحمار ضرباً مبرحاً، فما حكم ذلك؟
الجواب: أقول: هذا حرام، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التعذيب، فلا يجوز لإنسان أن يعذب إنساناً ولا حيواناً ولا حشرة، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته )، فمطلوب منا أن نحسن إلى الدواب، ولذلك لما جاء بعض الناس يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن بعيره قد هاج واضطرب، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى البعير، والبعير وضع رأسه على كتف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: ( يا صاحب البعير! إن بعيرك يشكو كثرة الكلف، وقلة العلف )، ولما رأى دابة موسومة، قال: ( لعن الله من فعل هذا )، فنهانا صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان، فالضرب المبرح لا يجوز، وهو حرام، وهذه الدواب الله عز وجل سائلنا عنها.
السؤال: هل يجوز الاكتحال للرجل؟
الجواب: كان من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه يكتحل، كما ورد في صفته عليه الصلاة والسلام بأنه ( كان أحور أكحل أزج أقرن في عينيه دعج، وفي أجفانه وطف، وفي عنقه سطع، وفي صوته صحل ) صلوات ربي وسلامه عليه، ( وكان يكتحل وتراً ويدهن غباً )، (يدهن غباً) أي: يوماً بعد يوم، و(يكتحل وتراً) وأرشد إلى الإثمد، وأخبرنا بأنه خير الكحل، لكن هذه المسألة راجعة إلى العرف، إذا كان العرف يقضي بأن الرجل إذا اكتحل ظنوا به ظن السوء، واستغربوا منه، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الأمور المستغربة التي نشذ بها عن الناس سواءٌ كان ذلك في ملابسنا وهيئاتنا، أو كان ذلك في أي شيء، فالإنسان ما ينبغي أن يشتهر بين الناس بشيء غريب، فلو كنت تريد أن تحيي هذه السنة، فاكتحل بالليل وامسحه بالنهار؛ لئلا تجلب على نفسك قالة السوء.
السؤال: رجل يريد أن يتزوج الثانية، وما عنده القدرة، كما ذكرت أختنا أم أحمد من الخرطوم، قالت: إنسان لا يستطيع أن يتزوج امرأة ثانية، ويهدد امرأته في كل حين بأن سيتزوج فوقها أخرى؟
الجواب: أقول: ما ينبغي، التهديد ليس صحيحاً، لا تهدد، إن كنت تريد فافعل، أما أنك تهددها بالليل والنهار بأنك ستتزوج عليها، فليس هذا من شيم الطيبين، ولا أخلاق الصالحين، وقد قال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم: ( استوصوا بالنساء خيراً )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )، والإنسان الذي ما عنده قدرة على الإنفاق على الثانية، ويريد أن يتزوج بها، فالزواج في حقه مكروه؛ لأنه سيغرر بواحدة من بنات المسلمين، وعما قريب تصير مطلقة فهذا لا يجوز.
الشيخ: أم محمد من كسلا ذكرت أن الناس في رمضان يفطرون في الشارع في الطريق طلباً للخير، وتحصيلاً للثواب من أجل أن يطعموا من يمر بهم ممن انقطع بهم السبل، وما استطاعوا اللحاق ببيوتهم قبل الأذان، ولا شك بأن هذا عمل مبرور، وهو ما يتميز به أهل هذه البلاد، نسأل الله أن يبارك في هذا الخلق الكريم وأن يزيده، أما تضييع الصلاة في المسجد فمما لا ينبغي، بل المطلوب من المسلمين أن يصلوا في بيوت الله عز وجل؛ لأن ربنا قال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ[النور:36-37].
الشيخ: أما أنت يا جعفر يا من سألت عن مسبوق بعد سلام الإمام وقد أدرك معه ثلاث ركعات قام بدلاً من أن يأتي بركعة أتى باثنتين، فمطلوب منه أن يسجد للسهو بعد السلام.
الشيخ: وأما صلاة الاستخارة يا أم أحمد فأنت بالخيار إن شئت دعوت بعد التشهد قبل السلام دون أن ترفعي يديك، وإن شئت أخرت الدعاء إلى ما بعد السلام، ورفعت يديك؛ لأن المتواتر من هديه صلى الله عليه وسلم بأنه كان يرفع يديه إذا دعا، وقد أخبرنا بأن ( الله عز وجل حيي كريم، يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما خائبتين )، وقد قال بعض أهل العلم بأنه الأفضل أن يكون الدعاء عقيب التشهد قبل السلام.
السؤال: أم محمد من ربك سألت عن المداعبة وهل توجب الغسل أم لا؟
الجواب: نقول: الغسل لا يجب إلا بأمرين اثنين: إما بالإيلاج قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل )، وإما بالإنزال، قال عليه الصلاة والسلام: ( إنما الماء من الماء )، فإذا خرج الماء الدافق الذي يكون منه الولد فهذا يوجب الغسل، أما مجرد مداعبة ولو صحبها مذي فهذه لا توجب إلا الوضوء.
الشيخ: أما طفلك الذي يلعب أمامك في الصلاة دائماً مما يفضي إلى كثرة حركتك في الصلاة، فهذا مما عمت به البلوى، وهكذا الأطفال في كل زمان، لكن أنا أرشدك إلى سنة حميدة علمنا إياها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أن تحملي هذا الطفل في الصلاة، وهذا المشوش الذي يضربك على وجهك، ولربما جر خمارك ولربما عبث، ولربما ذهب ناحية الكهرباء أو كذا، وأنتِ تخافين عليه، بدلاً من أن تبقي في الصلاة مشغولة تارة تسحبينه، وتارة تجرينه، وتارة تجلسينه، خير لك أن تحمليه وأنت تصلين، فإذا سجدت وضعتيه، وإذا قمتِ رفعتيه، كما كان يصنع نبينا المختار عليه الصلاة والسلام، فقد ( صلى وهو حامل أمامة بنت زينب فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها ) عليه الصلاة والسلام، وهذا أولى من كثرة الحركة والتشويش في الصلاة.
المتصل: أسأل عن الوسواس في الصلاة في مشاغل الدنيا، أنا أعاني من الوسواس دائماً مع أني حريص على إذهابها، فكيف العمل مع هذا الوسواس في الصلاة؟
المتصل: يا أستاذ عبد الحي ! قبل قليل يتكلم الأخ معاذ بخصوص المرحوم محمد سيد ، فيا أخي عندي اقتراح بسيط للأئمة والعلماء في السودان، نسأل الله أن يزيدنا علماً وبركة ورحمة، مسألة برنامج عن طريق هيئة العلماء نجمع بما نقدر، وبما يقدر الصغير والكبير، وتحركوها أنتم بالطرق التي ترونها على المساجد وعلى الزوايا في الأحياء إما كتب قرآن، كان حركة للزوايا والمساجد الموجودة الصغيرة في الأحياء، وتبقى مسألة دعوة شاملة مجرد اقتراح، ونحن إن شاء الله لا أحد سيتأخر، والبرنامج هذا تتبنونه أنتم العلماء، وتضعوا له خطة ورسمة، وينزل عن طريق طيبة، وعن طريق الإعلام الداخلي في البلد، وعن طريق محاضراتكم أنتم العلماء في المساجد، ويبقى دعوة متحركة، وربنا إن شاء الله يتقبله برحمته.
الشيخ: آمين، آمين، شكر الله لكم، وأحسن إليكم.
المتصل: عندي سؤال يا شيخ عبد الحي في سورة النساء، قال سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ[النساء:114]، الإصلاح عمل خير، وربنا سبحانه ما قال إصلاح بين المؤمنين، وإنما قال: إصلاح بين الناس، والناس في القرآن عامة، معنى الكلام: الإصلاح بغير المؤمنين من عمل الخير الذي رتب الله سبحانه وتعالى عليه الأجر والثواب.
الشيخ: طيب شكر الله لكم.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: أسأل في تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ [الحجر:80]، من هم أصحاب الحجر الذين نزلت فيهم هذه الآية؟
السؤال الثاني: نريد تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ[البقرة:280]، جزاك الله خيراً.
الشيخ: وإياك.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: قوله تعالى في سورة يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24] ما هو التفسير إلى نهاية الآيات؟
السؤال الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( سورة البقرة تحفظ البيت ثلاثة أيام ). فحدثونا عن هذا الموضوع.
الشيخ: طيب أبشري شكراً لك.
الشيخ: بالنسبة لأختنا أم فاطمة من رفاعة قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24] المقصود بالهم ههنا والعلم عند الله تعالى: هو الميل الطبيعي الذي لا يؤاخذ الله به العبد، يعني: رجل فحلٌ كيوسف عليه السلام اكتملت رجولته وجد أمامه امرأة غلقت الأبواب وهي ذات منصب وجمال، وقالت: هيت لك، فطبيعته البشرية يميل إليها، لكن عصمه الله عز وجل بالتقوى والورع قال تعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، كما لو أن إنساناً كان صائماً في يوم شديد الحر فوجد أمامه كوباً من الماء البارد، أو من العصير، فنفسه تميل وتشتهي، لكن ورعه يمنعه من أن يمد إلى الماء يداً.
الشيخ: وأما قراءة سورة البقرة يا أم فاطمة فالمطلوب أن الإنسان يقرؤها، فمن قرأها في بيته نهاراً لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام، ولو أن الإنسان قرأ آية الكرسي فهي ذات شأن عظيم، وكذلك إذا هلل الإنسان مائة مرة، فهو في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي، كذلك أذكار الصباح والمساء التي تذاع في طيبة، لها دور عظيم في وقاية الإنسان من شر شياطين الإنس والجن.
الشيخ: أخونا عبد الباسط يسأل عن قوله تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:176-177] الأيكة هي الشجرة العظيمة الملتفة الأغصان، وهؤلاء هل هم قبيلة مدين نفسها، أو غيرهم، قولان لأهل التفسير، والصحيح والعلم عند الله تعالى أنهم يعني قوم مدين هم أصحاب الأيكة أنفسهم، وقد رجح هذا العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان.
الشيخ: وأما أخونا من الحاج يوسف فسأل عن قوله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، نقول: الإصلاح بين الناس طيب، وإزداء المعروف للناس طيب، مؤمنهم وكافرهم، سواء كان ذلك بإطعام طعام أو سقيا ماء، أو دلالة على خير أو إرشاد إلى معروف، أو إصلاح بين متخاصمين، اللهم إلا كانوا من أهل الحرب، ومن أهل المضرة بالمسلمين فلا نصلح بينهم، ولا يتصور هذا.
الشيخ: من خطب امرأة وأهله لا يريدونها، فخير لك أن تتفق مع أهلك على كلمة سواء، ولا تدخل في زواج يكون بدايته نزاع.
الشيخ: بالنسبة لعمنا تاج السر ، وكذلك أخونا عوض من السعودية، نقول: نسأل الله عز وجل أن يتغمد أخانا أبا جعفر برحمته ورضوانه، وأن يجعل مآله إلى عليين، والرجل رحمة الله عليه كلامه وفعاله كانت داعية إلى جمع الكلمة، ووحدة الصف، والتعاون فيما بين الدعاة على درء الأخطار عن أمة الإسلام ونشر العلم، وكان حريصاً رحمة الله عليه أن يضع يديه في يد إخوانه، ومتى ما دعي أجاب أياً كان الداعي، فهذه لا شك مما نشهد به للشيخ رحمة الله عليه، وهذا ما جعله سبباً لأن يكتب الله له القبول، وأن يجتمع عليه الناس من شتى الطوائف والجماعات، ويكون موته فاجعة للجميع، يعني: ما كان موته خسارة لأهله ولا لجماعته، ولا لقبيلته، وإنما كان خسارة للمسلمين جميعاً في السودان، ونرجو إن شاء الله أن يسير إخوانه على ذات الطريق، وأن تكون كلمتهم سواء، والخلافات التي تكون بين الناس في المسائل الفقهية، أو حتى في المسائل العقدية التي يسوغ فيها الخلاف، وقد ضربنا مثلاً بخلاف الصحابة في هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، أو خلافهم في قوله صلى الله عليه وسلم: ( كلتا يديه يمين )، ونحو ذلك، فهذا الخلاف لا يؤثر، ولعل بعض الإخوة الذين يتابعون هذا البرنامج يجدون فتاوى تصدر عني أخالف فيها ما يصدر عن أخي الحبيب الشيخ الدكتور محمد الأمين إسماعيل، ولا يؤثر هذا في أخوتنا ولا محبتنا، ولا تقدير بعضنا لبعض، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله عز وجل.
أقول: لا بد للمسلمين جميعاً، وأخص بذلك الدعاة أن يحرصوا على أن يجمعوا كلمتهم، وأن يشحذوا همتهم، وأن يوحدوا صفوفهم، وأن يكون بعضهم عوناً لبعض، وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه من مسائل أو قضايا، أو وسائل للعمل، ونشر العلم، وهذا حتى كان بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وما أثر ذلك في أخوتهم، ولا فت من عزيمتهم، رضوان الله عليهم أجمعين.
السؤال: أخونا حذيفة من أم درمان سأل عن الوسواس في الصلاة هل من علاج؟
الجواب: نقول له: الوسوسة والاشتغال بالدنيا هذه مصيبتنا جميعاً، والعلاج أن تعتني بالتهيؤ للصلاة قبل وقت كافٍ، وأن تسعى لبيت الله عز وجل وتتنفل، أي: تصلي ما كتب الله لك أن تصلي، وخاصة السنن الرواتب، ثم تجلس بين الأذان والإقامة في ذكر وقرآن ودعاء، واستغفار، ثم بعد ذلك إذا أقيمت الصلاة فاحرص على أن تتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، واحرص بارك الله فيك على أن تنوع الآيات التي تقرؤها، والأذكار التي تأتي بها في الاستفتاح في الركوع في السجود، في الجلوس بين السجدتين، واحرص بارك الله فيك على أن تتفكر في الآيات التي تقرؤها، احرص على أن تشغل الأركان بالأذكار، وأن تجتهد في السجود بالدعاء وجاهد نفسك بارك الله فيك! واستحضر عظمة من تقف بين يديه، واحرص على أن تقبل على الله عز وجل بكليتك، وفي الحديث: ( ينصرف العبد من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها، ثلثها، ربعها، خمسها، سدسها، سبعها، تسعها، حتى ذكر عشرها ) عليه الصلاة والسلام، فاجتهد، والله لا يضيع أجر المحسنين، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].
الشيخ: بالنسبة لمقترح أخينا عوض من السعودية، نقول: هذا طيب إن شاء الله، ومطلوب منا أن نجتهد في إبلاغ دعوة الله عز وجل بشتى الوسائل، ومختلف الأساليب خاصة وأننا في نعمة سابغة، فأبواب الدعوة في بلادنا مفتوحة، في مساجدها ومدارسها وجامعاتها ومؤسساتها مدنية وعسكرية، ولا يحجر في إبلاغ الدعوة على أحد، ولا شك بأن هذه نعمة مفقودة في كثير من بلاد الله، وواجب علينا أن نرعاها، وأن نشكر الله عليها، وأن نحرص على استغلالها قبل أن يحال بيننا وبينها لا قدر الله.
فنجتهد في الدعوة سواء كان ذلك بالوسائل المسموعة أو المطبوعة أو المرئية، أو الدعوة المباشرة، وليس بالضرورة يا أخانا عوض أن تكون الدعوة إلى الله مقتصرة على الخطابة، أخونا محمد سيد رحمة الله عليه مثلاً كان خطيباً، لكن ربما لا يكون غيره قد أوتي هذه الموهبة، فيمكن أن يكون الإنسان محاضراً جيداً، يمكن أن يكون الإنسان يحسن التواصل مع الآخرين بصورة فردية، والصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا كلهم خطباء، ولا كانوا كلهم شعراء، ولا كانوا كلهم مقاتلين، ولا كانوا كلهم من قراء القرآن، بل يكمل بعضنا بعضاً، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أقضاكم علي ، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ ، وأفرضكم زيد بن ثابت ، وأقرؤكم أبي بن كعب ) هكذا الصحابة رضوان الله عليهم، هذا في قراءة القرآن، وهذا في تفسيره، وهذا في العلم بالحلال والحرام، وهذا في الشعر، وهذا في الجهاد، ومجالدة الأعداء، وهكذا يكمل بعضنا بعضاً، ويعين بعضنا بعضاً.
أسأل الله عز وجل أن يسددنا ويوفقنا، وأسأل الله أن يرحم ميتنا، وأن يسكنه فسيح جنته، وأن يخلفه في عقبه بخير، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر