بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
وأسأل الله أن يوفقكم لحسن السؤال، وأن يسددني في الجواب، وأن يجعل ما نقول وما نعلم حجة لنا لا علينا، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
أذكركم بداية بأن مثل هذا اليوم من الأسبوع المقبل إن شاء الله يوم السبت وسيكون هو اليوم التاسع من شهر الله المحرم، واليوم الذي يليه يوم الأحد, وسيكون هو العاشر، وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على صيامهما، ( فلما كان يوم عاشوراء بعث منادياً ينادي ألا من أصبح صائماً فليتم صومه، ومن أصبح مفطراً فليمسك بقية يومه ).
وسبب ذلك ( أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم! فقالوا: ذاك يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا أولى بـموسى منكم، فصامه وأمر المسلمين بصيامه).
وأمرنا بأن نصوم التاسع معه من أجل أن نخالف اليهود الذين كانوا يفردون العاشر، فنحن نصوم التاسع والعاشر معاً، أو نصوم العاشر والحادي عشر معاً، ومن صام العاشر وحده فلا حرج عليه إن شاء الله، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن (صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ماضية).
وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم للناس بالصيام تنبيه على جملة من المسائل:
أولها: أننا معشر المسلمين نؤمن برسل الله جميعاً، كما قال تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285], وأننا نوقرهم جميعاً، ونحتفي بهم جميعاً، ونفرح بانتصارهم جميعاً؛ ولذلك نصوم يوم عاشوراء؛ لأنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه.
ثانياً: أننا معشر المسلمين أولى بهؤلاء الأنبياء والمرسلين ممن يدعون أنهم أتباع لهم؛ كما قال الله عز وجل: إِن أوْلى الناسِ بِإِبْراهِيم للذِين اتبعوه وهذا النبِي والذِين آمنوا والله ولِي الْمؤْمِنِين [آل عمران:68]، فلذلك إذا ذكرنا الرسل نسلم عليهم، ونُعنَى بمعرفة أخبارهم، وتتبع قصصهم، والنظر في آيات القرآن الواردة عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ثالثاً: أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم جاءت رسالته متممة ومكملة لما كان قبله من الرسالات، وأنزل الله عليه الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فقام صلى الله عليه وسلم بالمهمة خير قيام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
السؤال: قبل أسبوع تقريباً في صلاة الفجر, كان الإمام يقرأ سورة العلق، وكنت في الصف الخامس فتذكرت وسجدت في الآية الأخيرة، فاكتشفت بأن الإمام لم يسجد بعد أن قام من الركوع وقال: سمع الله لمن حمده، فما حكم هذه الصلاة؟
الجواب: لا شك بأن الإمام -غفر الله له- مسيء، فما كان ينبغي له أن يقرأ آية السجدة لئلا يلبس على الناس، وحين قرأها كان ينبغي له أن يسجد، ولكن لعل الإمام -والله أعلم- مالكي، والمالكية ليس عندهم سجود في المفصل، فلا يسجدون في آخر النجم، ولا يسجدون كذلك في آية الانشقاق، فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ [الانشقاق:20-21]، ولا يسجدون كذلك في آخر العلق، وكذلك السجدة الثانية من الحج لا يسجدونها.
فيا أخي! إذا قمت فركعت، ثم رفعت وتابعت الإمام في بقية صلاته، فما عليك حرج إن شاء الله؛ لأنك ما تعمدت مخالفته, والعلم عند الله تعالى.
عندي سؤالان:
السؤال الأول: أسال عن الصلاة السرية، فمثلاً: الإمام يقرأ سورة، وأنا تابعته فقرأت سورة كاملة وانتهيت قبله وهو لم يركع بعد فماذا أصنع؟
السؤال الثاني: كيف نتعامل مع الذي يسب الدين؟
الجواب: لو أنك فرغت من السورة يا أبا طارق ! والإمام لم يركع فادخل في سورة غيرها؛ لئلا تخلو صلاتك من ذكر، فمثلاً: لو أنك قرأت سورة الطارق يا أبا طارق ! وانتهيت منها، والإمام لـمَّا يركع، لأنه يقرأ مثلاً سورة أطول، فافتتح التي بعدها، مثل سورة الأعلى، أو افتتح غيرها من السور لئلا تقف صامتاً، ومن أجل أن تكون صلاتك كلها معمورة بالذكر، ولئلا يخلو الركن من ذكر، وإذا لم تكن تحفظ سورة سواها فلا مانع من تكرارها، وهذا كله داخل في قول ربنا جل جلاله: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].
الشيخ: أما قولك: بأن شخصاً ما يسب الدين, فمن يسب الدين فهو عدو الله، ولا ينفع أن يقول: أنا كنت غضبان أو لم أقصد؛ لأن الله تعالى قال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66] فهذا الشخص الذي يسب الدين ينبغي أن نبغضه في الله عز وجل, وأن نبين له خطورة ما فعل، وأن الواجب عليه أن يجدد إسلامه، وأن يشهد شهادة الحق، فإن حصلت منه هذه التوبة فبها ونعمت، وإن لم تحصل فينبغي أن ننابذه، وأن نقاطعه من أجل أن يرتدع عما هو فيه من الضلال المبين، ونسأل الله السلامة والعافية.
السؤال: أكلت سبع تمرات من تمر المدينة، وشربت ماء زمزم، فما ثواب هذا الفعل؟
الجواب: أما كونك أكلت سبع تمرات فهنيئاً مريئاً إن شاء الله, لكن ليس عندك ثواب، وإنما أكلتها وانتفع بها جسمك، وإذا أكلتها على الريق فإن شاء الله لا يضرك في ذلك اليوم سم ولا سحر بإذن الله. وأما ماء زمزم فكما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم: ( بأنه طعام طعم, وشفاء سقم، وهو لما شرب له )، لكن لو أنك أكلت هذا التمر يا علي ! وشربت من الماء اتباعاً لهدي النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وطاعة له، وتعظيماً لسنته، فأنت مأجور إن شاء الله, أما إذا أكلت البلحات السبع، وشربت ماء زمزم شهوة ليس إلا؛ فليس لك ثواب ولا عليك عقاب، وإنما هو شيء مباح أنت قد فعلته.
السؤال: الكريمات المبيضة للبشرة, سمعنا أنك تقول بحرمتها، فما الدليل على ذلك؟
الجواب: أنتِ تُقَوليني ما لم أقل، فأنا ما قلت بأنها حرام، ولا أستطيع أن أحرم إلا ما حرمه الله، أو حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم, وربنا جل جلاله قال: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117], فالتحريم هو حق لله جل جلاله ولنبيه صلى الله عليه وسلم.
وبالنسبة للكريمات المبيضة للبشرة أو لغيرها، الكلام الذي قلته أنا بأن المرجع في ذلك للأطباء، فإذا ثبت من كلام الأطباء الثقات الحذاق بأن هذه الكريمات مضرة! فما ينبغي للمرأة استعمالها, لا في بيتها، ولا خارج بيتها، وقد ذكرت بأن بعض الأطباء في الأمراض الجلدية قالوا: بأن من ضررها بأنها تسلخ الجلد، حتى إن بعض النساء اللائي أدمن استعمالها ربما تظهر الشعيرات الدموية من وراء الجلد، فلذلك أقول: بأن هذا يحتاج إلى تثبت، فإذا ثبت فإنها تمنع؛ لأن الشريعة جاءت بمنع كل ما هو ضار.
أما إذا لم تكن ضارة فلا حرج على المرأة أن تستعملها في بيتها أمام زوجها ومحارمها، أما أن تخرج بها إلى الشارع لتفتن الناس فلا، والعلم عند الله.
السؤال: كنت أغتسل غسل الجنابة، فانتهى علي الماء قبل أن أغسل الركبتين وما دونها، ثم ذهبت وأحضرت ماء، وأكملت باقي الغسل، فهل الغسل صحيح؟
الجواب: الغسل له أركان لا بد من الإتيان بها؛ وهي: النية، وتعميم البدن بالماء، والدلك، والموالاة، فلا بد أن يقع الغسل متوالياً. فأخونا عبد الله لو أنه أتى بالماء مباشرة, وما طال الفصل بين غسل جزئه الأول وجزئه الثاني فغسله صحيح إن شاء الله ولا حرج عليه. أما إذا طال الفصل فلا بد أن يستأنف من جديد، ولا بد أن يبدأ الغسل من جديد من أجل الموالاة.
والإنسان إذا اغتسل أو توضأ، أو تيمم، أو أتى بخصال الفطرة من قلم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، والاستحداد، وما إلى ذلك، ينبغي له أن يستحضر قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، ويستحضر كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما في ذلك من الأجر، وأن الطهارة تحت الذنوب قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا توضأ العبد فمضمض فاه، خرجت كل خطيئة أصابها بفمه مع الماء، أو قال: مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة أصابتها يداه مع الماء، أو قال: مع آخر قطر الماء حتى تخرج خطاياه من تحت أظافره )، فالإنسان يستحضر هذه المعاني، ويجتهد في غسله أن يتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم, وكذلك في وضوئه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ( من توضأ نحو وضوئي هذا )، فاحرص على أن تتشبه في غسلك وفي وضوئك بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ ليقع أجرك على الله كاملاً.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: عن البسملة في الصلاة الجهرية في الفاتحة، وفي السور التي بعد الفاتحة، هل الأفضل أن يجهر بها، أو يسر؟
السؤال الثاني: إذا دخلت المسجد، وشرعت في تحية المسجد، وأقيمت الصلاة، فهل أكمل التحية، أو أقطعها وأدخل في الإقامة؟
الشيخ: وإياك.
المتصل: عندي خمسة أسئلة:
السؤال الأول: شيخ عبد الحي نسأل عن حق الجار؟
السؤال الثاني: عن تارك الصلاة؟
السؤال الثالث: عن قاطع الرحم؟
السؤال الرابع: عن تعليق الصور على الجدار؟
السؤال الخامس: فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟
الشيخ: طيب، سأجيبك إن شاء الله.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: أذكار الصباح، لو أني لا أحفظها وأقرؤها من كتاب الأذكار، فهل يجوز ذلك؟
السؤال الثاني: زوجي لا يصلي كل الصلوات، وأنا صابرة عليه؟
الشيخ: طيب، ستسمعين الإجابة.
المتصل: عندي سؤال: الإمام سها في آخر ركعة عن السجود, فسجد سجدة واحدة، فهل صلاته صحيحة وعليه سجود السهو؟ وهل سجود السهو بالنسبة للفرض يكفي؟
الشيخ: بالنسبة لأخينا عوض يسأل عن البسملة: هل الأفضل الجهر بها أم الإسرار؟
نقول له: بل الأفضل الإسرار؛ لأن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين )، و أنس رضي الله عنه قال: ( صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أبي بكر و عمر فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ). فدعاء الاستفتاح يسر به، والاستعاذة والبسملة كذلك، ولو أن الإمام جهر بها أحياناً ليبين للناس الجواز فلا حرج إن شاء الله.
وكذلك في بداية السورة؛ فلو أن الإمام قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], آمين، ثم يريد أن يفتتح الم [البقرة:1], فأيضاً يسر بالبسملة.
الشيخ: أما بالنسبة لك إذا بدأت بتحية المسجد، ثم أقيمت الصلاة فنقول: لو استطعت أن تكملها متجوزاً، أي: مخففاً؛ فهذا هو المطلوب لقول الله عز وجل: أطِيعوا الله وأطِيعوا الرسول ولا تبْطِلوا أعْمالكمْ [محمد:33]. وبعض أهل العلم يقول: لا بد أن يقطعها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ).
الشيخ: أخونا محمد أحمد يسأل عن فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة. فنقول: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له نور إلى الجمعة التي تليها )، وهذا الحديث في سنده كلام، لكن أطبق أهل العلم على العمل به؛ ولذلك يستحب للمسلم يوم الجمعة، أو ليلتها أن يقرأ سورة الكهف، أي: من بعد غروب شمس الخميس إلى غروب شمس الجمعة، فهذه أربع وعشرون ساعة، وقت لقراءة سورة الكهف, ففي أي وقت من ليل أو نهار أتى بها فقد أتى بالمطلوب.
وسورة الكهف أيضاً يستحب للمسلم أن يحفظ عشراً من أولها؛ لأن ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وقاه الله فتنة الدجال ).
الشيخ: وأما تعليق الصور على الجدار فما ينبغي يا محمد أحمد !؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بامتهانها، وتعليقها على الجدار مظنة تعظيمها، ونقول: الصور الفوتوغرافية لا مانع أن تحتفظ بها، لكن لا تعلقها على الجدار.
الشيخ: وأما حق الجار، فحق الجار عظيم، وقد قال نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )، أي: سيجعل له نصيباً في الميراث. وفي القرآن الكريم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36], ومن حق الجار عليك أن تحسن إليه، وأن تسلم عليه، وأن تقابله هاشَّاً باشَّاً، وأن تغيثه إذا استغاث، وأن تعينه إذا احتاج، ولو أنك أتيت بطعام، كفاكهة مثلاً فادخل بها سراً، ولا تدع ولدك يخرج بها ليغيظ ولده، وإلا فاجعل له منها نصيباً، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإما أن تعطي جارك من هذا الطعام الذي أتيت به، وإما أن تدخل به سراً، ولا تترك ولدك يخرج به إلى الشارع ليغيظ ولده.
ومطلوب منا كذلك ألا نتجسس على جيراننا، وألا نلقم آذاننا أبوابهم، ولا حيطانهم، ولا نتتبع عوراتهم، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا من ذلك، فقال: ( يا معشر من آمن بلسانه، ولم يؤمن قلبه, لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره ). ولذلك مطلوب منا: الإحسان إلى الجار، وكف الأذى عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن، لا يؤمن، لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه ).
الشيخ: وأما قطع الرحم فهي من كبائر الذنوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة قاطع ).
الشيخ: وأما الأخت التي تسأل عن قراءة أذكار الصباح والمساء من الكتاب، فنقول: لا بأس، ولا حرج إن شاء الله أن تقرئي من الكتاب، وإن شاء الله لو واظبت على قراءتها من الكتاب سيأتي عليك وقت تكونين قد حفظتها واستوعبتها.
الشيخ: وأما زوجك الذي يتهاون بالصلاة فحيناً يصلي وحيناً يهمل، فهذا الإنسان على خطر عظيم، ونسأل الله أن يتوب علينا أجمعين, ومطلوب منك أمة الله: أن تصبري عليه، وأن تنصحي له، وأن تكثري من الدعاء، لعل الله يأخذ بيده، وكذلك استعيني بأترابه، وأصحابه، وأرحامه، ممن يملك التأثير عليه لعل الله يجعلهم سبباً في هدايته.
السؤال: أبو عبيدة سأل عن إمام سجد في إحدى الركعات سجدة واحدة، ثم بعد ذلك أتى بسجود السهو.
الجواب: لا يصلح هذا، فإن السجدة الثانية فريضة، والفريضة لا تجبر بسجود السهو، بل لا بد أن يأتي بهذا السجود الذي تركه، ولو أنه سلم فإنه يأتي بركعة كاملة مكان تلك الركعة، ثم يسجد للسهو ما لم يطل الفصل، أما إذا طال الفصل فلا بد من أن تعاد الصلاة كلها.
المتصل: عندي خمسة أسئلة:
الأول: هل البرد ضرورة تجعل المصلي يصلي بالجنابة بعد أن يتيمم؟
السؤال الثاني: هل القنوت يكون لصلاة الفجر فقط؟
السؤال الثالث: ما حكم الطرق المتعددة في الدين مثل: الطريقة السلمانية أو القادرية التيجانية أو الأنصار؟
السؤال الرابع: ما حكم من يستعينون بغير الله؛ مثال ذلك: من يقع في كارثة يقول: يا شيخ المكاشفي أو يا شيخ البرعي ؟
السؤال الخامس: هناك أناس يأتون بتراب من قبر الميت ويضعونه في الأزيار؟
الشيخ: سنجيبك لاحقاً.
المتصل: يا دكتور! نسأل في سورة الصافات، والدخان، والواقعة، يقول الله تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [الدخان:43-45], وفي سورة الواقعة: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الواقعة:52-53] أنا أريد تفسيراً للثلاث الآيات هذه؟
الشيخ: طيب، أبشر إن شاء الله.
المتصل: أنا اسمي معتز ، عمري اثنتا عشرة سنة، ما حكم البِلِّي هل هي حرام أو لا؟
الشيخ: طيب، أبشر.
السؤال: أخونا أبو بكر يسأل: هل البرد ضرورة تبيح للإنسان أن يصلي بالتيمم؟
الجواب: إذا كان يجد ما يسخن به الماء فلا ينبغي له أن يصلي بالتيمم، ولا تجزئه تلك الصلاة، إذا كان عنده ما يسخن به الماء، فالذي ينبغي أن يسخن الماء ويصلي ولو في بيته، ولو فاتته الجماعة، أما إذا لم يكن عنده ما يسخن به الماء، ويخشى من استعمال الماء حدوث مرض، أو زيادة مرض، أو تأخر برء؛ فإنه يتيمم كما فعل عمرو بن العاص رضي الله عنه حين كان في غزوة ذات السلاسل أميراً فأصبح جنباً وتيمم، ولما شكاه الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا رسول الله! أصابتني جنابة وذكرت قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، فتبسم صلى الله عليه وسلم وما أنكر عليه )، فدل ذلك على أن البرد من الأعذار المبيحة للتيمم بالقيد الذي ذكرته؛ إذا كان الإنسان يخشى مرضاً، أو يخشى زيادة مرض، أو يخشى تأخر برء، ولم يكن عنده ما يدفئ به الماء.
الشيخ: وأما بالنسبة للقنوت يا أبا بكر ! فالقنوت محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن القنوت في صلاة الصبح، ومنهم من يرى أنه في الوتر، ومنهم من يرى أنه لا يشرع إلا في النوازل، ولذلك نقول: بأن الناس على مذهب إمامهم، فإذا قنت إمامنا قنتنا معه، وإذا ترك القنوت تركناه.
المتصل: عندي ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: أريد تفسير الآيتين من آخر سورة الفجر: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26].
السؤال الثاني: أجريت لي عملية وكنت مريضاً وفي تعب شديد, وفي صلاة الصبح خشيت أن تفوتني الصلاة فصليت، لكن كنت متألماً جداً، فما قدرت أن أحرك شيئاً من أعضائي، فصليت بقلبي، فهل صلاتي تجزئ، أو يجب علي أن أعيدها؟
السؤال الثالث: يقول تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28], فيا شيخ هل الإنسان سيكون مطمئناً بقلبه بالذكر، أو أنه يكون في خوف من الله, ومن وعيده, فكيف الجمع بين الطمأنينة والخوف؟
الشيخ: سنجيبك إن شاء الله.
المتصل: يا شيخنا! نريد أن نسأل سؤالاً في موضوع الشعر، إذا كان الإنسان يقول الشعر، ثم يهديه للفنان ليغني به، فهل هذا حرام؟
الشيخ: طيب، أبشر.
السؤال: أبو بكر يقول: ما حكم تفرق المسلمين إلى طرق وشيع وأحزاب؟
الجواب: الأصل في المسلمين أنهم أمة واحدة، كما قال ربنا جل جلاله: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:52]، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وقال جل جلاله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، فالأصل أن تكون الأمة جماعة واحدة؛ لأنها على ملة واحدة، وتستقبل قبلة واحدة، وتقرأ كتاباً واحداً، فلا مبرر للتفرق.
لكن بالنسبة للجماعات إذا كان هذا الاختلاف من أجل تنوع الاختصاص، فمثلاً: جماعة مهتمة بتزكية النفوس، وترقيق القلوب، والحث على مكارم الأخلاق، وآداب الدين، وجماعة أخرى معنية بالتعليم، ونشر الدعوة, وجماعة ثالثة مهتمة بإحياء آداب الإسلام وأحكامه فيما يتعلق بالاقتصاد، والمعاملات المالية، ورابعة معنية بمحاربة البدع والخرافات، والتحذير من الدين المغشوش المنحول، وما إلى ذلك، وكلهم يحفظ لأخيه حقه ولا يذكره بالسوء، ويحفظ أخوة الإسلام، ويوالي في الله، ويعادي في الله، وينبه على ما يكون من خطأ وفق آداب الإسلام؛ فهذا لا يضر إن شاء الله.
أما إذا كانت هذه الجماعات متحاربة, متعانفة، متباغضة، يذكر بعضهم بعضاً بالسوء، ويلعن بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً، ويفسق بعضهم بعضاً، ويتهم بعضهم نيات بعض، فهذا هو الأمر المقبوح والمذموم، الذي ينبغي أن نحذر منه، وهذه الجماعات بعضها قريب وبعضها بعيد، والواجب أن نترفق في التنبيه، وفي بيان الحق لعل الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الشيخ: أخونا أيضاً يسأل عمن يستعينون بغير الله، فنقول: لو استعنت بغير الله فيما يقدرون عليه فلا بأس؛ يعني: أنا أريد أن أحمل شيئاً ثقيلاً فأطلب من فلان أن يعينني فهذا لا بأس به، أو لو أني وقعت في كربة أستغيث بفلان من أجل أن يعينني فهذا أيضاً لا بأس به، كما قال الله عز وجل: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ [القصص:15]، لكن أن يستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كمن يسأل بعض الأولياء، أو بعض الصالحين أن يرزقه الولد، أو أن يشفيه من المرض، أو أن ينجيه من الخوف ونحو ذلك، فلا شك أن هذا ضلال مبين داخل في قول ربنا الرحمن الرحيم: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5]، (يا عبد الله! إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، واعلم بأن الله عز وجل قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
الشيخ: وأما من يأخذون تراباً من قبر الميت فيجعلونه في الأزيار.
فنقول: سبحان الله! ما أخف العقول، وما أضل الأحلام، وبعض الناس يبلغ به السفه إلى هذا الحد، ولا شك من أن هذا ضلال مبين، ينبغي أن ينهى عنه، وأن يبين خطره.
الشيخ: أخونا عوض جزاه الله خيراً سأل سؤالاً طيباً يقول: بأن شجرة الزقوم ذكرت في سورة الصافات، والدخان، وفي سورة الواقعة، ويطلب تفسير هذه المواضع الثلاثة.
نقول: في سورة الصافات بعدما ذكر ربنا جل جلاله نعيم أهل الجنة قال: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات:62-68]، جعلها الله عز وجل فتنة للظالمين؛ لأن الكفار المشركين -قاتلهم الله- كانوا يقولون: إن محمداً يتوعدنا بشجرة في النار، والنار تأكل الشجر، يعني: كيف يقول بأن في النار شجرة اسمها شجرة الزقوم، والأصل بأن النار تأكل الشجر؟
وهؤلاء أُتوا من قبل قلة عقولهم، وقياس قدرة الله عز وجل على قدرتهم، وربنا جل جلاله ضرب لهم مثلاً فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80]، فما ينبغي للإنسان أن يعترض على الخبر الوارد في القرآن، أو الثابت في السنة لمجرد أن عقله لم يستوعب، أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات:62-64]، أي: في قعر جهنم, طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات:65]، وهذا من باب التبشيع والتفظيع لحالها.
وفي سورة الدخان بين الله عز وجل فقال: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الدخان:40-42]، ثم قال: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ [الدخان:43-44]، والمعنى: سيأكلها الأثيم في جهنم، مثلما يأكل الضريع، ومثلما يأكل الغسلين، سيأكل الزقوم، كَالْمُهْلِ [الدخان:45]، المهل: الزيت الذي تناهى حرقه، يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان:45-46], الحميم: الماء الحار الذي بلغ أقصى درجات الحرارة، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [الدخان:45]، أو (تغلي في البطون)، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:46-48]، ثم يقال له من باب السخرية: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49]، أي: بزعمك في الدنيا، كنت ترى نفسك عزيزاً كريماً لا يستطيع أحد أن يمَسَّك بعذاب، فالآن نذيقك العذاب.
وفي سورة الواقعة بين ربنا جل جلاله بأنهم يأكلون من هذه الشجرة فقال: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ))[الواقعة:52-55]، فأخبر بأنهم شاربون عليها شرب الهيم، والهيم: الإبل العطاش، يعني: يشربون ولا يرتوون، نسأل الله العافية والسلامة، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه ).
الشيخ: أخونا معتز يسأل عن اللعب بالبلي, هذا الذي يلعب به الصبيان، نقول: يا معتز ! إذا كان هذا البلي يشترى بالمال، وهذا الذي أعرفه، فلا يجوز التسابق عليه إذا كان عوضاً من الطرفين المتسابقين، بمعنى: أن يكون عندي خمساً من البلي, وأنت عندك خمساً, فنرصها, ثم بعد ذلك نرمي بها، والفائز يحصل على الجميع، لا؛ لأن هذا البلي عبارة عن مال، أما إذا كنا نلعب هذه اللعبة ثم نعيد بعد ذلك لكل طرف نصيبه فلا حرج، وكذلك إذا كان البلي مبذولاً من طرف ثالث فلا حرج، أما أن آتي بخمس أو عشر، وأنت تأتي بخمس أو عشر والفائز يحصد الكل، فهذا هو عين الميسر يا معتز ! فإياك، وإياه.
الشيخ: أخونا أحمد آدم ، أسأل الله أن يعافيه، يذكر أنه قد أجريت له عملية جراحية وكان الألم شديداً، فصلى الصبح بقلبه، نقول له: يا أحمد ! عافاك الله، أولاً: أنا أحمد لك أنك صليت وأنت على فراش المرض، فإن كثيراً من الناس إذا مرض ترك الصلاة وقال: ليس على المريض حرج، وكثير من الناس إذا مرض أجل الصلاة، وقال: إذا شفيت قضيت، وهذا من الخطأ الكبير، بل الواجب على المريض أن يصلي على الحالة التي يقدر عليها، فإن كان يستطيع القيام قام، فإن لم يستطع قعد، فإن لم يستطع صلى على شقه الأيمن مستقبلاً القبلة، فإن لم يستطع فيصلي على الحالة التي هو عليها، ربما يكون مستلقياً على ظهره، وربما يكون مطروحاً على بطنه، كيفما كان يصلي، ويومئ إيماءً، يومئ بالركوع والسجود، يعني: يكبر الله أكبر إذا كانت يداه تتحركان، ويقرأ الفاتحة، وما تيسر من القرآن، ثم يومئ برأسه راكعاً ويأتي بأذكار الركوع، ثم يرفع، ثم يومئ برأسه ساجداً، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وأنت تقول: أنك صليت بقلبك، وأنا أفهم من ذلك فهمين:
الفهم الأول: بأنك ما كنت تستطيع أن تحرك شيئاً من جوارحك فأجريت أفعال الصلاة على قلبك، ففي هذه الحالة لا حرج عليك إن شاء الله، وأنت مأجور، وصلاتك صحيحة.
الفهم الثاني: بأنك ما تلفظت، وإنما كنت تجري الأذكار على قلبك، القراءة، والأذكار، والتكبيرات على قلبك، أقول لك: إذا كنت مستطيعاً التلفظ ولم تفعل فلا بد أن تعيد، أما إذا لم تكن مستطيعاً التلفظ فلا حرج عليك إن شاء الله! ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
المتصل: أسأل عن العلاج بالقرآن الكريم، يقال: الجلسة بكذا والجلسة بكذا, هل يجوز تحديد الجلسة في القرآن الكريم؟
الشيخ: طيب، أبشر.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: إنسان صلى صلاة المغرب وكان مسبوقاً بركعة، ثم قعد الإمام للتشهد، فقام هو قياماً كاملاً ثم قعد, والناس جلوس للتشهد، وبعد أن سلم الإمام قام فأتم صلاته، وصلى الركعة التي فاتته، وسجد للسهو قبل السلام، فما حكم هذه الصلاة؟
السؤال الثاني: بعض المؤذنين يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا [فصلت:33] قبل الأذان الأول لصلاة الصبح؟
الشيخ: طيب، سنجيبك.
المتصل: في التراويح الإمام بين كل ركعتين يقول: ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا )، يقولها دائماً بعد كل ركعتين في التراويح، فهل الفعل هذا جائز أم لا؟
الشيخ: الله يبارك فيك يا أخي!
الشيخ: أخونا أحمد آدم سأل عن قوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26]، نقول: هذا يكون يوم القيامة -نسأل الله العافية والسلامة- بعدما ذكر ربنا جل جلاله جحود ابن آدم وأن الله تعالى إذا أكرمه ونعمه يقول: ربي أكرمن، وأن الله تعالى إذا ضيق عليه رزقه يقول: ربي أهانن، وعاب الله على المشركين بأنهم لا يكرمون اليتيم، ولا يحضون على طعام المسكين، ويأكلون التراث أكلاً لماً، ويحبون المال حباً جماً، انتقل إلى مشهد من مشاهد القيامة: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [الفجر:21]، كما قال: وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [الحاقة:14].
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22]، يجيء ربنا مجيئاً يليق بجلاله سبحانه وتعالى؛ كما قال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210]، وكما قال سبحانه: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:22-23]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى بجهنم ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها )، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23]، يبدأ في تذكر ما كان عليه، لكن الذكرى لا تنفع في ذلك الوقت، ولذلك يبدأ يتندم فيقول: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]، يا ليتني قدمت عملاً صالحاً ينفعني في هذا اليوم العبوس القمطرير، قال الله عز وجل: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ [الفجر:25]، يعني: لا يعذب مثل عذاب الله عز وجل أحد، ولا يستطيع أحد أن يعذب مثل عذاب الله جل جلاله، وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:26]، الوثاق: التقييد والربط، فهذا الكافر في جهنم زيادة في النكال به يكون مسلسلاً؛ كما قال الله عز وجل: إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ [غافر:71-74]، فهذا هو معنى الآية يا آخانا أحمد !
الشيخ: وأما قول ربنا جل جلاله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28], فلا يعني أن الإنسان يأمن مكر الله، وإنما المقصود بأن الإنسان وإذا كان في خوف، وإذا كان في حزن، وإذا كان في ضيق، وإذا مات له ميت، أو فقد مالاً، فذكر الله عز وجل وهو مؤمن يطمئن قلبه؛ ولذلك ( الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وقال: أرحنا بها يا بلال )، وهذا مجرب, فالإنسان إذا كان في كرب، أو في ضيق، أو في حزن، على أمر ما، فذكر الله عز وجل؛ ينزل الله عز وجل على قلبه طمأنينة وسكينة؛ كما قال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفتح:4].
الشيخ: وأما أنت يا عيسى عثمان ! يا من اتصلت من بور سودان، وتذكر بأنك تكتب كلمات شعرية، وتهديها للفنان، فاسمع الجواب -عافاني الله وإياك- نقول: الشعر إذا كانت كلماته طيبة، حاثة على الفضائل والمكارم، فالقائل مأجور، وأما إذا كانت كلماته فيها تعظيم لما لا ينبغي تعظيمه، أو فيها تشبيب بالنساء، وذكر لمفاتنهن، وتحريض على المنكرات، فالشاعر مأزور، ومأثوم، وسيحاسب بين يدي الله حساباً عسيراً، ولذلك ربنا جل جلاله ذكر أن الأصل في الشعراء الغواية والضلال إلا طائفة قليلة، قال الله عز وجل: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:224-227]، ثم إذا كانت الكلمات طيبات فلا ينبغي لك إهداؤها لمن يلحنها، ويتغنى بها، إذ المعازف ممنوعة، لكن لو أنها شاعت بين الناس، وتغنوا بها في أوقات فراغهم دون معازف فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
الشيخ: أبو محمد يسأل عن قضية شاعت وهي: أن بعض الناس يتفرغ للعلاج بالرقية، ويفرض لذلك أموالاً طائلة، فنقول: ليس هذا من هدي الأولين، فما عرف هذا عن الصحابة، ولا التابعين أن أحدهم قال: أنا أطرد الجن، وأنا أفك السحر، وأنا أعالج من العين، وأنا، وأنا، ويتفرغ لذلك، وإنما كانوا يفعلون ذلك تطوعاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )، والحادثة التي يستدلون بها، وهي الحديث الوارد عن أبي سعيد وهو في الصحيح: ( بأنهم خرجوا في بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنهم مروا بقرية فاستضافوا أهلها, فأبوا أن يضيفوهم, فما لبثوا حتى أقبلت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفرنا غيب )، سيد الحي سليم، يعني: لديغ, لدغته شيء من دواب الأرض, عقرب أو حية، والرجال غائبون, فهل منكم من راق؟ يقول أبو سعيد : ( فقام منا رجل ما كنا نأبنه برقية -يعني: ما كنا نحسبه راقياً- فقام وشارطهم على ثلاثين شاة, فبذلوا له ما سأل, فقرأ عليه فاتحة الكتاب وتفل, فقام الرجل كأنما نشط من عقال، فلما جاء بالأغنام والصحابة جائعون قالوا: لا تحدثوا شيئاً حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوا واضربوا لي معكم بسهم ).
وهذا الدليل يدل: على أنهم كانوا في جوع، وأن أهل القرية أبوا أن يضيفوهم، فلجئوا إلى هذه الطريقة من أجل أن يحصلوا على حقهم، لكن لا ينبغي أن نجعل هذا النص سيفاً مسلطاً من أجل أن نسلب الناس أموالهم، وأن نفرض عليهم أجوراً عالية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لا يَرحم لا يُرحم )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ).
الشيخ: أخونا آدم سأل عن مسبوق بركعة في صلاة المغرب، فلما جلس الإمام للتشهد قام ثم قعد، وبعد سلام الإمام قام فأتى بما فاته، ثم سجد للسهو.
نقول: ما كان ينبغي له أن يسجد للسهو، فالإمام يحمل ذلك عنه، وعلى كل حال صلاته صحيحة.
الشيخ: وأما قول المؤذن قبل أذان الصبح: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33]، فليس هذا من السنة، نعم الآية يدخل فيها المؤذن دخولاً أولياً، لكن لا ينبغي أن نجعلها أمراً راتباً، نقرؤها قبل كل أذان صبح، فنقول: ليس هذا من السنة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: أخونا الفاتح يسأل عن قول الإمام بين ركعات التراويح: يا أرحم الراحمين! ارحمنا، أو يقول: ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا )، نقول له: ليس هذا الفعل من السنة، بل السنة أن يدعو كل امرئ لنفسه كما قال ربنا: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، وكما قال سبحانه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205].
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر