بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:
أيها الإخوة الكرام! فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ومع النداء الرابع والثمانين في الآية الرابعة عشرة من سورة الصف وهو قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14].
أولاً: مناسبة هذه الآية الكريمة لما قبلها: أن فيها خطاباً آخر للمؤمنين جاء مكملاً لما تضمنه الخطاب الأول في قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10]، إلى قوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الصف:11]، والجهاد مقصود من ذلك الخطاب؛ فجاء هذا الخطاب الثاني تذكيراً بأسوة عظيمة من أحوال المخلصين من المؤمنين السابقين وهم أصحاب عيسى عليه السلام مع قلة عددهم وضعفهم، فأمر الله المؤمنين بنصر الدين وهو نصر غير النصر الذي يكون بالجهاد، وقد تكرر ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت من حديث خباب رضي الله عنه قال: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لقينا من المشركين شدة وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده! لقد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم، فيوضع المنشار على رأسه حتى يفرق بين رجليه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فلا يرده ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ).
فالمراد من النصر في هذه الآية غير الجهاد؛ لأن الجهاد تقدم التحريض عليه في قوله سبحانه: وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:11]، ووعدهم على الجهاد بأن ينصرهم الله.
أما النصر في هذه الآية المأمور به فهو نصر دين الله، بأن يبثوه ويثبتوا على الأخذ به دون اكتراث بما يلاقونه من أذى المشركين وأهل الكتاب كما قال جل من قائل: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:186].
وهذا هو الذي شبه بنصر الحواريين دين الله الذي جاء به عيسى عليه السلام، فإن عيسى لم يجاهد من عاندوه، ولا كان الحواريون ممن جاهدوا، ولكنه عليه السلام صبر وصبروا معه حتى أظهر الله دين النصرانية وانتشر في الأرض، ثم دب إليه التغيير حتى جاء الإسلام فنسخه من أصله، وكان قتادة رحمه الله يقول في ذلك: قد كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه.
وذكر لنا أنه بايعه ليلة العقبة اثنان وسبعون رجلاً من الأنصار، ذكر لنا أن بعضهم قال: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ إنكم تبايعون على محاربة العرب كلها أو يسلموا، ذكر لنا أن رجلاً قال: يا نبي الله! اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما منعتم منه أنفسكم وأبناءكم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبي الله؟ قال: لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة )، قال قتادة رحمه الله تعالى: ففعلوا ففعل الله، أي: فعلوا نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو نصر لله ففعل الله عز وجل ما وعد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من نصرهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في الآخرة.
أيها الإخوة الكرام! في هذه الآية قراءتان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ[الصف:14]، هذه قراءة الجمهور، وقرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و أبو جعفر يزيد بن القعقاع : كونوا أنصاراً لله، بالتنوين، وقرن اسم الجلالة باللام الجارة مراداً به دلالة اسم الفاعل المفيد للأحداث، أي: محدثين النصر واللام للأجل، كونوا أنصاراً لأجل الله، أي: ناصرين له كما قال تعالى: فَلا نَاصِرَ لَهُمْ [محمد:13].
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى: الصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وأما معاني المفردات في هذه الآية المباركة: قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ[الصف:14]، الأنصار جمع نصير، وهو الناصر الشديد النصر.
كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ[الصف:14]، (كما) (ما) هنا مصدرية، أي: كقول عيسى وقول الحواريين.
كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ[الصف:14]، هذا تشبيه وتمثيل، أي: كونوا عندما يدعوكم محمد صلى الله عليه وسلم إلى نصر الله كحالة قول عيسى بن مريم للحواريين واستجابتهم له، والتشبيه لقصد التنظير والتأسي، فقد صدق الحواريون وعدهم، وثبتوا على الدين ولم تزعزعهم الفتن والتعذيب.
كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ[الصف:14]، الحواريون جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو.
قال العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى: وهي كلمة معربة عن الحبشية: حواري، وهو الصاحب الصفي، وليست عربية الأصل ولا مشتقة من مادة عربية، وقد عدها الضحاك في جملة الألفاظ المعربة، لكنه قال: إنها نبطية، ومعنى الحواري: الغسال، كذا في الإتقان، والحواريون: اسم أطلقه القرآن على أصحاب عيسى الاثني عشر، ولا شك أنه كان معروفاً عند نصارى العرب، أخذوه من نصارى الحبشة، ولا يعرف هذا الاسم في الأناجيل، انتهى كلامه رحمه الله.
قال الألوسي رحمه الله تعالى: واشتقاق الحواريين من الحور وهو البياض؛ وسموا بذلك لأنهم كانوا قصارين، أي صباغين، وقيل: للبسهم البياض، وقيل: لنقاء ظاهرهم وباطنهم، وزعم بعضهم أن ما قيل من أنهم كانوا قصارين إشارة إلى أنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم، وما قيل من أنهم كانوا صيادين إشارة إلى أنهم كانوا يصطادون نفوس الناس من الحيرة ويقودونهم إلى الحق، وهذا من التفسير الإشاري الذي درج عليه الألوسي في روح المعاني.
أيها الإخوة الكرام! نال هذه الرتبة واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو السيد الكبير العلم الشهير الصحابي الجليل أبو عبد الله الزبير بن العوام الأسدي ، فقد ثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لكل نبي حواري، وحواريي الزبير )، وقد تقدم ذكر الحواريين في سورة آل عمران في قول ربنا جل جلاله: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52].
ومقالة عيسى عليه السلام المحكية في هذه الآية غير مقالته المحكية في آية آل عمران، فتلك موجهة إلى جماعة بني إسرائيل، الذين أحس عيسى منهم الكفر لما دعاهم إلى الإيمان، أما مقالته المحكية هنا في سورة الصف فهي موجهة للذين آمنوا به، طالباً منهم نصرته لقوله تعالى: كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ [الصف:14]، فلذلك تعين اختلاف مقتضى الكلامين المتماثلين.
كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي[الصف:14]، قال مجاهد : المعنى من يتبعني إلى الله، والاستفهام لاختبار انتدابهم إلى نصر دين الله، ومعه نظير قول طرفة بن العبد :
إذا القوم قالوا من فتى خلت إنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
وإضافة أنصار إلى ياء المتكلم وهو: عيسى عليه السلام، مَنْ أَنصَارِي[الصف:14]، باعتبارهم أنصار دعوته.
مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ[الصف:14]، الجار والمجرور متعلق بأنصاري، أي: متوجهين إلى الله، شبه دعاءهم إلى الدين، وتعليمهم الناس ما يرضاه الله لهم بسعي ساعين إلى الله لينصروه، كما يسعى المستنجد بهم إلى مكان مستنجدهم لينصروه على من غلبه.
قَالَ الْحَوَارِيُّونَ[الصف:14]، وهم أصفياء عيسى عليه السلام، لم يقل الله عز وجل: قالوا: نحن أنصار الله، لا؛ بل قَالَ الْحَوَارِيُّونَ[الصف:14]، عدل عن الضمير إلى الاسم الظاهر؛ للاعتناء بشأنهم والتنبيه بخبرهم رضوان الله عليهم.
نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ[الصف:14]، نحن أنصار على ما أرسلت به، ومآزرك على ذلك؛ ولهذا بعثهم عيسى عليه السلام دعاة إلى الناس في بلاد الشام، في الإسرائيليين واليونانيين، وقد تكررت هذه الحال لما كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أيام الحج: ( من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي )، حتى قيض الله عز وجل له الأوس والخزرج من أهل المدينة فبايعوه وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم، فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه وفوا له بما عاهدوا الله عليه؛ ولهذا سماهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: الأنصار، وصار ذلك علماً عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
أيها الإخوة الكرام! من فوائد هذه الآية المباركة:
وجوب نصر الله تعالى في شتى الأحوال، في العسر واليسر والشدة والرخاء والسراء والضراء، ومشروعية ضرب الأمثال بحال الأمم التي قبلنا.
ومن فوائد الآية: أن الله تعالى جرت سنته بأن يجعل لكل نبي أنصاراً يقومون معه بأمر الله، وهذا مذكور في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64].
ومن فوائد الآية: ما كان عليه الحواريون رضوان الله عليهم من المسارعة إلى رضا الله.
ومن فوائد الآية: انقسام بني إسرائيل بعد عيسى عليه السلام إلى طائفتين: طائفة مؤمنة طيبة، وطائفة كافرة معاندة.
ومن فوائد الآية: ما كان من تأييد الله تعالى للطائفة المؤمنة.
ومن فوائد الآية: تبشير أنصار محمد صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى سيظهرهم على من خالفهم وناوأهم كما نصر الطائفة المؤمنة التي تابعت عيسى عليه السلام على دينه.
أسأل الله أن ينفعني وإياكم بما نقول ونسمع، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والسلام عليكم ورحمة الله.
يقول الله عز وجل: فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ[الصف:14]، استجاب بعض بني إسرائيل وكفر بعض، استجاب من بني إسرائيل عدد قليل كما جاء في إنجيل لوقا : أن أتباع عيسى عليه السلام كانوا أكثر من سبعين، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى عليه السلام إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلاً، من عين في البيت ورأسه يقطر ماءً، قال: فقال: إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ قال: فقام شاب من أحدثهم سناً فقال: أنا، فقال له المسيح: اجلس، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا، قال: نعم، أنت ذاك، فألقي عليه شبه عيسى ، ورفع عليه السلام من روزنة في البيت إلى السماء، قال: وجاء الطلب من اليهود، وأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، فتفرقوا ثلاث فرق:
فقالت فرقة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء هم: اليعقوبية.
وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء الله ثم رفعه إليه، وهؤلاء: النسطورية.
وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله، ثم رفعه الله إليه وهؤلاء: المسلمون.
فتظاهرت الطائفتان الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم.
فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ[الصف:14]، يعني: الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى ، والطائفة التي آمنت في زمن عيسى .
فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]، في إظهار محمد صلى الله عليه وسلم على دينهم دين الكفار فأصبحوا ظاهرين.
يقول الله عز وجل: فَأَيَّدْنَا[الصف:14]، والتأييد: النصر والتقوية، أيد الله أهل النصرانية بكثير ممن اتبع النصرانية بدعوة الحوريين وأتباعهم.
فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا[الصف:14]، إقامة للاسم الظاهر مقام المضمر، لم يقل: فأيدناهم، بل: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا[الصف:14]؛ لأن التأييد كان لمجموع المؤمنين بـعيسى لا لكل فرد منهم، إذ قد قتل من أتباعه خلق كثير ومثل بهم، وألقوا إلى السباع في المشاهد العامة تفترسهم، وكان ممن قتل من الحواريين الحواري الأكبر الذي سماه عيسى: بطرس ، أي: الصخرة في ثباته في الله.
قال ابن عاشور رحمه الله: ويزعمون أن جثته في الكنيسة العظمى في روما المعروفة بكنيس القديس بطرس ، والحكم على المجموعة في مثل هذا كما تقول: نصر الله المسلمين يوم بدر مع أنه قد قتل منهم بضعة عشر، والمقصود: نصر الدين، والمقصود من هذا الخبر: وعد المسلمين الذين أمروا بأن يكونوا أنصاراً لله بأن الله مؤيدهم على عدوهم.
العدو يطلق على الواحد والجمع، قال تعالى: وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ [الكهف:50]، وقال سبحانه: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، وقال: هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون:4] ، وقال: فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:92].
وهنا قال: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]، الظاهر هو: الغالب، يقال: ظهر عليه، أي: غلبه، وظهر به أي: غلب بسببه، أي: بإعانته، وأصل فعله مشتق من الاسم الجامد وهو الظهر، الذي هو العمود الوسط من جسد الإنسان والدواب؛ لأن بالظهر قوة الحيوان، وهذا مثل الفعل: (عضد)، مشتق من العضد، (وأيد) مشتق من اليد، ومن تصاريفه: ظاهر عليه واستظهر وظهير له، قال تعالى: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم:4].
فمعنى: (ظاهرين) أنهم منصورون؛ لأن عاقبة النصر كانت لهم فتمكنوا من الحكم في اليهود الكافرين بـعيسى ومزقوهم كل ممزق.
وقال أبو حيان رحمه الله تعالى في البحر المحيط: (ظاهرين) أي: قاهرين لهم مستولين عليهم.
وقال زيد بن علي و قتادة : (ظاهرين): غالبين بالحجة والبرهان.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر