إسلام ويب

تفسير سورة النور - الآيات [6-10] الأولللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لله سبحانه وتعالى أن يشرع ما شاء، وقد شرع للرجل الذي رأى زوجته تأتي الفاحشة أن يلاعنها، وحين تعجب الصحابة من غيرة سعد أخبرهم رسول الله أنه أشد منه غيرة، كما أن الله أشد غيرة من رسول الله، وقد ينزل الله القرآن بعد وقوع الأحداث لحكم جليلة وعظيمة.

    1.   

    سبب نزول آيات اللعان

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    فقد فرغنا من الكلام والحمد لله رب العالمين عن جملة الأحكام ورءوس المسائل المتعلقة بحد القذف في قول ربنا جل جلاله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5].

    هذه الآيات مخصصة للآية الموجبة لإقامة الحد على من قذف محصنة، فبين ربنا جل جلاله أن الإنسان إذا قذف زوجته فله حكم خاص.

    والحكمة هاهنا ظاهرة، (فإن الصحابي لما سمع قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]، قال له: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ )، يعني الآية هكذا؟ وهو سعد بن عبادة ، ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار! أما تسمعون ما يقول سيدكم؟ فقال: يا رسول الله! والله ما بي شك، ولكن أرأيت إن رجعت إلى بيتي فوجدت لكاعاً معها رجل أمهلهما حتى آتي بأربعة شهداء، والله لأضربنه بالسيف غير مصفح )، يعني: سأضربهم الاثنين بالسيف ليس بصفحته بل بحده، ولن آتي بشهود ولا غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له الصحابة: ( يا رسول الله لا تجد عليه -يعني: لا تغضب عليه- فو الله ما نكح امرأةً إلا بكراً، ولا طلق امرأة فاجترأ أحدنا على الزواج بها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: أتعجبون من غيرته، فأنا أغير منه، والله أغير مني ).

    وفي بعض الروايات: (أن عاصم بن عدي رضي الله عنه قال: يا رسول الله! رجل وجد مع امرأته رجلاً، إن تكلم جلدتموه، وإن قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ )، يعني: فأنا بين ثلاثة أحوال: إما أن أقتل وفي هذه الحالة يلزمني القصاص، وإما أن أتكلم وأشتكي وفي هذه الحالة ستقولون: إما أن آتي بشهود وإلا أجلد، والحالة الثالثة: أن أسكت على غيظ وعلى كمد، وكان هناك صحابي ثالث فقال: ( يا رسول الله! أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلاً أمهلهما حتى آتي بأربعة شهود، لن آتي بالشهود إلا وقد فرغا )، يعني: لو انشغلت بالبحث عن الشهود سيزنون وينتهون، فجاء عويمر العجلاني ، هذا في أكثر الروايات، وفي بعضها هلال بن أمية ، فقال: ( يا رسول الله! إني وجدت مع امرأتي شريك بن السحماء ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، وقال الناس: قد ابتلينا بما قال سعد )، لأنه هو الذي فتح الكلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للشاكي الذي جاء يشكو من امرأته: ( البينة وإلا حد في ظهرك -يعني: إما أن تأتي بشهود، وإلا فستجلد- فقال: إن الله يعلم أني صادق، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك، فجاء الفرج من الله بهذه الآيات ).

    وبعض الناس قد يقول: لم لا تنزل الآيات قبل حصول الابتلاء؟ فنقول: إن من حكمة الله عز وجل أنه يتأنى، ويصبر وهو الصبور جل جلاله حتى تقع الواقعة ثم ينزل الحكم، وذلك أولاً ليستشعر الناس عظيم نعمة الله، وليستبصروا ثانياً في حكمة التشريع، وليشعروا ثالثاً بمدى عظيم حاجتهم إلى هذا التشريع، فبعدما ضاقت صدورهم واختنقت أنفاسهم بجلد ظهر هذا الصحابي الذي يحبونه، وبذلك يجتمع عليه مصيبتان: أن امرأته تزني، وأن ظهره يجلد، فجاء الفرج من الله عز وجل بأن الذي يرمي زوجته ليس مطالباً بأن يأتي بأربعة شهداء، بل يكفي أن يشهد هو أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والحكمة في ذلك أن الرجل متضرر من زنا امرأته، لأن فراشه قد دنس، وقد ينسب إليه من ليس منه.

    والحكمة كذلك في أنه لا بد أن يشهد أربع شهادات، ولم تبح له أن يقتل، ولا أن يشهد على غير زوجته أربع شهادات هي أنه ربما يستغل ذلك بعض أهل الفساد، فيستدرج عدواً له إلى بيته، ثم يقتله ويقول: وجدته مع امرأتي، أو يستدرجه إلى بيته ثم يشهد عليه فيقول: وجدته مع امرأتي، ولذلك الشريعة جعلت شهادة الرجل قاصرةً على امرأته فقط، ولا تتعدى الشهادة إلى غير المرأة.

    ثم ننتقل إلى الحديث عن آيات اللعان، وسنبدأ بالقراءات.

    1.   

    القراءات في آيات اللعان

    القراءات في هاتين الآيتين قول الله عز وجل: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ[النور:6]، قرأها نافع و أبو عمرو : (فشهادة أحدهم أربع) بالنصب، أما على قراءة الرفع فهي خبر المبتدأ، (فشهادة أحدهم أربع)، وأما على قراءة النصب فعلى تضمين المصدر معنى الفعل، يشهد أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين.

    وقوله سبحانه: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ [النور:7]، قرأ نافع : (والخامسة أن لعنة الله عليه)، و(أن) هنا هي المخففة من الثقيلة.

    وقول الله عز وجل: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ [النور:8-9]، قرأها أيضاً نافع و أبو عمرو : (والخامسة) بالرفع، أي: والخامسة شهادتها.

    ثم قول الله عز وجل: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا [النور:9]، قرأها نافع : (أن غضب الله عليها) بتخفيف (أن).

    ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765797524