إسلام ويب

ديوان الإفتاء [519]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:

    إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة، والتي أبدؤها بسؤال طرح في الحلقة الماضية، وقد أرجأت السائل إلى أن أراجع هذا الحديث.

    سأل عن الحديث الذي يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء )، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان يسأل: ما هي هذه الخصال الخمس عشرة؟

    فالحديث رواه الإمام الترمذي ، أن علياً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء: إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وأكرم صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم، وشربت الخمور، واتخذت القينات والمعازف، ولبس الحرير، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا حينئذٍ ريحاً حمراء أو خسفاً أو مسخاً )، وهذا الحديث عند أهل العلم المحققين لا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الإمام أبا عيسى الترمذي رحمه الله الذي روى هذا الحدث في جامعه قال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن علي بن أبي طالب إلا من هذا الوجه، ولا نعرفه يروى عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلا من طريق الفرج بن فضالة ، و الفرج بن فضالة تكلم فيه غير واحد من أهل العلم، وضعفوه من قبل حفظه. هذا كلام الإمام الترمذي رحمه الله.

    وكذلك الإمام العراقي والإمام المنذري ضعفا هذا الحديث، وقال الإمام الذهبي : هو حديث منكر، وقال الدارقطني : حديث باطل، وقال ابن الجوزي : مقطوع واه، وكذلك من المعاصرين ضعفه الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في تحقيقه لسنن الترمذي .

    خلاصة القول: بأن هذا الحديث غير صحيح.

    أما الخصال التي وردت فيه فكلها خصال مذمومة ينبغي للناس أن يجتنبوها.

    فقوله: (إذا كان المغنم دولاً) بمعنى: أن الغنيمة يتداولها الأغنياء والشرفاء فيما بينهم، وعامة الناس لا يحصلون منها على شيء، وهذا المعنى هو الذي نفاه ربنا جل جلاله حين شرع تقسيم الفيء فقال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7].

    وقوله: (والأمانة مغنماً) بمعنى: لو أن الإنسان استودع إنساناً شيئاً فهذا الذي استودع يعتبرها غنيمة، فيخون تلك الأمانة ولا يردها إلى صاحبها، وهذا واقع أيضاً من كثير من الناس.

    وقوله: (والزكاة مغرماً) أي: الزكاة التي هي فرض الله عز وجل للفقراء في مال الأغنياء، يبذلها الغني وهو يعدها غرامة، لا يعدها ادخاراً عند الله عز وجل يزكو بها ماله، وتحصل بها البركة، ويطهر الله بها عمله، وإنما يعدها غرامة.

    وقوله: (وأطاع الرجل زوجته وعق أمه) بمعنى: أنه إن تعارض أمر الزوجة وأمر الأم فإنه يقدم أمر الزوجة على أمر الأم، ويكون مطيعاً لزوجته متبعاً لها، عاقاً لأمه مباعداً إياها.

    وقوله: (وأكرم الرجل صديقه وجفا أباه) أي أن اهتمامه بأصدقائه وأترابه، أما أبوه فلا يجد إلا الشيء اليسير من إقباله، أو من ماله، أو من اهتمامه ونحو ذلك.

    وقوله: (وكان زعيم القوم أرذلهم) يعني: تصدر لقيادة الناس الأراذل الذين لا قيمة لهم ولا وزن، لا كفاءة ولا أخلاق، وإنما تصدروا هكذا لقيادة الناس وزعامتهم.

    وقوله: (وأكرم الرجل مخافة شره)، بمعنى: أن الإنسان يبذل له الإكرام لا لأنه مستحق له، وإنما لأن لسانه بذيء لا يتقي الله في الناس، فيكرم مخافة شره.

    ثم ذكر صلى الله عليه وسلم علامات أخرى كشرب الخمور، وكذلك لبس الحرير للرجال وإلا فهو للنساء حلال.

    وكذلك (اتخاذ القينات) أي: الإماء اللاتي يغنين والمعازف.

    وقوله: (ولعن آخر هذه الأمة أولها) بمعنى: أن يتصدر في هذه الأمة ويتولى كبر اللعن جماعة يسبون الفضلاء الأتقياء الصالحين الأولياء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان، وهذا أيضاً حاصل من قبل بعض الطوائف التي لا ترجو لله وقاراً.

    وقوله: (وارتفعت الأصوات في المساجد)، أي: ارتفعت بغير ذكر الله، ارتفعت بالخصومات والبيع والشراء ونحو ذلك.

    بعض هذه العلامات وارد في أحاديث صحيحة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن بين يدي الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء )، وكذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة: كثرة العقوق حين قال: ( أن تلد الأمة ربتها )، في حديث جبريل المعروف.

    لكن الحديث بهذه الرواية التي أوردها الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله لا تصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرت؛ لأن الذي يرويه عن يحيى بن سعيد هو الفرج بن فضالة ، وقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم وضعفوه من قبل حفظه، وإذا ضعف هذا الحديث الترمذي و العراقي و المنذري و الدارقطني و الذهبي و الألباني فبعد ذلك لم يبق لتصحيحه مجال، والعلم عند الله تعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088529504

    عدد مرات الحفظ

    777151986