الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ:1-2], وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, والسراج المنير, والبشير النذير, أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:68-71].
أما بعد: أيها المسلمون عباد الله! فالمعلوم لدى الكافة, أن دين الإسلام قد أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وكلف بالعمل بتعاليمه الذكر والأنثى, الرجال والنساء, هؤلاء جميعاً مخاطبون بتعاليم الإسلام أمراً ونهياً, وقد جعل الله عز وجل ميزان التفاضل عنده بالتقوى, لا بالذكورة ولا بالأنوثة قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، وقال سبحانه: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195].
الذكورة والأنوثة وصفان طرديان, لا يتعلق بهما ارتفاع ولا انخفاض, وإنما الله جل جلاله يرفع من شاء من ذكر أو أنثى بعمله الصالح, وبمسارعته إلى الخيرات, ومسابقته في الطاعات, وتنافسه في مضمار البر مع غيره, سواء كان ذكراً أو أنثى, ولذلك لو قلبنا صفحات القرآن نجد رب العالمين جل جلاله يحدثنا عن عباده الصالحين, ذكوراً وإناثاً, مثلما يحدثنا القرآن عن الأنبياء والمرسلين, وأوليائه المقربين, وعباده الصالحين من الرجال, كذلك نجد في القرآن حديثاً عن أم موسى, وعن امرأة فرعون التي قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11].
ونجد في القرآن حديثاً عن مريم بنت عمران قال تعالى: الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12], ومثلما نجد في القرآن حديثاً عن فرعون و هامان و قارون و أبي لهب , نجد حديثاً كذلك عن أم جميل حمالة الحطب, التي ستصلى مع زوجها ناراً ذات لهب, ونجد حديثاً عن امرأة نوح وامرأة لوط اللتين كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم:10].
يا أيها المسلمون عباد الله! إن ناساً في زماننا هذا يريدون أن يصوروا الحياة على أنها صراع أبدي بين الرجل والمرأة, بين الذكر والأنثى, لا بد أن ينتصر في هذا الصراع أحدهما, وأن يتفوق الذكور أو الإناث, وأن يقضي أحدهما على الآخر, وليس في ديننا هذه النظرة قط, بل في ديننا العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تعاضد وتكامل, علاقة تعاون على البر والتقوى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما النساء شقائق الرجال ), وقال عليه الصلاة والسلام: ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً من امرأة صالحة, إن نظر إليها سرته, وإن أمرها أطاعته, وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله ).
هذه هي علاقة الرجل بالمرأة في ديننا, المرأة عندنا معشر المسلمين في شريعة ربنا, في قرآننا, وفي سنة نبينا عليه الصلاة والسلام, مكرمة أماً وأختاً وبنتاً وزوجة, على كل أحوالها معززة مكرمة.
والصيحة والصرعة في هذه الأيام في مجتمعات أهل الإسلام الحديث عن حقوق المرأة, دندنة وطنطنة بالليل والنهار, أنه ينبغي أن تعطى المرأة حقوقها, وأن تمكن من تحقيق ذاتيتها, وتأكيد شخصيتها, وممارسة دورها, هذه كلمات طنانة رنانة نسمعها بالليل والنهار, ونقرؤها في وسائل الإعلام, يتحدث عنها بعض أهل السياسة, يتحدث عنها منظمات نسوية, ماذا يعنون بحقوق المرأة؟
يعنون بذلك قضايا معينة, تدور في خلدهم ويسعون إلى تحقيقها, يعنون بحقوق المرأة أن تتخلص من قوامة الزوج, من ولاية الأب أو الأخ, أن تتخلص المرأة من شرط المحرم, إذا أرادت سفراً, أن تخرج المرأة فتخالط الرجال في كل ميدان, أن يكون التعليم مختلطاً, يعنون التبرج والسفور, والانحلال والتمرد على القيم, وأن تكون المرأة المسلمة على مثل أنموذج المرأة الغربية, المرأة الغربية التي مرغت كرامتها في الوحل, ودنس شرفها, وعادت سلعة تباع وتشترى, وتستعمل فترة شبابها, حتى إذا ذهبت نضرتها, وتجعد وجهها, وذهب الشباب عنها, فإنها ترمى وتلقى وتنبذ, مثلما يستخدم الإنسان نعلاً حتى إذا بلي فإنه يرمي به, ومثلما يستخدم ثوباً حتى إذا خلق فإنه يلقي به, هكذا المرأة في بلاد الغرب.
يريدون للمرأة المسلمة أن تكون وسيلة للإغراء, وسيلة للإعلان, وسيلة لجذب انتباه الرجال, أن تنطلق متحررة من كل فضيلة, من كل قيمة, وصدق الله عز وجل: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27].
تريد هذه المنظمات النسوية ومن كان خلفها مما يسمى بمنظمات المجتمع المدني, يريدون أن يقهرونا, وأن يجبرونا من أجل أن نقر ونوقع على تلك الاتفاقات الدولية, والمواثيق الصادرة عن المؤتمرات العالمية, التي نظمتها الأمم المتحدة في القاهرة وفي بكين, وفي غيرها, تلك المؤتمرات البائسة الخاطئة الظالمة, التي أباحت الإجهاض, وأباحت الشذوذ, وأباحت كل محرم, وقد أجمع العقلاء فضلاً عن أهل الدين, أن هذه المؤتمرات, وتلك القرارات تدمر المجتمعات تدميراً, وتقضي على الأخلاق كلية.
يا أيها المسلمون عباد الله! إن الواجب علينا أن نقر ونعترف بأن المرأة في مجتمعاتنا تعاني جملة من المشكلات, المرأة عندنا في كثير من الأحيان تعاني ظلماً واضطهاداً, قد يتعدى عليها بغير حق, قد يهضم حقها, قد تسلب مالها, قد تحرم من ميراث أبيها وأمها, قد تعاني من القهر من قبل الزوج, المرأة عندنا تعاني من الطلاق, الذي لا يتقي الله فيه كثير من الرجال, يتزوج ويطلق, وكأن الأمر ملعبة, في كل يوم هو في شأن, يوم مزوج ويوم مطلق, وهكذا, وإذا قيل له: اتق الله, قال: هذا شرع الله ودينه, ودين الله من فعله براء.
المرأة عندنا تعاني من أمية قاتلة, وصلت في بعض مجتمعات المسلمين الأمية النسوية إلى أكثر من سبعين بالمائة, أما الأمية الدينية فحدث ولا حرج, المرأة عندنا قد تعاني من تغييب في أمور هي من أخص خصوصياتها, قد تزوج بغير رضاها, قد تطلق لغير ذنب جنته, قد تعاني ظلماً مريراً بالليل والنهار, ولا تملك من تشكو إليه إلا الله جل جلاله, الذي يسمع دعوة المظلوم ويرفعها فوق الغمام, ويقول: ( وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ).
يا أيها المسلمون عباد الله! هذه المنظمات النسوية التي تنشط هنا وهناك, إلى أي شيء تدعو؟ تدعو إلى أمور تافهة, ما دعت أبداً لانتشال المرأة من مستنقع الجهل والقهر الذي تعيش فيه, ما دعت أبداً إلى إقرار مبادئ الفضيلة, ومحاربة الرذيلة, ما دعت إلى المحافظة على أخلاق المرأة, وإنما تدعو إلى أمور هي من إملاءات وتمويل من يعادون الله ورسوله, يدعون إلى رفع سن الزواج, يدعون إلى ما يسمى بالصحة الإنجابية, إلى إباحة توزيع العوازل الذكرية في المدارس والجامعات, يدعون فيما يدعون إليه إلى منع الختان وحظره بكل صوره وأشكاله, ويمارسون في ذلك كذباً مفضوحاً.
حتى إن المرء ليعجب, كيف أن ناساً نالوا قسطاً من العلم مقدراً, حتى تخصصوا في أمراض النساء والتوليد, يقال عن الواحد منهم: بأنه اختصاصي في أمراض النساء والتوليد, ثم بعد ذلك يصدر بعضهم بياناً ينشرونه في الجرائد, على امتداد أسبوع كامل, ويأتون في ذلك بحجج تنادي على القائل بها, بأنه جاهل ما عرف دين الله, يدعون إلى محاربة الختان, ويطرحون سؤالاً فيه من البلاهة شيء عجيب, يقولون: لو كان الختان مشروعاً لمَ لم يرد ذكره في القرآن؟
هكذا يقولون: ويستطيع صغير من صغار المسلمين أن يقول لهم: وهل ديننا قد نص على تفاصيله وجزئياته كلها في القرآن؟ أين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقد روى الشيخان البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات, والنامصات والمتنمصات, والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ), فبلغ ذلك الحديث امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب , وكانت تقرأ القرآن, أي: كانت امرأة معروفة بأنها قارئة للقرآن مجيدة, فأتت ابن مسعود وقالت له: ما حديث بلغني عنك، أنك لعنت الواشمات والمستوشمات, والمتنمصات والمتفلجات للحسن, المغيرات خلق الله؟ ماذا قال ابن مسعود رضي الله عنه؟ قال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو في كتاب الله, فقالت له المرأة: لقد قرأت ما بين دفتي المصحف ولم أجد ما قلت؟! قال لها ابن مسعود : لئن كنت قرأتيه فقد وجدتيه, قالت له: وأين ذلك؟ قال: في قوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7], فكل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأن الله تعالى قد أمر به, وهو القائل: ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه, ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما حرم الله ).
فيستطيع صغير من صغار المسلمين, طفل أن يقول لأولئك الاختصاصين: أنتم تصلون الصبح ركعتين, والمغرب ثلاثاً, والعشاء أربعاً, أين وجدتم ذلك في كتاب الله؟ لو كان هذا مشروعاً على فهمكم وقياسكم, لمَ لم يذكر في القرآن؟ إذاً: فليصل كل امرئ منا بالقدر الذي يشتهيه.
يا أيها الناس! من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب, والإنسان الذي يحترم نفسه هو الذي يتكلم فيما يحسن, ويمسك عن ما سوى ذلك, وكان من دعاء عباد الله الصالحين: اللهم إنا نعوذ بك من أن نقول ما لا نعلم, أو نتكلف ما لا نحسن.
ولنا أن نسأل هؤلاء سؤالاً: ما هذا النشاط المحموم, والميزانيات الضخمة, والإعلانات التي تحتل صفحات الصحف, من أجل محاربة هذا الأمر المشروع رغم أنوفكم؟
أين جهودكم, أين أموالكم في التخفيف على الناس الذين يعانون من غلاء الدواء, وغلاء سعر الكشف عند الأطباء؟ أين جهودكم في مدافعة الأمراض والأوبئة التي يعاني منها الرجال والنساء والكبار والصغار؟ أين جهودكم في المحافظة على الأنفس التي أمر الله عز وجل بأن نحفظها, وأن نسعى في صيانتها؟
لا شك أيها المسلمون عباد الله! أن هذه الأسئلة لو تأملنا فيها نعلم يقيناً أن هذه جهود غير مبرأة من الغرض, وأن وراءها قوة دافعة, تدفع بها في اتجاه معين, من أجل أن يفرضوا علينا ثقافة غير ثقافتنا, ويفرضوا علينا تعاليم ومفاهيم غير التي ورثناها وعرفناها من ديننا, من كتاب ربنا, ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم, هؤلاء نذكرهم بقول ربنا جل جلاله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33], بعدما قال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].
ولمن لم يكن يعلم من هؤلاء الذين أصدروا هذا البيان أقول لهم: اعلموا بأن هذه خطوة في سلم طويل, فأنتم الآن بدأتم بمحاربة ختان الإناث بكل صوره وأشكاله, أو يأتون بعبارة منفرة من أجل أن يوحوا للناس إيحاء معيناً, يقولون: الاعتداء على الأعضاء التناسلية للأنثى, هكذا سموا شرع الله عز وجل اعتداء, أقول لهم: أنتم تحاربون ختان الإناث اليوم, وغيركم في بلاد أخرى, ممن يتسمون بأسماء المسلمين, قد انتقلوا نقلة فوق هذا, فبدءوا يحاربون ختان الذكور, لنفس الدعاوى؛ أنه لم يذكر في القرآن, وأنه يمثل صدمة للطفل, وأنه يمثل اعتداء على أعضائه, ويستدلون جهلاً بآيات كقوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] وقوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4], ونحو ذلك من آيات ما فهموها وما عرفوها.
أيها المسلمون عباد الله! إن من نعم الله علينا في هذه البلاد, أن هذه الجهود المشبوهة, تقوم عليها منظمات نكرات, ونسوة غير ثقات, يعاونهن في ذلك مجموعات من الرجال أرادوا أن يتأكلوا لدنياهم, لكن في بلاد أخرى يشرف على هذا النشاط حكومات ورؤساء دول وزوجاتهم, ونساء المجتمع المخملي كما يسمونه, الحمد لله! ما وصلنا إلى هذا الدرك, ولا انحططنا إلى هذا السفل.
أسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا ديننا, وأن يفقهنا في سنة نبينا, وأن يرد عنا كيد الكائدين, ومكر الماكرين, وشر الأشرار, إنه أرحم الراحمين, وأكرم الأكرمين, وتوبوا إلى الله واستغفروه.
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين, بعثه الله بالهدى واليقين, لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين, وآل كلٍ وصحب كلٍ أجمعين, وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين, وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أما بعد: أيها المسلمون عباد الله! فزيادة في البيان والإيضاح نقول: بأن ختان الإناث أجمع أهل العلم سلفاً وخلفاً على أنه مشروع, ما قال أحد قط بأنه حرام, أبداً لا في القديم ولا في الحديث, فعلماؤنا رحمهم الله متفقون على أنه مشروع, لكن هذه المشروعية بعضهم يقول بالوجوب كالشافعية, كختان الذكور, وبعضهم يقول بالسنية, كالحنفية والمالكية, يقولون: ختان الإناث كختان الذكور سنة مؤكدة, لا ينبغي تركها مع القدرة عليها, وعدم قيام المانع منها. والحنابلة رحمهم الله فرقوا, فقالوا بالوجوب في حق الذكور, وبكونه مكرمة في حق الإناث.
هذه هي أقوال علمائنا, حتى كلام الشيخ القرضاوي حفظه الله ووفقه, الذي يتشدقون به أخيراً, فالشيخ حفظه الله ما قال قط بأنه حرام, ولا قال قط بأنه ممنوع, وإنما قال: ما ثبت ضرره فإنه يمنع, وهذا كلام صحيح, فالشريعة ما جاءت بالضرر, الضرر يكون في ممارسة هذا الختان بغير الطريقة المشروعة, وبغير الطريقة الآمنة, وهو ما يسمى بالختان الفرعوني على درجاته كلها, وقد مضى الكلام وأكرره الآن بأنه حرام, وأنه ممنوع, وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:97].
أما الختان الذي يجرى وفق ما نطقت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية رضي الله عنها: ( أشمي ولا تنهكي, فإنه أنظر للوجه وأحظى للبعل ), وعلى وفق ما يمارسه الثقات من الأطباء والطبيبات فهذا لا مانع منه, وأنا أعلم بأن لجنة قد شكلت شارك فيها أطباء في علم التشريح, وأطباء في علم الأنسجة, وشارك فيها أطباء في علم النساء والتوليد, وأطباء من طب المجتمع, وهؤلاء جميعاً حضروا عمليات لختان الإناث, وأخذوا ذلك الجزء الذي انفصل, وأدخلوه معاملهم, وقاموا بتشريحه تشريحاً دقيقاً, وخلصوا إلى نتيجة بأن هذا الجزء المقطوع جلد مائة بالمائة, ليس فيه شيء من لحم ولا من الأشياء التي يذكرونها, ولا أذكرها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أيها الإخوة المسلمون! ليست القضية قضية علمية عندهم, ولا قضية شرعية, وإنما مقررات سابقة قررت خارج الحدود, يريدون تنفيذها وإسقاطها بالقهر والقوة والتخويف والتهديد, وقد أتوا بقانون قبل شهور إلى مجلس الوزراء يجرم ختان الإناث, ويفرض عقوبة بالسجن عشرين سنة على من يمارسه, سبحان الله! كأنها صارت أفحش من قضية ترويج المخدرات أو الخمور, أو ما إلى ذلك.
ثم أتوا بمجموعات من النساء في حافلات قد امتلأت عن آخرها, أوقفوها أمام مجلس الوزراء, متى ما أجيز القانون, من أجل أن يصحن ويهتفن وينزعن ثوب الحياء, إن كان ثمة حياء قد بقي عندهن, لكن والحمد لله رب العالمين! أنطق الله رئيس هذه البلاد قبل شهور في مجلس الوزراء قال لهم: إن شيئاً يخالف دين الله لن أوقع عليه, وهذه والله منقبة له ومحمدة, نسأل الله عز وجل أن ينصر من نصر دينه.
يا أيها الإخوة الكرام! هؤلاء يتهمون غيرهم بالإرهاب وهم الإرهابيون, يتهمون غيرهم بالتعدي وهم المعتدون, وإلا فالقضية قضية طبية شرعية, يجلس لها الأطباء وأهل الشرع, ويتنحى من سوى ذلك, والآن يتولى كبر هذا الأمر النساء اللاتي لا علم لهن, لا بالطب ولا بالشريعة, وليس لهن في العير ولا في النفير, لكنهن أسمع الناس صوتاً, أصواتهن عالية, ويخوفن ويرهبن ويهددن ويتوعدن, وكأن وراءهن قوة خفية, لكن نقول لهن: الله أقوى من الجميع, وما أراده الله هو الذي سيكون, والمسلمون الموحدون لن يتركوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم, ولو اجتمع من بأقطارها, هذا الذي ينبغي أن يقر في أذهاننا, وأن يستقر في قلوبنا.
أسأل الله عز وجل أن يعلمنا علماً نافعاً, وأن يرزقنا عملاً صالحاً, وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك, يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك, اللهم أحيينا مسلمين, وتوفنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين, غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم آت نفوسنا تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها, اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً, ومن كل بلاء عافية, اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, اللهم كما جمعتنا في هذا المكان المبارك, نسألك أن تجمعنا في جنات النعيم, وأن ترزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم, وأن تجعلنا إخواناً على سرر متقابلين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر