إسلام ويب

الإسلام بين جهل أبنائه وكيد أعدائه [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كيد الأعداء للإسلام ليس جديداً؛ بل قد كادوه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنواع المكايد التي حدثناها عنه القرآن، وأخبر أنهم يكيدون كيداً، وكيدهم رغم كثرته وكثرة تنوعه إلا أنه وبال عليهم وعائد عليهم بالخسران الدنيوي والأخروي، والمستغرب في الأمر أو الجديد فيه هو جهل أبناء الإسلام لما يكاد لهم، لا وقوع الكيد، ولا تنوعه ولا قوته، وإنما جهل أبناء الإسلام به، فهذا الذي ينبغي الوقوف عليه والتحدث فيه.

    نحمد الله تعالى على ما يسر وبلغ وأنعم، ونسأله من فضله المزيد، نحمده سبحانه وتعالى على أن أعان على صيام رمضان وقيامه، وأن بلغنا رمضان، ونسأله أن يعيده علينا بالعافية والأمن والإيمان، وأن يبلغنا إياه أزمنة عديدة وسنوات مديدة.

    أما بعد:

    فإن الموضوع المقترح للتحدث فيه هو: الإسلام بين جهل أبنائه وكيد أعدائه، وليس كيد أعداء الإسلام جديداً؛ بل قد كادوه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنواع المكايد التي حدثناها عنه القرآن، وأخبر أنهم يكيدون كيداً، وأن الله تعالى يكيد كيداً، وبين أن كيدهم رغم كثرته وكثرة تنوعه إلا أنه وبال عليهم وعائد عليهم بالخسران الدنيوي والأخروي، لذلك فإن المستغرب في الأمر أو الجديد فيه هو جهل أبناء الإسلام لما يكاد لهم، لا وقوع الكيد، ولا تنوعه ولا قوته، وإنما جهل أبناء الإسلام به، فهذا الذي ينبغي الوقوف عليه والتحدث فيه.

    أما كيد أعداء الإسلام له، فمن المسلَّم أن كل من يعادي أمراً سيبذل جهداً في سبيل تحطيمه وتقليصه وتحجيمه، وهو معذور بذلك؛ لأنه عمل بمقتضى قناعته.

    وكذلك من المسلَّم أن الله عز وجل إذ أرسل هؤلاء الرسل إلى الناس؛ لإقامة الحجة عليهم، شاء أن يكون الناس على حزبين: حزب يتبعون الرسل وهم حزب الله، وحزب يتبعون الشيطان وهم حزب الشيطان، وأن يستمر الصراع بين هذين الحزبين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    موقف المسلمين وأصنافهم مع الأعداء

    هذا الصراع له مقومات متعددة، ذكرت في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، فالله تعالى يقول: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، إذاً هذا قدر نافذ، ومشيئة ربانية أراد الله لها أن تدير هذا الصراع المستمر، الذي هو امتحان وابتلاء للناس، هل سيصمدون أمام هذه المكائد، ويقدمون التضحيات في سبيل نصرة دينهم ونشره، وإعلاء كلمة ربهم الذي خلقهم وسواهم، أو ينخرطون في صفوف المستضعفين والمستذلين، أو يتبعون كيد أعدائهم فيكونون من حزب الشيطان؟

    كل هذه الاحتمالات واقعة في الناس، ومن الناس من سيثبت ويصبر يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، وهؤلاء هم الذين يكتب الله لهم العاقبة، ومن الناس من سينخدع وتنطلي عليه الحيل والمكايد، وهذا يعد في عداد المستضعفين الذين تقضى أمورهم في غيبتهم.

    والقسم الثالث: قوم استطاع الحزب المعادي أن يسخرهم لضرب أبناء جلدتهم وإخوانهم في دينهم، فكانوا سلاحاً في أيدي أعدائهم، يضربون به إخوانهم.

    صولة الباطل واضمحلاله

    هذه الأقسام الثلاثة في صفوف المؤمنين موجودة، ومن حكمة الله تعالى أن يبقى وجودها وأن يستمر، لكن من حكمة الله تعالى أن يبقى الانتصار وعلو الشأن وعلو الدرجة في هذه المعركة القائمة دولاً، فيعلو كعب كل فئة من هذا الفئات في وقت من الأوقات، وكذلك للباطل صولة يشع خلالها ويشيع، ثم بعدها يتراجع ويضمحل، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن للباطل صولة فيضمحل )، وذلك من حكمة الله تعالى؛ لأن التضحية والجهاد والبذل في سبيل نصرة هذا الدين امتحان للناس، ومن عدل الله تعالى ألا يشدد الامتحان على أقوام ويسهله على آخرين، فهم جميعاً مصيرهم واحد، فإذا كان امتحن أولئك النفر الأولين الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاداهم ذووهم وأقربوهم، وأخرجوا مما كانوا فيه من زهرة هذه الدنيا، ومما يتنافس الناس فيه من معاشها، وأوذوا في الله عز وجل أبلغ أنواع الأذى، فامتحنهم الله بذلك فنجحوا في هذا الامتحان، وامتحن من بعدهم بامتحانٍ أسهل من هذا فنجحوا في الامتحان، وكان الجزاء واحداً، فإن هذا منافٍ للعدل الذي به أقام الله السموات والأرض.

    لذلك كانت تضحية أولئك النفر الأولين تضحية بالغة، وعلى حجمها وقدرها قامت دولة الإسلام، فانتشار الدولة وارتفاع رايتها وعلوها ومكانتها، إنما كان بقدر جسامة تضحية أولئك النفر الذين حملوا هذا الدين وحملوا لواءه ونبراسه مضيء للناس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088543532

    عدد مرات الحفظ

    777231635