إسلام ويب

العدلللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بنى الله تعالى السموات والأرض على أساس العدل، فشرع الشرائع التي تضبط تصرفات العباد؛ حتى لا يبغي بعضهم على بعض، ولا يظلم بعضهم بعضاً، فإذا ساد العدل أمن الإنسان على حياته، ولا بد أن يسود العدل في جميع نواحي الحياة، ومن كمال العدل أن الله جعل للإنسان حقوقاً يتمتع بها، وبالمقابل فقد جعل للآخرين عليه حقوقاً، وهكذا ليستوي الميزان وتسير الحياة.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى بنى شأن السموات والأرض على العدل، فبه قامت السموات والأرض، وقد اتصف به جل شأنه فهو الحكم العدل، وأمر به فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل:90]، وقال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا[الأنعام:152] وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر به كما أمره الله بذلك، فقد أمره هو وأصحابه بالعدل حتى مع من ناوأهم وعاداهم في ذات الله، فقال الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[المائدة:8].

    وركائز هذا العدل واضحة في التشريع كله، فإن الله سبحانه وتعالى بنى الكون جميعاً -أي: جميع المخلوقات- على الازدواجية، فالله تعالى هو الفرد الصمد، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، لكن كل من عداه وكل من دونه من الخلائق مبني على الازدواجية.

    فقد جعل الله الزمن منقسماً إلى ليل ونهار، فالليل له آية والنهار له آية، وقد محا الله آية الليل وجعل آية النهار مبصرة؛ وذلك لأن الازدواجية إذا حصل فيها التكافؤ المطلق لم يمكن حصول العدل؛ لأنه لا بد من السبق في الترتيب، ولو كان الليل ذا آية غير ممحوة لكان سبق النهار عليه ظلماً وحيفاً، فلذلك احتيج إلى جانب من التفضيل في هذا الواقع، وكذلك في الخلائق جعل البشر من ذكر وأنثى، وجعل الذكر مديراً للبيت وصاحب القوامة فيه، وصاحب القرار، وجعل الأنثى تابعة له في البيت، ولو كانا ندّين في البيت لحصل فيه التنازع والتناقض، كما قال الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا[الأنبياء:22].

    وقسم كذلك الأملاك على هذه القسمة، فقد خلق للبشر ما في الأرض جميعاً، كما قال تعالى: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً[البقرة:29]، وقسمه بين صنفي البشر، بين الذكور والإناث، وجعل ما في الأرض جميعاً ينقسم إلى نوعين: إلى ماديات ومعنويات، والمعنويات أشرف من الماديات، فلذلك خص الذكور من البشر بأشرف ما في المعنويات وهو القوامة والإمامة، وخص الإناث من البشر بأشرف ما في الماديات وهو الذهب والحرير، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه جعل في إحدى يديه ذهباً وفي الأخرى حريراً، فقال: إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم ).

    وهذا يقتضي العدل والمساواة بين الصنفين فيما يتعلق بحيازة ما خلق لهما مما في الأرض، وكذلك جعل النبات أيضاً مثل البشر من ذكر وأنثى، وجعل الحيوان كذلك مثل البشر من ذكر وأنثى، وجعل الخلائق جميعاً على هذه الازدواجية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088513638

    عدد مرات الحفظ

    777052579