إسلام ويب

الفهم الصحيح للإسلامللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فهم الرعيل الأول من هذه الأمة الإسلام الفهم الصحيح فغير حياتهم، وجعلهم سادة الدنيا وقادة الأرض، فلا يكون الفهم الصحيح للإسلام إلا بالعمل بما فيه من الأوامر، والبعد عما فيه من المناهي.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أيتها الأخوات! السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

    فالموضوع الذي اختار الأخوات الحديث فيه، هو الفهم الصحيح للإسلام، وهذا الموضوع إذ كما يعلمه الكثير منا، موضوع واسع له شعب كثيرة، سنتناول في هذه الكلمة بعض تلك الشعب على أن يكون لنا بقية الدروس إن شاء الله تعالى، كلها مكلمة لما ستسمعن في هذا الدرس إن شاء الله.

    إن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، هو الدين الحق الذي لا يرضي الله تعالى سواه، وفي ذلك قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، هذا الدين كانت كل الأديان التي سبقته إعداداً له؛ لتأخذ البشرية تطورها في ظل دين ظل متطوراً حسب مقتضيات الظروف، إلى أن وصلت البشرية إلى نضجها، وأكملت مسار حياتها، فلما وصلت إلى القوقعة والرجوع عما عهدته من قبل، وكانت في أزمة؛ بأنها قد أكملت كل التجارب وخاضتها، ووقفت تنتظر الخلاص، أرسل الله إليها محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الدين الخاتم الشامل، ففتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وأنقذ به من الضلالة إلى الهدى.

    أخذه الرعيل الأول من هذه الأمة، فوجدهم أهل جاهلية، يعبدون الأحجار والأشجار، ولا يقيمون أي اعتبارٍ لأي قيم، وليست لديهم أي أخلاق، يدس الرجل منهم ابنته في الأرض، ويقتل أخاه ليأخذ ماله، ويتزوج زوجة أبيه، أو يحبسها عنده حتى يزوجها لغيره، وإذا طلقت المرأة أو ماتت بقيت في بيتها سنة كاملة، في أخس ملبس، ولا تمس ماءً ولا تستحم في تلك السنة كلها، وتقع الحرب الضروس الشديدة مدة أربعين سنة، بسبب جري حصل بين فرسين، فسبقت إحداهما الأخرى.

    كانت هذه هي عادة هذه المجتمعات، ولكنه بين عشية وضحاها جاءهم هذا الإسلام ففهموه الفهم الصحيح، فانقلب بهم حتى أصبح المجتمع الذي كان يمارس هذه الأمور التي ذكرنا، أصبح تخرج منه الفتاة الصغيرة جداً، فتخرج في آخر الليل فتتسلق قمم الجبال الطويلة؛ لتذهب إلى غار ناءٍ موحش، فتكتم أشد الأسرار خطورةً، وتأتي إلى رجلين اختفيا في ذلك الغار الله ثالثهما، وتأتيهما بالأخبار ثم ترجع، ثم بعد ذلك تعد لهما زادهما فتقسم نطاقها إلى نطاقين، وتجعله سفرةً لهذين الرجلين. وجعل الشيوخ الكبار الذين تربوا في الجاهلية وعاشوا فيها كل الأعمار من المجاهدين في سبيل الله، يبذلون أنفسهم وأموالهم، حتى أن أحدهم لما قطعت ساقه يوم بدر، التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيناه تدمعان، وهو يبتسم، فقال: يا رسول الله! إني لأحق من أبي طالب بقوله:

    ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل

    فحتى جعل الذين اقتنعوا بهذه الدعوة، والتزموا هذا المنهج وفهموه الفهم الصحيح، يستطيع أحدهم أن يفتح أزرار قميصه، مستعداً للرشق بالنبل في سبيل هذه الدعوة، ويقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، وجعلت أحدهم وكان راعي غنم، وكان خرج لتعليم الناس، لما استقبل السيف فأحس بحرارته، استقبل الدم بيديه ولطخ به وجهه، وقال: فزت ورب الكعبة.

    وجعل منهم من يتجرأ على أربعين ألف مدجج بالسلاح، فيقول: ارموني عليهم بالمنجنيق، فيضعونه في المنجنيق، ويرمون به أهل الحصن، فيقع بينهم، فيقاتل بسيفه يميناً وشمالاً، حتى يصل إلى الباب فيفتحه، ثم يسقط متضمخاً بجراحه، فإذا جاء المسلمون للعبور من فوق جثته، وهو حي في آخر رمق، فقال بعضهم: لا تقتلوا البراء ، فيقول أخوه أنس بن مالك : انفذوا ولو قتلتم البراء ، ثم بعد ذلك يرفع على عوالي الرماح، ويعالج ثم يبرأ، ويقر الله عينه بالنصر، ثم ينذر بقية عمره لله تعالى، فيخرج مجاهداً حتى يقتل تحت نهر ... يوم ... لعبيد.

    وجعل من هؤلاء الرجال الذين كانوا تجاراً لا يسامحون في الحبة الواحدة يخرجون من كل أموالهم في سبيل الله، وجعل التجار الذين كانوا يرابون، وقد اشتهروا بالربا في الجاهلية كالعباس بن عبد المطلب ، جعل منهم في الإسلام رجالاً يقدمون زكواتهم مدة السنين المتتالية، يقدمون زكاة ثلاث سنوات، من أجل الحاجة في سبيل الله.

    وجعل منهم النساء اللواتي يقدمن مصلحة هذه الدعوة على مصلحة أنفسهن ومصلحة آبائهن وأزواجهن، جعل منهم الرجال الذين يخرجون مجاهدين بأنفسهم وأموالهم، ويتركون عيالهم لغير شيء، كما فعل أبو بكر الصديق عندما خرج في هجرته، ترك بناته وأولاده وأباه وهو شيخ كبير قد عمي، يتركه بمكة من غير مال، فجاء أبو قحافة فسأل بنات أبي بكر : ماذا ترك لنا أبو بكر ؟ فجاءته إحداهن بصرة من حجارة، فقالت: ترك لنا هذا القدر من الدراهم، فأخذه فقال: هذا مال كثير، والواقع أن أبا بكر لم يترك شيئاً لأهله نهائياً، وقد خرج من ماله ثلاث مرات في سبيل الله، يسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ماذا تركت لأهلك؟ فيقول: الله ورسوله ).

    إن هذا الإسلام الذي حول هذا المجتمع بهذه النقلة، في هذه المدة الوجيزة، حتى جعله أمةً هي خير أمة أخرجت للناس، فهي التي تصلح لقيادة أهل الأرض، وتصلح لإعلاء كلمة الله تعالى، وتحمل هذه الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرضون والجبال، هذا الإسلام ندعيه الآن، ولكننا نفتقد فهمه الصحيح؛ لأننا لو فهمناه هذا الفهم، لصاغ منا أمة مثل تلك الأمة، لو فهمناه كما فهمه أبو بكر و أسماء و البراء و أنس بن مالك و عائشة ..إلخ، كما فهمه هؤلاء، لانقلبت الموازين، ولرأينا مجتمعاً يختلف عن المجتمعات التي نعيش فيها، هذا مما لا يختلف فيه اثنان، ولكن الواقع أننا أسأنا فهم هذا الإسلام، فقسناه بأمور أخرى، فتلبدت دونه غيوم؛ فلذلك نحتاج إلى أن نستورده من جديد، هذا الاستيراد من أين نستورده؟ نستورده من البراء ومن أسماء ومن أبي بكر الصديق ، بل ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كان من هناك، ونحن نريد أن يعود إلينا من الجهة التي أتى منها، ورحم الله مالك بن أنس الذي يقول: إن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، فحاجتنا إلى أن نفهم هذا الدين كما فهمه رعيلنا الأول، أو سلفنا الصالح، في هذا الوقت الذي نعيش فيه الآن، وهو وقت تكالب الأمم علينا، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وهو وقت نشوب الوهن في القلوب، الوهن: هو حب الدنيا، وكراهية الموت.

    هذه الحاجة لا تعدلها حاجة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088458016

    عدد مرات الحفظ

    776845662