إسلام ويب

المسؤولية في الإسلامللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وعد الله عباده المؤمنين بالنصر والتمكين، وما عليهم إلا أن يسعوا لتحقيق وعد الله، ويشحذوا هممهم لنصرة الدين من خلال التأمل بعلاقتهم بربهم ونبيهم، والتفكر فيما يبذله الكفار والمنافقون لنصرة مذاهبهم وأديانهم الباطلة، ولا يكون ذلك إلا لمن علم الله فيهم خيراً، أما من كره الله انبعاثهم فقد ثبطهم، وجعل أمامهم الصوارف والعقبات كالخوف ونقص الثقة.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد فإن ربنا جل جلاله قد أنعم علينا بأنواع النعم؛ فخلق أبانا آدم بيمينه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وشرفه على الملائكة بالعلم، وعلمه ما لم يكن يعلم، ثم بعد ذلك كرمنا بأنواع التكريم فجعل منا الرسل، وأقام علينا الحجة، وأنزل إلينا الكتب، ثم أنعم علينا نحن بالخصوص بأن جعلنا من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهي خير أمة أخرجت للناس، أرسل الله إليها أفضل الرسل، وشرع لها أفضل شرائع الدين، وأنزل عليها خير الكتب، وجعل فضلها زائداً على فضل سائر الأمم، وأجرها زائداً على أجر سائر الأمم، وقال في تكريمه لبني آدم: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[الإسراء:70]، وهذا التشريف لا شك أن في مقابله يكون التكليف؛ لأن الإنسان إذا أنعم عليه بكل هذه النعم، لا يمكن في مقابل ذلك أن يترك سدى لا له ولا عليه؛ بل لا بد -وقد قامت عليه الحجة- أن يؤدي الحق الذي عليه، وهذا الحق الذي عليه ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: يشترك فيه الجنس البشري مع الجن وهو تحقيق العبادة لله، كما قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56].

    القسم الثاني: تحقيق الاستخلاف في الأرض، وهذا مختص بالجنس البشري، وبه تشريفه على غيره، والاستخلاف في الأرض يقتضي المسئولية عن هذا الدين؛ فهذا الدين اختاره الله سبحانه وتعالى لنا، وبين لنا فيه ما يكفل علاقتنا بربنا جل جلاله وما ينظم علاقاتنا فيما بيننا، وما يحقق لنا مصالحنا الدنيوية ومصالحنا الأخروية، ولا يمكن أن يأتي أحد بأعظم منه ولا بأقوم؛ ولذلك لا استقامة لشيء من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة إلا باتباع هذا الدين والقيام بحقه، وهذا الدين الكريم الذي به شرفنا إذا أراد الإنسان أن يدرك قيمته فلينظر إلى عاقبته ونهايته، فهو سر دخول الإنسان الجنة، هو الذي يدخل الجنة ويباعد الإنسان من النار، وكل من قصر فيه كان آيلاً إلى النار؛ فلذلك لا بد أن نعلم أن هذا الدين هو مستقبلنا، وهو ضمان سلامتنا من عذاب الله.

    وهذا يقتضي حرصنا عليه وعملنا به وأخذنا به، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتعلمه والعمل به وأدائه على وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، والسعي لنصره ونشره بين الناس حتى تقام الحجة على أهل الأرض جميعاً، وحتى يكونوا جميعاً على وفق مراد ربهم جل جلاله، وعلى وفق مراد نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فمن حق البشرية أن تنال حظها من عدل الله، وعدل الله في الأرض هو هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

    ومن حق البشرية علينا أن نسعى لإنقاذها من النار؛ فهي وظيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح عنه في الصحيحين أنه قال: ( إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، حتى إذا أضاءت ما حوله جعل الفراش يتساقط فيها وهذه الدواب، فجعل ينفيهن بيده وهن يقتحمن فيقعن فيها، ألا وإني ممسك بحجزكم عن النار، ألا وإني ممسك بحجزكم عن النار ).

    فهذا يقتضي أن نقوم نحن بعمل النبي صلى الله عليه وسلم ووظيفته، وأن نحسن خلافته، فإنه صلى الله عليه وسلم أدى إلينا هذا الدين كما أنزله الله عليه، ونحن نشهد جميعاً أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين، ولا يستطيع أحد منا أن يطعن في ذلك؛ فقد زكاه الله وشهد له بالتبليغ، فقال تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ[الذاريات:54]، وقال تعالى: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ[النور:54]، هكذا شهد الله له أنه أدى الذي عليه، وبقي ما علينا نحن وقد أدى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدين كما أتاه من عند الله، ثم قال: ( ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع )، وقال: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )؛ وقال: ( بلغوا عني ولو آية )، فيجب على كل إنسان منا أن يتحمل أعباء هذا الدين، وأن يقوم بواجب نصرة الله سبحانه وتعالى ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088547392

    عدد مرات الحفظ

    777255277