إسلام ويب

صفات المنافقينللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اقتضت حكمة الله أن يتنوع الناس في هذه الحياة ويتميز ليتحقق معنى الاختبار والابتلاء، فكان الناس مؤمنين وكافرين ومنافقين، ويحتاج المؤمن لمعرفة صفات النفاق كي يتخلص منها ويتقيها خصوصاً النفاق العملي لكثرة انتشاره، ومن ذلك ما ذكرتها الآيات والأحاديث في صفات المنافقين، ثم يحاول تطبيق ذلك بشكل عملي حتى يمن الله عليه بتحقيق الإيمان والثبات عليه

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى حين أقام الحجة على الناس نوعهم إلى أنواع؛ فجعل منهم من يستجيب لنداء الله سبحانه وتعالى ويؤمن بما يرسل به رسله، وينتفع بالذكرى ويعتبر، وهؤلاء هم المؤمنون المنتفعون بالذكرى، وقد جعل الله إلى إزاء أولئك أيضاً المنافقين، الذين لا يصدقون فيما عاهدوا الله عليه ولا يوفون لله بما وعدوه، ويتصفون بالصفاة المنافية للإيمان، وجعل أيضاً صنفاً ثالثاً يفرون من الذكرى، ولا يستجيبون لدعوة الله سبحانه وتعالى ولا يطيعون أوامره، وهم الكفار الصرحاء، وهذه القسمة في الدنيا فقط؛ فأهل الدنيا على هذه الأقسام الثلاثة ينقسمون إلى مؤمنين صادقين وإلى منافقين كاذبين وإلى كفار صرحاء. ثم بعد ذلك تكون القسمة ثنائية عندما تقوم الساعة؛ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[هود:105-108].

    ولما كانت هذه القسمة ثلاثية في الدنيا احتاج المؤمن إلى أن يعرف صفات المنافقين، حتى لا يتصف ببعضها، خصوصاً إذا عرفنا أن النفاق ينقسم إلى قسمين: إلى نفاق عقدي، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان ويبطن الكفر، وإلى نفاق عملي، وهو أن لا يفي الإنسان لله بما عاهده عليه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من النفاق وبيان أنه يدب في النفوس، ودبيبه أخفى من دبيب النمل، فكثير من الناس يتصف بصفات المنافقين وهو لا يدري، فيكون محسوباً من المنافقين حين فرط وضيع، وكان بالإمكان أن يتلافى ذلك وأن يراجع نفسه، وأن يتخلى عن تلك الصفات المذمومة التي عد بها من المنافقين، لكنه لما لم يبحث عن صفات المنافقين ولم يراجع صفات نفسه حتى يعرضها على طبيب القرآن كان من الهاوين الهالكين.

    التخلص من صفات النفاق وعلاجها

    ونحن نحتاج جميعاً إلى عرض أنفسنا على هذا الطبيب الذي هو القرآن، ونحتاج إلى فحص دوري يتعرض له كل إنسان منا، حتى يعرف هل هو صادق أو منافق أو كاذب، حتى يعرف ما يتصف به من الصفات التي أرشد الله إليها وما لا يتصف به، حتى يعرف ما فيه من الأمراض والعيوب؛ لأن تحديد المرض هو بداية الدواء، وما دام الإنسان لا يعرف أنه مريض لا يرجى أن يصل إلى علاج، فاحتجنا إذاً في كل فترة إلى مراجعة صفات المنافقين حتى نعرض أنفسنا عليها؛ فمن كان منا يجد في نفسه بعض هذه الصفات؛ فلا بد أن يحرص على التخلص منها قبل فوات الأوان، ولا بد أن يسعى إلى التخلص منها وعلاجها، كما لو علم أنه مصاب بداء خطير وأمكنه علاجه؛ فإنه سيبادر للعلاج وسينفق ماله وجاهه من أجل الشفاء من ذلك المرض، والنفاق أدوأ الأدواء، وأشد الأمراض؛ فيحتاج الإنسان إلى العلاج منه قبل أن يستثقل ويشتد.

    وقد فتح الله سبحانه وتعالى باب التوبة أمام المنافقين، وبين أن كل إنسان تقبل منه التوبة ما لم يغرغر، وما لم تطلع الشمس من مغربها، فهذان أمران لا توبة بعدهما، إذا وصلت النفس إلى الحلقوم وكان وقت الغرغرة؛ فإن الإنسان حينئذ لا تقبل توبته، وكذلك الحال الثاني: إذا طلعت الشمس من مغربها، فمن لم يكن آمن أو قدم في إيمانه خيراً؛ فإنه لا تقبل منه التوبة بعد، وهذان الأمران يأتيان فجأة، ونحن دائماً عرضة لهما؛ فكل يوم تطلع فيه الشمس بالإمكان أن تطلع من مغربها، وكل يوم كذلك بالإمكان أن يكون آخر أيام كل إنسان منا في هذه الحياة الدنيا؛ فكان لزاماً علينا أن نبادر إلى التوبة قبل أن يفوت الأوان، ولا يتوب الإنسان توبة نصوحاً صادقة إلا إذا عرف ما يتوب منه.

    تجدد صفات المنافقين في النفوس

    كذلك فإن صفات المنافقين من الصفات التي تتجدد في النفوس؛ فيكون الإنسان سليماً منها فترة من الفترات، ثم يصاب بعدوى من أجل خلة أو خلطة، أو من أجل طعام يطعمه أو شراب يشربه، أو شهوة تواجهه أو شبهة تعرض له؛ فيكون بذلك متصفاً بصفة من صفات المنافقين قد عرضت عليه، فكم من إنسان هو سليم من هذه الصفات المذمومة ولكنه يخالط مصاباً بها فتدب إليه العدوى، أو يأكل اللقمة من غير الحلال، فتصل إليه صفة من صفات المنافقين من خلالها، أو يجلس الجلسة التي لا يذكر فيها الله سبحانه وتعالى؛ فيصل إليه الضرر منها فيتصف بتلك الصفة، أو يقصر في أمر من أمور دينه، سواءً كان تعلماً أو عملاً فيصاب بذلك الداء؛ لشؤم ذلك التقصير الذي وقع فيه.

    فإذا كان الحال كذلك، ونحن نعلم جميعاً أننا مقصرون وأننا عرضة لهذه العدوى وعرضة لكل أنواع المؤثرات؛ فنجد لزاماً علينا أن نبادر على التعرف على هذه الأدواء والأمراض، حتى لا نكون من الغارقين فيها، والغريب أن كثيراً من الناس لا يشعرون بأدوائهم وهم يحاولون علاج الآخرين؛ فيهتمون بعلاج الآخرين، يهتمون بهداية الأولاد، ويهتمون بهداية الأزواج، ويهتمون بهداية الجيران، وينسون أنفسهم ويغفلون عن كثير من الصفات التي فيهم، وقد يكون السبب الذي يؤخر استجابة دعواتهم ويؤخر نجاحهم في مهماتهم هو بعض الصفات الداخلية التي فيهم، وما لم يتخلصوا منها لا يستجاب دعاؤهم ولا تتحقق آمالهم، ولا تؤثر دعوتهم في الآخرين، فكان لزاماً علينا إذا أردنا صلاح أحوالنا أن نصلح ما بأنفسنا أولاً.

    كذلك فإن النفس هي أقرب الأعداء إلى الإنسان، وهي أقرب مخالط له، ومالم يهتم بها الإنسان فإن العدو الأقرب يصول عليه ويصل إليه من حيث لا يشعر؛ فكان لزاماً عليه أن يبدأ أولاً بنفسه ثم بمن يليه، والبداءة بالنفس رشد وعقل؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بنفسك )، ( وكان صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه )، فكل ذلك يقتضي من الإنسان أن يبدأ أولاً بنفسه فينظر إلى الخلل، فإذا وجده في نفسه بدأ بعلاجه، وقد يكون ذلك معيناً على تجاوز كثير من العراقيل والعقبات، وقطع كثير من المسافات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088510968

    عدد مرات الحفظ

    777037032